تصاعد أزمة الأسعار بمصر .. ورجال أعمال يطلبون إعلان حالة الطوارئ لإنقاذ المصانع والشركات

الجمعة - 11 مارس 2022

تصاعدت أزمة الأسعار بمصر، على مدار الساعات القليلة الماضية، وقد فرضت هذه الازمة نفسها على رجال الأعمال الذين طالبوا الحكومة بإعلان حالة الطوارئ القاهرة لإنقاذ المصانع والشركات، وتزامن ذلك مع  إصدر الحكومة قرار بحظر تصدير عدد من السلع لتهدئة الرأي العام، وفي المقابل شهدت مواقع التواصل الاجتماعي انتفاضة " فيديوهات" غاضبة لانتقاد النظام ومواجهة الغلاء، ومن خلال سطور هذا التقرير نتعرض للتفاصيل.

طالب رجال أعمال في مصر بإعلان حالة الطوارئ القاهرة من أجل إنقاذ المصانع والشركات، على وقع الزيادة الكبيرة الحاصلة في أسعار كافة السلع والخدمات ووسط مخاوف متصاعدة حيال العملة الصعبة وأوضاع العمال.

فبينما كان مصطفى مدبولي رئيس الوزراء يعقد مؤتمراً صحافياً، ويطمئن المواطنين على توافر السلع والخدمات حتى نهاية العام الحالي، عقدت نخبة كبيرة من رجال الأعمال اجتماعاً طارئاً، ودعت الحكومة إلى إعلان حالة القوة القاهرة في الأسواق المالية، لإنقاذ المصانع والمستوردين والشركات من توابع الأزمة الخطيرة التي أوجدتها حالة الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

وأكد أعضاء جمعية رجال الأعمال المصريين، أن الحرب تسببت في تصاعد يومي لأسعار النفط والمعادن والمحاصيل والزيوت، والخامات والمكونات التي تحتاجها الصناعات المصرية، على كافة مستوياتها، وتهدد المستوردين والموردين والمقاولين بعدم قدرتهم على ملاحقة تلك الزيادات، ونشوب خلافات بين كافة المتعاملين في السوق نتيجة الزيادات غير المحدودة في السعر والمتلاحقة زمنياً.

وتوقع رجال الأعمال أن تؤثر أسعار البترول والشحن على جميع المنتجات المستوردة تامة الصنع، وانخفاض المبيعات المحلية، مع التضخم وزيادة الأسعار، بدرجة خطيرة. وتوقع رجال الأعمال، أن يؤدي الضغط على البنوك لطلب شراء مستلزمات الإنتاج، وزيادة أسعار مكونات التصنيع والإنتاج، إلى زيادة أسعار العملات الأجنبية.

وحذّر أعضاء جمعية رجال الأعمال في اجتماعهم مساء الأربعاء، من تفاقم حركة التجارة الدولية وتأخير وصول مكونات الإنتاج للصناعات المحلية حتى نهاية العام الحالي، وتعذر التواصل مع الأسواق الروسية في ظل حالة الحرب والمقاطعة الغربية للبنوك والشركات في روسيا، وانعكاس ذلك بتداعيات سلبية على فرص العمل ودخل المواطن والشركات.

كما أكد رجال الأعمال في اجتماع مشترك، للجان الصناعة والسياحة والتصدير والاستيراد، لبحث الآثار الاقتصادية المتوقعة على مصر جراء الحرب الروسية على أوكرانيا، ضرورة التزام الحكومة بحالة القوة القاهرة، ومراعاة الظروف الطارئة، التي تشهدها الشركات والأسواق، وعدم استعداء المجتمع على رجال الأعمال، وإلقاء التهم عليهم، بأنهم يسعون إلى تحقيق أرباح من أزمة، تعلم الحكومة، أنها مفروضة على الجميع، ولها تأثير في أنحاء العالم، وهناك خشية أن تتحول إلى حرب عالمية.

وطلب رجال الأعمال، بوقف قرار البنك المركزي الأخير، الخاص بإجراءات الاستيراد السلعي، ومد فترة سداد مستحقات البنوك، لحين تصرفهم في البضائع المستوردة، لمواجهة أزمة السيولة الخانقة، التي تشهدها الأسواق حالياً.

واتفق المجتمعون على إعداد لائحة بمطالب أصحاب المصانع والأعمال، من الحكومة، تتركز في إمكانية اللجوء إلى نظام الصفقات المتكافئة للتعامل مع السوق الروسية، لصعوبة قطع العلاقات الاقتصادية مع بلد يعتبر أهم مصدر للقمح والزيوت، والمعادن والصناعات الهندسية، التي تحتاجها الدولة.

ودعا الأعضاء إلى وقف تمويل المشروعات العقارية، التي نمت بسرعة، على حساب القطاعات الصناعية والزراعية، التي لم تحظ بنفس الدعم المالي خلال السنوات الماضية، وأن تلتزم الحكومة بشراء المنتجات الوطنية، بدلا من استيراد ما تحتاجه من الخارج، مع دعم الصناعة المحلية من خلال برامج مالية واضحة، تمكن الصناع من مواجهة حالة التضخم الخطيرة التي بدأت، وستواصل آثارها السيئة، مع توقعات بأن يتعرض السوق لحالة من الكساد الشديد

وقال مجدي المنزلاوي الأمين العام لجمعية رجال الأعمال، وهي أكبر تجمع رسمي لأصحاب المشروعات المختلفة في مصر، أن الأعضاء يصرون على مطالبة الحكومة، بعدم رفع أسعار الكهرباء والمياه والغاز، المقررة في يوليو المقبل، ووضع سياسة واضحة حول أسعار الفائدة بالبنوك، وسعر العملة، حتى يكونوا على بينة عند كتابة تعاقداتهم التي تستغرق فترات زمنية لتنفيذها.

بدوره، دعا فاروق ناصر رئيس لجنة السياحة إلى استمرار المميزات التي حصل عليها قطاع السياحة أثناء أزمة انتشار وباء كورونا، مشيراً، إلى أن الحكومة لم توف بالتزاماتها وبخاصة ما يتعلق بخفض فوائد الديون وتأجيل سدادها لفترات زمنية طويلة.

وتعهد رجال الأعمال، بعدم المساس بحقوق العمال خلال الفترة المقبلة، ومطالبتهم بأن يشارك المجتمع في مواجهة كارثة اقتصادية سيكون أثرها مؤلماً للطبقات الفقيرة، وأن يكون للدولة استراتيجية واضحة للتنمية الاقتصادية تعتمد على الزراعة والتصنيع المحلي حتى لا تظل البلد

مستوردة لغذائها بهذه الطريقة، بعد أن ساهمت الحكومات المتعددة في إنتاج الفواكه بدل القمح والبقوليات وأوقفت مصانع ومنتجات تعتمد حاليا على استيرادها من الأسواق الدولية المضطربة.

أسعار فبراير: الأعلى منذ عامين ونصف..  

وقد ارتفع معدل التضخم في فبراير الماضي، لإجمالي الجمهورية، على أساس سنوي، 10%، كما ارتفع التضخم الشهري 2%، مسجلًا 121 نقطة، بحسب بيانات أسعار المستهلكين الصادرة اليوم عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وهو المعدل الأعلى منذ عامين ونصف، ظل خلالها ضمن نطاق مستهدفات البنك المركزي والمُقدرة بـ7%.

وجاءت زيادة التضخم الشهري بقيادة بند الطعام والمشروبات ذا الوزن النسبي الأكبر 33٪ من سلة السلع. بحيث ارتفعت مجموعة الخضروات 19.6%، تلتها مجموعة اللحوم والدواجن 6%، ثم الفاكهة بزيادة 5.5%، وكذلك الحبوب والخبز والألبان والجبن والبيض بنحو 2%، بحسب بيان «التعبئة والإحصاء»، الذي اطلع «مدى مصر» على نسخة منه

على المستوى السنوي، جاءت القفزة بدفع من زيادة أسعار الطعام والمشروبات، التي زادت إجمالًا 20%، إذ قفزت أسعار الخضروات بنحو 44%، تلتها الزيوت والدهون 34%، ثم السكر 19%، واللحوم والدواجن بحوالي 18%، وامتدت الزيادات كذلك إلى الألبان والجبن والبيض 16%، والحبوب والخبز بقرابة 13%، واحتلت الأسماك أقل بنود الغذاء ارتفاعًا في الأسعار مُسجلةً 6.4%.

وأوضحت رئيسة قطاع البحوث في شركة فاروس للأوراق المالية، رضوى السويفي، لـ«مدى مصر» أن ارتفاع معدل التضخم قد يدفع البنك المركزي إلى الإسراع برفع سعر الفائدة بنسبة تتراوح ما بين 1% و 1.5%، خاصة مع تزامن ارتفاعات الأسعار مع موعد رفع المجلس الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة.

ومصريون يلجأون إلى الفيديو لانتقاد النظام ومواجهة الغلاء

وفي مقابل حالة الغلاء الهستيري ، اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي المصرية، موجة كبيرة من الغضب، تزامناً مع جنون ارتفاع الأسعار الذي برز في الأيام الماضية. لكن الجديد، هو لجوء البسطاء إلى مقاطع الفيديو للتعبير عن غضبهم، وعجزهم عن ممارسة حياتهم أو إطعام أبنائهم.

وانتشرت مقاطع الفيديو، التي حَوَت صرخات البسطاء، على مواقع التواصل، واستدل بها البعض على قرب انفجار الشارع، خاصةً أن أغلبهم كانوا من مؤيدي الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفي ظل محاولات الإعلام المصري تهدئة الشارع، بدعوى أنها موجة غلاء عالمية، نتيجة أزمة أوكرانيا، ومحاولات الكتائب تدشين وسوم تدعو إلى التقشف والاستغناء

وصَاحَبَ موجة فيديوهات الغضب تصدرُ وسم #غضب_الغلابة_قادم_لامحالة، والذي عبر من خلاله الآلاف عن عجزهم عن مواكبة موجة الغلاء، وانتقادهم النظام، وتحذيراتهم من انفجار مجتمعي قريب، إن لم تستجب الدولة.

وخصّص محمد عبد الرحمن حسابه لنشر تلك الفيديوهات، ونشر أحدها، وغرد: "‏حاجز الخوف والرعب اللي قعد السيسي ونظامه يبنيه جوا قلوب الناس ابتدى في الانهيار، انتظروا خروج الملايين للشوارع والميادين بطول مصر وعرضها قريباً جداً ان شاءالله. #انتفاضة_مصر"

ونشر آخر لإحدى مؤيدات السيسي التي تعبّر عن ندمها ومعاناتها، وقال: "‏دي يا جماعه الحاجة نجاح.. من بولاق الدكرور.. أيام التفويض والانتخابات والاستفتاءات بتاخد 200 جني وتلم أصحابها وحبايبها وتنزل ترقص قدام اللجان.. النهاردة بتدفع الثمن".

واتفق معه إبراهيم أبو آدم في كسر حاجز الخوف، وكتب: "‏حاجز الخوف انكسر الشعب فاق الكل بيتكلم انتظروا نزول الشعب قريباً الناس مكوية بالغلاء ".

ونشرت داليا جميل فيديو لأحد المصريين يفند حلول عمرو أديب التي اقترحها على المصريين في الأيام الماضية لمواجهة الغلاء وكانت سبباً في هجوم على قنوات ومواقع النظام.

ورصد عمر طلبة الظاهرة وعلّق عليها قائلاً: "‏خلينا نتكلم جد شوية، الناس اللي بتعمل فيديوهات من جوه مصر تشتم في النظام ومش خايفة، دا دليل يقولك إن حاجز الخوف اتكسر وإن الناس مبتقاش تخاف، دلوقتي الشارع كله بيحكي عن اللي بيحصل غلاء الأسعار ومفيش شغل وغيرو وغيرو، أبشر يا سيسي هتحصل الثورة قريب إن شاء الله

والحكومة تحظر تصدير عدد من السلع لتهدئة الرأي العام

في محاولة لتهدأت الرأي العام وبعد حبس أكثر 25 من التجار ، أصدرت وزارة التجارة والصناعة، اليوم، قررًا بحظر تصدير الدقيق والمكرونة والفول والقمح والعدس لمدة ثلاثة أشهر، بدءًا من غدٍ الجمعة.

أثر القرار ظهر بشكل فوري على بعض هذه السلع، إذ انخفضت أسعار الدقيق لتصل إلى ستة آلاف و900 جنيه للطن، بدلًا من عشرة آلاف جنيه، ووصلت أسعار طن القمح إلى ثمانية آلاف و400 جنيه، بدلًا من ثمانية آلاف و150 جنيه، صباح اليوم، بحسب تجار ومُصدرين تحدثوا إلى «مدى مصر».

واتفقت المصادر على ضرورة وأهمية قرار الحظر، للسيطرة على أسعار السلع في الأسواق من خلال زيادة المعروض، في وقت شديد الحساسية مع اقتراب شهر رمضان، خصوصًا في ظل الزيادة المتسارعة لأسعار السلع منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا. كما توقعت المصادر أيضًا أن تصدر قرارات أخرى مماثلة لسلع جديدة مثل الزيوت والسكر.

«إحنا في كارثة ولازم الكل يشيل، الحكومة مش هتشيل الضرر لوحدها»، قال محمد شعبان، مدير التصدير بإحدى أكبر الشركات المصدرة للمكرونة في مصر.

وأضاف شعبان لـ«مدى مصر» أن مشكلة القرار تكمن في صدوره دون إعطاء المُصدرين فترة سماح لتصدير جزء من الكميات التي سبق التعاقد عليها بالفعل. «دلوقتي فيه كميات كانت بتتحمّل في الميناء ووقفوها، مين هيتحمل التكلفة دي؟»، يقول شعبان، متوقعًا أن يستثني القرار الشحنات التي تم تحميلها بالفعل في الموانئ.

وصدّرت مصر مكرونة بنحو 82 مليون دولار عام 2020، تذهب معظمها إلى أسواق شرق إفريقيا. تستحوذ كينيا وحدها على نحو 15% من إجمالي الصادرات، متبوعة بزميباواي وأوغندا.

الدقيق الذي شمله القرار، قد يؤثر على عدة دول كانت بدأت في استيراده من مصر بكثافة في الأشهر الثلاثة الأخيرة، حسبما قال وليد دياب، رئيس شعبة المطاحن السابق لـ«مدى مصر». لكنه في الوقت نفسه، اعتبر القرار سليمًا «إحنا أولى بأي طن دقيق يبقى للسوق حتى لو هنتأثر شوية»، موضحًا أن الطاقة الإنتاجية لمطاحن الدقيق الأبيض، استخراج 72، في مصر، تصل إلى 11 مليون طن، بينما يحتاج السوق إلى ستة ملايين طن فقط.

أما الفول، فقد صدر قرار الحظر بعد يوم واحد من ارتفاع سعره محليًا بنحو ألف جنيه للطن، ليسجل طن الفول البلدي 15.5 ألف جنيه، و24 جنيهًا للكيلو. هذه الزيادة المفاجئة جاءت بسبب ارتباك الأسواق العالمية، فضلًا عن زيادة الطلب على الفول لتخزينه لشهر رمضان، حسبما قال لـ«مدى مصر»، مصدر بشعبة البقوليات والحاصلات الزراعية، اشترط عدم ذكر اسمه.

ووصف المصدر، القرار بـ«القاسي» لأنه سيؤثر بالسلب على أسعار محصول الفول، المتوقع حصاده الشهر القادم، ما سيعود بالضرر على المزارعين والمصدرين على حد سواء، موضحًا أن الفول الذي تصدره مصر هو الفول عريض الحبة، بينما يستهلك معظم السوق المحلي الفول رفيع الحبة. لكن في الوقت نفسه، اعتبر المصدر القرار ضروريًا للسيطرة على تبعات الحرب بين روسيا وأوكرانيا التي قد تطول الأمن الغذائي المصري، حسبما قال.

تعتمد مصر على استيراد نحو 85% من استهلاكها من الفول، البالغ نحو 500 ألف طن سنويًا، من عدة مصادر، أهمها أستراليا وكندا.