فضيحة أكاديمية بجامعة القاهرة"| بحث مطوّل يُمجّد خطابات وهمية لـ"السيسي"!

الأربعاء - 9 يوليو 2025

  • دورية علمية بكلية الإعلام تنشر بحثا تحليليا لكلمات لم يكتبها السيسي ولم يقُلها
  • الباحثان أوصيا بدراسة خطاباته منفردة رغم امتلائها بالجهل والكذب والمغالطات

 

إنسان للإعلام- تقرير:

في فضيحة من نوع ثقيل، نشرت "المجلة العلمية لبحوث الصحافة" التي تصدر عن قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة بحثاً بعنوان: "التحليل التداولي لخطابات الرئيس السيسي بذكرى ثورة 30 يونيو من البنيوية إلى ما بعد البنيوية خلال عشر سنوات (2013م-2023م): دراسة مقاربة تحليلية"، اعتمد فيه الباحث على خطابات وهمية لم تُكتب للسيسي ولم يقلها أصلاً!!

البحث، الذي نُشر في العدد 31 من المجلة، الصادر في يناير 2025، ويبدو عنوانه معقداً وغير مفهوم، تبين بشيء من التدقيق أنه يتضمن "فبركات" سمح الباحثان، أبو الحسن راشد علي أحمد وليلى محمد عبد الكريم علي، لنفسيهما بارتكابها، ما جعل بحثهما لا يختلف عن تقارير تلميع السيسي الصحفية أو حتى تلك التي لا تأخذ من البحث العلمي إلا شكله فقط.

رغم ضخامة البحث، الذي احتل 52 صفحة من المجلة، حاول فيه الباحثان، وهما من جامعة جنوب الوادي، تقديم أمثلة متعددة من الأفعال التي استخدمها السيسي، والعبارات والجمل التي استخدمها، والحجج أو الأسانيد التي وردت بالخطابات، لكن المفاجأة أن البحث تضمن تحليلاً لخطابات لم يقلها السيسي، بل تضمن ما ادعى الباحثان أنها خطابات كتبها السيسي، برغم أنه - يقيناً وقولاً واحداً - لا يكتب خطاباته، لذلك فإن الباحثين، ومن ورائهما من وافق على نشر البحث، نسبوا للسيسي جملاً وعبارات وأفعالاً واستراتيجيات وحججاً إقناعية لا علاقة له بها.

هذه الحقيقة تنسف "الصحة الخارجية للبحث" External Research Validity، وكان على الباحثين - إن كانا مغرمين بخطابات السيسي - أن يبحثا في "اللهجة" أو "النغمة" التي يستخدمها السيسي أثناء إلقائه للخطابات، أو أن يقوما بتحليل العبارات التي "يرتجل فيها السيسي"، وفق الباحث ياسر أبو المكارم، الذي كشف هذه الجريمة.

في الجزء الخاص "بمشكلة البحث"، والذي يجب أن يعرض الإشكالية التي دفعت الباحثين لإجراء هذا البحث، كتب الباحثان في صفحة 452: "وفي الآونة الأخيرة نالت عملية بناء الخطاب الرئاسي اهتمام الباحثين المهتمين بدراسات الخطاب الإعلامي، وما تحمله من مدلولات لغوية متضمنة داخل النص، والمدلولات المرتبطة بالسياقات الخارجية التي أُنتج فيها".

والسؤال: ما هو الدليل العلمي على صحة ما كتبه الباحثان في مشكلة الدراسة؟ وما مدى صحة "اهتمام الباحثين بدراسة بناء الخطاب الإعلامي الرئاسي" - إن صح؟

تقارير "تلميع" السيسي

يقول الباحث "أبو المكارم": عندما يتعلق الأمر بالسيسي، فإن الدوريات العلمية في كلية الإعلام جامعة القاهرة "تُعطل" المكوّن الرئيسي للبحث العلمي: "التفكير النقدي"، لذا يطالبها بالتوقف عن نشر تقارير لتلميع السيسي، لأن بحثاً علمياً من هذا النوع ينبغي أن يقوم في حقيقته على بحث تأثير السلطة على إنتاج الخطاب الإعلامي وتوجيهه لخدمة مصالحها.

يتابع: "من العيب أن أُذكّر القائمين على نشر مثل هذه البحوث بالأساس الذي يقوم عليه البحث العلمي، فهم يعرفون ولكن يغضّون النظر أو يتغاضون عن التفكير النقدي".

ويؤكد أن المهتمين حقيقة بدراسة الخطاب يتمنون أن يدرسوا "الارتجال في لقاءات السيسي"، لأنه سيمكن الباحث من البحث في العبارات التي تشير إلى "شخصنة الخطاب"، والبحث في "القوى الفاعلة" التي يستخدمها السيسي أثناء ارتجاله، ولكن "أغلب الظن أن بحثاً نقدياً عن الارتجال في لقاءات السيسي سيتم رفض نشره لأسباب سياسية".

"نموذج" في كل شيء!!

المفارقة أنه رغم سخرية كل المصريين من خطابات السيسي، فإن نتائج البحث أو نتائج الدراسة كانت مفاجأة، حيث زعم الباحثان أن "خطابات السيسي نموذج في كل شيء!!"، "في بنية الخطاب، في اتساع مفهوم الخطاب، في تنوع المستويات اللغوية، في تحقق وسائل الإقناع، في استخدام استراتيجيات التبرير، في توظيف الاستراتيجيات الثقافية والاجتماعية، وأساليب الجذب، والاستمالات المنطقية والعاطفية، وتشكيل فهم الجمهور لطبيعة الأحداث"!

بل إن إحدى توصيات الدراسة، التي وردت في صفحة 485 بالمجلة، وصلت من شدة حماسة الباحثين حد مطالبتهما بـ "دراسة كل خطاب من خطابات الرئيس السيسي منفرداً على حدة وبصورة مستقلة وربطه بموضوعات علم اللغة الحديث بجميع مستوياتها اللغوية: الصوتية، الصرفية، المعجمية، النحوية، والدلالية، بشكل أكثر عمقاً ودقة، وذلك للوقوف على جميع عناصر الخطاب النصية"!!

كل هذا رغم ما تحفل به خطابات السيسي من جهل و"هلفطة" ومعلومات كاذبة، مما بات يقيناً في الأحاديث اليومية عن السيسي في أوساط الجمهور المصري.

ورغم أن السيسي لم يكتب خطاباً واحداً من الخطابات العشر التي قام الباحثان بدراستها، فقد حرصا على أن يقدما السيسي كما لو كان "سيبويه" أو الجاحظ، وابن المقفع، وطه حسين، ومحمد حسنين هيكل، وغيرهم، وهو ما يشير إلى تدهور البحث العلمي وتحوله إلى أداة لتلميع الديكتاتور فقط، أو ما يسمى "دعم الدولة" أو النظام بدلاً من التقدم العلمي.

سقطات خطابات السيسي

واشتهر عبد الفتاح السيسي بزلات لسانه وأنه لا يجيد الخطابة، حتى بات عرضاً مستمراً لا ينقطع لسخرية المصريين، فلا يكاد يُلقي خطاباً في أي مناسبة، حتى يلتقط نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي تلك الهفوات ويطلقوا حملات للسخرية منه.

ورغم أنه أكد مراراً أنه يمرر كلامه على عدة "فلاتر"، اشتهر بأخطاء من أبرزها: "أنا مش عاوز أحلف بس أقسم بالله"، و"عندهم فلوس زي الرز"، و"الإنجليزي بتاع الباكستانيين"، كما وصف الصواريخ الحوثية الباليستية بـ"البلاستيكية" خلال كلمته في القمة العربية الـ29 بمدينة الظهران شرقي السعودية.

ومن أشهر الجمل التي أثارت السخرية منه: "اللي ميرضيش ربنا إحنا معاه بندعمه"، و"لما أكبر هضربكم"، ففي أحد خطاباته لجمع كبير من العسكريين، وهو يرتدي بدلته العسكرية، قال بالعامية في ثنايا حديثه: "لأن ده أمر ميرضيش ربنا، ده أمر ميرضيش ربنا، واللي ميرضيش ربنا إحنا حنبقى موجودين معاه، بندعمه، بنؤيده"!!

وفي لقاء بعدد من الإعلاميين في "نيويورك"، قال السيسي وكأنه يوجه حديثه للرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "بُكرة أكبر وأضربكم"، وذلك رداً على انتقادات الرئاسة التركية له بسبب سياساته الانقلابية.

وحينها أطلق عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ بعنوان #السيسي_لما_يكبر، والذي وصل عدد التغريدات التي كُتبت فيه - طبقاً لموقع "توبسي" - إلى نحو 12 ألف تغريدة تقريباً.

وفي أحد لقاءاته قبيل الانتخابات وأثناء عرضه لبرنامجه الدعائي، وقع في زلة لسان حين عرض فكرة عربات الخضار للشباب والخريجين، وبدلاً من أن يقول: "عشان الدنيا تمشي" قال: "عشان الدنيا تشحت".

وفي عام 2015، خاطب السيسي نظيره التونسي الراحل الباجي قايد السبسي، بعد أن أنهى كلمته في مؤتمر صحفي جمعهما في ختام جلسة مباحثات ثنائية في القاهرة، طالباً منه بدء الكلمة، بقوله: "اسمحوا لي فخامة الرخيص أن أنا أعطي الكلمة لفخامتك"!!

وفور انتهاء كلمة السيسي، بادر نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي للهجوم على خطأ السيسي الفادح، عبر موجة من التدوينات والتغريدات الساخرة، كما أطلقوا وسم #فخامة_الرخيص.

وبسبب فشله في كل شيء، كتب نشطاء يقولون: لا قناة السويس جابت فلوس، ولا شبكة الطرق منعت حوادث، ولا محطات الكهرباء جابت كهرباء، ولا اللمبات الموفّرة وفّرت الفاتورة، ولا عربيات الخضار منعت البطالة، ولا بيع أصول الدولة سدّد الديون، ولا حقول الغاز طلع منها غاز، ولا المزارع السمكية رخصت السمك، ولا زرعنا، ولا صنعنا، ولا صدرنا.

في النهاية، تكشف الدراسة "الفضيحة" المنشورة بدورية تابعة لأعرق جامعات مصر عن مستوى الانحدار الذي بلغه البحث العلمي في مصر، حين يتحول إلى أداة لتزييف الواقع وتلميع صورة السلطة، في تجاهل صارخ لمعايير الأمانة الأكاديمية، واغتيال منهج التفكير النقدي.

فحين تُنشر دراسات تعتمد على خطابات وهمية، وتُرفَع إلى مقام النماذج العلمية، لا يكون ذلك سوى علامة دامغة على مأساة وطنية تمس العقل الجامعي، وتشي بانهيار معايير الاستقلالية الأكاديمية تحت وطأة الاستبداد.