توفيق محمد يكتب: تجريم العمل الإسلامي

الخميس - 4 نوفمبر 2021

- توفيق محمد
( كاتب صحفي - عضو لجنة المتابعة العليا في الداخل الفلسطيني )

   لم يكن شعبنا بحاجة إلى الكثير من البراهين والأدلة ، بل لم يكن بحاجة إلى قليلها حتى يدرك المسعى الإسرائيلي لتجريم بعض المفاهيم الإسلامية ، وفرض مفهوم جديد يخدم المصلحة الإسرائيلية ورؤيتها ، كان ذلك جليا في محاكمة خطاب الثوابت الذي قاضت فيه النيابة الإسرائيلية الشيخ رائد صلاح منذ اعتقاله الأخير يوم 15.8.2017 وحاولت أن تبتز منه الموافقة على المفاهيم الإسرائيلية للمصطلحات الإسلامية التي تسعى لفرضها في واقعنا ، وكان الرفض الواضح للشيخ لهذا النهج والثبات الأوضح على المفاهيم الإسلامية وفق منظورها الشرعي المعتمد ، ولو أن الشيخ قبل بما حاولت النيابة الإسرائيلية والقضاء الإسرائيلي فرضه لما كان خلف قضبان السجان الآن ، وقد كتبت في حينه مقالا مفصلا في تاريخ 29.11.2019 في صحيفة المدينة تحت عنوان "تجريم المفاهيم الدينية"  وقد تم نشره لاحقا في كتاب "محاكمة خطاب الثوابت" للشيخ رائد صلاح سأعيد نشره  في نهاية هذه المقالة لما أرى له من أهمية .

   تتعرض في هذه الأيام بعض مؤسسات ونشطاء القائمة العربية الموحدة ومرجعيتها الحركة الإسلامية لحملة من التحريض شبيهة ببدايات الحملات التي تعرضت لها الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا قبل حظرها ، والمؤسسات التي تقف في واجهة التحريض الآن هي جمعية الإغاثة الإسلامية لتقديمها مساعدات لفقراء ومحتاجي غزة ، وجمعية الأقصى ،  والسيد الصيدلاني علاء الدين جبارين المرشح السادس في القامة الموحدة لنشره تغريدة قبل عامين على حائطه في الفيبسوك تتعلق بمناصرة غزة والأخت مادلين عيسى على زياراتها المتكررة المناصرة للمسجد الأقصى المبارك ، وتنظيمها لحافلات ترفد الأقصى بالمصلين ، وهي حملة مستنكرة ومرفوضة ، وقد يقول قائل إن هذه الحملة هي من باب المناكفة السياسية التي يقودها حزب الليكود لإحراج شركاء الموحدة في الإئتلاف الحكومي من اليمين الإسرائيلي ، وبالذات حزبي "يمينا" حزب رئيس الحكومة بينيت و"تكفا حداشا" حزب وزير القضاء غدعون ساعر ، وفي الواقع فإن الحملة بدأت منذ عدة أشهر عبر مقالات نشرتها صحيفة "يسرائيل هيوم" وهي – حسب اعتقادي- استمرار لتجريم المفاهيم الإسلامية ، ثم تجريم العمل السياسي العربي إلا ما كان يتوافق مع الرؤية الإسرائيلية أو قريبا منها.

   وأعتقد أن من أكثر الذين يتحملون المسؤولية عن ذلك الآن هو عضو الكنيست منصور عباس الذي وفَّر كامل الشريعة والغطاء لهذه الأبواق حتى تسعى إلى تجريم العمل الإسلامي والعمل السياسي والعمل الوطني الفلسطيني وذلك عبر سياسته في المشاركة في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي ، وتغليب المطالب اليومية من الميزانيات وما شابه ، وتغليب مسعاه في السعي لإيجاد الحظوة لدى المجتمع الإسرائيلي وبالذات لدى الجزء المتطرف منه على قضايا شعبه الفلسطيني الكبرى ، وفي القلب منها قضية القدس والأقصى المبارك ناهيك عن مجمل القضايا الحارقة لشعبنا الفلسطيني ، فهو من تفاخر في مقابلة مع ثنائي "كان ريشت بيت" الصباحي كلمان ليبرمان يوم الثلاثاء الأخير بزيارة حاخام اليمين المتطرف  دروكمان (حاخام "هتسيونوت هدتيت" سموتريش وبن جفير) لإقناعه بقبوله في ائتلاف حكومي يقوده نتنياهو ولكنه هو (أي دروكمان) من رفض ذلك ، وهو من تفاخر في المقابلة ذاتها بأنه طلب من شركائه في الإئتلاف الحكومي بتوجيه 100 مليون شيقل من مخصصات حزبه (القائمة العربية الموحدة) للمجتمع الحريدي (المتدين) اليهودي ، وهو الذي تنكر لتغريدة زميله في القائمة الصيدلاني علاء جبارين المناصرة لغزة لما سئل إن كان كاتبها قد تراجع عنها ، فكان جواب الدكتور منصور إن هذه التغريدة قبل عامين وإن حقيقة كون علاء جبارين في القائمة العربية الموحدة التي تنهج خلاف ذلك تقول كل شيء ، وهو من ميَّزَ نفسه عن بقية مكونات العمل الوطني والإسلامي بين أهله في الداخل عندما شرح لكلمان لبرمان عن خط الحركة الإسلامية السياسي الإندماجي فوصفها بقوله " أنتم تعلمون أننا في القائمة العربية الموحدة والحركة الإسلامية الجناح الجنوبي منذ عدة سنوات نعمل على تطوير مسألة الحفاظ على القانون ، وأننا نرفع شعار الإندماج والسلام والأمن والشراكة .." وكأن غيره لا يحافظ على القانون ، وأضاف " مقابل ذلك نحن نُهاجم من قبل تيارات في المجتمع العربي منها تيارات وطنية.." وهو بهذا الكلام يحرض من حيث يسعى لتجميل وجهه لدى اليمين على كل مكونات شعبه الإسلامية والوطنية ، والأدهى والأمر أنه لما رد على اتهامات عضو الكنيست "دافيد امسلام" من الليكود قال :" لا أعلم أين كان دافيد امسلام خلال أعمال الشغب التي كانت في أيار الماضي ولكن منصور عباس خاض في حقل الألغام وكان في اللد وحاول تهدئة الأوضاع ونادى لوقف المظاهرات وزار المسجد والكنيس.." يا دكتور منصور اسمها هبة الكرامة بالعربي والعبري والانجليزي والإيديش وهي ليست أعمال شغب ، ثم كيف تفاخر بزيارة الكنيس في اللد في أوج هبة الكرامة وكانت قائمتك قد أصدرت في حينه بيان اعتذار عما قمت به ..!!! وفي نقاشه مع عضو الكنيست المتطرف ايتمار بن جفير من على منصة الكنيست سأله بن جفير إن "كان يستنكر إلقاء زجاجة حارقة على شرطي في جبل الهيكل" على حد تعبيره أجابه الدكتور منصور :" ايتمار اسمعني ، أنت تذكر الأحداث في جبل الهيكل وما حدث داخل المسجد ، المسجد الأقصى ...." يا دكتور منصور اسمه كله المسجد الأقصى وليس جبل الهيكل.

   لا شك أن عضو الكنيست الدكتور منصور عباس يحاول استرضاء اليمين الإسرائيلي من خلال هذه السياسات والمواقف ، وهو يتبنى نهج "السياج الحامي" وهو في سبيل ذلك لا يتردد من استعمال المصطلحات العبرية كاستعماله لمصطلح جبل الهيكل بدل المسجد الأقصى وتنصله من دعم "الإرهاب" كناية عن المقاومة الفلسطينية وغير ذلك  ، ولا شك أن المصطلح يحمل رواية فهو ليس اسما فقط ، إنما هو رواية وقصة شعب ، فعندما تستعمل مصطلح جبل الهيكل فإن ذلك يعني منح اليهود حقا مزعوما في المسجد الأقصى ، وعندما توافق على تسمية النضال الفلسطيني إرهابا فانت تتماهى مع السياسة الإسرائيلية في هذا الشأن وتتماهى مع وصف النضال الفلسطيني بالإرهاب ، وعندما تُسأل عن دعم إعانة عائلات الشهداء على اعتبار أنها عائلات إرهابيين فتتنصل من ذلك ، فهذا يعني قبول رواية الإحتلال الإسرائيلي بحجة :" نحن في راعام نعمل على تطوير رؤية للسلام والأمن والشراكة بين العرب واليهود" كما يقول لكن ...

       لكن التحريض الذي يتعرض له من ذكرتهم أعلاه ، ليس موجها للأشخاص أو الجمعيات بعينها بقدر ما أنه موجه للقيم والمفاهيم التي عبر عنها كل منهم ، وهو ليس مناكفة سياسية من حزب الليكود لنظرائه من أحزاب اليمين في حكومة لابيد – بينيت لقبولهم بالقائمة العربية شريكة في الائتلاف فهم أي الليكود من مهَّدَ الطريق لذلك ، بقدر ما أنه تجريم للعمل الإسلامي والوطني وللمفاهيم الإسلامية التي تدور في معنى الشهادة والإغاثة والرباط  ، ما لم تتوافق مع المصلحة الإسرائيلية ، ولذلك فلا 100 مليون شيقل تبرع بها الدكتور منصور للحريديم ، ولا التنصل من دعم العمل الوطني الفلسطيني الموصوم إسرائيليا بمصطلح الإرهاب سيفيد أحدا ، ولسوف يعاني كل من سعى في هذا الدرب مما عانى منه ديك أذان الفجر لما توقف عن الصياح لصلاة الفجر رضوخا عند مطلب صاحبه فبقي يتنازل حتى طُلبَ منه ان يبيض فما استطاع...