تسريبات أم شائعات .. هل حقا يدرس جنرالات مصر الإطاحة بالسيسي؟

الأربعاء - 16 فبراير 2022

قبل وأثناء الذكرى الـ11 لثورة 25 يناير2011، ملأت شائعات مواقع التواصل الاجتماعي في مصر ونُشرت تقارير لمراكز أبحاث غربية تزعم أن هناك حالة احتقان وغضب بين جنرالات الجيش، وأنهم يدرسون الإطاحة برئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي.

هذه الأنباء غير المؤكدة التي روج لها إعلاميون معارضون بالخارج، قيل إن وراءها خشية الجنرالات من انفجار شعبي يضيع مكاسب ونفوذ العسكر الضخمة التي جنوها منذ انقلاب 2013، بحسب موقع "الاستقلال"

وقيل أيضا إنها ناجمة عن التنافس التقليدي بين العسكر، حول النفوذ والثروة وطبيعة العلاقات والأطماع العسكرية، إضافة إلى الغضب من قرارات السيسي تدوير الجنرالات، وتقليص مدة تولي كبار القادة من أربع سنوات إلى اثنتين فقط.

في المقابل، اعتبر خبراء وناشطون سياسيون أنباء هذا الصراع، "مخدرات" يجرى بثها، وربما وراءها أجهزة السيسي، لتشتيت الغاضبين عن ممارسات وقرارات السيسي، على غرار مقولات "الانقلاب يترنح" وغيرها مما تكرر منذ انقلاب 2013، ولم يتحقق.

وأكدوا أن مصالح العسكر واحدة وطالما أن السيسي يغدق عليهم العطايا، فلا خوف على نظامه، ومن غير المنطقي أن ينقلب القائد العام للجيش، وزير الدفاع محمد زكي، على السيسي، وهو رجله الذي انصاع له وانقلب على الرئيس الشرعي محمد مرسي عندما كان رئيسا للحرس الجمهوري في 2012.

وعزز الفريق الأول آراءه بتقارير أجنبية ترصد غضب قادة الجيش وتزعم تفكير حكومات غربية في خيار الوريث السابق جمال مبارك، فيما رصد الفريق الثاني تصريحات أميركية ودراسات أجنبية تتحدث عن استقرار حكم السيسي.

نظريتان متضادتان

ولتوضيح الأمر، تجدر الإشارة إلى نظريتين في أوساط معارضي السيسي داخل مصر وخارجها:

الأولى تتحدث عن وجود صراع بين الجنرالات والسيسي، بسبب رفضهم قراره في 13 يونيو/ حزيران 2021، الذي يقلص مدة بقاء رئيس الأركان وقادة الأفرع في مناصبهم بسنتين بعد أن كانت أربعا.

وهذا الاتجاه يؤيده إعلاميون معارضون منهم عماد البحيري، وياسر العمدة، ومحمد ناصر.

والثانية تنفي تماما وجود أي صراع بين العسكر، لأنهم يعيشون أزهى عصور السيطرة على الاقتصاد والنفوذ حتى ولو تركوا مناصبهم العسكرية، فلا يفقدون المزايا والمكاسب الضخمة.

ويرى أصحابها أنه حتى لو كانت هناك خلافات على النفوذ بينهم فلن تصل للانقلاب على السيسي، وأن الشعب ليس ضمن هذه القسمة بين العسكر وبعضهم البعض، وبالتالي يرون ما ينشر عن صراعات لصالح الشعب "مخدرات وأوهام" إعلامية.

ويدعم النظرية الثانية، المذيع المعارض معتز مطر، وخبراء علوم سياسية منهم خليل العناني الذي أكد أن ذلك مجرد "أوهام"

وينفي مطر ضمنا وجود صراعات بين الجنرالات والسيسي، ويرى أن الأخير لن يسمح إطلاقا بظهور أي معارض له منهم وسيقطع رقبته ويعزله فورا.

وأكد أن السيسي لم يسمح أصلا لبعض المعارضين السياسيين من "تيار الأمل" بنزول انتخابات برلمان 2020، واعتقلهم ولفق لهم قضايا عام 2019، فكيف يسمح بتيار أمل داخل الجيش؟

من جانبه، ذكر المذيع المعارض عماد بحيري في 7 يناير 2022 أنه علم من مصادر أن محمد زكي تهكم على السيسي أمام 250 ضابطا وجنديا بالجيش متجهين لمناورة في السعودية قائلا: "يبدو أننا محتاجون لشوية رز (يقصد به مال الخليج)"

وقال بحيري إن "شخصيات كبيرة جدا" (لم يحددها) تتصل به وتعطيه معلومات، وأن زكي أعطى أوامره لقادة الأفرع ألا يتم تغيير حالة الجيش إلا بقرار منه وألا يتلقوا أوامر إلا منه شخصيا.

وتحدث البحيري أيضا عن "معلومات مؤكدة أنه تم التواصل مع قيادات الإخوان في السجون وفي الخارج عن نظرتهم لمرحلة ما بعد السيسي"، كأن قيادات الجيش تريد معرفة نية الإخوان لو تم الإفراج عن المعتقلين والبدء في صفحة جديدة.

وبعث حسام الغمري، نائب رئيس حزب غد الثورة، عبر صفحته على فيسبوك خطابا مفتوحا يدعو فيه "عقلاء المؤسسة العسكرية" للتخلص من السيسي.

وللرد على اتهامهم بترويج "مخدرات" للشعب عن صراع الجيش والسيسي، دافع الغمري أن هناك وقائع في تاريخ مصر تؤكد ذلك.

أدلة غربية

واستند مؤيدو فرضية وجود صراع بين الجنرالات والسيسي، لتقرير نشره موقع "جافاج" الاستخباري الأميركي في 17 يناير 2022 يزعم أن "جنرالات مصر فاض بهم الكيل من السيسي"

موقع "جافاج"، الذي يتردد أنه تابع للاستخبارات الإسرائيلية، نقل عن مصادر مختلفة أن النخبة العسكرية الحاكمة في مصر تشعر بالقلق وتفكر في تغيير يشمل السيسي، وقوى عالمية تدرس فكرة دعم جمال مبارك كبديل له.

ونقل الموقع عن مصدر في المخابرات المصرية لم يسمه أن اجتماعا عُقد في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 في قصر ضابط عسكري كبير في ضواحي القاهرة، حضره كبار جنرالات الجيش وضباط بالمخابرات العسكرية، ناقش احتمالات قيام ثورة ضد السيسي.

وناقشوا إجراءات السيسي التي تُغضب الشعب، مثل رفع أسعار السلع والطاقة والخدمات، وتجريد الفقراء من ممتلكاتهم بحجة البناء غير القانوني وزيادة الضرائب، وأبدوا اشمئزازهم مما يفعله ووصفوه بالمجنون.

وقالوا إن السيسي يحتفظ بمعظم الثروة المسروقة لنفسه، وأنه ضيق على وصولهم إلى الأموال العامة، وأنهم ليسوا سعداء به على الإطلاق، وناقشوا ذلك مع دبلوماسيين غربيين.

كما نقل "جافاج" عن مصدر استخباراتي غربي كبير لم يسمه أن "السيسي غبي ولا يستطيع تقييم المخاطر ومتغطرس للغاية ولا يستمع إلى التحذيرات، وإذا استمر حكمه سيسقط النظام المصري كله لا هو فقط "

وأضاف أن العديد من صناع القرار في الغرب يخشون تداعيات بقاء نظامه والأضرار التي يمكن أن يسببها، وعدم الاستقرار والفوضى ما يضر بمصالح الأميركيين والإسرائيليين"

كذلك نقل عن مصدر استخباراتي عربي لم يسمه أن محمود نجل السيسي يدير الدولة رغم أنه "عديم الخبرة" ويعاني من عيوب والده ويتجاهل النصيحة، والأنا لديه متضخمة، ويتصرف كأنه من عائلة "ملكية"، وسيخلف والده.

لكن المصدر قال: "في الوقت الحالي، لا يوجد انقلاب عسكري في طور الإعداد، لكن لا يمكن استبعاده"

كما كان ملفتا أن الجنرال فرانك ماكنزي قائد القيادة المركزية الأميركية لم يلتق السيسي خلال زيارته القاهرة في 10 فبراير 2022 على غير المعتاد، حيث كان آخر لقاء جمعهما في 22 فبراير 2021.

ووصف الضابط السابق في سلاح الطيران المصري "شريف عثمان"، المقيم حاليا في أميركا، عدم لقاء القائد الأميركي بالسيسي، واجتماعه فقط بوزير الدفاع "غير طبيعي وهناك أمر غير معروف وراء ذلك"

من جانبها، أصدرت وزارة الدفاع المصرية لقطات مسجلة من لقاء قائد المنطقة المركزية الأميركية مع وزير الدفاع المصري محمد زكي فقط، وبحضور السفير الأميركي.

وما عزز وجود شيء غير طبيعي في تجاهل قائد القيادة المركزية الأميركية لقاء السيسي هذه المرة، تأكيد ماكنزي للصحفيين قبل وصول طائرته القاهرة "وجود مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان"، حسبما نقلت وكالة رويترز البريطانية في 9 فبراير.

في حوار آخر مع موقع "الأهرام أون لاين" المصري في 10 فبراير أشار ماكنزي ضمنا لقلق أميركا من عدم استقرار محتمل، حين أوضح أن "مصر مهمة جدا بالنسبة لنا في المنطقة".

وقال إنه ناقش مع وزير الدفاع المصري "مدى أهمية مصر للولايات المتحدة والقيادة المركزية الأميركية من نواح كثيرة"

وشدد على أهمية قناة السويس لأميركا، وقدرة مصر على توفير ممر آمن في القناة للتجارة العالمية، مع انتشار أنباء أخيرا عن اقتراب عناصر تنظيم الدولة من الممر الملاحي الإستراتيجي.

نظام السيسي مستقر

وبينما أثارت تصريحات ماكنزي عن انتهاك النظام المصري لحقوق الإنسان، تساؤلات عن توتر في العلاقات وربما دعم أميركي ضمنيا لوزير الدفاع ضده، جاءت تصريحات المرشح الجديد للقيادة المركزية الأميركية مؤكدة على استقرار حكم السيسي.

فحين سئل الجنرال مايكل كوريلا خلال اجتماع لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ لبحث تعيينه قائدا جديدا للقيادة المركزية الأميركية، بعدما اختاره جو بايدن لهذا المنصب في 7 يناير 2022، عن النظام في مصر، قال إنه "مستقر"!

وبحسب وثيقة اطلعت عليها "الاستقلال"، قال كوريلا ردا على سؤال: ما تقييمك للوضع الأمني في مصر؟ إن "الوضع السياسي والأمني في مصر مستقر، لكنها تواجه مصاعب داخلية تتمثل في ضعف الاقتصاد والفقر وندرة المياه والتطرف في سيناء".

وحين سئل عن تقييمه لـ"خطر الإخوان المسلمين والقاعدة وتنظيم الدولة على الوضع الأمني في مصر واستقرار السيسي"، و"هل يجب أن تشمل إستراتيجية أميركا في مصر، مشاركتها في مواجهة كل من هذه المجموعات؟"

قال: "أعتقد أن حكومة السيسي لا تزال قادرة أن تحبط المتطرفين العنيفين، ويجب أن تركز الجهود العسكرية الأميركية على مكافحة الجماعات الإسلامية، بما في ذلك القاعدة وتنظيم الدولة في سيناء"

وبحسب دراسة لمعهد كارنيغي للشرق الأوسط (مقره بيروت) في 17 مارس/ آذار 2021 "تتطلب العلاقة بين السيسي والجيش أن يستوعب جيشا كبيرا، ويراعي مصالحه التنظيمية والاقتصادية كي يضمن الاحتفاظ بدعمه له في الحكم"

وذكرت الدراسة أن "السيسي اعتمد في إدارة العلاقات مع الجيش على تكتيكات تتعلق بالسيطرة العسكرية على أجزاء كبيرة من الاقتصاد لتبادل الولاء العسكري مقابل شريحة من الاقتصاد"

لكن "نظرا للتحديات والصعوبات الكبيرة التي تواجهها مصر، فإن قدرة السيسي على الوفاء بهذه الصفقة أمر غير مؤكد"، بحسب "ريسا بروكس" أستاذة العلوم السياسية بجامعة ماركيت الأميركية، كاتبة الدراسة.

وأضافت أنه "مجرد الاعتماد على الجيش أو الدوائر المقربة داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية كقاعدته السياسية، يترك السيسي ضعيفا ومن المحتمل الاستغناء عنه كزعيم سياسي للبلاد"

لذا "هو يحتاج لسلطة مستقلة أخرى في الدولة العميقة والمجتمع لموازنة اعتماده على هذا القطاع العسكري الذي يشكل تهديدا له وبقاء سيطرته"، وفق دراسة كارينغي.

لكن "معضلة السيطرة" التي يتبعها السيسي لموازنة قوة الجيش عبر إنشاء دائرة داعمة له من خارج الجيش، سواء من المجموعات المدنية السياسية أو الاقتصادية، لن تنجح لأنها دوائر قمعها السيسي بدل رعايتها فبات وحيدا.

حتى سعي السيسي لتوسيع الدور الإقليمي للجيش، عبر تدريبات بحرية وجوية وأرضية مع دول عربية وأجنبية مشتركة لشغل الجيش خارجيا غير مجدية.

وأوضحت أن السيسي يحاول إظهار تركيزه على التهديدات الخارجية ويتحجج بمصالح الأمن القومي، بينما هدفه أن يجعل الضباط مشتتين وبعيدين عن السياسة الداخلية للبلاد.

وأكدت أنه "لم ينجح في التودد إلى جنرالاته من خلال سياساته توسيع الدور الخارجي للجيش، وأثار قراره بالتنازل عن جزيرتين مصريتين للسعودية قلقا كبيرا".

وأضافت: "ولأنه يدرك خطر الجيش يتبع سياسة الباب الدوار كأسلوب شائع في العلاقات الاستبدادية عبر تناوب وإقالة الجنرالات بغرض تعيين موالين ومتشابهين في التفكير في مناصب رئيسة وتدجين الجيش ككل"

كما أشارت دراسة كارنيغي إلى أن تعيين السيسي نجله محمود في منصب رئيسي بالمخابرات العامة كان بغرض أن يساعده نجله في تنظيم عمليات التطهير والفصل، لإبقاء القطاع العسكري الأمني تحت السيطرة.

المعادلة بالتالي، كما ترسمها مراكز الأبحاث الغربية، هي أن السيسي يعتمد من أجل السيطرة، على إبقاء الجيش راضيا وسعيدا كي يضمن منصبه، وعلى قدرته في التلاعب وخلق المنافسة داخل المؤسسة العسكرية.

لكن هذه الصيغة لها مخاطر، وتجعل السيسي، المهدد من العسكر، والذي يواجه حالة من السخط الداخلي، يعتمد أكثر على الجيش ما يؤدي عمليا لتحويل السلطة ليد الجيش، بحيث إذا تعثر حكمه، يتواطأ الجنرالات عليه ويحلوا محله.

المصدر: الاستقلال