تقارير حقوقية: التعذيب في مصر سياسة دولة
السبت - 2 يوليو 2022
- المنظمات الحقوقية تطالب العالم بالتصدي لظاهرة تعذيب المعارضين في مصر
- مركز "الشهاب ": التعذيب في مصر تحول لسياسة عقابية للمعارضين السياسيين
- التعذيب جريمة مستشرية في مقار الاحتجاز والنظام يتكتم عليها في محاولة لإخفائها
- هيومن رايتس ووتش: مصر ترد على شكاوى التعذيب بمزيد من معاقبة الضحايا !!
- الخارجية الأميركية: التعذيب شائع في أماكن الاحتجاز بمصر والإفلات من العقاب ظاهرة
- مركز القاهرة ": الدولة توفر لمرتكبي التعذيب مناخًا ملائمًا من خلال تواطؤ النيابة والقضاء
- التعذيب يمارس بشكل غير مسبوق منذ انقلاب 3 يوليو 2013 وأفضى الى وفاة العشرات
مرت في 26 يونيو ذكرى اليوم العالمي لمناهضة التعذيب، في الوقت الذي توالت مطالب المنظمات الحقوقية العالمية بالتصدي لظاهرة تعذيب المعارضين بمصر في محبسهم.
وفي هذا السياق ، طالب مركز "الشهاب " الحكومة المصرية الالتزام بالاحترام الكامل بالمبادئ والالتزامات المتعلقة بإساءة المعاملة والاحتجاز غير القانوني والتعذيب.
ومن خلال هذا التقرير نفتح ملف التعذيب في مصر.
مطالب عاجلة للحكومة المصرية
طالب مركز الشهاب لحقوق الإنسان الحكومة المصرية بمجموعة مطالب عاجلة، تزامناً مع اليوم العالمي لمناهضة التعذيب، تشمل "الالتزام بالاحترام الكامل بالمبادئ والالتزامات المتعلقة بإساءة المعاملة والاحتجاز غير القانوني والتعذيب، كما وردت في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة القاسية".
وطالب المركز الحقوقي السلطات المصرية بالتصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، والذي يسمح لخبراء دوليين مستقلين بإجراء زيارات دورية لأماكن الاحتجاز بغرض تقييم ظروف الاحتجاز، وتقديم التوصيات من أجل تحسينها.
كما طالب بـ"تعديل نصوص قانون العقوبات المصري إلى نصوص توفر الحماية الجنائية الملائمة لأي إنسان من جرائم التعذيب الواقعة من ممثلي السلطة، أو التي ترتكب باسم السلطة، أو لحسابها، مع تغليظ عقوبة القائمين عليها، فضلًا عن المطالبة بوقف جرائم التعذيب الممنهج في السجون وأقسام الشرطة، وقيام النيابة العامة بدورها في مراقبة السجون وأماكن الاحتجاز، والتحقيق في ما يقدم لها من بلاغات وشكاوی خاصة بالتعذيب، وفتح تحقيق شامل في كافة جرائم التعذيب، ومحاسبة مرتكبيها ومنع إفلاتهم من العقاب"
وطلب مركز الشهاب الإفراج الفوري عن الفئات الأكثر ضعفاً من السجناء، مع اتخاذ كافة التدابير الاحترازية بسبب جائحة كورونا، وإرسال لجنة تقصي حقائق من الأمم المتحدة للوقوف على أوضاع السجون ومقار الاحتجاز في مصر.
والتعذيب جريمة مستشرية في مقار الاحتجاز المصرية، لكن تتكتم عليها السلطات في محاولة لإخفائها، كما تنكر الاتهامات الموجهة إليها بشأنها، وبالتالي لا توجد أبحاث أو دراسات دقيقة ترصد حجمها وفجاجتها.
لكن تقرير وزارة الخارجية الأميركية عن حالة حقوق الإنسان في مصر لعام 2020 ذكر أن التعذيب شائع في أقسام الشرطة ومراكز الاحتجاز التابعة لوزارة الداخلية، وأن الإفلات من العقاب يشكل ظاهرة خطيرة بين قوات الأمن
الأمر نفسه سبق أن أكدته لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة، في تقريرها السنوي عام 2017، قائلة: "يتمتع مرتكبو التعذيب في مصر بشكل عام بالإفلات من العقاب"، موضحةً أن ما عزز هذا الإفلات هو "غياب سلطة تحقيق مستقلة لشكاوى التعذيب، والافتقار إلى المراقبة المستقلة والمنتظمة لأماكن الاحتجاز".
مصر ترد على شكاوى التعذيب بمعاقبة الضحايا
ومؤخرا ، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية إن محاكمة مصر لضحايا التعذيب التي تظهر الإفلات المتأصل من العقاب جعلت الحكومة المصرية "تنحدر إلى درك أدنى بشأن التعذيب".
وكتب الباحث في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة، عمرو مجدي، الجمعة، إنه بعد أن نشرت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، في يناير/كانون الثاني الماضي، تقريراً حول مقطعَي فيديو مسربين، يظهران محتجزين في قسم شرطة بالقاهرة، مصابين بجروح يبدو أنها نتيجة التعذيب، تقاعست السلطات المصرية عن إجراء تحقيق ذي مصداقية في الانتهاكات، وبدلاً من التحقيق، أحال المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا المحتجزين الذين ظهروا في مقطعي الفيديو إلى محاكمة جماعية.
وأوضح مجدي أن "هذا أحدث مثال على الإفلات من العقاب في بلد معروف بالتعذيب المستشري، في ظل نظام قضائي يغضّ البصر عن التعذيب. في 28 مايو/أيار، عُقدت الجلسة الأولى للمحاكمة أمام محكمة الإرهاب، ومن بين المتهمين 18 رجلاً وفتى عمره 17 سنة، يُزعم أنهم تعرضوا للتعذيب من قبل عناصر في قسم شرطة السلام أول، حيث سُجل الفيديو في نوفمبر/تشرين الثاني 2021".
وفي 24 يناير الماضي، وهو نفس اليوم الذي نشرت فيه "ذا غارديان" تقريرها عن الفيديوهات المسربة، قال مسؤولون أمنيون مصريون لم يُكشف عن أسمائهم لوسائل إعلام محلية، ومن دون إجراء أي تحقيق، إن "الفيديوهات ملفقة"، وفي 15 فبراير/شباط، أصدر مكتب النائب العام المصري بياناً ادّعى فيه أن مزاعم التعذيب المصاحبة للتسجيلات المسربة "كاذبة".
وقال البيان إن "الشرطة (التي يُزعم الضحايا أنهم الجناة) حققت، وخلصت إلى أن الرجال جرحوا أنفسهم بعملة معدنية، وسجلوا الفيديو لإحداث زعزعة في البلاد، وإثارة الفتن"
وأمرت النيابة بسجن الرجال الذين ظهروا في الفيديو، وكذا سجن معارفهم على ذمة المحاكمة، بينما ظل الجناة طلقاء.
التعذيب في مصر سياسة دولة
وفي تقرير له، أكد مركز القاهرة لحقوق الإنسان أن التعذيب في مصر "ممارسة منهجية ينعم مرتكبوها بإفلات تام من العقاب، وأن الدولة المصرية توفر لمرتكبي التعذيب مناخًا ملائمًا من خلال تواطؤ النيابة العامة ومؤسسة القضاء، فضلًا عن غياب أي رقابة ذات معنى من البرلمان".
كما أكد تقرير حقوقي مشترك حول أوضاع الاحتجاز في السجون المدنية والعسكرية ، أن شهادات المقبوض عليهم أكدت تمسك السلطات المصرية بمثل هذه الممارسات. وتعتبر المنظمات أن ما كشفت عنه مؤخرًا هذه الشهادات بالتعذيب، مثل شهادة المحامي الحقوقي محمد الباقر، والمدون والناشط علاء عبد الفتاح، وعاشة الشطر ، بمثابة نذر يسير من شهادات أكثر تم توثيقها عن التعذيب والمعاملة القاسية خلال السنوات الخمس الماضية، رفض بعض أصحابها الكشف عن هويتهم خوفًا من الأعمال الانتقامية التي قد تعرضهم مجددًا للتعذيب، أو ربما تفرض عليهم ظروف احتجاز أكثر سوءًا.
وبحسب التقرير المشترك الذي أعدته مجموعة من المنظمات المصرية والدوليةلم تكتف السلطات المصرية باستخدام التعذيب كوسيلة لنزع الاعترافات الملفقة من المختفين قسريًا في أماكن الاحتجاز غير الرسمية، وإنما توسعت في توظيف التعذيب في أماكن الاحتجاز الرسمية.
فبحسب التقرير، وخلال الفترة ما بين 2014 وحتى نهاية 2018، توفي 449 سجينًا في أماكن الاحتجاز، من ضمنهم 85 نتيجة التعذيب تشير نتائج هذا التقرير إلى زيادة حالات التعذيب وسوء المعاملة؛ بين 2015 و2018، فبين 453 حالة رصدها أحد أعضاء التحالف تعرض 95 منهم للتعذيب، و103لعنف الشرطة خارج أماكن الاحتجاز. كما يكشف رصد وسائل الإعلام عن 1854 حالة تعرضت لسوء المعاملة الفردية/التعذيب أثناء الاحتجاز. ووفقًا للأرشيف الإعلامي، توفى 449 سجينًا في أماكن الاحتجاز، من ضمنهم 85 نتيجة التعذيب.
الوثائق المتاحة إلى تعرض 212 مدعى عليه –في 31 قضية منفصلة– لواحد أو أكثر من أشكال التعذيب وضروب سوء المعاملة، على النحو التالي:
تعرض 132 شخصًا للضرب البدني بالأيدي أو الأرجل أو أدوات حادة من جانب سلطة الاعتقال أو في أماكن الاحتجاز السري؛ 89 تعرضوا للصعق بالكهرباء؛ 26 تعرضوا للتعليق من اليدين أو القدمين؛ 70 تم تهديدهم بتعذيب أو الاعتداء على عائلاتهم.
ومن بين المتهمين البالغ عددهم 212 متهمًا، أحالت النيابة 88 متهمًا فقط إلى الطب الشرعي بعد مزاعم التعذيب وفشلت في اتخاذ إجراءات بالعرض على الطب الشرعي بشأن 124 طلبًا أخرين.
ومن أبرز الأمثلة على نزع الاعترافات تحت وطأة التعذيب، ما لحق بـ 9 من الشباب الذين اعترفوا – تحت التعذيب- بالتورط في قتل هشام بركات، النائب العام السابق، واظهر بعضهم أمام النيابة علامات واضحة للتعذيب على أجسادهم، ومع ذلك خلصت المحاكمة إلى تنفيذ حكم الإعدام بحقهم في 20 فبراير 2019 بناءً على اعترافات مشكوك في صحتها.
لقد تخطى التعذيب في مصر حدود المسئولية الفردية لمرتكبيه، وتحول إلى سياسة دولة تسعى إلى إحكام قبضتها على المجال العام، فتحنث بوعودها بشأن إعادة تعريف جريمة التعذيب في القانون وفقاً للدستور المصري والاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، بل وتلاحق النشطاء الحقوقيين ممن سعوا لذلك
وأكد التقرير المشترك أيضا وبشكل واضح تواطئ النيابة العامة وخصوصاً نيابة أمن الدولة العليا، وكذلك القضاء في التستر على جريمة التعذيب وحماية مرتكبيها، وتقاعسوا عن التحقيق فيها، وفي أفضل الأحوال أحالوا صاحب الشكوى للطب الشرعي بعد مدة طويلة من تاريخ تعذيبه لضمان اختفاء أثار التعذيب في جسمه. بينما تعمد القضاء تجاهل شكاوى وادعاءات بعض المتهمين بالتعذيب لانتزاع الاعترافات منهم، وأصدر أحكامه- التي وصلت حد الإعدام- مستندًا لهذه الاعترافات المنتزعة بقوة التعذيب.
وفي هذا السياق تناول التقرير أنماط متعددة من التعذيب، تعرض لها بعض الضحايا خاصة المتهمين منهم في قضايا سياسية، ومن بينها الاختفاء القسري، أو الحبس بمعزل عن العالم الخارجي، وإجبار المتهمين على تصوير اعترافاتهم- تحت التعذيب والإعياء- ضمن أفلام دعائية من إعداد الجيش أو وزارة الداخلية. الأمر الذي وقع مؤخرًا – على سبيل المثال- مع مجموعة من الطلاب والسائحين الأجانب ألقي القبض عليهم في محيط وسط القاهرة، وأذاعت وسائل إعلام مصرية فيديوهات مصورة يعترفون فيها- تحت الإكراه- بالاشتراك في مؤامرة دولية لنشر الفوضى في مصر، وقد ثبت بعد أيام كذب هذه الادعاءات وتم إخلاء سبيلهم والسماح بسفرهم لبلادهم.
المنظمات المشاركة في هذا التقرير هي: ديجنتي-المعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب، كوميتي فور جستس، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، مركز النديم، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات (أوروبا)، ومنظمة أخرى فضلت عدم ذكر أسمها خوفًا من الملاحقة الأمنية والأعمال الانتقامية. وقد أشير للمنظمات الستة مجتمعين في التقرير تحت مسمى "التحالف."
عقبات قانونية وقضائية تحول دون إنصاف الضحايا
وفي وقت سابق ، أصدرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، تقريراً بعنوان "كابوس التعذيب في مصر: عقبات قانونية وقضائية تحول دون إنصاف ضحايا التعذيب"، قدمت فيه تحليلاً ورصداً للإشكاليات والعوائق التي تواجه ضحايا جريمة التعذيب في التماس سبل الإنصاف المختلفة والوصول إلى العدالة.
ووثقت مبادرة خريطة التعذيب التابعة للمفوضية المصرية للحقوق والحريات خلال عملها من شهر يونيو/ حزيران 2017 وحتى يونيو/ حزيران 2018، 86 حالة تعذيب في مقرات الأمن الوطني وأقسام الشرطة ومديريات الأمن والسجون الرسمية، أدى بعضها إلى الوفاة كما في حالة قتل
وأشار التقرير إلي أن أشكال التعذيب تباينت من تعذيب جسدي كالصعق بالكهرباء، وخاصة في الأعضاء الجنسية، والضرب في مختلف أنحاء الجسد والتعليق الخلفي من اليدين، كما تم توثيق بعض حالات الانتهاكات الجنسية في أقسام الشرطة وتوثيق حالات حبس انفرادي تراوحت ما بين عدة شهور إلى عدة سنوات. ومن بين الانتهاكات أيضاً الإهمال الطبي وتدهور ظروف الاحتجاز مثل استخدام التجويع وانتشار الأمراض والتكدس وعزل الضحايا عن العالم الخارجي. وفي أغلب الحالات لم يتم مساءلة المسؤولين رغم شكاوى الضحايا
وخلص إلى وجود قصور في التشريعات القانونية في كل من قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية في مصر، الأمر الذي يحول دون إنصاف ضحايا التعذيب ومعاقبة مرتكبيه.