وزير الإعلام السوداني السابق: التسوية مع المتمردين غير مطروحة.. وعلى الإعلام أن يقف حاجزا أمامها
السبت - 27 سبتمبر 2025
حسن اسماعيل لــ"إنسان للإعلام":
- الإعلام الرسمي نجَح في فضح سردية التمرد وحشد الجماهير خلف الجيش
- توثيق الجرائم والمخاطر الميدانية ومواجهة آلة التزييف.. أبرز التحديات
- الإعلام الدولي بين العادل والجاهل والمتآمر.. والقنوات الإماراتية تقود التضليل
- منصات التواصل من أقوى الأدوات لكشف جرائم التمرد لارتباطها الوثيق بفئات الشعب
- الاتفاق على سردية تعري التمرد وتخلق الاصطفاف مع الجيش قضية لا تحتمل الخلاف
أجرى الحوار- عبد الله الباسل:
في ظل الظروف الاستثنائية التي يعيشها السودان اليوم، يبرز الإعلام الوطني كأداة محورية لتعزيز الاستقرار ودعم الجيش والقوات النظامية، بعد أن استعادت وسائل الإعلام الرسمية حضورها وتجاوزت فترات عصيبة شهدت خلالها سيطرة قوى التمرد على بعض مقارها، لتعود اليوم منابر موثوقة تعكس مصالح الدولة وتطلعات الشعب السوداني.
في هذا السياق، أجرى مركز "إنسان للإعلام" مقابلة خاصة مع وزير الإعلام السوداني السابق حسن إسماعيل، كشف فيها عن ملامح الحالة الإعلامية الراهنة، وأبرز التحديات والمسؤوليات التي تواجه الإعلاميين في ظل الحرب، مؤكدًا أن الدولة المركزية ما زالت حاضرة، وأن منصاتها الإعلامية تسيطر على السردية الموثوقة في مواجهة محاولات التمرد.. وإلى نص الحوار:
- كيف تصف المشهد الإعلامي السوداني اليوم، في ظل غياب الدولة المركزية ووجود أطراف متعددة تسيطر على منصات إعلامية؟
الدولة المركزية ليست غائبة، بل موجودة، وكل أجهزة الدولة الآن حاضرة، والقناة التلفزيونية ووكالة الأنباء السودانية بدأت تستعيد عافيتها بعد أن كان قد تم الاستيلاء على مقارها من قبل التمرد "اللعين".
والآن، الرواية الإعلامية الرسمية هي السائدة بقوة، باعتبارها منابر إعلامية موثوقة تعكس صوت الدولة ومصالح الشعب وتطلعاته.
- هل تعتبر أن الإعلام الرسمي والخاص في السودان قد نجح في تقديم تغطية متوازنة وموضوعية للصراع، أم أنه كان جزءًا من الاستقطاب والتحشيد؟
الإعلام السوداني كان مطلوبًا منه كشف وفضح سردية التمرد، وقد نجح في ذلك، ثم كان مطلوبًا منه إنتاج خطاب تحشيدي تعبوي يعمل على تقوية الجيش وخلق اصطفاف جماهيري شعبي كبير، وقد نجح كثيرًا في هذا.
ويمكن القول إن الإعلام الرسمي، على وجه الخصوص، أدى ما عليه في هذا الصدد من خلال دوره كمرجع وطني موثوق، يقدم المعلومة الدقيقة ويعكس المصلحة العليا بعيدًا عن الاستقطابات.
- ما هي التحديات التي تواجه الإعلاميين السودانيين على الأرض، سواء من حيث الأمن الشخصي أو القدرة على الوصول إلى المعلومات؟
الإعلاميون السودانيون يعملون تحت ضغوط وفي ظروف استثنائية تتمثل في مواجهة التمرد، وهناك ثلاثة تحديات أساسية:
الأول: التصدي للآلة الإعلامية الإماراتية، وإفشال ومحاصرة سياستها التزييفية التي تحاول رسم صورة نصر للتمرد أو إظهاره كقوة مكافئة لقوة الجيش الوطني والدولة.
الثاني: الوصول إلى مناطق الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها التمرد، وآخرها مجزرة مدينة الفاشر التي راح ضحيتها العشرات داخل أحد المساجد، وتوثيق تلك الجرائم.
الثالث: تحديات معينات العمل التقني والفني وتحديات السلامة الشخصية، ما يعني الحاجة إلى تطوير أجهزة البث وتحسين بيئة العمل الإعلامي، وتوفير الوسائل بعد أن تضررت البنية التحتية بشكل كبير بسبب التمرد، وكذلك حاجة الإعلاميين والصحفيين إلى بيئة عمل آمنة في ظل تعرضهم لمخاطر مباشرة أثناء التغطيات.
- ما هو الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام الدولية في تغطية الشأن السوداني؟ هل تراها عادلة ودقيقة، أم أنها تتبنى سرديات معينة؟
ينقسم دور الإعلام الدولي إلى ثلاثة أقسام:
الأول، إعلام عادل ومنصف، لكنه الأقل حضورًا.
الثاني، إعلام يجهل ويتجاهل.
أما الثالث، فهو إعلام متآمر ومزيف، تمثله القنوات الإماراتية.
- في ظل حالة التضليل و"الأخبار المزيفة" التي تنتشر بكثافة، كيف يمكن للإعلام أن يستعيد ثقة الجمهور ويصبح مصدرًا موثوقًا للمعلومات؟
بالنسبة للإعلام الوطني، فإن مساهمته في التصدي الإعلامي قد وثقت الروابط بينه وبين الجمهور السوداني، وتحول من مجرد ناقل للأخبار إلى منصات موثوقة لبناء الوعي الوطني وتعزيز الثقة بين الدولة والمواطنين، ولكن المأزق الأخلاقي وأزمة الموثوقية هي التي تحاصر الآن قنوات الفتنة والدسائس.
- برأيك، ما هي الخطوات الملموسة التي يمكن للإعلاميين السودانيين اتخاذها لتعزيز خطاب وطني جامع بعيدًا عن التحريض؟
ثمة تحدٍ أساسي يواجهه الإعلاميون السودانيون في هذا الاتجاه، يتمثل في أن يتفقوا على كنه القضية باعتبارها التحدي الأساسي، وعلى متن السردية التي تعري التمرد وتخلق الاصطفاف مع الجيش السوداني.
أعتقد أن هذه أهم خطوة تجمع الخطاب الإعلامي، لأن هذه المعركة استثنائية تهدف إلى هزيمة التمرد والحفاظ على بيضة الدولة وكيانها، وهي من القضايا التي لا تحتمل الخلاف الإعلامي داخل الصف الوطني، خاصة أنهم يواجهون خصمًا شرسًا إعلاميًا، مُيسرة له فضائيات وقنوات ذات إمكانيات مهولة، فالتحدي الأساس يتمثل في الاصطفاف والاتفاق على رؤية وطنية وهدف وطني إعلامي، وأعتقد أنهم نجحوا إلى حد كبير في هذا التحدي.
- كيف يمكن توظيف منصات التواصل الاجتماعي، التي أصبحت ساحة رئيسية للصراع، في نشر رسائل المصالحة والتعايش؟
لحسن الحظ، هناك عدد كبير جدًا من الإعلاميين غير الرسميين، ومن نسميهم الناشطين الإعلاميين أو الناشطين السياسيين، وقد كان هناك اكتساح للوصف الوطني على هذه المنصات، خاصة أنهم يرتبطون بعلاقات في المناطق الحرجة ويتحصلون على مقاطع الجرائم التي يرتكبها المتمردون في تلك المناطق، مثل المجازر التي وقعت في الجزيرة، وفي النيل الأزرق، ودارفور، وفي عدد كبير من مناطق السودان، وآخرها المجزرة التي وقعت في مسجد بمدينة الفاشر.
هؤلاء هم من رفعوا مقاطع المجزرة على منصات التواصل وأوصلوا الرسالة عبر هذه المنصات، وأعتقد أن لدينا تأثيرًا كبيرًا جدًا عبر هذه المنصات، لأنها امتازت بارتباطها الوثيق بالفئات الشعبية، سواء الشبابية أو النسوية، وعن طريقها كشفنا الكثير جدًا من جرائم التمرد.
- ما هي المسؤولية الأخلاقية التي تقع على عاتق الإعلاميين في زمن الحرب؟ وهل هناك آليات محاسبة لضمان التزامهم بهذه المسؤولية؟
بالنسبة لنا في السودان، يمكن تسمية ما يحدث بمعركة ضد التمرد، وبالتالي فإن أول مسؤولية أخلاقية هي الانحياز للبلد، والانحياز للوطن، والانحياز للجيش الوطني، والانحياز للمؤسسات النظامية الوطنية، وأي تأخر في هذا الانحياز يُعد خرقًا أخلاقيًا ووطنيًا وإعلاميًا كبيرًا.
الأمر الثاني: ظروف الحرب والكر والفر في الميادين العسكرية تستوجب من الإعلاميين الالتزام بعدم بث رسائل اليأس أو القنوط، أو رسائل التخويف والانهزام، أو التخوين للمؤسسة أو المنظمة العسكرية الوطنية في القوات المسلحة والقوات التي تقاتل بجانبها.
الأمر الثالث، والأهم: أن هناك مسؤوليات أكبر على الإعلاميين بأن يتحلوا بالصمود، وألا يضعفوا أمام إغراءات المال الخليجي المتمثل في رشاوى أبوظبي.
- في حال الوصول إلى تسوية سياسية، ما هو الدور الذي تتوقع أن يلعبه الإعلام في مرحلة ما بعد الحرب لإعادة بناء النسيج الاجتماعي الوطني؟
التسوية السياسية غير مطروحة بيننا وبين التمرد؛ فالتسويات السياسية تكون حال نشوب نزاع بين دولة ودولة، وهي لا تحدث مع من يتمردون على الدولة، من مجموعة كانت تتحصل على رواتبها من الدولة ومن خزانتها، ثم تحارب الجيش الوطني وتتمرد على الدولة.
ولم تقتصر عملياتها العسكرية على الجيش النظامي، بل وسعت شرها العسكري ليطال كل الفئات الشعبية من نساء وأطفال، وحتى المساجد والمستشفيات، لذلك فإن هذه التسوية غير مطروحة من الأساس.
ونرى أن الواجب والدور المهم على الإعلام هو التوعية وقطع الطريق أمام أي محاولات للالتفاف على الجيش السوداني بطرح مثل هذه الأمور، فالتسوية قد تأتي إذا وقع اختلاف بين مجموعات سياسية، أما المتمردون فقد ارتكبوا غدرًا عسكريًا وجرائم كبيرة، وبالتالي فإن على الإعلام الوطني أن يقيم حاجزًا كبيرًا لمنع تسلل مثل هذه الأطروحات.
- كيف يمكن بناء إعلام حر ومهني يخدم مصالح الشعب السوداني؟
في الحقيقة، يملك السودان تجربة إعلامية عريقة ورائدة وراسخة تمتد لأكثر من ثلاثة عقود، ففي ذروة نشاط الصحافة، كان يصدر أكثر من خمسين صحيفة، منها نحو 25% صحف معارضة.
وقد لعبت هذه الصحف دورًا محوريًا في تشكيل الوعي السياسي، وساهمت في إبراز رموز المعارضة، حتى أن الحكومة سمحت بصدور صحف حزبية معارضة مثل "صوت الأمة" لحزب الأمة القومي، وصحف تمثل الحزب الاتحادي الديمقراطي، والحزب الشيوعي، وحزب البعث العربي الاشتراكي.
ولم يتوقف الأمر عند الصحف، بل شملت التغطية الإعلامية أيضًا برامج تحليل سياسي استضافت قيادات من المعارضة بشكل منتظم.
هذا التنوع يعكس مستوى نضج في التجربة الإعلامية السودانية، التي يمكن القول إنها من أرقى وأغنى التجارب في المنطقة الإفريقية، بل وحتى في العالم العربي، باستثناء بعض الدول.