تنظيم "ولاية سيناء" يقترب من قناة السويس.. ماذا بعد هجوم جلبانة؟

الثلاثاء - 16 آغسطس 2022

من يوم 11 أغسطس 2022 ولمدة خمسة أيام قام مسلحون من تنظيم ولاية سيناء التابعين لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بهجوم مفاجئ على منطقة جلبانة القريبة مسافة 5 كيلومترات من قناة السويس واحتلها وفخخها ودخل في صدام مع الجيش ورجال الميليشيات القبلية الموالين لاتحاد قبائل سيناء الذي يتعاون مع الجيش.

هذه أخطر هجمات في المنطقة القريبة من قناة السويس بعد هجمات سابقة في يناير ومايو 2022 في مناطق تبعد 15 و25 كيلومتراً عن قناة السويس، لأنها تهدد أهم مصدر دخل لمصر، بجانب تحويلات المصريين في ظل تدهور الإيرادات من الموارد الأخرى وتراكم الديون.

وأكدت صفحات اتحاد القبائل وصفحات عسكرية أخري أن الاشتباكات شارك فيها قرابة 50 من مسلحي التنظيم احتلوا المنطقة وكانوا يهددون الملاحة في القناة لو اقتربوا منها أكثر.

وهو ما استدعي تدخل كثيف لقوات الجيش لـ "حرق" المنطقة التي يتواجد بها المسلحين، ما نتج عنه مقتل مدنيين أيضا وفقا لروايات أهالي جلبانة.

لماذا يركز التنظيم عملياته قرب قناة السويس؟ هل للفت الأنظار إليه بعدما قيل إنه تلقي ضربات كبيرة وأصبحت سيناء شبه آمنه؟ أم لأسباب عسكرية تتعلق بتنقله في المناطق البعيدة نسبيا عن سيطرة الجيش أم هناك أسباب أخري غير معروفة كما يقول محللون وخبراء؟.

صدمة الاقتراب من القناة

سبق هذا تقارير تحذر من انتعاش "تنظيم الدولة" في الشرق الأوسط وإفريقيا، بعد انحسار سيطرته، ورصد تمدده لمناطق أخري كجنوب أسيا، وتصاعد القلق في مصر من عودة نشاط التنظيم في سيناء خصوصا غربها بالقرب من قناة السويس بحسب تحليل لوكالة رويترز 4 فبراير 2022.

شكل الهجوم الذي نفذه تنظيم "ولاية سيناء" غرب سيناء، في 25 يناير 2021 وقتل فيه 5 عسكريين مصريين صدمة بعد أشهر طويلة من الهدوء ليس لأن الجيش المصري كان قد فرض سيطرته على غالبية المناطق التي كان ينتشر فيها التنظيم مثل رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد.

وجاء الهجوم الأخير في أغسطس2022 الجاري أكثر صدمة وخطرا، لأن التنظيم يزيد اقترابه من قناة السويس ما أثار قلق مراكز أبحاث صهيونية وأمريكية.

وقال أحد الشيوخ القبليين في جلبانة لـموقع "العربي الجديد"  إن ما جرى في المنطقة يدق ناقوس الخطر، لما يحمله الهجوم من رسائل واضحة لقوات الأمن المصرية، بأن التنظيم وصل إلى أطراف قناة السويس، بعد سنوات من الحرب.

وكشف أنه وصلت رسائل من قوات الجيش لشيوخ المنطقة بأنه لن يتم السماح بوجود التنظيم في المنطقة مهما كلف الأمر ذلك، وسيتم البدء بعملية عسكرية لملاحقة مجموعات "ولاية سيناء" في الظهير الصحراوي المحاذي لجلبانة.

كانت المفاجأة أنه مع تعزيز قوات الجيش لانتشارها في محيط جلبانة والظهير الصحراوي في مايو الماضي، وسط تحليق مكثف لطائرات حربية بدون طيار في سماء المنطقة، إلا أن عناصر التنظيم اقتحموا المنطقة وحاصروها وينوون البقاء فيها كما قال شهود عيان من القبائل الهاربة.

تضارب معلومات هجوم "جلبانة"

رغم التعتيم الإعلامي وصمت المتحدث باسم الجيش عن ذكر أي معلومات عن هجوم "جلبانة" الأخير، الذي حشد الجيش قوات ضخمة برية وجوية وميليشيات قبلية لصده، تتضارب المعلومات والاستنتاجات حول أهدافه.

مراكز أبحاث تري فيه تهديدا خطيرا لقناة السويس وترجح سعي التنظيم للفت أنظار العالم إليه بهجماته قرب القناة، أملا في نيل نفس الاهتمام العالمي الذي أحدثه سد السفينة إيفر جرين للقناة في مارس 2022.

بالمقابل قللت مصادر عسكرية وقبلية وحقوقية مصرية من أهمية الهجوم الأخير وتحدثت عن نجاح الجيش في "حرق" المناطق التي تسلل لها أعضاء التنظيم، واعتبر بعضها أنه بهجوم التنظيم شرق قناة السويس ربما يكتب آخر فصوله في سيناء.

ما زاد القلق أن هذه ليست هذه أول مرة يقترب فيها التنظيم من سيناء، فقد بدأ في الظهور على الأطراف الغربية بسيناء قرب قناة السويس خلال ديسمبر 2020، حين هاجم كتائب ونقاط المراقبة التابعة لسلاح الدفاع الجوي أكثر من مرة.

حينئذ، أكدت المجموعة المدنية المسلحة «اتحاد قبائل سيناء»، في 11 ديسمبر 2020 عبر فيسبوك، مقتل ضابط برتبة رائد من قوات الدفاع الجوي يُدعى محمود رضا، في هجمات تنظيم الدولة، دون تحديد ملابسات مقتله. (المنشور)

ثم استمر تمدد عمليات التنظيم وصولًا إلى منطقتَي سهل الطينة وجلبانة، الواقعتين في سيناء جغرافيًا، واﻷولى تتبع محافظة بورسعيد إداريًا، والثانية تتبع محافظة الإسماعيلية وهي التي شهدت تجدد الهجمات فيها يناير الماضي.

ورغم اقتراب الهجمات من قناة السويس، لم تتوقف في مناطق أخري شرق سيناء رغم إعلان اتحاد القبائل كل فترة عن قتل قيادي كبير في تنظيم الدولة بسيناء.

وأوضح موقع "مدي مصر"، 15 يناير 2021 ، أنه خلال ديسمبر 2020 فقط جري تشييع جثامين 16 عسكريًا، أربعة ضباط ورقيبين، و10 مجندين، ذُكر أنهم قُتلوا «أثناء تأدية واجبهم الوطني في شمال سيناء»، ما يدل على شدة المعارك.

لماذا الفشل؟

بعض أسباب هذا الفشل في حسم واحتواء نشاط تنظيم الدولة في سيناء ترصده دراسة لمعهد كارنيجي 13 يوليو/تموز 2020، عسكريا وسياسيا.

عسكريا، رغم إصدار مرسوم رئاسي عام 2015 بإنشاء قيادة موحدة لمنطقة شرق قناة السويس تضم الفرقتين الثانية والثالثة، إلا أن ذلك "لم يُحدث تغييراً جوهرياً في سلطة صنع القرارات الاستراتيجية بعيداً من القاهرة، ولم يُقدّم قيادة أكثر مرونة".

وترجع الدراسة ذلك "لاعتراض القيادات التقليدية المتمسّكة بسلطتها، لا سيما وأن المناصب القريبة من مستوى المجلس الأعلى للقوات المسلحة تترافق مع منافع سياسية واقتصادية كبيرة فضلاً عن الرتبة والتراتبية القيادية".

كاتب الدراسة أكد على "ضرورة تمكين قيادة العمليات على مستوى المجلس الأعلى للقوات المسلحة من تنسيق القوات الخاصة ووحدات جمع المعلومات الاستخباراتية التي تعمل حالياً في الفروع المتعددة للأجهزة الأمنية، بدلاً من أن تظل تابعة لقيادات مختلفة مثلما هو الحال الآن".

وسياسيا، تُرجع دراسة "كارنيجي" الفشل في انهاء وجود تنظيم الدولة لعدم وضع استراتيجية لمحاربة التمرد على المدى الطويل مثل معالجة قدرة التنظيم على التجنيد بنجاح وتفعيل قوته، والناتج عن مكمون الغضب من الانتهاكات ضد أهالي سيناء.

ورفض الإقرار بأي مظهر من مظاهر التظلّم من أهالي سيناء، الذي تعتبره السلطة أمرا محفوفة بالمخاطر حيث ترى في الانفتاح تهديداً لسلطتها.

وقد برّر عبد الفتاح السيسي بنفسه الإجراءات غير الديمقراطية معتبراً أنها ضرورية لمكافحة الإرهاب.

تقرير آخر لموقع responsible statecraft 5 سبتمبر 2020 اعتبر استراتيجية مصر لمكافحة الإرهاب، لا سيما في سيناء، "معيبة وتؤدي إلى نتائج عكسية".

أوضح إنه "بدلاً من القضاء على الإرهاب واستئصاله، أوجدت السلطة أرضًا خصبة للجماعات المتطرفة والمتشددة لتزدهر وتجنيد أعضاء جدد وتكثف هجماتها ضد الجيش المصري وقوات الأمن وكذلك المدنيين".

السبب يرجع إلى التهميش والبطالة وسوء الإدارة والفقر ومؤخرًا القمع والتهجير وعزل البدو  وغيرهم من سكان سيناء وزيادة مظالمهم، ما جعلهم صيدا سهلا للتجنيد من قبل تنظيم الدولة.

ذكر أنه رغم تغيير حكومة السيسي تكتيكاتها في محاربة تنظيم الدولة بجذب واستمالة بعض زعماء القبائل للقتال إلى جانب الجيش، استمرت الهجمات وتحولت الي حرب عصابات.

ساعد علي تفاقم المشكلة تبنى نظام عبد الفتاح السيسي "استراتيجية ذات توجهات أمنية عالية دون الاعتراف بالجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية للوضع في سيناء، فاقمت التحديات هناك وخلقت العديد من المشاكل الأخرى".

هذه الاستراتيجية فاشلة لأنها مدفوعة إلى حد كبير بالانتقام والعقاب الجماعي واحتواء لا القضاء الجذري على هجمات ولاية سيناء، وليست مبنية على رؤية طويلة المدى لمعالجة الأسباب الجذرية لمشكلة سيناء، بحسب responsible statecraft.

حيث ارتكبت القوات العسكرية والأمنية المصرية انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بحق البدو وسكان سيناء الآخرين، وأثارت هذه السياسات الاغتراب والغضب، بحسب التقرير ذاته.

واتبعت الجماعة سياسة تجنيد نشطة، مستغلة الغضب المتفشي بين بعض بدو سيناء ضد تدهور الأوضاع المعيشية في معظم هذه الأراضي المصرية التي تشترك في الحدود مع إسرائيل وقطاع غزة.

تقييم أمريكي للوضع في سيناء

وأوضح تقرير لـ "معهد واشنطن" 9 ديسمبر 2021 أن "انتقال الجيش إلى التعاون مع القبائل ساهم في الحد من الهجمات الجهادية، لكن جهود القاهرة المتعثرة في مجال التنمية وحقوق الإنسان قد تترك شبه الجزيرة عرضةً لتجدّد التمرد في المستقبل".

وخلال اجتماع لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي لبحث تعيين الجنرال مايكل كوريلا قائدا جديدا للقيادة المركزية الأمريكية، والذي أختاره بايدن لهذا المنصب 7 يناير/كانون ثان 2022، أكد أن تنظيم الدولة في سيناء لا يزال يشكل مصدر قلق.

أشار إلى أن "التهديدات المتطرفة في سيناء يتم احتواؤها إلى حد كبير، وتنظيم الدولة الذي يشكل مصدر قلق هناك، يمكن التحكم فيه من جانب القاهرة".

أكد دعمه لحكومة السيسي في مواجهة "المتطرفين العنيفين في مصر"، بما في ذلك سيناء، و"تركيز الجهود العسكرية الأمريكية على جماعات القاعدة وولاية سيناء"، لأنهم "يشكلون تهديدات للولايات المتحدة وأمن المنطقة ".

حين سئل: ما هو تقييمك للوضع الأمني ​​في مصر بما في ذلك شبه جزيرة سيناء؟، قال إن "الوضع السياسي والأمني ​​في مصر مستقر، لكن مصر تواجه مصاعب داخلية تتمثل في ضعف الاقتصاد والفقر وندرة المياه والتطرف في سيناء".

وحين سئل عن تقييمه لـ "خطر الإخوان المسلمين والقاعدة وتنظيم الدولة وولاية سيناء على التوالي، على الوضع الأمني ​​في مصر واستقرار السيسي" وهل يجب أن تشمل استراتيجية أمريكا في مصر، مشاركتها في مواجهة كل من هذه المجموعات"؟.

قال: "أعتقد أن حكومة السيسي لا تزال قادرة أن تحبط المتطرفين العنيفين في مصر، بما في ذلك سيناء، ويجب أن تركز الجهود العسكرية الأمريكية على الجماعات الاسلامية، بما في ذلك القاعدة وداعش سيناء".

أمريكا قلقه من اقتراب التنظيم من القناة لأن مصالحها في مصر تتلخص في أمرين، بحسب مراكز الابحاث الأمريكية: الأول ضمان العبور في قناة السويس ومن ثم سلامتها وعدم تعرضها لهجمات.

والثاني ضمان وحماية القاهرة لأمن إسرائيل ولهذا تواصل الرئيس الأمريكي بايدن مع السيسي كي يضمن تدخله عقب حرب مايو/أيار 2021 في غزة لضمان توقف صواريخ المقاومة عن ضرب المدن الإسرائيلية.

إثارة البلبلة حول القناة

وتؤكد دراسة لمجموعة أبحاث المعلومات البريطانية IHS Markit Ltd التي اندمجت مع مجموعة إس أند بي جلوبال S&P Global الأمريكية للخدمات الإعلامية والتجارية عام 2022 أن تنظيم الدولة معني بقناة السويس وإثارة البلبلة حولها.

أوضحت، أن التنظيم يسعي لفرض معادلة سياسية عسكرية في قناة السويس ولفت انظار العالم على غرار ما حدث حين تم إغلاق القناة في 23 مارس 2021، وتضرر التجارة العالمية لتعطل السفينة إيفر جيفن".

في 29 يوليو و31 أغسطس 2013، هاجم مسلحون، يتبعون "كتائب الفرقان" في سيناء، سفينتين في الممر المائي بقذائف الآر بي جي، لكن لم تحدث سوى أضرار طفيفة في السفن، وفق "مركز مكافحة الإرهاب" يناير 2014.

وبررت "كتائب الفرقان"، التي تردد اقترابها من أيديولوجية القاعدة دون انتمائها له، وذكر بيان للشرطة المصرية أنها "تابعة لجبهة النصرة بسوريا"، قصفها القناة لأنها "أصبحت الطريق الآمن لحاملات الطائرات الصليبية للعبور للاعتداء على المسلمين".

ثم قالت في سبتمبر 2013 أن قصف القناة جاء بسبب أنها "سئمت الممارسات الإجرامية مثل حصار المساجد وقتل وتشريد المسلمين واعتقال علماء المسلمين والهجوم الشرس الذي شنه الصليبيون بمصر على الإسلام وأهله ومساجده".