تهالك المباني وارتفاع الكثافات.. "مدارس الموت" تحصد أروح الطلاب المصريين

السبت - 8 أكتوبر 2022

  • الإهمال يقتل 3 تلميذات ويصيب 15 بكسور خلال أول 48 ساعة من العام الدراسي
  • النظام يخالف الدستور.. والعجز في الميزانية حوّل المدارس إلى مصيدة لحصد الأرواح
  • الوزير يكتفي بمحاسبة المسئولين عن حوادث المدارس دون إعلان مسئوليته السياسية
  • 58 ألف مدرسة حكومية و457 ألف فصل ومليون و151 ألف معلم يعانون قلة الموارد
  • السيسي ضاعف ميزانيات الجيش والشرطة والقضاء وخفض ميزانية التعليم إلى الثلث
  • 8 مليارات جنيه لتمويل زيادة أجور الجيش..وبرلمان العسكر يرفض زيادة ميزانية التعليم
  • مدارس الحكومة عاجزة عن أستيعاب 25 مليون طالب في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي
  • رفع كثافات الفصول وتعدد الفترات الدراسية نتيجة مباشرة لأولويات السيسي المختلة
  • العجز في عدد المعلمين تصاعد منذ الانقلاب ليربو على 363 ألفا حتى نهاية 2021
  • وعود السيسي بتعيين 30 ألف معلم تبخرت والإدارات تسد العجز بنظام الحصة والتطوع
  • رفع المصروفات لا يقابله توفير مقاعد أو تقليل كثافات.. والأهالي يتجهون للتعليم الخاص
  • الوزير فتح الباب مجددا للدروس الخصوصية.. والأسر تتحمل أكثر من 120 مليار جنيه

 

إنسان للإعلام- خاص

مع انطلاق العام الدراسي الجديد بمصر، توالت المشاهد التي تؤكد أن التعليم ليس من أولويات نظام السيسي، وأن المنظومة التعليمية تشهد حالة من الانهيار الواضح منذ تولي السيسي الحكم، جراء منح الأولوية في الإنفاق لقطاعات مثل العاصمة الإدارية والطرق والإسكان على حساب التعليم والصحة. وقد اعترف السيسي بنفسه، في أحد تصريحاته المتلفزة، بأن مصر ليس بها تعليم.

وجاءت وفاة تلميذتين بمدارس الجيزة تحت انقاض سور ومبنى متهالك لتؤكد أن هذا النظام لا يضع التعليم في أولوياته، مما فاقم مشاكل المدارس، ومنها  ارتفاع الكثافات بشكل غير مسبوق، والعجز الشديد في عدد المدرسين، ونقص الإمكانيات التي تعاني منها المؤسسات التعليمية.

من خلال السطور التالية نفتح ملف الإهمال والعجز الذي يشل العملية التعليمية قبل الجامعية  في مصر. 

عام دراسي برائحة الدم  

مع انطلاق العام الدراسي الجديد ، شهدت مصر فاجعة ألهبت مشاعر المصريين ، حيث لقيت تلميذتان مصرعهنا خلال 48 ساعة،  وأصيبت 15 أخريات، في ثاني وثالث يوم من الدراسة.

الطالبة ملك محمد توفت جراء انهيار سور مدرسة بقرية كرداسة في محافظة الجيزة غربي العاصمة القاهرة، وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بكل غضب وحزن،  صورًا لمحيط مدرسة المعتمدية بكرداسة، حيث انهار جزئيا سور سلم المدرسة، وتبين من المعاينة حدوث تدافع بين الطالبات على سلم المدرسة؛ مما أدى إلى سقوط جزء من سور السلم على الطالبات، وقد بلغ الانهيار نحو مترين.

«كثافة الطالبات في المدرسة عالية، حيث يضم الفصل الواحد ما بين 75 لـ80 طالبة في الفترة الواحدة لأن المدرسة فترتين، وفيها تقريبا 23 فصلا، يعني بنتكلم على عدد طالبات تقريبًا 3800 »، وفق أحد المصادر.

واكتفي الوزير بإحالة مدير الإدارة التعليمية ومدير المدرسة والمشرفين على المبنى إلى التحقيق. وتؤكد الواقعة  أن المديريات والإدارات التعليمية في جميع المحافظات لا تقوم بتنفيذ الإشراف المدرسي بدقة، وعاجزة عن تنظيم دخول وخروج التلاميذ من المدارس، وصعودهم ونزولهم من الفصول منعاً للازدحام، وعدم تركهم بمفردهم في أفنية المدارس، أو داخل الفصول من دون معلمين."1"

كما شهدت مدرسة سيد الشهداء بحي العجوزة بالجيزة،  الاثنين 3 أكتوبر 2022 ، واقعة سقوط طالبة بالصف الثاني الابتدائي من الطابق الرابع مما أدى الى مصرعها.

واكتفت الجهات الرسمية بتعي محافظة الجيزة عبر صفحتها الرسمية على موقع فيس بوك التلميذة منة تامر فراج، البالغة من العمر 8 سنوات، كما قرر محافظ الجيزة إيقاف كل من مدير المدرسة ومشرف الدور ومدرس الفصل عن العمل لمدة ثلاثة شهور مع إحالة الواقعة للنيابة العامة والإدارية لاتخاذ شؤونها "2".

وشهدت محافظة الشرقية وفاة تلميذة في المرحلة الابتدائية، إثر إصابتها بأزمة قلبية مفاجئة داخل مدرستها التابعة لإدارة كفر صقر التعليمية بمحافظة الشرقية، لتكون حالة الوفاة الثالثة بين الطلاب في مصر خلال يومين.

لم تتوقف هذه الحوادث المأساوية عند الطلاب  حيث أعلنت غرفة عمليات النقابة العامة للمعلمين وفاة أحد المعلمين بمدرسة رمانة الثانوية التجارية، التابعة لإدارة بئر العبد التعليمية، بشمال سيناء، بعد تعرضه لحالة إعياء شديد في أثناء طابور الصباح، ليلفظ أنفاسه داخل المستشفى متأثرا بأزمة قلبية.

كما توفي المعلم “إبراهيم القحافي”، بمدرسة بيلا الثانوية بنات، خلال إلقاء كلمة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وجرى نقله لمستشفى بيلا المركزي، لمحاولة إسعافه ولكنه فارق الحياة "3"

ميزانية التعليم بيت الداء

وإذا أردنا ان نعلم الأسباب الحقيقية لتردي الاوضاع التعليمية ، فسنجد أن بيت الداء يكمن في ضعف الانفاق على العملية التعليمية بمصر، في حين قام السيسي ونظامه بمضاعفة مخصصات قطاعات الدفاع والداخلية المعنية بالأمن خلال الأعوام المالية السبعة السابقة، على حساب مخصصات التعليم والصحة، بالمخالفة لأحكام المواد 18 و19 و21 و23 من الدستور، والتي ألزمت الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 4% للتعليم ما قبل الجامعي، و2% للتعليم العالي، و1% للبحث العلمي.

 وخصصت الحكومة أقل من 4% لكل هذه القطاعات مجتمعة في موازنة العام المالي 2022-2023، بما يعادل نحو ثلث مخصصاتها الدستورية تقريباً، بواقع 128 ملياراً و114 مليون جنيه لقطاع الصحة بالكامل، مقارنة بـ108 مليارات و761 مليون جنيه في موازنة عام 2021-2022، و192 ملياراً و677 مليون جنيه لقطاعات التعليم ما قبل الجامعي والتعليم العالي والبحث العلمي، مقارنة بـ172 ملياراً و646 مليون جنيه.

في حين رفعت اعتمادات باب "المصروفات الأخرى" إلى 122 ملياراً و700 مليون جنيه في موازنة 2022-2023، مقارنة بـ113 ملياراً و787 مليون جنيه في موازنة 2021-2022، والخاص بالجهات والهيئات التي تُدرج موازناتها "رقماً واحداً" للموافقة عليها جملة واحدة، من دون أي مناقشة تفصيلية لتلك الاعتمادات المالية داخل مجلس النواب (البرلمان).

وخصصت الموازنة الجارية نحو 8 مليارات جنيه لتمويل الزيادة في بند الأجور للعاملين في المؤسسة العسكرية (الجيش)، والمخابرات الحربية والعامة، وغيرها من جهات الأمن القومي، من أصل 8 مليارات و913 مليون جنيه أضافتها لاعتمادات باب "المصروفات الأخرى".

وأظهرت بيانات وزارة المالية ارتفاع مخصصات الإنفاق الحكومي على قطاع التعليم في العام المالي المقبل بنسبة 11.6% مقارنة بما هو مقدر لها في موازنة العام المالي الحالي."4"

وبحسب وزارة المالية، لا تعتبر مخصصات قطاع التعليم في التقسيم الوظيفي للموازنة هو كل ما يتم إنفاقه على التعليم بمشروع الموازنة، ولكنها تضم بنودا أخرى ضمن ما يتم حسابه للإنفاق على القطاع لاستيفاء الاستحقاقات الدستورية فيما يتعلق بالإنفاق على القطاع.

وتتضمن مخصصات قطاع التعليم بمشروع موازنة العام المالي 2022- 2023 ، ضمن التقسيم الوظيفي، نحو 127.8 مليار جنيه للأجور وتعويضات العاملين.

\وتشمل مخصصات القطاع أيضا نحو 45.2 مليار جنيه للاستثمارات مقابل نحو 39.6 مليار جنيه بموازنة العام الجاري بنسبة زيادة نحو 14.1% فقط  ، ونحو 15.9 مليار جنيه لشراء السلع والخدمات مقابل نحو 14.2 مليار جنيه بموازنة العام المالي الحالي بنسبة زيادة 12% فقط  بالرغم من أرتفاع عدد الطلاب عن الاعوام السابقة  .

وانخفضت مخصصات القطاع للفوائد إلى 213 مليون جنيه بموازنة العام المقبل مقابل نحو 333 مليون جنيه في العام الجاري بانخفاض 120 مليون جنيه بنسبة 36%."5"

ومؤخرا اكد تقرير للبنك الدولي عن تنمية الموارد البشرية بمصر،  أن هناك خلل في أوجه الأنفاق ، وان الحكومة بحاجة للإنفاق على التعليم بشكل ينمي التعليم ويرفع كفاءة الطلاب ، كما أن  في أبريل الماضي طالبت وزارة التربية والتعليم من برلمان السيسي رفع الميزانية المخصصة للتعليم.

 واكد   سعيد صديق، المشرف على قطاع الموازنة بوزارة التربية والتعليم وقتها ، إن وزارات التعليم والتخطيط والمالية عملوا فى إطار تحقيق هدف محدد فى ظل اتفاق وعدم وجود تنازع، وتم عقد اجتماعات مشتركة،  وحاولا التوصل  لرؤية واستراتيجية لوزارة التربية والتعليم لبناء قدرات المواطن المصري.

 وتابع: "عدد المدارس الحكومية 49 ألف مدرسة، و457 ألف فصل، وإجمالى عدد العاملين مليون و151 ألف، وفى عام 2021/2020 إجمالى الموازنة 109 مليار جنيه، وفى 2021/2022 كانت الموازنة 117 مليار جنيه موزعة على 35 جهة، وفى الموازنة الجديدة للتعليم فى العام المالى الجديد 2022/2023، قدمنا لوزارتى المالية والتخطيط مقترحا بأن يكون إجمالي الموازنة 162 مليار و350 مليون، وما تم اعتماده 131 مليار جنيه".

وتحدث صديق عن احتياجات وزارة التربية والتعليم للتمكين من استكمال مشروعات التخطيط، موضحا أن الإجمالى المطلوب 13 مليار و789 مليون جنيه، تشمل استكمال مشروعات التطوير التى تم مناقشتها عند عرض الخطة الاستثمارية بنحو 5 مليارات و 600 مليون وفاء بالتزامات قائمة، و4 مليارات جنيه طباعة كتب، وهيئات ومراكز 4 ملايين، واشتراك الانترنت فى مديريات التربية والتعليم 500 مليون فى السنة، وتنفيذ مشروعات بناء وتأهيل مدارس بنحو مليار و500 مليون، وتنفيذ خطة تطبيق تقنية الجدارات في المدارس الفنية ب500 مليون، وحافز تطوير للصف الخامس بتكلفة 500 مليون، وغيرها.

يذكر أن عجز في الميزانية أدي الي عدم ترميم أكثر من 15 % من المدارس المصرية ، وإعاد إحلال 3% من المدارس الحكومية ، بخلاف ان هيئة الابنية التعليمية تعمل في ترميم اكثر من 12% من المدارس الحكومية"6"

مصروفات المدارس الحكومية نار

ورغم ما تعيشه الأسرة المصرية من مشاكل معيشية في ظل ارتفاع الأسعار ، قررت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني،  عدم خفض  المصروفات الدراسية للعام الدراسي الجديد 2022/2023،  ولكن اكتفت بأن يتم تقسيطها على 3 اقساط الأول في أول أكتوبر المقبل بواقع 50% والقسط الثاني أول شهر يناير المقبل بواقع 30%، والقسط الثالث في شهر مارس المقبل بواقع 20% . "7"

وقد أثار قرار وزارة التعليم رفع مصروفات المدارس الحكومية غضب أولياء الأمور لاسيما ممن لديهم أكثر من طالب في صفوف دراسية مختلفة، في ظل ظروف المعيشة الصعبة، مشيرين إلى أن القرار أصبح بمثابة إلغاء للمجانية.

ولفت محمد شاكر أدمن جروب “الثانوية التراكمية” إن أولياء أمور طلبة المدارس الحكومية تلقوا صدمة بالغة نتيجة ارتفاع رسوم العام الدراسى   فى ظل التوقعات بخفض الرسوم،  موضحا ا أن الرسوم ارتفعت من 120 جنيه العام الماضى في 2029  إلى 500 جنيه هذا العام ، ولفت آخرون إلى إلغاء المجانية، وأن التعليم أصبح لمن استطاع إليه سبيلا."8"

بالارقام.. ارتفاع عدد الطلاب وعجز بالمدارس

ومؤخرا أعلنت وزارة التربية والتعليم الإحصاء الاستقراري للعام الدراسي الحالي 2023-2022، قائلة إن عدد المدارس الحكومية بلغت 49067 مدرسة والمدارس الخاصة 9740 مدرسة، بإجمالي 58807 مدارس، وبلغ عدد الفصول 539980 فصلا، وبلغ عدد المعلمين المعينين والمؤقتين بالمدارس الحكومية 878025 معلما بالمدارس الحكومية و113944 معلما بالمدارس الخاصة بإجمالي 991,969 معلما.

وأضافت الوزارة، أن عدد الطلاب بالمدارس الحكومية 22,504,582 طالبا وطالبة، و25,57,712 طالبا وطالبة بالمدارس الخاصة بإجمالي 25,062,294 طالبا وطالبة، موضحة أن عدد المدارس بجميع أنواعها في الحضر بلغ 25184 مدرسة وفي الريف 33623 مدرسة، وبلغ عدد الفصول في الحضر 276797 فصلا وفي الريف 263183 فصلا، وبلغ عدد التلاميذ في الحضر 12,369,607 تلاميذ، وفي الريف 12,692,687، وعدد المعلمين في الحضر 5,44,357 معلما وفي الريف 447,612 معلما.

وتؤكد الأرقام السابقة أن عدد الطلاب المتصاعد لا يقابله توسع في بناء المدارس، مما يدفع المؤسسات التعليمية لرفع الكثافات والتوسع في تعدد الفترات الدراسية على مدار اليوم . "9"

العجز في المعلمين وارقام صادمة

كشفت نقابة المعلمين عن  نسبة عجز المدرسين قبل بدء العام الدراسي، حيث أكد محمد عبد الله، الأمين العام لـ النقابة العامة للمعلمين،  أن هناك عجزا رهيبا جدًا فى عدد المعلمين بالمدارس، وأن هناك مدرسين تتحمل أكثر من طاقتهم، و المعلم يدرس فى الأسبوع أكثر من 30 حصة، بزيادة 10 حصص عن قدرتهم.

وكشف الأمين العام أن آخر عجز فى عدد المدرسين حتى 31-12-2021، كان 363510 مدرس، وهذا الرقم دقيق، ويوضح نسبة العجز فى المنظومة التعليمية.

وأضاف،في تصريحات خاصة لبرنامج ”من أول و جديد” المذاع على قناة ” الحدث اليوم” تقديم الإعلامية نيفين منصور، أن هناك لجنة لوضع المشكلات الخاصة بالمعلمين لعرضها على الوزير، وأن مشكلات المعلمين بشكل عام تتلخص فى الجانب المادي.

ولفت الأمين العام للنقابة إلى أن هناك قانونا خاصا بنقابة المعلمين والجميع يتمنى خروجه للنور، وأن يتم تحسين الأحوال الخاصة بالمعاشات، مشيرًا إلى أن هناك حوالى 5000 لـ 7000، معلم يخرجون على المعاش فى الشهر."10"

ولحل مشكلة العجز في المعلمين، وجهت عدة من إدارات تعليمية، تعليمات مهمة بشأن سد العجز بالمدارس قبل بداية العام الدراسي الجديد 2022/2023، منها التنسيق بين المدارس، وتكليف الموجهين بالمواد الأساسية، وإعطاء كل موجه 4 حصص بالمدرسة التي بها عجز في مادته.

ورغم الاعلان عن مسابقة تعيين أكثر من 30 الف معلم، إلا ان الأمر مازال قيد الخطوات الروتينية، التى تعوق حتى الآن تنفيذ ما وعدت به الحكومة حتي الآن . "11"

كثافة فصول غير مسبوقة

شهد بداية العام الدراسي في مصر، ، تكدساً شديداً للتلاميذ داخل الفصول في أغلب المدارس الحكومية، وصل في إحداها إلى 119 تلميذاً في الفصل الدراسي الواحد.

واشتكى أولياء أمور، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من عدم توفر مقاعد لذويهم في بعض المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم، وافتراشهم الأرض لعدم وجود مقاعد دراسية لهم، على الرغم من الزيادة التي فرضتها الوزارة أخيراً على مصروفات المدارس الرسمية.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2016، عبّر السيسي عن رؤيته حيال منظومة التعليم، بقوله: "في دول ضاعت حولنا ماكنش فيها أمية، وكان فيها مستوى تعليم عالي، لكن ده ماحفظش وطنهم من الضياع. التعليم يعمل إيه في وطن ضايع؟"."12"

ومنذ سنوات عدة ونجد ان صور ومقاطع فيديو تغمر أرجاء منصات التواصل الاجتماعي، ومنها إلى شاشات التلفزيون ومواقع الصحف لفصول مدرسية حكومية ابتدائية تظهر تكدس التلاميذ تكدساً رهيباً  .

هذه الملايين الحاشدة ينتظر ذووها أن توفر الدولة لكل منهم كتاباً مدرسياً ومعلماً مؤهلاً ومدرسة قريبة من البيت وبيئة تعليمية جيدة وملعباً رياضياً ووجبة مدرسية، حبذا لو كانت ساخنة، ومقعداً.

ومن موقع إلى آخر، ومن مدرسة إلى أخرى، تتواتر مشاهد التكدس للطلاب والطالبات في صفوف الدرس. ولأن التكدس وثيق الصلة بالأعداد، واستيعاب الأعداد وثيق الصلة بالإمكانات، والإمكانات وثيقة الصلة بميزانية التعليم وسبل الإنفاق وأولوياته، فقد انفتحت أبواب التراشق الاجتماعي والسجال السياسي.

سنوات طويلة ومصر ووزارة التربية والتعليم والمدارس تعاني كثافة كبيرة للطلاب في الفصول المدرسية، لا سيما الحكومية ، و الدولة رغم أنها تعلن عن عملها على علاج مشكلة الكثافة منذ سنوات، "إلا أنه لا يمكن حلها بشكل جماعي، بل فردياً، بحسب ظروف كل مدرسة".

وعلى الرغم من منطقية الحلول، فإن جميعها حلول آنية لمعضلة مزمنة، ألا وهي الفجوة بين المأمول والمعمول في تحسين وتطوير ورفع كفاءة نظام التعليم كماً وكيفاً."13"

بزنس المدارس الخاصة وأعباء فوق الطاقة

وفي ظل تردي الاوضاع بالمدارس المصرية ، وتحولها إلى خطر يهدد أروح الاطفال ، يتجه الكثير من المصريين لإلحاق أبنائهم بالمدارس الخاصة، على امل الحصول على تعليم جيد ، ولكن تتحمل الأسرة المصرية في مقابل ذلك أعباء مالية فوق طاقتها .

وقد  أكد المستشار بدوي علام، رئيس جمعية أصحاب المدارس الخاصة، أنه هناك 3 أنواع من المدارس الخاصة؛ وهي عربي ولغات ودولي، يدرس بها أكثر من 3 ملايين طالب، مشيرا إلى أن إجمالى عدد المدارس الخاصة يقدر بنحو 8500 مدرسة، بينها 3 آلاف مدرسة عربي وان هذه المدارس العربى تعمل دون مشاكل.

وقال علام إن مدارس اللغات تنقسم إلى قسمين، الأول مصاريفها أقل من 10 آلاف جنيه، ستزيد العام الدراسى المقبل بنحو 10%، وأن النوع الثاني من المدارس تزيد مصروفاتها السنوية عن 10 آلاف جنيه، ستزيد بنحو 7%، وأن بعض المدارس الخاصة العربي تقوم بتحصيل جزء من المصروفات قبل بداية العام.."15"

واذا انتقلنا لمصروفات إنترناشيونال "دولية" ، سنجد عجب العجاب في مصروفاتها ، رواد مواقع التواصل الاجتماعي تداولوا بعض المنشورات الخاصة بمصروفات عدد من المدارس الدولية للعام الدراسي 2022 - 2023 في مصر، وكان الأمر صادما للبعض حول الارتفاع المبالغ فيه في المصروفات الدراسية.

قائمة الأعلى مصروفات دراسية، تصدرتها مدرسة الكلية الأمريكية بالقاهرة والتي بلغت مصروفاتها حوالي 810 آلاف جنيه، تلتها في القائمة المدرسة البريطانية الدولية بالقاهرة التي تصل مصروفاتها إلى 324 ألف جنيه سنويا، ثم مدرسة الألسن تصل مصروفاتها إلى 220.5 ألف جنيه، أما مدارس بريتش كولومبيا الكندية الدولية فإن مصروفاتها السنوية تصل إلى 192 ألف جنيه، وغيرها.

وعلى الرغم من الاهتمام الكبير الذي تقدمه  المدارس الدولية في مساعدة الطالب لتعلم مهارات عديدة ومختلفة والاهتمام بالجانب الإبداعي وعدم إغفال أيضا المستوى الدراسي، فهل ذلك يبرر ارتفاع مصروفات الدراسة بها؟

يقول الدكتور عبد الوهاب الغندور، الأمين العام لصندوق تطوير التعليم بمجلس الوزراء السابق والأستاذ بكلية الهندسة جامعة عين شمس، إن هذا يرجع للخدمات الفندقية والتكنولوجية والبنية التحتية حيث يتم الصرف عليها أكثر من المعتاد لتوفير فصول على مستوى معين بخلاف صيانتها المرتفعة أيضا، هذا إلى جانب استقدام معلمين أجانب يحصلون على رواتب بالعملة الصعبة، بخلاف توفير أجهزة تكنولوجية حديثة.

أما الدكتور حسني السيد، الخبير التربوي، أرجع هذا الارتفاع في أسعار مصروفات المدارس الدولية إلى أن المدارس الحكومية متواضعة في مستواها، ولكنه أيضًا لم ينفِ أنها مبالغ فيها، مشيرا إلى أن التعليم يواجه مشاكل عديدة مثل انحدار مستوى الطالب، بخلاف عدم الاهتمام بإعداد المعلم، بالإضافة إلى كثافة الفصول وأساليب التقويم المختلفة، والغش والتسريب وغيرها من المشكلات.

ولفت السيد إلى أن المدارس الحكومية أصبحت لا تؤدي دورها، والمدارس الدولية تهتم بالمظهر العام فقط والأساليب التكنولوجية، لكن مشاكلها أيضا كثيرة، كما أن هناك فجوة كبيرة بين خريج المدارس الدولية والمدارس الحكومية والخاصة فيما يخص فرص العمل."16"

زيادة 70% في أسعار الزي المدرسي

وإذا انتقلنا إلى "بيزنس الزي المدرسي"، سنجد رغبة جانب كبير من المدارس الخاصة في تعديل الزى المدرسى واللجوء إلى أشكال غير نمطية، في محاولة لإجبار أولياء الأمور على شراء هذه الملابس بأسعار مختلفة كل عام، وهو ما يثير حفيظة الأهالى في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وغلاء الأسعار ومعانات الأسرة من كثرة بنود المصروفات مع الموسم الدراسى، خاصة الاحتياج إلى الأدوات المدرسية والتى شهدت زيادة كبيرة في الأسعار

وقال عدد من أولياء الأمور إن مستلزمات الدراسة من أدوات مدرسية وأدوات الكتابة والكتب الخارجية بنود لا يمكن الحد منها أو الاكتفاء ببعضها دون الآخر على عكس بند الملابس المدرسية والزى المدرسى والذى لابد أن تكون وتيرة تبديله أقل، خاصة أنها أصبحت تحتاج إلى ميزانية كبيرة. "17"

نظام جديد للثانوية العامة

ولم تقف الاعباء التي تتحملها الأسرة عند المصروفات والمستلزمات، بل أعلن  وزير التعليم المصري الجديد، رضا حجازي، عودة نظام التحسين في شهادة الثانوية العامة، بناءً على طلب القيادة السياسية مُمثلة في السيسي، والذي رحّب بفكرة إعادة الطلاب للعام الدراسي مرة أخرى لتحسين المجموع في جميع المواد، وليس في مادة أو مادتين، كما كان الأمر سابقاً.

وقال حجازي، في مؤتمر صحافي لإعلان استعدادات الوزارة للعام الدراسي الجديد، إنه جار إعداد مشروع قانون يقضي بإعادة الطالب للعام الدراسي كاملاً لتحسين المجموع، تمهيداً لعرضه على مجلس الوزراء، وأخذ موافقة مجلس النواب عليه، مشدداً على استمرار نظام التصحيح الإلكتروني لامتحانات الثانوية العامة، وعدم العودة إلى العنصر البشري مجدداً.

وأضاف أن امتحانات الثانوية العامة لن تُعقد بطريقة إلكترونية، وانما على غرار العام الدراسي الماضي بنظام "بابل شيت" (الاختيار من متعدد)، مستطرداً بأن امتحانات الصفين الأول والثاني الثانوي ستعمم على مستوى الإدارة التعليمية بنسبة 85% للأسئلة الاختيارية، و15% للأسئلة المقالية، وتصحيحها على التابلت في الجزء الاختياري منها.

وعن طريقة تصحيح الأسئلة المقالية، قال حجازي إن كراسة الإجابة ستحتوي على "باركود" إلى جانب اسم الطالب، واثنين من المعلمين سيتوليان تصحيح الأسئلة وفقاً لنموذج الإجابة المُعد لذلك، والذي سيكون مرناً، وبه جميع البدائل، مع منح الطالب درجات تتناسب مع خطوات الحل، مضيفاً أنه في حالة وجود تفاوت في تقدير ورقة الإجابة، ستجري الاستعانة بمعلم ثالث، وحرمان المعلم الذي أخطأ من التصحيح.

وزاد أن تطبيق أعمال السنة على سنوات النقل سيكون من الصف السادس الابتدائي حتى الثاني الثانوي، بإجمالي 20 درجة نصفها لامتحان قصير لما درسه الطالب في الشهر، ويضع موجّه المادة الاختبار على مستوى المدرسة، وذلك لمرتين خلال شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني في الفصل الدراسي الأول (يحصل الطالب على الدرجة الأعلى).

وكان مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)،  قد رفض مشروع قانون التعليم الجديد، المُحال إليه من مجلس النواب، والذي تقدمت به الحكومة العام الماضي، ويقضي بتطبيق نظام الدرجات التراكمية، وعودة التحسين في شهادة الثانوية العامة مقابل 5 آلاف جنيه للمادة الواحدة، نظراً لمخالفته الدستور الذي قضى بأن "التعليم حق لكل مواطن، وإلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية، وتكفل الدولة مجانيته".

وقال أعضاء في مجلس الشيوخ في جلسة التصويت على رفض القانون، في 19 أبريل/نيسان 2021، إن تحديد مبلغ 5 آلاف جنيه للمادة مقابل التحسين "يحرم أبناء الأسر الفقيرة من فرصة سيحظى بها أبناء الطبقات الميسورة مادياً، فضلاً عن أنه سيضعف من مستوى خريج الثانوية العامة، وهو ما ظهر بوضوح عند تطبيق هذا النظام للمرة الأولى في أواخر التسعينيات من القرن الماضي".

لكن الحقيقة المؤكدة أن القرارات الجديدة، المتعلقة بأعمال السنة تحديدا، ستفتح الباب على مصراعيه للدروس الخصوصية التي تصل فاتورتها السنوية إلى ما يزيد على 120 مليار جنيه، وتكلف الأسر أعباء فوق طاقتها.

المصادر:

  1. الخليج الجديد نشر بتاريخ  2 أكتوبر 2022 
  2. موقع جريدة الاسبوع  نشر بتاريخ  3 أكتوبر  2022  
  3.  المصري اليوم نشر بتاريخ  03-10-2022  
  4. العربي الجديد نشر بتاريخ  2 أكتوبر 2022
  5.  مصراوي اليوم نشر بتاريخ  11 مايو 2022 
  6. المصري اليوم  نشر بتاريخ  18 أبريل 2022  
  7. موقع مصراوي  نشر بتاريخ   22 سبتمبر 2022
  8. موقع نوافذ نشر بتاريخ 22 سبتمبر  2022
  9.  جريدة الشروق  نشر بتاريخ   23 ديسمبر 2021 
  10.   جريدة الأسبوع نشر بتاريخ 27 -8 -2023
  11.  جريدة الوطن نشر بتاريخ 21 سبتمبر 2022
  12. العربي الجديد نشر بتاريخ  2 أكتوبر 2022
  13. موقع  اندبندت العربية نشر بتاريخ  16 أكتوبر 2021  
  14. موقع صدي البلد نشر بتاريخ 2يناير 2022 
  15. موقع الجمهورية الجديدة   نشر بتاريخ 13 سبتمبر 2022
  16. موقع صدي البلد  نشر بتاريخ 17 أغسطس 2022
  17. موقع المصري نشر بتاريخ  ١ اكتوبر   ٢٠٢٢
  18. العربي الجديد نشر بتاريخ  29 سبتمبر 2022