تصاعد الانقسام منذ هزيمة ترامب.. تحذيرات رسمية من "حرب أهلية" أمريكية

الأربعاء - 21 ديسمبر 2022

إنسان للإعلام- خاص

عقب انتخابات الرئاسة الأمريكية التي فاز فيها الرئيس الحالي بايدن على السابق ترامب، تصاعدت المخاوف لدي الأمريكيين من أن تشهد بلادهم حربا أهلية ثانية، بعد الأولي الشهيرة التي وقعت نتيجة صراعات بين الولايات الأمريكية (1861-1865).

وصلت هذه المخاوف ذروتها حين رفض ترامب الاعتراف بهزيمته وأطلق أنصاره مزاعم عن التزوير ثم اقتحموا مبني مجلس النواب (الكابيتول) واحتلوه يوم 6 يناير 2021.

برغم محاكمة من اقتحموا الكونجرس واعتراف ترامب بالهزيمة مضطرا، لم تهدأ مخاوف حريق الحرب الأهلية المحتمل في أكبر دولة عظمي لأن أسبابها، وأبرزها "الانقسام السياسي" الحاد، لا تزال كامنه تحت الرماد، ولأن هذا السبب كان هو سبب اندلاع الحرب الأولي.

وصل الأمر لتحذير وزير الأمن الداخلي الأمريكي أليخاندرو مايوركاس مجدداً، 30 نوفمبر 2022 من خطورة الانقسام السياسي في بلاده، وأن ذلك قد يؤدي إلى خروج الأمور عن السيطرة.

تحذيرات الوزير الأمريكي تزامنت مع إصدار وزارته نشرة دورية خاصة بالإرهاب الداخلي، هي السابعة منذ يناير 2021، خلصت إلى أن الولايات المتحدة "تواصل مواجهة بيئة تهديد خطيرة"، وآخر تحذير سابق كان في 7 يونيو 2022.

وقال إن "التوترات السياسية المرتفعة" في البلاد "يمكن أن تسهم" في احتشاد الأفراد للقيام بأعمال عنف، بحسب موقع "فوكس نيوز" 30 نوفمبر 2022.

وقالت وزارة الأمن الداخلي في نشرتها بشأن الإرهاب، إن المعتدين المنفردين والجماعات الصغيرة، "التي تحركها دوافع ذات معتقدات أيديولوجية ومظالم شخصية تواصل كونها خطراً داهماً ومميتاً بالنسبة للوطن".

"تستهدف هذه التهديدات التجمعات العامة، والمؤسسات الدينية، ومجتمع المثليين جنسياً، والمدارس، والأقليات العرقية والدينية، والمرافق والموظفين الحكوميين، والبنية التحتية للولايات المتحدة، ووسائل الإعلام، ومن يُعتقد أنهم يعارضون أفكاراً معينة"، بحسب بيان الوزارة.

ارتفاع قياسي في شراء الأسلحة

وكان تحقيق استقصائي نشرته مجلة "نيوزويك"، 20 ديسمبر 2022 ، قد رصد وجود عشرات الملايين من الأمريكيين المدججين بالسلاح والذين يؤمنون بأن ترامب كان الفائز في الانتخابات الماضية وأن بايدن "سرقها".

وحذرت من أن هؤلاء يستعدون منذ الآن لانتخابات 2024، وفي حال ترشَح ترامب (وهو ما حدث) وخسرها "لن يسمحوا بتكرار ما حدث مرة ثانية".

وكشف تحقيق المجلة عن ارتفاع قياسي في شراء الأسلحة النارية، إذ شهد عام 2020 شراء نحو 17 مليون أمريكي 40 مليون قطعة سلاح، بينما شهد عام 2021 في نصفه الأول شراء أكثر من 20 مليون سلاح ناري آخر.

وحذر من أن من يقتنون الأسلحة، تنتمي الأغلبية الساحقة منهم إلى البيض المنتمين للمناطق الحضرية في الولايات الجنوبية وينتمون للحزب الجمهوري أنصار دونالد ترامب.

وهناك مخاوف من مجموعات تضم عسكريين سابقين وعصابات يمينية موالية لفكر ترامب والجمهوريين أبرزها "حماة القسم" المتطرفة المسلحة بشدة، وجماعة "براود بويز Proud Boys"، الذين أمرهم ترامب "بالاستعداد" أثناء المناظرة التلفزيونية الوحيدة التي جمعته بجو بايدن قبيل الانتخابات الرئاسية عام 2020.

يزيد من التوترات أن وزير الأمن الأمريكي "مايوركاس"، ديمقراطي من حزب بايدن، وهاجمه الحزب الجمهوري وطالبه كيفين مكارثي، زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب بالاستقالة مهددا بمحاكمته بعدما فاز الجمهوريون بأغلبية النواب، بحسب CNN 22 نوفمبر 2022.

كانت الأيام القليلة الماضية قد شهدت صدور الحكم بحق زعماء جماعة "حماة القسم Oath Keepers" اليمينية المتطرفة في أحداث اقتحام الكونغرس يوم 6 يناير 2021 لمنع التصديق على فوز بايدن وخسارة ترامب. الاتهام الموجه لهؤلاء أكد أن ما حدث في ذلك اليوم، من جانبهم، لم يكن عفوياً، بل "كان مؤامرة مخططاً لها من قبل وباستفاضة وباستخدام تشكيلات شبه عسكرية هدفها قلب نظام الحكم في البلاد".

"حماة القسم" هم إحدى المجموعات اليمينية المتطرفة المسلحة بشدة، وهناك أيضاً جماعات أخرى مثل "براود بويز Proud Boys"، الذين كان ترامب قد رفض إدانتهم، بل أمرهم "بالاستعداد" أثناء المناظرة التلفزيونية الوحيدة التي جمعته بجو بايدن قبيل الانتخابات الرئاسية عام 2020.

وتتصدر الولايات المتحدة العالم بفارق ضخم عمن يليها في قائمة انتشار السلاح بأيدي المواطنين، وقضية حيازة الأسلحة النارية بأنواعها المختلفة والقاتلة قضية مفتوحة ومستمرة، ورغم الدماء التي تسيل طوال الوقت، لا تزال حيازة السلاح قائمة وتعكس سطوة أصحاب المصلحة في استمرارها.

الحرب الأهلية الثانية بدأت بالفعل

مراقبون يرون أن ما يجري قد لا يعدوا أن يكون جدال وسجال سياسي تشهده العلاقة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي فيما يري أخرون أن الأمر له ابعاد أخطر تتعلق بتشكيك ترامب وأنصاره في كافة المؤسسات الأمريكية ما يزيد من احتمالات "حرب أهلية" لا مجرد سجال سياسي.

موقع "ناشونال إنترست" أكد، 3 ديسمبر 2022،  إنه ومن واقع أعمال العنف في أمريكا التي تبدو منعزلة، يمكن للمرء أن يجادل بأن الحرب الأهلية الأمريكية الثانية قد بدأت بالفعل.

أوضح في تقرير كتبه الباحث بالدراسات العليا بجامعة هارفارد "نيكو إيماك" أن أعمال العنف هذه التي يرتكبها مسلحون منفردون وجماعات يمينية متطرفة هي جزء من حركة أكبر للإرهاب المحلي ولها مقومات حرب أهلية مكتملة الأركان.

وأوضح أن عدد ضحايا القتل في أمريكا قد يبدو صغيرا نسبيا عند قياسه مقابل عدد سكان الولايات المتحدة الذين يزيد عددهم على 300 مليون نسمة، لكن عند مقارنته بمقياس أكاديمي واحد للحرب الأهلية؛ فإن النتيجة ستكون مذهلة.

وأشار الكاتب إلى أنه لا ينظر للحرب الأهلية الجديدة من منظور العمل العسكري التقليدي، حيث يتبادل جيشان إطلاق النار في حقل عشبي، بل ينظر إليها من خلال تعريف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية للتمرد المفتوح، الذي تشمل دوافعه قضايا السياسة المتعلقة بالعرق والجنس والهجرة.

وقال إن الأبحاث التي أجراها الباحث أستاذ السياسة في كلية دارتموث الأمريكية بنيامين فالنتينو حول كمبوديا وألمانيا النازية ورواندا تظهر أن أقلية صغيرة -جيدة التسليح والتنظيم-يمكن أن تولد قدرا هائلا من إراقة الدماء عند إطلاق العنان لها على ضحايا غير مسلحين وغير منظمين.

وأن خبير العلوم السياسية الأمريكي جون مولر قدّر أنه خلال الإبادة الجماعية في رواندا كان 2% فقط من سكان الهوتو مسؤولين عن الأغلبية العظمى من عمليات القتل.

وختم بالقول إنه وبدلا من النظر إلى احتمال نشوب حرب أهلية فقط من خلال عدسة الجماعات المسلحة الرسمية، يجب على صانعي السياسات تسليط الضوء على العدد المتزايد من الضحايا في أميركا على أيدي حركة لامركزية لتفوّق البيض والسياسات المحافظة "المتطرفة" والإرهاب المحلي.

الخلاصة هنا هي أن الولايات المتحدة تمر بحالة من الانقسام الداخلي تنذر بتحولها إلى حرب أهلية، خصوصاً إذا ما ترشح ترامب وخسر ورفض الاعتراف بالهزيمة، كما هو متوقع بطبيعة الحال، لكن يظل هذا السيناريو واحداً من الاحتمالات وليس الاحتمال الوحيد.

فقد تسببت فترة رئاسة ترامب في إعطاء دفعة غير مسبوقة لليمين المتطرف، ليس فقط في أمريكا بل حول العالم، لكن الأخطر هو أن الرئيس السابق سنّ سُنة خطيرة تتمثل في التشكيك بجميع مؤسسات الدولة؛ من وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي إلى الهيئات الانتخابية، وصولاً حتى إلى قيادات الجيش الذين لا يدينون له بالولاء.