أحمد عبد العزيز: حرية التعبير كانت أبرز مكاسب حكم الرئيس "مرسي"
الأحد - 22 يونيو 2025
عضو فريق "مرسي" الرئاسي ومسؤول ملف اتحاد الإذاعة والتليفزيون:
- استحداث ملف ماسبيرو في الرئاسة كان ناتجا عن إدراك الرئيس مرسي أهمية الإعلام وخطورته
- برنامج "ديوان المظالم" كان سيفتح نافذة حرة ومباشرة بين الجماهير والرئيس دون وساطة
- حاولنا ضبط لغة الإعلام الرسمي ومصطلحاته وأوقفنا برامج وشخصيات كانت تعمل للثورة المضادة
- كل جهدي كان منصبا على إطفاء حرائق الإعلام الرسمي وإعادة بنائه على أسس مهنية ووطنية
- ممارسة المهنة الإعلامية دون عقيدة سليمة وأخلاق حاكمة ووعي سياسي " إفساد في الأرض"
إنسان للإعلام- حوار: مي الورداني:
في عام حكم رئيس مصر الشهيد محمد مرسي، كان الإعلام ساحة حرب يومية، وخط مواجهة بين الثورة والدولة العميقة.
وبجانب اشتباكات الإعلام الرسمي والخاص، كانت هناك رواية القصر الجمهوري نفسه من الداخل، التي وثقها أحمد عبد العزيز عضو الفريق الرئاسي للرئيس الشهيد، مسؤول ملف ماسبيرو برئاسة الجمهورية، في كتابه "6 شهور في ماسبيرو".
ومع ذلك، ما زالت هناك أسئلة تطرح حتى الآن: لماذا لم يكن إعلام الرئاسة بحجم التحديات؟ ولماذا غابت الرواية الرسمية أو كانت قاصرة، خصوصا في أوقات الأزمات؟ وهل كان يمكن للإعلام أن يغير مصير تجربة مرسي لو أُحسن إدارته؟
وسعيا منا للحصول على إجابات لهذه الأسئلة، وغيرها مما يثار حول طريقة إدارة الملف الإعلامي للرئاسة في عهد الرئيس مرسي، أجرينا هذا الحوار الخاص مع أحمد عبدالعزيز، عضو الفريق الرئاسي ومسؤول ملف ماسبيرو، وأحد أهم شهود الحالة الإعلامية في ذلك الوقت، حيث أكد أن أهم مكسب على الإطلاق تحقق في عهد الرئيس مرسي كان "حرية التعبير".. مشيرا إلى أنه لم يحدث أن تمتع المواطن والإعلام على السواء بهذه الحرية منذ 1952 وحتى 2013.
وشدد على أن الرئيس مرسي-"رحمه الله" -كان يدرك تمام الإدراك أهمية الإعلام وخطورته، ولذلك تم استحداث "ملف ماسبيرو" في الرئاسة؛ لتصحيح مسار هذا الجهاز القومي الحساس.
وأشار إلى أنه استطاع خلال فترة وجيزة أن يُحدث تغييرات جذرية في الإعلام الرسمي، من خلال إلغاء برامج، وإيقاف مذيعين متحدثين باسم الثورة المضادة، ومبادرات إعلامية مثل برنامج "ديوان المظالم"، الذي لم ير النور بسبب الانقلاب، وكان سيشكل جسراً مباشراً بين المواطن والرئيس.
وأكد أن الإعلام الرسمي شهد نجاحًا حقيقيًا في كسر احتكار الدولة العميقة، وإن بشكل مؤقت، لكن الإعلام الخاص ظل أداة بيد الثورة المضادة.
واعتبر أن الإعلام بعد 2013 لم يعد إعلامًا بالمعنى المهني، بل أداة للقمع، لافتًا إلى أن فترة الرئيس "مرسي" كانت استثناء نادراً في تاريخ مصر.
واختتم حديثه بنصيحة موجهة إلى الإعلاميين الشباب، دعاهم فيها إلى تأسيس أنفسهم أخلاقيًا وعقديًا وسياسيًا، قبل التمكن المهني، لأن الإعلام بلا وعي هو "إفساد في الأرض"، حسب قوله.
وفيما يلي نص الحوار:
كانت تجربة أكدت لي أن من يحوز السلطة يستطيع أن يفعل أي شيء، وليس بالضرورة أن تكون هذه السلطة مستمدة من المسمى الوظيفي أو الموقع في هرم السلطة، إذ أن تجربتي الشخصية أثبتت أن العاملين في المؤسسة على اختلاف مستوياتهم ومواقعهم، لديهم الاستعداد الكامل لخلع صفات ومسميات ليس لها وجود على المسؤول!
أذكر أنه في أول زيارة لي لاتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو) فاجأني الزملاء في إعلام الرئاسة – في اليوم التالي - بقصاصة صحفية حملت عنوان: "مستشار الرئيس للأخبار يزور ماسبيرو"! فمن أين جاؤوا بهذه الصفة "مستشار الرئيس للأخبار"؟ ومن هذا الذي أطلقها؟ لا أعرف..
أما تفسيري فهو: لأن إحدى القضايا التي ناقشتها مع رئيس الاتحاد، كانت قضية "ضبط اللغة الإخبارية والمصطلحات السياسية"، التي كانت تعاني تشوها واضحا في دلالاتها السياسية!
مثلا: مصطلح "القوى المدنية والإسلامية".. هذا المصطلح ينفي - في جوهره – صفة "المدنيّة" عن الإسلاميين.. فإما أن نقول" "القوى العلمانية والإسلامية" هكذا بكل وضوح؛ ذلك لأن الإسلام مقابل العلمانية وليس مقابل المدنية، أو نقول: "القوى الوطنية على اختلاف توجهاتها"، ذلك لأن الكل وطنيون، وهذه هي اللغة المطلوبة لإشاعة السلم الأهلي.. وكان من غير المنطقي تبني المصطلح الأول؛ لأنه ينطوي على "تكفير" العلمانيين، ولم يكن ذلك مناسبا في حينة.
- ما أبرز التحديات التي واجهتموها في التواصل مع وسائل الإعلام الرسمية والخاصة؟
أنا شخصيا استطعت بفضل الله أولا، ثم بالحوار المهني المنهجي أن أفعل كل ما أردت فعله.. ألغيت برنامجا كان قيد الإطلاق (لمحمد الغيطي)، وأوقفت برنامجا كان يذاع في ساعة الذروة، وفسخت عقد محمد علي خير، أحد أبواق الثورة المضادة، ثم سمحت له بالعمل في راديو 9090 وفق شروط مهنية صارمة؛ ليعول أسرته.. كل ذلك تم بصورة قانونية، ولأسباب مهنية لا حزبية ولا شخصية ولا انتقامية.
كما شرعت في إطلاق برامج لو قُدر لها الاستمرار لتغير الحال في مصر، منها برنامج "ديوان المظالم"، عقب لقائي رئيس ديوان المظالم الأستاذ مصطفى الشربتلي على الغداء بالرئاسة، بدون ترتيب مسبق.. كان الهدف من هذا البرنامج إتاحة فرصة التواصل المباشر بين الجماهير ورئاسة الجمهورية، وحل مشاكلها، وإطلاع الرئيس مباشرة (دون وساطة ولا تقارير) على مشاكل الناس ومعاناتهم، وتسليط الضوء على المقصرين والمتفانين على السواء، لكن الانقلاب كان أسرع، ولم ير البرنامج النور.
أما الإعلام الخاص، فلم يكن يقع في دائرة اختصاصي، إذ كان يقع ضمن مسؤوليات وزير الاستثمار، وكان يتولى ملفه في الرئاسة الزميل الدكتور سامح العيسوي، شفاه الله. وهذا مما لا يعلمه عموم الناس.
- كيف كان الرئيس مرسي ينظر إلى الإعلام؟ وهل كان يتابع أداء الإعلام الرئاسي بنفسه؟
الرئيس مرسي (رحمه الله) كان يدرك تمام الإدراك أهمية الإعلام وخطورته، وبالقطع كان يتابع ملف الإعلام، بحكم مسؤوليته عن كل الملفات.. وقد تم استحداث "ملف ماسبيرو" في الرئاسة؛ لتصحيح مسار هذا الجهاز القومي الحساس، وتم تكليفي بهذه المسؤولية في يناير 2013، وقد سجلت هذه التجربة في كتابي "6 شهور في ماسبيرو".
- من وجهة نظرك، ما أبرز المكاسب التي تحققت في الملف الإعلامي خلال حكم الرئيس مرسي؟
أهم مكسب على الإطلاق تحقق في عهد الرئيس مرسي كان "حرية التعبير".. فلم يحدث أن تمتع المواطن والإعلام على السواء بهذه الحرية منذ 1952 وحتى 2013.. مع التنبيه إلى أن هذه الحرية في عهد المجلس العسكري (بعد 25 يناير 2011) كانت "منتزعة" انتزاعا من جانب المجتمع، فقد كانت حرية التعبير تسبب إزعاجا وصداعا للمجلس العسكري الحاكم، أما في عهد الرئيس مرسي فكانت "حرية التعبير" جزءا من العقد الاجتماعي بين السلطة الجديدة والمجتمع بأفراده ومؤسساته، إنفاذا لمواد الدستور الذي أقره الشعب بنسبة 65%.
فعندما كنت مستشارا إعلاميا للجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، أطلقت برنامجا يوميا على الهواء بعنوان "الدستور في الميزان"، قبل أسابيع من طرح الدستور للتصويت الشعبي.. وكان يذاع من إحدى قاعات مجلس الشورى (مقر الجمعية التأسيسية وقتذاك)..
كان البرنامج ساحة مفتوحة للنقاش حول الدستور؛ مزاياه وعيوبه، وما يجب تعديله أو إضافته.. لم يكن هناك أية قيود من أي نوع على المشاركة في البرنامج، إذ كانت الفرصة متاحة أمام أي مواطن للمشاركة، وطرح الأسئلة على الهواء مباشرة.. كان كل المطلوب تسجيل الاسم على صفحة البرنامج على فيسبوك؛ لتسهيل الدخول من بوابة مجلس الشورى، وكان يجلس على المنصة أربعة ضيوف، اثنان من أساتذة الفقه الدستوري، واثنان من أعضاء الجمعية التأسيسية؛ للإجابة عن أسئلة الجمهور، وقد تناوب على تقديم البرنامج ثلاثة مذيعين من التلفزيون الرسمي.
- لماذا لم تُبنَ سردية إعلامية حول إنجازات الرئيس مرسي، حتى بين أنصاره؟
إعلام الدولة يخاطب كل المصريين، مؤيدين ومعارضين ومتفرجين.. وقد تواصلت إبان استلامي مسؤولية "ملف ماسبيرو" في الرئاسة مع السفير علاء الحديدي المتحدث الإعلامي باسم رئاسة الوزراء، وزرته في مكتبه، واتفقت معه على آلية معينة لإبلاغي بأنشطة الوزراء وإنجازاتهم؛ لتغطيتها إعلاميا في الإعلام الرسمي، ولكنه لم ينفذ الاتفاق!
- كيف ترى حال الحريات الإعلامية في مصر بعد 2013 مقارنة بفترة حكم مرسي؟
لم يعد هناك إعلام في مصر حتى نتحدث عن حريته أو تكميمه! فترة الرئيس مرسي كانت جملة اعتراضية قصيرة جدا في "سِفْر الاضطهاد" الضخم الذي لم يعرف المصريون سواه لقرون طويلة.
- هل تواصلتم مع شخصيات إعلامية بارزة لتغطية أخبار الرئاسة؟ وما حجم القبول أو الرفض الذي واجهتموه؟
التلفزيون الرسمي ووسائل إعلام أخرى محلية وأجنبية لها مندوبون في الرئاسة؛ لتغطية أخبار الرئيس بصورة روتينية. أما على صعيد المقابلات، فقد لبت الرئاسة طلبات عدد من الجهات التي رغبت في إجراء مقابلات مع الرئيس.
- هل كانت هناك مقاومة داخلية داخل الإعلام الرسمي لأي محاولة إصلاح أو تجديد في الخطاب؟
طبعا كان ذلك موجودا، وأذكر أني تصديت لكل ما رصدته منها، خلال فترة مسؤوليتي عن "ملف ماسبيرو"، ونجحت بفضل الله نجاحا كبيرا، مع أهمية الإشارة إلى أن الصحافة الممولة من الدولة لم تكن في دائرة اختصاصي.
- لماذا لم تستطع مؤسسة الرئاسة كسر احتكار الدولة العميقة للإعلام الرسمي، خاصة ماسبيرو؟
بالعكس.. كسرته.. وفرضت "أجندتها الوطنية"، وحققت في ذلك نجاحا كبيرا، إلى الحد الذي اضطر الدولة العميقة أو الثورة المضادة إلى الكمون، ويمكن في هذا الصدد مراجعة كتابي 6 شهور في ماسبيرو.. أما على صعيد الإعلام الخاص، فقد فعلت ما لم تستطع فعله في الإعلام الرسمي، حيث كان هذا الإعلام أهم أذرع الدولة العميقة على الإطلاق، في حربها على الرئيس المنتخب.. وكما قلت سابقا، الإعلام الخاص كان تابعا لوزارة الاستثمار.
- هل كانت هناك رؤية واضحة لصياغة سردية إعلامية للرئاسة؟ أم كان الأداء الإعلامي أقرب إلى الارتجال؟
ليس مطلوبا وجود سردية إعلامية خاصة بالرئاسة.. فالرئاسة هي قمة الهرم في مؤسسات الدولة، والإعلام الوطني واحد منها، ومهمته التعبير عن توجهات الدولة وسياساتها، وتقديمها بصورة مهنية للداخل والخارج على السواء، وأنشطة الرئيس ووزرائه ضمن هذا لإطار بالضرورة.
- هل كان هناك مشروع واضح لإصلاح التشريعات المنظمة للعمل الصحفي؟
مصر بحاجة إلى ثورة تشريعية في كل المجالات، وليس في مجال الإعلام فقط.. وقد كان لدي خطة طموحة، خارج الصندوق، لإصلاح الإعلام إصلاحا جذريا، وإن شئت قل نسفه وبناء إعلام جديد، وأخرى لتقديم نخبة جديدة همها الأول مصر، وأحسب أن هاتين الخطتين لا تزالان صالحتين لسنوات قادمة، أضعهما تحت تصرف أي سلطة وطنية قادمة.
- ما تقييمك لتعامل الإعلام الخارجي مع التجربة الديمقراطية الأولى في مصر؟
ليسوا سواء، فهناك من تصرف بمهنية ومسؤولية، وأكثرهم من الأجانب، وهناك من تعمد التشوية والهدم، وكان في مقدمة هذا المعسكر عدد من الصحف العربية واسعة الانتشار.
- هل كانت هناك استراتيجية تواصل إعلامي دولي لدعم صورة مصر الجديدة حينها؟
لا تفاصيل لدي عن هذه الجزئية، فقد كان كل وقتي وجهدي منصبين على إطفاء الحرائق في الإعلام الرسمي، والتفكير فيما يمكن عمله لإعادة بنائه على أسس مهنية ووطنية خالصة.
- ما نصيحتك للإعلاميين الشباب في ظل التحديات الراهنة؟
ابنوا أنفسكم عقديا وأخلاقيا وسياسيا قبل بنائها مهنيا، فممارسة حرفة الإعلام في غياب عقيدة سليمة، وأخلاق حاكمة، ووعي سياسي ناضج، هي إفساد في الأرض، بكل ما للكلمة من معنى.