ترحيب حقوقي حذر بإنهاء حالة الطوارئ بمصر

الثلاثاء - 26 أكتوبر 2021

في حلقة جديدة من حلقات محاولات السيسي للتزلف للأمريكان ، بعد إغلاق ملف قضية التمويل الأجنبي للمنظمات الحقوقية ، أعلن السيسي، مساء أمس الإثنين، بشكل مفاجئ إلغاء حالة الطوارئ على مستوى الجمهورية، وذلك لأول مرة منذ سنوات .. وسط ترحيب حقوقي حذر ومطالبات بإنفراجة حقوقية حقيقية، و محاكم أمن الدولة باقية للنظر في القضايا السابقة!، ومن خلال سطور هذا التقرير نرصد أهم النتائج المترتبة على هذا القرار .. كما نستعرض التاريخ الأسود لفرض حالة الطوارئ في مصر ..

وجاء القرار المفاجئ لعبد الفتاح السيسي في تدوينة قصيرة نشرها عبر حساباته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، قائلاً: "يسعدني أن نتشارك معاً تلك اللحظة التي طالما سعينا لها بالكفاح والعمل الجاد، فقد باتت مصر بفضل شعبها العظيم ورجالها الأوفياء واحة للأمن والاستقرار في المنطقة، ومن هنا، فقد قررت، ولأول مرة منذ سنوات، إلغاء مد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد"

وكان السيسي أصدر 18 قراراً متوالياً بإعلان وتمديد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، كل قرار منها لمدة ثلاثة أشهر؛ في مخالفة صريحة لأحكام الدستور، تحت مزاعم الظروف الأمنية الخطيرة التي تمر بها الدولة المصرية

ترحيب حقوقي حذر

من جانبها، رحبت منظمات حقوقية وحقوقيون بشكل حذر ، بهذا القرار ..

و ينتظر محامون وحقوقيون وأسر عدد من سجناء الرأي والحريات في مصر، خطوات إيجابية، في أعقاب إصدار القرار ..

وقدّم المحامي الحقوقي المصري، طارق العوضي، في بث مباشر على صفحته في "فيسبوك"، مساء أمس الإثنين، إجابات عن الأسئلة التي تراود أسر السجناء السياسيين وأهاليهم، بتوضيح أهمية القرار بناءً على تصنيف السجناء السياسيين نوعين: النوع الأول هم المحالون على محاكم أمن دولة عليا طوارئ أو جنح أمن دولة طوارئ أو الصادر ضدهم أحكام من محاكم أمن الدولة عليا طوارئ ما زالت في مرحلة التصديق أو رُفض التصديق عليها وإعادة المحاكمة.

وقال العوضي إنّ "هؤلاء لن يستفيدوا بأي حال من الأحوال من قرار إلغاء مدّ العمل بقانون الطوارئ، وسيخضعون للمحاكم الاستثنائية التي تصدر حكماً واحداً لا يقبل المعارضة أو الاستئناف أو النقض، ولا يلغيه إلا التظلم إلى الحاكم العسكري، وهو رئيس الجمهورية أو من يفوضه".

هذا النوع من السجناء سيظل مطبقاً عليهم قانون الطوارئ، رغم إلغاء العمل به، بمعنى أن إلغاء القانون لا يعني إلغاء محاكم أمن الدولة عليا طوارئ. ومع ذلك، فقد أبدى العوضي تفاؤلاً بالطعن على أحكام أمن الدولة عليا طوارئ لاحقاً، ولا سيما أنّ قانون الإرهاب وقانون الطوارئ يشوب بعض موادهما شبهة عدم الدستورية.

وأبدى العوضي تفاؤله بإعلان المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أنّ هناك قرارات أخرى ستتبع قرار إلغاء قانون الطوارئ.

أما النوع الثاني من السجناء السياسيين ممن سينتفعون من هذا القرار، فهم المحبوسون احتياطياً على ذمة قضايا دون أن يحالوا على المحاكمة أو المخلى سبيلهم على ذمة قضايا سياسية، بحسب العوضي، موضحاً أنّ النوع الثاني من السجناء السياسيين سيُحالون على المحاكم العادية الخاضعة لقانون الإجراءات الجنائية، وسيُطعَن في تلك الأحكام من خلال النقض وإعادة الإجراءات والمعارضة والاستئناف في ما يتعلق بالجنح.

وتنص المادة الـ (19) من قانون الطوارئ على أنه "عند انتهاء حالة الطوارئ تظل محاكم أمن الدولة مختصة بنظر القضايا التي تكون محالة عليها وتتابع نظرها وفقاً للإجراءات المتبعة أمامها. أما الجرائم التي لا يكون المتهمون فيها قد قدموا إلى المحاكم، فتُحال على المحاكم العادية المختصة، وتتبع في شأنها الإجراءات المعمول بها أمامها"

كذلك تنص المادة الـ (20) من ذات القانون على أنه "يسري حكم الفقرة الأولى من المادة السابقة على القضايا التي يقرر رئيس الجمهورية إعادة المحاكمة فيها طبقاً لأحكام هذا القانون. ويبقى لرئيس الجمهورية كافة السلطات المقررة له بموجب القانون المذكور بالنسبة للأحكام التي تكون قد صدرت من محاكم أمن الدولة قبل إلغاء حالة الطوارئ ولم يتم التصديق عليها، والأحكام التي تصدر من هذه المحاكم طبقاً لما تقرره هذه المادة والمادة السابقة"

كما فسّر المحامي الحقوقي، خالد علي، بدوره بعض مواد قانون الطوارئ الملغي، لتوضيح موقف السجناء السياسيين في مصر

وقال، في منشور على صفحته في "فيسبوك"، مساء الاثنين، إنّ "القضايا التي ما زالت في التحقيقات ولم تصدر النيابة قراراً بإحالتها للمحاكمة. عندما تحال بداية من الغد تكون المحاكمة أمام القضاء العادي وليس أمن الدولة طوارئ، أما القضايا التي صدر بشأنها قرارات حتى تاريخ اليوم بإحالتها للمحاكمة أمام الطوارئ، فتظل محاكم أمن الدولة طوارئ هي التي تنظرها، وينطبق عليها قانون الطوارئ رغم إنهاء حالة الطوارئ اليوم".

وأكد علي أنّ "نفس هذه القاعدة الأخيرة تنطبق على القضايا التي رفض الحاكم العسكري التصديق على الأحكام الصادرة فيها، وقرر إعادة محاكمتها سوف تتم إعادة المحاكمة أمام محاكم الطوارئ ووفقاً لإجراءات قانون الطوارئ"، مشيراً إلى أنّ "بعض هذه النصوص ما هو مطعون عليه أمام المحكمة الدستورية للفصل في مدى مخالفتها للدستور من عدمه"

من جهته، طالب أستاذ القانون والفقيه الدستوري المصري، نور فرحات، بإلحاق خطوة إلغاء الطوارئ "الضرورية والمهمة" في مصر، بخطوات لا تقل عنها ضرورة من أجل إعطائها "مضموناً حقيقياً بحماية الحريات العامة ومبدأ سيادة القانون العادل واستقلال القضاء، إذ ما زالت الترسانة التشريعية حافلة بنصوص مخالفة للدستور ولأحكام المحكمة الدستورية وللمواثيق الدولية لحقوق الإنسان"

وعلّق فرحات على قرار إلغاء الطوارئ بالقول، في منشور على صفحته في "فيسبوك"، مساء الاثنين، إنّه "لا بد من ضبط مواد التجريم في قانون الإرهاب والكيانات الإرهابية بحيث يمتنع تطبيقها على أصحاب الرأي المعارض، ويقتصر تطبيقها على الإرهابيين الحقيقيين الذين يرفعون السلاح أو يهددون، به وهو الأمر المتعارف عليه دولياً"

ارتباك بين المصريين بعد رفع حالة الطوارئ

وأثار إعلان السيسي رفع حالة الطوارئ، المعمول بها في البلاد منذ سنوات، مواقف متباينة بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، إذ احتفت به الكتائب الإلكترونية المؤيدة للنظام الحاكم، بينما عبّر معارضون عن حذرهم وخوفهم من الالتفاف على هذا القرار

حيث علقت الناشطة الحقوقية ماهينور المصري – عبر تويتر - : "أنا الحقيقة مهتمة بصياغة موضوع وقف تمديد حالة الطوارئ أكتر من الوقف نفسه، عارفة إن ناس هاتقول في الواقع مش فارقة والعملي مش هايفرق قوي، بس فعلاً اللغة المستخدمة مختلفة، ممكن الناس تقرر استخدام ده في محاولات الضغط، ولكن أنا فعلاً محتاجة أتمعن في فهم النقلة في الصياغة والتوقيت".

وقال المحامي أحمد حلمي: ‏"هام للغاية، منذ دقائق صدر قرار بعدم مد حالة الطوارئ وإنهاء العمل بقانون الطوارئ، بالتالي كل القضايا المنظورة أمام محكمة الطوارئ، ومنها قضية علاء عبد الفتاح ومحمد الباقر، تحال إلى محكمة الجنح العادية، ويصبح لنا حق الطعن بالاستئناف والنقض على أحكامها".

وكتب الحقوقي جمال عيد: ‏"الإفراج عن سجناء الرأي، الإفراج عن كل من تجاوز مدة الحبس الاحتياطي. لا بديل ولا إجراءات شكلية، استراتيجية حقوق الإنسان كاذبة، مجلس حقوق الإنسان أكذوبة".

وغرّد هيثم أبو خليل: ‏"خبر حلو إلغاء حالة الطوارئ، وبالتالي إلغاء محاكم أمن الدولة العليا طوارئ سيئة السمعة، والسماح بالتجمعات والاحتجاجات، وإلغاء الاعتقال التعسفي"، متسائلاً: "هل كان يحتاج العسكر حالة الطوارئ لممارسة كافة الانتهاكات؟، كافة المجازر ارتكبت قبل فرض حالة الطوارئ #الطوارئ".

وطالبت الصحافية رشا عزب ساخرة من تصريح السيسي: ‏"طلعوا المحبوسين والمظلومين، يلعبوا في واحة الأمان لو سمحت".

وشارك مجدي كامل: ‏"الطوارئ حالة بتبيح لرئيس الجمهورية اتخاذ إجراءات استثنائية، والسيسي مش محتاج الحالة دي، لأن السلطات كلها بقت متركزة في إيده، والإجراءات الاستثنائية بقت مقننة ووضع طبيعي، والسؤال: هل بعد رفع حالة الطوارئ ستشهد مصر حالة أخرى من الحريات العامة والديمقراطية؟".

وكتبت الباحثة إيمي هاثورن: "هل الحكومة تريد الإشارة إلى يوم جديد في مصر؟". وطالبت بـ"الإفراج عن السجناء السياسيين، ووقف التعذيب، والسماح بالاحتجاج، وإصلاح وسائل الإعلام، والمنظمات غير الحكومية وما إلى ذلك... وإنهاء حالة الأمن!".

محاكم أمن الدولة باقية للنظر في القضايا السابقة!

ورغم إلغاء الطوارئ ،  تردد سؤال حول ما هو موقف القضايا المنظورة أمام محاكم أمن الدولة طوارئ؟ فهذه المحاكم هي جزء من تفعيل قانون الطوارئ، الذي ينص على نظام قضائي خاص هو محاكم أمن الدولة طوارئ (للجنح) ومحاكم أمن الدولة العليا طوارئ (للجنايات) وكلاهما لا يجوز الطعن على أحكامها، بأي وجه من الوجوه، ولا تكون أحكامهما نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية

ويجيز القانون لرئيس الجمهورية أو من يفوضه (وهو في الحالة الواقعية رئيس الوزراء) أن يصدر قرارات بإحالة أنواع معينة من الجرائم إلى تلك المحاكم، وهو ما كان يحدث على مدار السنوات الأربع ونصف الماضية

وتعود إجابة التساؤل إلى نص المادة 19 من القانون، التي تنص على أنه عند انتهاء حالة الطوارئ، تظل محاكم أمن الدولة قائمة (أو دوائر الجنح والجنايات العادية منعقدة بهيئة أمن دولة طوارئ)، وتختص بنظر القضايا التي تكون قد أحيلت إليها فعلا في ظل حالة الطوارئ، وتتابع نظرها، وفقاً للإجراءات المتبعة أمامها. أي استمرارها في نظرها دون أي تغيير في الإجراءات

أما الجرائم التي تكون قيد التحقيق ولم يحل المتهمون فيها إلى المحاكم، فتحال إلى المحاكم العادية المختصة وتتبع في شأنها قواعد قانون الإجراءات الجنائية، بحسب نص المادة.

وبالنسبة لقضايا الطوارئ التي قرر رئيس الجمهورية إعادة المحاكمة فيها، فتنص المادة 20 من قانون الطوارئ على أن تعاد المحاكمة فيها وفقا لهذا القانون، أي أمام محاكم أمن الدولة طوارئ، كما حدث في مرحلة التقاضي الأولى

التاريخ الأسود للطوارئ بمصر

منذ سَّن قانونها في 1958 جرى تطبيق حالة الطوارئ أربع مرات بشكل كامل في أنحاء البلاد لأكثر من نحو نصف قرن إجمالاً، بالإضافة إلى مرتين في نطاق جغرافي محدد، لأسباب تنوعت بين الحرب واغتيال رئيس وفض اعتصامين وتفجيرات "إرهابية" .

حالات تطبيق الطوارئ في مصر كلية أو جزئية ، ففي أبريل/نيسان 2017 وقع تفجيران انتحاريان تبناهما تنظيم "داعش" الإرهابي، واستهدفا كنيستين شمالي مصر، إحداهما المقر البابوي خلال احتفالات مسيحية بأسبوع الآلام، وأسفرا عن 45 قتيلاً و125 جريحاً، حسب إحصائية رسمية.

وآنذاك أعلن السيسي حالة الطوارئ للمرة الرابعة في تاريخ البلاد لمدة ثلاثة شهور بكل أنحاء البلاد، وذلك بعد 50 عاماً من استخدام هذا القانون للمرة الأولى.

وعقب 17 مد لحالة الطوارئ آخرها في يوليو/تموز الماضي لمدة 3 شهور قرر السيسي الاثنين إلغاء المدّ.

ووصف المتحدث باسم الرئاسة المصرية بسام راضي هذا القرار في تصريح متلفز بأنه "تاريخي".

في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 انتهى قرار الرئيس حينها عدلي منصور إعادة العمل بالطوارئ لمدة شهر في أنحاء البلاد، بعد أن جرى مدها مرة واحدة لمدة شهرين عقب فض اعتصامَي ميدانَي "رابعة العدوية" و"نهضة مصر" في القاهرة الكبرى يوم 14 أغسطس/آب 2013، إثر سقوط قتلى وجرحى واندلاع أعمال "عنف".

في 31 مايو/أيار 2012 وقف المجلس العسكري الحاكم آنذاك خلال الفترة الانتقالية العمل بحالة الطوارئ في أنحاء البلاد.

وجاء ذلك بعد 31 عاماً من تطبيقها إثر اغتيال الرئيس محمد أنور السادات (حكم بين 1970 و1981) في 6 أكتوبر/تشرين الأول 1981.

واستمرت حالة الطوارئ هذه في عهد خلفه الرئيس الراحل محمد حسني مبارك (1981-2011) تحت أسباب عديدة، بينها مواجهة الإرهاب.

في مايو/أيار 1980 ألغى السادات تحت ضغوط سياسية العمل بحالة الطوارئ بعد 13 عاماً من إعلانها من سلفه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر (حكم بين 1956 و1970)، في 5 يونيو/حزيران 1967، فيما عُرف بـ"النكسة".

وكانت هذه أول مرة يُطبق فيها قانون الطوارئ الصادر في 1958، وذلك إثر احتلال إسرائيل شبه جزيرة سيناء (شمال شرق)، قبل أن تحرر مصر معظمها في حرب 1973.

وبخلاف تطبيقها أربع مرات في أرجاء البلاد كافة، جرى إعلان حالة الطوارئ في نطاق جغرافي محدد لمرتين.

في يناير/كانون الثاني 2013 أعلن الرئيس المصري آنذاك محمد مرسي (2012-2013) إعادة العمل بقانون الطوارئ جزئياً لمدة شهر، بسبب أحداث شغب في المحافظات الثلاث المطلة على قناة السويس (شمال شرق)، وهي السويس والإسماعيلية وبورسعيد

في أكتوبر/تشرين الأول 2014 خلال عهد السيسي جرى إعلان حالة الطوارئ جزئياً في محافظة شمال سيناء إثر هجوم إرهابي مزدوج قُتل فيه أكثر من 30 جندياً

ومُدّت الحالة من حينها كل 3 شهور، وآخر قرار مدّ كان في يناير/كانون الثاني 2017

ولتطبيق الطوارئ توجد إجراءات أولية دستورية ينبغي اتخاذها لإعلان هذه الحالة التي تدوم لثلاثة شهور قابلة للمد بطلب برئاسي للبرلمان وفق الدستور المصري

حيث يصدر الرئيس المصري قراراً بتطبيق حالة الطوارئ ويوجهه إلى الحكومة للموافقة عليه وإعلان موعد بدء سريان القرار، ويجري عرضه على البرلمان.