"وول ستريت جورنال" نموذجا.. حين يتحدى الصحفيون السلطة ويقفون في وجه الرئيس!
الخميس - 24 يوليو 2025
إنسان للإعلام- تقرير مترجم:
في مشهد نادر من الشجاعة الصحفية، قدمت صحيفة "وول ستريت جورنال" نموذجًا فريدًا في التصدي لضغوط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مبرزةً حجم الفارق بين صحافة حرة تقف في وجه أقوى رجل في العالم، وصحافة محاصرة في دول العالم العربي تُكبلها الرقابة وتُملى عليها الأخبار. لم يكن ما حدث مجرد سجال إعلامي، بل اختبار حقيقي لمدى استقلالية الصحافة وقوة الكلمة أمام سطوة السياسة والمال.
كشفت المواجهة الأخيرة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصحيفة "وول ستريت جورنال" عن مستوى من الحرية الإعلامية التي يتمتع بها الصحفيون الأميركيون، لدرجة تسمح لهم باتهام رئيس البلاد نفسه في قضية حساسة تتعلق باستغلال جنسي لقُصَّر، والمعروفة إعلاميًا باسم "جزيرة إبستين"، دون أن تُغلق الصحيفة أو يُمنع الصحفيون من النشر.
وقد تداول صحفيون مصريون الواقعة كنموذج فارق بين إعلام يتنفس الحرية وآخر يرزح تحت القمع وفبركة السلطة.
ورفضت إيما تاكر، رئيسة "وول ستريت جورنال"، كافة الضغوط الصادرة عن الرئيس ترامب وسكرتيرته الإعلامية، وأصرت على نشر رسالة تحمل طابعًا إباحيًا، يُزعم أن ترامب أرسلها إلى الملياردير الراحل جيفري إبستين المتهم بالاتجار الجنسي، تتضمن رسمًا لامرأة عارية ممهورًا بتوقيع ترامب.
وأنكر ترامب صحة الرسالة في تصريح له قائلاً: "هذه ليست كلماتي ولا أسلوبي. لا أرسم صورًا"، مضيفًا أنه أخبر روبرت مردوخ، مالك الصحيفة، بأن القصة مفبركة ولا ينبغي نشرها، إلا أن صحيفة "نيويورك تايمز" كشفت لاحقًا أن ترامب سبق أن شارك برسوماته في معارض فنية.
ورغم التهديدات القضائية التي لوّح بها ترامب، وتمثلت في رفع دعوى قضائية ضد الصحيفة تطالب بتعويض قدره 10 مليارات دولار، تمسكت تاكر بنشر القصة قائلة: "لدينا ثقة كاملة في دقة وصحة تقاريرنا".
وأشارت إلى أن التهديدات لا تُخيف فريقها الصحفي، مؤكدة أن وظيفتهم الأساسية هي تغطية الشخصيات المؤثرة مهما بلغت قوتها أو إثارتها للجدل.
وشددت تاكر على أن الصحافة تفقد جوهرها حين تخضع للرقابة الذاتية أو تبدأ في تعديل أو حذف المواد خوفًا من العواقب أو ردود الفعل. وتعتبر تصريحاتها رسالة واضحة ضد محاولات إخضاع غرف الأخبار لضغوط السلطة أو الرأي العام.
وتُعد "تاكر" أول امرأة تتولى رئاسة تحرير "وول ستريت جورنال" في تاريخها الممتد لأكثر من 133 عامًا. ولدت عام 1966 في لندن، ودرست الفلسفة والسياسة والاقتصاد بجامعة أكسفورد، قبل أن تبدأ مشوارها الصحفي في "فاينانشيال تايمز" عام 1990.
وفي تطور قانوني خطير، رفع ترامب دعوى تشهير ضد كل من روبرت مردوخ و"وول ستريت جورنال" وصحفيين اثنين بالصحيفة، بالإضافة إلى شركة "نيوز كورب" المالكة.
وجاء في الدعوى أن التقرير المنشور قد يسبب ضررًا سياسيًا بالغًا لترامب مع اقتراب الانتخابات، متهمًا الصحيفة بتشويه سمعته عمداً، خاصة عبر نشر رواية تزعم أنه بعث برسالة في عام 2003 إلى إبستين تتضمن رسمًا لامرأة عارية وتلميحات لما وصفته الصحيفة بـ"سر مشترك" بين الرجلين.
وكتب ترامب عبر منصته "تروث سوشال": "رفعنا للتو دعوى قضائية بالغة القوة ضد كل من شارك في نشر المقال الكاذب والخبيث والتشهيري، في الخرقة عديمة الفائدة التي تُدعى "وول ستريت جورنال".
أما محامو ترامب، فقد نفوا وجود أي رسالة مماثلة، معتبرين أن الصحيفة تعمدت تضليل الجمهور عبر "تقرير ملفق شاهده مئات الملايين"، مشيرين إلى أن توقيت النشر يكشف نوايا خبيثة تهدف لإلحاق الضرر بسمعة ترامب سياسيًا وماليًا.
في زمن تتراجع فيه حرية الصحافة وتُكمم فيه أفواه الإعلاميين في العديد من الدول، تقدم "وول ستريت جورنال" نموذجًا حيًا للصحفي الذي لا يخشى السلطة، ويؤدي واجبه بمهنية وجرأة، حتى ولو كانت المواجهة مع "ترامب"، الذي يرى نفسه أقوى رجل في العالم.
إنها تجربة ينبغي أن تلهم الصحفيين في العالم العربي، لا سيما أولئك الذين يعملون تحت أنظمة لا ترى في الصحافة سوى أداة ترويج للسلطة، لا كسلطة رقابية رابعة.
لقراءة الأصل من "وول ستريت جورنال"