توفيق محمد يكتب: تجريم المفاهيم الدينية

الاثنين - 8 نوفمبر 2021

- توفيق محمد
( كاتب صحفي - عضو لجنة المتابعة العليا في الداخل الفلسطيني )

الصحوة الإسلامية بمسمياتها المختلفة ليست هي الإسلام، إنما هي أطر قد تكون متباينة في فهمهما لأسلوب خدمة الإسلام والدعوة إليه، ولكن جميعها تنهل من معين واحد ومن ثوابت ومفاهيم الدين عقيدة وشريعة، وبالتالي فهي ما دامت لا تحيد عن ثوابت ومبادئ ومفاهيم الدين الإسلامي تقدم للناس وللكون الصورة الحقيقية للدين ولمفاهيم الدين ومبادئه وشرائعه وعقيدته، وتسعى الى إحياء الإسلام في حياة المسلمين، وتقديمه للبشرية المرهقة من ظلم وانحلال ومتاهة "الوضعيات" التي باتت تطحن المجتمعات المستضعفة لصالح المجتمعات المسيطرة، ولذلك اصطنع الإنقلاب الدموي في مصر صورة مشوهة للإسلام بعد إذ نحى مدارس الصحوة الإسلامية ذات الفهم الإسلامي الصافي، وفسح المجال أمام من يُسبح بحمد النظام ويسير في ركبه، وفي الخليج وبالذات في دولتي الإمارات والسعودية أودع النظامان كل الدعاة والمفكرين والقيادات الإسلامية ذات الفهم الإسلامي الصادق والعميق السجون وفسح المجال لدعاة الأنظمة وربائبها.

   في حالتنا بعد إذ حظرت المؤسسة الإسرائيلية الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، وسعت وما تزال إلى تحييد رموزها- رغم حظر الإطار الذي جمعهم- عن المشهد العام، لكنها تسعى الآن إلى تجريم المفاهيم الإسلامية التي تجمعهم مع كل أبناء الصحوة الإسلامية على مختلف مسمياتهم وانتماءاتهم التنظيمية والحركية، بعباءة ملاحقة قيادات كانت رأس ما حظرته.

  يختلف أبناء الصحوة الإسلامية في أساليب عملهم وأساليب دعوتهم للناس وأساليب انخراطهم في المجتمع، وهذا أمر طبيعي وصحي وهذا الإختلاف يصب بالتالي في المصلحة العامة للمشروع الإسلامي برمته، فالذي لا يتفاعل مع خطاب فلان من أبناء المشروع الإسلامي قد يتفاعل مع خطاب غيره، ما دام الخطابان يعتمدان ذات المرجعية التي تنطلق من مفهوم:" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (سبأ 28).

   ندرك نحن أن ميزات الصراع في بلادنا في السنوات الأخيرة بدأت ملامحها تتميز بجلاء وتنحو نحو الصراع العقائدي الديني الذي باتت رموز الحكومة الإسرائيلية تؤكده بشكل جلي، وندرك أيضا أن الأرض والجغرافيا هي أيضا من ميزات هذا الصراع، فالمشروع الصهيوني ارتبط بالأرض والأرض ارتبطت بالأيدولوجيا، وكل منهما سوغ للآخر وأعطاه المصداقية الفكرية والسياسية في نظر المستوطنين اليهود، ومن أجل خدمة هذا الهدف بات المشروع الصهيوني يحارب كل من قد يعتقد أنه يقف في وجه أحد أهدافه، ولذلك فإن المشروع الصهيوني بعد إذ حظر الحركة الإسلامية أصبح يسعى حثيثا لتجريم المفاهيم العقدية الدينية التي قد تشكل خطرا على مشروعه الاستراتيجي ليس في السيطرة على الأقصى مثلا، لأن السيطرة حاصلة بفعل البطش الإحتلالي هناك، إنما بات يسعى إلى فرض المفهوم الإسرائيلي للمفاهيم الدينية، وهذا بالضبط ما حاولت النيابة الإسرائيلية قوله في محكمة الصلح في حيفا، وهو ما أقرها عليه قاضي المحكمة، فإدانة الشيخ رائد صلاح في بند التحريض على العنف وبالذات فيما يتعلق بمفهومي الشهادة والرباط وهي مفاهيم دينية خالصة لا محل لها في المحاكم الإسرائيلية، إنما جاء علاوة على الملاحقة الشخصية لفضيلة الشيخ رائد صلاح الذي تسعى المؤسسة إلى تغييبه عن المشهد العام، جاء علاوة على ذلك، بل وبالأخص لتجريم هذه المفاهيم حتى يتسنى تجريم العمل الوطني التحرري من الإحتلال الإسرائيلي الذي يسعى شعبنا للتخلص منه، وقد سبق ذلك على المستوى السياسي توجيه انتقادات لاذعة من على منصة الكنيست لأعضاء كنيست عرب لمجرد مشاركتهم في سرادق عزاء لشهداء في القدس المحتلة.

   نهاية فإن المشهد العام الذي تسعى المؤسسة لجعله سيد الموقف في بلادنا في قادم الأيام، وهو ما باتت براعمه تظهر بوضوح هو الملاحقة السياسية لكل من يغرد خارج سرب المفهوم الإسرائيلي الذي تسعى المؤسسة لفرضه في مجتمعنا.

   ولذلك بات من الضرورة على أبناء المشروع الإسلامي بشتى مسمياته إعادة تقييم المرحلة، وإعادة فحص أوراقها من جديد، فلست أعتقد أن أحدا من أبناء المشروع يرضى بقبول المفهوم الإسرائيلي للإسلام.