حرب الاستئصال... لماذا تلاحق الإمارات جماعة الإخوان داخليا وخارجيا؟

السبت - 20 نوفمبر 2021

لطالما كان للسياسة الخارجية لأبو ظبي هدفان رئيسيان، الأول حماية نفسها من إيران، وذلك من خلال تحسين علاقتها اقتصادياً مع طهران، والثاني محاربة الإسلام السياسي بجميع أشكاله، على أن يكون استهداف الإخوان المسلمين في المقدمة.

بالنسبة إليها، من المهم إضعاف شبكات الإسلام السياسي الذي مازالت الإمارات تخشى أن يرفع رأسه مرةً أخرى داخل الإمارات السبع، إذ لم يختفِ المتعاطفون معه، على الرغم من أنهم أصبحوا الآن إما جثثاً تحت الأرض، أو معتقلين بعيدين عن ضوء الشمس.

ينجم هذا الخوف من مؤشرات عدة، أولها عودة حركة طالبان في أفغانستان، والمصالحة مع قطر من دون طرد الإخوان من الدوحة، وأخيراً عودة قيادات محسوبة على الجماعة ذاتها في الكويت. ذلك كله حدث في ظل وجود إدارة ديمقراطية في البيت الأبيض. 

عرفت جماعة الإخوان المسلمين في الإمارات باسم الإصلاح، أو جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي. تأسست كمنظمة غير حكومية في عام 1974، بعد ثلاث سنوات من استقلال الإمارات عن بريطانيا، وتوسّع نشاطها طوال الثمانينيات من القرن الماضي، وشغل أعضاؤها مناصب بارزة في قطاعَي التعليم والعدالة الحكوميين، إلى درجة أن أستاذ ولي عهد أبوظبي الحالي محمد بن زايد، كان عضواً في جماعة الإخوان المصرية، وهو القيادي عز الدين إبراهيم، وذلك بتكليف من والده الشيخ زايد الذي كان على علم بانتمائه، لكنه لم يرَ التنظيم تهديداً في تلك الأيام.

في ذلك الوقت، اقتصرت أنشطة الجماعة في الأصل على الرياضة، والثقافة، والعمل الخيري، والأنشطة الاجتماعية. ومع ذلك، أصبح من الواضح بشكل متزايد على مرّ السنين، أن المنظمة قد طوّرت أجندتها السياسية الخاصة.

ثورات الربيع العربي

بعد ثورات الربيع العربي، وفي آذار/ مارس 2011، تم تقديم عريضة إلى رئيس الإمارات تدعو إلى الاقتراع العام للمجلس الوطني الاتحادي (البرلمان الإماراتي)، وسرعان ما تم القبض على خمسة موقّعين على الالتماس، في وقت لاحق في أيار/ مايو 2011.

وفي محاولةٍ لطمأنة دول الخليج، قال الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، في عام 2012، خلال حملته الانتخابية، وفي خطاباته منذ انتخابه، إنه لا توجد خطة "لتصدير الثورة"، لكن يبدو أن ذلك الخطاب لم يكن كافياً لإقناع الإمارات بعدم وجود خطر من الإخوان.  

في ذلك العام، ظهرت تقارير (مزيفة) تفيد بأن الجماعة تلقّت في وقت واحد عشرة ملايين درهم إماراتي (2.7 مليون دولار)، من أعضاء الإخوان في البلدان المجاورة، وتم إلقاء القبض على 60 شخصاً، بتهمة تأسيس تنظيم عسكري سرّي هدفه الاستيلاء على السلطة، وإقامة حكومة دينية في الإمارات، وهو نفس السيناريو الذي يتم توضيبه في كل حالات شيطنة اتلإخوان والتمهيد للتنكيل بهم.

أيضاً، أعلن وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، أن الإخوان المسلمين لا يؤمنون بـ"الدولة القومية"، ولا بـ"سيادة الدولة"، مضيفاً أن هناك أفراداً داخل الجماعة يمكنهم استخدام "هيبتهم وقدراتهم لانتهاك سيادة الدول الأخرى، وقوانينها، وقواعدها".

في 2013، شنّ القيادي الإخواني الراحل، عصام العريان، حين كان زعيم الأغلبية في مجلس الشورى، هجوماً عنيفاً على الإمارات، نتيجة تدخل الإمارات السافر في الشأن المصري الداخلي، مطالباً السفير علي العشيري، مساعد وزير الخارجية للشؤون القنصلية والمصريين في الخارج والهجرة، بضرورة إرسال رسائل إلى الإمارات بأن ''صبر المصريين نفد، وأن سلوكهم مشين''.

ومضى العريان مخاطباً السفير العشيري قائلاً: ''سيادة السفير، قل لهم إن إيران النووية قادمة، وإن تسونامي قادم من إيران، وليس من مصر، والفرس قادمون، وستصبحون عبيداً عند الفرس''.

مبكرا، قامت الإمارات بحل مجلس إدارة جمعية الإصلاح في عام 1994، بعد أن أصدرت الحكومة المصرية شكوى تفيد بأن الجماعة قدّمت دعماً مالياً لجماعة الجهاد الإسلامي المصرية. وحينها تم تعيين أعضاء موالين لجهاز الأمن بمختلف فروعها باستثناء فرع إمارة رأس الخيمة الذي رفض حاكم الإمارة الشيخ "صقر بن محمد القاسمي" هذا القرار ووجه ولي عهده حينها الشيخ "خالد بن صقر القاسمي" بأن يشرف على فرع الجمعية وتعيين أعضاء من أبناء الإمارة لإدارة مناشطها.

وبعد سحب أرض الوقف الممنوحة في أبوظبي لـ "الإصلاح" للتأسيس، وبمرافقة الخطوات المتسارعة الأخرى، بدا أن الحكومة الإماراتية الاتحادية تنظر لـ "الإصلاح" على أنهم "خونة" أو خارجون على الدولة، وأكدت ذلك -بجانب الضغوطات الأمنية والإعلامية التي فرضتها على أفرادها- بطرحها قضية "البيعة" التي يقدمها المنتسبون للتنظيم، والتي يؤكدون أنها لا تعدو كونها إجراء رمزيا، لكن الدولة رأتها "تضاربا في الولاءات وخيانة للوطن" خاصة مع الاتهامات بارتباط "الإصلاح" بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وهو ما نفوه مرارا وتكرارا.

و في عام ٢٠٠٩ (العام الذي خاضت به إسرائيل حربها الأولى على غزة لمحاولة إنهاء "حماس"  المتهمة بانتمائها للإخوان المسلمين كذلك)، أصدرت نيابة أمن الدولة العليا في مصر قائمة بأسماء 36 متهما في ما سمّي بقضية "التنظيم الدولي للإخوان"، شملت القائمة ثلاثة رجال أعمال، ذكرت اللائحة أنهم من الإخوان المسلمين الإماراتيين، واتهموا بالقيام بتهريب أموال إلى داخل مصر، وأشار الاتهام إلى أنه قد سبق وأُلقيَ القبض عليهم بمطار الإسكندرية وبحوزتهم أموال تمت مصادرتها، فيما يشبه التكرار العكسي لملابسات قرار حل الجمعية عام ١٩٩٤، الذي جاء بعد قرار تقدمت به الحكومة المصرية للإمارات في العام نفسه بادعاء أن أفرادا متورطين بعمليات "إرهابية" من جماعة الجهاد المصرية قد تلقوا تبرعات مالية عبر لجنة الإغاثة والأنشطة الخارجية لجمعية "الإصلاح" الإماراتية، وهو ما تم تبرئتهم منه خلال العام نفسه، لكنه كشف وراء غموض ابن زايد عن أبعاد المعركة، وإلى أين يمكن أن تصل، وعلى أبواب حلقاتها الأخيرة.

وأخيرا صنّفت الإمارات العربية المتحدة جمعية الإصلاح على أنها منظمة إرهابية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014.

تقول النظرية الروسية الشهيرة: "ما لا تستطيع إنجازه بالعنف؛ تستطيع إنجازه بعنف أكبر"، وهو مبدأ يتبعه أبناء زايد في السياسة المحلية والعالمية على صعيد آخر، وهو أن ما لا تستطيع إنجازه بالمال، تستطيع إنجازه بمال أكثر، مالكين ما يكفي منه وزيادة، ومنفقين له بلا قوانين مراقبة من أي نوع، دون أن تتأثر مشاريع "إعمار" المستمرة لديهم، أو يتوقف تحطيم الأرقام القياسية بحفلات رأس السنة عند برج خليفة. بهذه الإستراتيجية بدأ الأمير الذي يحمل عداوة شخصية مؤكدة مع كل ما يمثله مصطلح "الإسلام السياسي" بأكبر حملة ضد "الإخوان المسلمين" و"الحركات الإصلاحية والثورية" بتأمين غطاء قانوني وضعت به الإمارات قائمة من ٨٣ حركة "إسلامية" وعربية وعالمية، مدنية وعسكرية، في قائمة "الإرهاب" الخاصة بها بلا معايير واضحة، وإنما بمعايير خاصة لا يعرفها إلا النظام نفسه.

استراتيجية المواجهة

ثم طوّرت الإمارات إستراتيجيةً في مواجهة الإخوان، سواء عبر المقاربة التنموية التي تستهدف إشباع حاجات الناس وضمان ولائهم، فضلاً عن مقاربة أمنية بالتعاون مع مصر والسعودية، حاصرت التنظيم، وكان واضحاً أن الإمارات تحرّكت في الخارج، بعد أن قضت على حركة الإصلاح داخل البلاد، خصوصاً بعد الانقلاب العسكري في مصر الذي قاده السيسي لإسقاط الرئيس المنتخب محمد مرسي.

و وضعت الإمارات الغنية ثقلها المالي وراء الثورات المضادة وإفشال مشاريع وحركات الإسلام السياسي، إذ بلغ مجموع نفقات الإمارات على الجنرال المنقلب عبد الفتاح السيسي ١٢ مليار دولار حتى يونيو 2017 بهدف تثبيته في الحكم، وهو ما يوازي المساعدات الإماراتية لمصر منذ عام ١٩٧١ حتى عام ٢٠١٤، منها ثلاثة مليارات دولار أودعتها الإمارات بالبنك المركزي حال استلام السيسي للحكم، ثم مساعدات بقيمة ٤,٩ مليار دولار في (أكتوبر/تشرين الأول) من العام نفسه.

في تونس، قطعت الإمارات الدعم الاقتصادي عن الدولة، إذ كانت قبل عام 2011 ثاني أكبر شريك تجاري للبلاد بعد ليبيا، وذلك على خلفية فوز حزب النهضة بزعامة راشد الغنوشي، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، بأغلبية برلمانية وشراكته في الحكم. 

واستمر تجاهلها لتونس حتى عندما كانت النهضة لا تشارك في الحكومة إلا بوزير واحد، في عهد الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، إذ تُفضّل أبو ظبي سيناريو واحداً فحسب، وهو الإخلاء الكامل للإخوان المسلمين من مراكز السلطة، كما حدث في مصر خلال صيف 2013.

في اليمن، كانت الإمارات جزءاً من التحالف العسكري الذي شكّلته السعودية عام 2015، لمحاربة الحوثيين. ومع ذلك، فهم لا يوافقون على دعم السعودية للإصلاح، وهو حزب محسوب على الإخوان المسلمين في اليمن، الذي تقاتل مجموعاته القبلية جنباً إلى جنب مع القوات الموالية للرياض، ضد الحوثيين.

في سوريا، شاركت الإمارات في البداية في مقاطعة النظام السوري، لكن على عكس قطر والسعودية، قالت إنها تدعم المعارضة المعتدلة لنظام الأسد، وفعلياً ابتعدت عن دعم الإسلاميين، وفي مقدمتهم الإخوان المسلمون.

وشرعت أيضاً في الوقت ذاته في دعم الجنرال الليبي خليفة حفتر في شرق ليبيا بكل ما لديها، ومع ذلك لا يزال الإخوان موجودين في غرب البلاد، ولم تحقق النجاح المقصود

".وفي الأردن وصل الأمر إلى اعتقال زكي بني ارشيد نائب المراقب العام للإخوان المسلمين هناك لكتابته منشورا ينتقد فيه الإمارات على "الفيسبوك".

وشاركت أبو ظبي في تنظيم مؤتمر حول المذهب السني في غروزني في الشيشان، في نهاية آب/ أغسطس 2016، بالتعاون مع الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، كذلك أعلنت عن مبادرات عدة، منها البيت الإبراهيمي، ووثيقة الأخوّة الإنسانية، والتي كانت جميعها تستهدف الإسلام السياسي، وفي مقدمته الإخوان المسلمون.

في حزيران/ يونيو 2017، قطعت الإمارات ومصر والبحرين والسعودية العلاقات الدبلوماسية مع قطر، ردّاً على دعم جماعة الإخوان وغيرها من الجماعات الإسلامية.

أجندة واسعة في أوروبا

بلا حد جغرافي أو سياسي أو منطقي، اندفع الأمير بتصدير "الكراهية" وصولا للديمقراطيات الغربية، معتمدا على مزيد من النفوذ المالي والسياسي، وسعيا لتصنيف "الإخوان المسلمين" كحركات إرهابية في كل من أميركا وبريطانيا اللتين خلق نفوذه بهما عبر مجموعات الضغط، حيث أبدى محمد بن زايد -شخصيا- لرئيس الوزراء البريطاني حينها ديفيد كاميرون انزعاجه من وصول الإخوان المسلمين للحكم أثناء ترتيب صفقة أسلحة بمليارات الجنيهات الإسترلينية، تبعه تهديد خلدون المبارك (مالك نادي "مانشستر سيتي" البريطاني والذراع الأيمن لابن زايد) للسفير البريطاني في أميركا بأن هناك "علما أحمر" ضد بريطانيا قد يؤدي لإلغاء صفقة الأسلحة معها بسبب عدم تغيير سياساتها تجاه "الإخوان"، وهو ما دفعها لمناقشة قانون يفضي لتعريف الحركة بـ "الإرهابية".

في عام 2015، جرى الكشف عن أوراقٍ تظهر تخيير دولة الإمارات للحكومة البريطانية، بين خسارة صفقات أسلحة بمليارات الجنيهات الإسترلينية، والاستثمار الداخلي والتعاون الاستخباراتي، أو تحرّك بريطانيا ضد الإخوان المسلمين.

واعتمد الإماراتيون خطةً تهدف إلى تقديم سلسلة من الامتيازات للشركات البريطانية، وجيش البلاد، مقابل اتّخاذ إجراءات ضد جماعة الإخوان المسلمين. وعندما لم يتحقق الإجراء البريطاني ضد الإخوان، أشارت أبو ظبي إلى استيائها من المملكة المتحدة، من خلال الضغط التجاري والسياسي. 

في عام 2012، تم استبعاد شركة "BP" مؤقتاً من العطاءات، لتمديد امتيازات النفط البرية في الخليج. في نهاية عام 2013، رفضت الإمارات شراء طائرات تايفون المقاتلة. وبعد أشهر قليلة من رفض صفقة الأسلحة، أعلن رئيس الوزراء عن مراجعة أنشطة الإخوان المسلمين في المملكة المتحدة. 

في هذا السياق، قال الرئيس التنفيذي لمركز تحليلات الخليج في واشنطن، جورجيو كافيرو، إن "الإمارات بدأت بأجندة واسعة في أوروبا من أجل إضعاف نفوذ الإخوان المسلمين، وذلك بعد عزل محمد مرسي في مصر في عام 2013.

وأضاف كافيرو أن الإمارات بدأت كذلك "بحشد جهودها في أوروبا، أيضاً لجلب النظام السوري، كعدو لدود للإخوان، إلى المجتمع الدولي، مع تليين الموقف الأمريكي"، ولفت إلى أن "ما يقلق الإمارات حالياً، هو صعود حركة طالبان في أفغانستان، إذ من المحتمل أن يلهم جماعات الإسلام السياسي التي تعتقد أبو ظبي أنها أصبحت غير قادرة على العودة إلى السلطة مرةً أخرى".  

في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، عاد معارضون محسوبون على جماعة الإخوان في الكويت، إلى بلادهم، من تركيا، بعد حصولهم على عفو من أمير البلاد، وهي خطوة عدّها الصحافي الكويتي فؤاد الهاشم، ، أنها ستوتّر العلاقات مع دول خليجية.   

في عام 2014، أصدرت الإمارات قائمةً بالجماعات والمنظمات الإرهابية، والتي احتوت على أكثر من 80 مجموعةً مختلفة، من جميع أنحاء العالم. وتم تصنيف مجموعتين أمريكيتين تمثّلان المسلمين، مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، والجمعية الإسلامية الأمريكية، كمجموعتين إرهابيتين.

جماعات ضغط وشبكات نفوذ

وعملت الإمارات خلال تولّي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، على تصنيف الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية، وذلك من خلال التعاقد مع شركات ضغط في واشنطن، لإقناع المؤسسات الأمريكية بهذه الخطوة.  

في السويد والنمسا وفرنسا وبلجيكا، جنّدت الإمارات شبكة نفوذ واسعة من مراكز بحثية، بشكل مباشر أو غير مباشر، لتضخيم الرواية المعادية للإسلام السياسي، وفي مقدمته جماعة الإخوان المسلمين.

المصادر: رصيف 22+ الجزيرة نت  (بتصرف)