تونس: 3 صفعات لقيس سعيد بعد فتحه تحقيقا حول "الجهاز السري" للنهضة

الأربعاء - 2 فبراير 2022

رغم إغلاقه ورفض القضاء العسكري التحقيق فيه، قررت وزارة العدل التونسية بإيعاز من الرئيس قيس سعيد إعادة فتح ملف "الجهاز السري" المزعوم لحركة النهضة، لتعيد إثارة الجدل من جديد عن هذا الموضوع الذي لطالما نفت الأخيرة وجوده.

وذكرت إذاعة "موزاييك" التونسية في 21 يناير/ كانون الثاني 2022 أن وزيرة العدل ليلى جفال أذنت لمحكمة الاستئناف بمتابعة التحقيق بخصوص ما عرف بـ"الجهاز السري" لحركة النهضة، المتهم بالتلاعب بوثائق اغتيال قياديين يساريين.

ونقلت الإذاعة عن الوزيرة أن القرار جاء إثر "شكوى" تلقتها، بوصفها رئيس جهاز النيابة العمومية من طرف أحد أعضاء فريق الدفاع في قضيتي القياديين اليساريين المغتالين عام 2013 شكري بلعيد ومحمد البراهمي، باعتبارها جرائم تتعلق بأمن الدولة.

السيطرة على القضاء

بيد أنه كان ملفتا أن قرار الوزيرة جاء بعد ساعات من انتقادات لاذعة وجهها الرئيس سعيد في 20 يناير إلى القضاء اتهمه بتبرئة أشخاص ثبتت إدانتهم، وإهمال بعض "الملفات الحساسة"، في إشارة إلى ما يسمى "الجهاز السري" للنهضة.

كما أصدر سعيد في اليوم نفسه، مرسوما يلغي مستحقات لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء، وسرعان ما رد عليه الأخير ببيان نبه فيه الرئاسة التونسية  إلى "خطورة المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية، وأنه "يرفض التمادي في الاعتداء عليها".

ورأى محللون أن المرسوم الرئاسي مقدمة لإلغاء المجلس الأعلى للقضاء، لذا جاء رد المجلس سريعا لإحراج الرئيس.

وتعليقا على هذه التراشقات، قال الناطق باسم النهضة عماد الخميري في 24 يناير إن هدف سعيد "تركيع هذه المؤسسة وضرب استقلاليتها، ومن ثم تركيز حكم فردي يجمع فيه كل السلطات".

وأكد الخميري في تصريحات تلفزيونية "وجود مساع من قبل قيس سعيد لحل المجلس الأعلى للقضاء والهيمنة على السلطة القضائية وإلغاء المنح والامتيازات خطوة ضمن هذه المساعي".

وتعليقا على هذه الخطوة، أكدت مصادر قريبة من حركة النهضة أن قرار وزيرة العدل جاء بأوامر من قيس سعيد، كأول استهداف مباشر للحركة لشيطنتها لتثبيت دعائم انقلابه.

وأضافت أن الحركة لا تهتم بألاعيب الرئيس التونسي، لكنها حذرت من اللعب بالنار، وجر تونس إلى حكم ديكتاتوري يسعى للسيطرة على القضاء وفرض أحكام على مزاج الرئاسة.

ولم تعلق حركة النهضة رسميا على قرار وزيرة العدل، لكنها لطالما نفت خلال السنوات الماضية وجود أي جهاز أو تنظيم سري يتبع لها، أو تورط أي من قياداتها في إخفاء وثائق تتعلق باغتيال بلعيد والبراهمي.

ويعود ملف "الجهاز السري" لعام 2018 حين زعم خصوم سياسية للنهضة تورطها في اغتيالات سياسية عبر جهاز سري، لكن تم غلق الملف لعدم وجود أدلة، ويسعى سعيد حاليا لمحاصرة النهضة التي تعارض انقلابه عبر هذا الملف وفق مراقبين.

ثاني إحراج لسعيد

بعد الإحراج الأول لقيس سعيد بكشف المجلس الأعلى للقضاء والنهضة ضمنا أن إعادته فتح ملف "الجهاز السري" يستهدف به الحركة، ومن ثم تبرير حل مجلس القضاء.

جاءه الإحراج الثاني بنشر موقع "عربي21" الإلكتروني في 22 يناير مجموعة وثائق تكشف تلفيقه اتهامات ضد نائب النهضة ووزير العدل السابق نور الدين البحيري.

الوثائق أثبتت عدم صحة اتهامات وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين، لوزير العدل التونسي الأسبق (2011-2013) ونائب رئيس حركة النهضة نور الدين البحيري، ومسؤول الداخلية السابق فتحي البلدي، المعتقلين حاليا.

وزعم شرف الدين في 3 يناير أن قراري الإقامة الجبرية بحق "البحيري" و"البلدي" يتعلقان "بشبهات جدية تتعلق بصنع وتقديم شهادات جنسية، وجوازات سفر بطريقة غير قانونية لأشخاص لم يفصح عن أسمائهم.

عقب ذلك، ذكرت وسائل الإعلام التونسية أن هذين الشخصين هما القياديان البارزان في جماعة الإخوان المسلمين: المصري يوسف ندا والسوري علي غالب همت.

إلا أن الوثائق التي نشرتها "عربي21" أثبت أن منح الجنسية التونسية جاء بطريقة قانونية، وبتصديق رسمي من وزارتي الخارجية والعدل والقنصليات التونسية في النمسا وسويسرا في الستينيات عبر نظام الحبيب بورقيبة، لا حركة النهضة.

وهو ما يعني أن "البحيري" لا علاقة له مطلقا بتلك الوثائق، وأنها "ادعاءات ظالمة وواهية" بحسب وصف "ندا" المفوض السابق للعلاقات الدولية بجماعة الإخوان المسلمين المصرية.

وقال ندا تعليقا على الوثائق إن "المفارقة العجيبة والغريبة هنا هي أننا حينما حصلنا على تلك الجنسية كان البحيري سجينا في السجون التونسية".

لذلك قالت المتحدثة باسم مجلس شورى حركة "النهضة"، سناء المرسني في 24 يناير إن هذه الوثائق "تساهم في إثبات براءة البحيري، وتؤكد وتثبت أنه لا معنى لاستمرار احتجازه التعسفي والظالم".

وجاء هدم هذه التلفيقات ضد البحيري ليهدم أيضا ما زعمته هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي في 17 فبراير/ شباط 2021 حول مزاعم وجود وثائق سرية تفيد بوجود تواصل بين "إخوان" تونس ومصر، ومزاعم عقد قياديين بالجماعة الأم بمصر دورات تدريبية لمصلحة نظرائهم في الجهاز السري الخاص في تونس، وإعطاء النهضة جنسيات تونسية لشباب تابع لحركة "حماس" الفلسطينية من أجل تدريب تونسيين على القتال والتنصت على خصوم سياسيين.

وردا على هذه المزاعم، اتهمت النهضة هيئة الدفاع في قضية اغتيال بلعيد والبراهمي بالمتاجرة بدمهما عبر الترويج لادعاءات باطلة تتعلق بتورط الجهاز السري المزعوم للحركة في الاغتيالات السياسية.

وقالت إنهم ينشرون "أباطيل ومزاعم وأوهام مجانبة لكل الحقائق التي أقرتها الدوائر القضائية المختصة، سعيا لتشويه حركة النهضة وزعيمها والمس بمكانتها الوطنية، ومحاولة حسم خلافات سياسية بأدوات أمنية تحقيقا لمآرب خارجية مدفوعة الثمن".

شهادة محايدة  

وتعد شهادة خالد شوكات، وزير الشؤون البرلمانية السابق خلال حكم الرئيس الراحل قايد السبسي (2015/2016)، الناطق الرسمي باسم الحكومة حول "الجهاز السري"، ثالث صفعة لقيس سعيد ووزيرة عدله؛ فتحت عنوان "الجهاز السري في رواية تيار التعفن الأيديولوجي"، كتب الوزير السابق عن حزب نداء تونس يقول إن "حديث البعض في تونس هذه الأيام عن الجهاز السري لحركة النهضة، يؤكد تلك الفكرة التي أشرت إليها باستمرار منذ انقلاب (سعيد) 25 يوليو، وهي هشاشة الفكر الديمقراطي إما عن جهل أو تجاهل".

ووصف في تدوينة مطولة عبر حسابه بفيسبوك في 22 يناير ما يقال عن الجهاز السري بأنه "يترجم حالة تعفن أيديولوجي لم تفلح سنوات الانتقال الديمقراطي العشر في التخفيف من وطأتها ومعالجة آثارها السلبية".

واعتبر شوكات إعادة حكومة سعيد فتح ملف الجهاز السري المغلق لعدم وجود أدلة "يعكس رغبة في تصفية حسابات سياسية بطرق مخالفة لمقتضيات الديمقراطية ومبادئها".

واستغرب "محاسبة تنظيم سياسي معارض على امتلاك جهاز سري أيام الاستبداد قبل ثورة تونس، فيما لم يكن الاستبداد يسمح ببناء التنظيمات العلنية".

وأوضح الوزير السابق أن هذا "عقود من الحكم الفردي التسلطي دفعت جميع التيارات السياسية والأيديولوجية المعارضة إلى ممارسة السياسة سرا، بينما لم تكن المعارضة المدنية السلمية الديمقراطية متاحة".

"فما بالك بحزب (النهضة) يساهم في قيادة حكم ديمقراطي ويفوز بالانتخابات وقادر على التمكين بأساليب سلمية ديمقراطية، فالتمكين في أنظمة الحكم الديمقراطي ليس بدعة، وهو ممارسة عادية في أعرق الأنظمة الديمقراطية"، وفق شوكات.

وتابع: "بالنسبة لتيار إسلامي عريض (النهضة) لطالما طالب بالنشاط القانوني العلني وقدم طلبا لنيل تأشيرة حزب سياسي في ظل الديكتاتورية لسنوات طويلة، فما حاجته يا ترى إلى جهاز سري وهو يحكم البلاد طيلة عقد من الزمان كما يزعمون".

وقال مستغربا: "أليس في الجمع بين القول بحكم الإسلاميين ثم القول بوجود جهاز سري تناقض جوهري؟".

وأضاف: "لقد خضنا الانتخابات ضد الإسلاميين في مناسبات عديدة طيلة السنوات العشر الماضية، وانهزمنا ثم انتصرنا وانهزمنا".

وأكد الوزير السابق أن "الحكم حول الإسلاميين إلى حالة إنسانية عادية قابلة للنقد والهزيمة، وربما الهزيمة الانتخابية الماحقة كما حصل لهم في المغرب مثلا".

"ولا أظن ديمقراطيا حقيقيا يؤمن بقواعد التنافس الانتخابي وبقيم الانتقال الديمقراطي وفي مقدمتها المصالحة الوطنية، قادرا على أن يصدق فرية الجهاز السري"، بحسب شوكات.

ووصفها بـ"الفرية التي لا تليق إلا بالأنظمة الاستبدادية وشعوب القطيع، وكل عاجز عن هزيمة الإسلاميين الانتخابية من ذوي العفن الأيديولوجي والمكايدة السياسية، أما من هزموا انتخابيا فلا حاجة لهم بالعودة إلى أساليب الاستبداد البائسة واللعينة".

المصدر: الاستقلال