تحقيقات وكمائن وأسوار .. لماذا يضيّق السيسي على دخول المصريين إلى سيناء؟

الاثنين - 25 يوليو 2022

مع حرارة الصيف واتجاه كثير من المصريين كعادتهم إلى منتجعات جنوب سيناء السياحية للاستمتاع بالبحر، فوجئ كثير منهم بتوقيفهم من طرف عشرات الكمائن الأمنية المنتشرة على الطريق والتحقيق معهم وإجبارهم على العودة إلى القاهرة.

مصريون رووا لموقع "الاستقلال" وكتبوا عن قصص منعهم من دخول جزء من بلادهم (سيناء)، وكيف تعاملت معهم قوات الأمن بطريقة "الفرز"، تسمح لمن تشاء بالدخول، وتعيد الأغلبية من حيث أتوا لـ "أسباب مجهولة" كما قال بعضهم.

ومع تداول كثير من القصص المشابهة على منصات التواصل الاجتماعي، انتشر جدل بشأن أن ذلك مخطط مقصود ومتفق عليه بين نظام عبد الفتاح السيسي والصهاينة، لعزل سيناء عن مصر، وجعلها آمنة للإسرائيليين.

مخطط مدروس

ومنذ أبريل 2022 فتح عبد الفتاح السيسي، سيناء، للإسرائيليين في ذكرى تحريرها منهم، لتعويض السياحة الروسية والأوكرانية، ما أغضب المصريين بشدة.

وسبق هذه الخطوة زيارات مسؤولين أمنيين صهاينة، بينهم وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين لشرم الشيخ في 9 مارس 2021، بصحبة وفد أمني لمعاينة منطقة سيناء استعدادا لتدفق الإسرائيليين.

وضمن الترتيبات الأمنية لتدشين هذا الخط، استقبل السيسي ورئيس المخابرات العامة عباس كامل أيضا في 8 أغسطس 2021 رئيسي مجلس الأمن القومي الإسرائيلي القديم مئير بن شبات، وخليفته الجديد في المنصب، إيال حولاتا.

كما أنهت مصر في عام 2021 بناء سور حول شرم الشيخ من الخرسانة والأسلاك بطول 36 كيلومترا لحماية السياح الإسرائيليين ضمن هذه الترتيبات الأمنية لزيادة أعداد السياح الإسرائيليين للمدينة.

وتبع هذا تدفق الإسرائيليين على سيناء عبر خطي طيران من إيلات وبن جوريون لشرم الشيخ والقاهرة، بخلاف معبر طابا الذي يشهد زحاما غير عادي، وفق ما يسمى "رابطة المصريين في إسرائيل" عبر فيسبوك في 14 يونيو/ حزيران 2022.

وخلال عيد الأضحى الأخير، توجه عشرات الآلاف من سياح إسرائيل إلى مصر لقضاء العطلة في سيناء، وقدرت وزارة الطيران الإسرائيلية سفر 17 ألف منهم بالطائرات لشرم الشيخ ودخول قرابة 100 ألف آخرين عبر معبر طابا.

وسبق أن أقامت شركتان إسرائيليتان هما "وي غراوندد" و"نابيا" مهرجانين للرقص في طابا ونويبع بسيناء من 15 إلى 23 أبريل 2022.

وتبنت الحفلتان شعارات مثل "العودة إلى سيناء" و"سيناء تنتظرنا"، و"لا تفرط في سيناء"، التي تشير إلى عودة اليهود إلى أرض الميعاد المزعومة (مصر) بعدما غادروها إبان الحقبة الفرعونية.

ولا يحتاج الإسرائيليون إلى تأشيرة لدخول مصر إذا وصلوا عبر معبر طابا، وعليهم فقط دفع رسوم دخول تعادل قرابة 22 دولارا فقط (400 جنيه) تشمل دخولهم سيناء ثم عودتهم إلى إيلات.

وفي مايو/أيار 2022، وخلال احتفالات لهم بسيناء، استفز إسرائيليون مصر برفع أعلام إسرائيل على شواطئ سيناء، ما أثار غضبا شعبيا ضد الحكومة المصرية.

وقالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 10 مايو، إن الأمن المصري اعتقل إسرائيليين، رجلا وامرأة، في سيناء بعد أن لوحا بالأعلام الإسرائيلية في مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي.

وذكرت أن الأمن عد رفع العلم استفزازا أغضب المصريين وأن هذا الفعل يمثل تحديا لسيادة مصر على سيناء، واحتجزهما يومين حتى تدخلت السفارة الإسرائيلية ووزارة الخارجية الصهيونية وتم إطلاق سراحهما.

كما تم رفع العلم الإسرائيلي خلال مهرجان هاشماليكو الموسيقي الإسرائيلي على ساحل مدينة نويبع شرق سيناء في الفترة من 4 إلى 7 مايو، وهو ما قوبل بإدانة من نشطاء مصريين، في مقدمتهم حركة مقاطعة إسرائيل.

"سيناء ليست لنا"

"الأمر يتوقف على من هم في الكمين ومزاجهم، حيث يقوم الأمر على الانتقاء، فحين ذهبنا في رحلة إلى عيون موسى بسيناء تصادف أن كان بعض ضباط شرطة الكمين من قريتنا بالمنوفية وضحكوا معانا ودخلنا رغم أنه كان فيه سياح يهود"

هكذا قال شاب مصري عن تجربته في السفر للاستجمام في سيناء هو وأصدقائه لـ "الاستقلال" مفضلا عدم ذكر أسمه.

"الحافلة توقفت قرابة 10 مرات في 10 كمائن أمنية مختلفة، وكل كمين يطلب منا بطاقات الهوية الشخصية ويفتش الحقائب وينزلها من الحافلة برغم أن الكمين السابق فعل ذلك من قبل، حتى وصلنا شرم الشيخ في 11 ساعة بدلا من 4"

هكذا يروي "مهند"، وهو اسم مستعار لـ "الاستقلال" ما جرى للرحلة السياحية التي كانت تقله للإقامة في فندق بشرم الشيخ، مشيرا لإنزال شبان من الرحلة وعدم السماح بوصولهم دون أي أسباب ولا نعرف ماذا حدث لهم.

ونقل موقع "مونيتور" الأميركي في 14 يوليو، عن مصريين تجاربهم في التعامل مع الأمن وإعادتهم إلى القاهرة ومنعهم من دخول سيناء رغم حجز بعضهم في بعض الفنادق بالفعل.

وقالت إيناس نور الدين، وهي طالبة جامعية للمونيتور، إنه تم منعها هي و12 من زملائها في الجامعة من دخول جنوب سيناء وأجبر الأمن السائق على العودة إلى القاهرة و"تعاملوا معنا بعدوانية حين أصررنا على العبور"

وقال الفنان المصري أحمد نبيل، إنه كان في طريقه مع صديق إلى أحد فنادق جنوب سيناء لإحياء حفل موسيقي، ولم يتمكن من الحضور حيث زعمت قوات الأمن أنه لا يملك تصاريح لدخول جنوب سيناء!

كما تحدث موظف بشركة نقل ركاب للمونيتور عن عدة حوادث تعرض لها أثناء قيادة سياح مصريين إلى جنوب سيناء وشرم الشيخ.

وقال: "أُجبر العديد من الركاب على العودة إلى القاهرة ومُنعوا من الدخول دون أي مبرر"، "كانت قوات الأمن توقفنا ويطلب ضابط من الركاب بطاقات الهوية الوطنية. ثم يختار بعد ذلك أولئك الذين يمكنهم المرور وأولئك الذين يجب أن يعودوا "

وفي 3 يوليو، كتب الناشط عبد الرحمن طارق "موكا"، على فيسبوك يروي كيف منعته السلطات الأمنية على طريق جنوب سيناء من الوصول إلى مدينة دهب الساحلية بسيناء، وأجبروه على العودة للقاهرة، بعد إخضاعه لفحص أمني.

قال إن ضباط الكمين سألوه كيف يريد الذهاب للمصيف وهو لسه خارج من السجن من شهر؟!

وأفرجت السلطات المصرية عن موكا من سجن طرة بالقاهرة منذ أقل من شهر، بعد قرابة عامين ونصف العام في الحبس الاحتياطي، حيث اعتقل في سبتمبر/ أيلول 2019 وأطلق سراحه أخيرا.

حماية الإسرائيليين

"السبب هو تدفق السياحة الإسرائيلية بكثافة على سيناء وفتح معبر طابا للإسرائيليين منذ 3 يوليو، دون توقف على مدار 24 ساعة، كما أعلنت وزارة النقل الإسرائيلية، والترحيب بالسياحة الإسرائيلية وحمايتها"

هكذا برر ضابط سابق لـ "الاستقلال" هذه التشديدات الأمنية في سيناء برغم أنها انتهاك للدستور المصري وحقوق المصريين في التنقل.

أوضح أن هناك اتفاقات أمنية وقعتها إسرائيل مع مصر قبل بدء تدفق السياح الصهاينة لتأمينهم وفتح خطي طيران مباشر من إسرائيل لشرم الشيخ والقاهرة لتخفيف زحام معبر طابا من الأعداد الكثيفة من سياح إسرائيل.

ومن الناحية القانونية، لا يوجد تصريح دخول مطلوب للذهاب إلى جنوب سيناء، وتنص المادة 62 من الدستور على أن "حرية التنقل والإقامة والهجرة مكفولة ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن أراضي الدولة أو منعه من العودة إليها"

"ولا يجوز منع أي مواطن من مغادرة أراضي الدولة أو منعه من الإقامة في منطقة معينة إلا بأمر قضائي مسبب لفترة زمنية محددة، وفي الحالات التي يحددها القانون"

ومنذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979، يدخل السياح الإسرائيليون إلى سيناء بدون تأشيرة سفر، وكثيرا ما يصلون إلى مصر عبر المنافذ الحدودية البرية، وبالأخص معبر طابا.

ويُغضب ذلك المصريون الذين يشكون من صعوبة الوصول لسيناء بلادهم بسبب القيود الأمنية وإعادتهم أو اعتقال بعض من يحاولون دخولها.

وظلت سيناء منذ الستينيات بيد الإسرائيليين عسكريا وسلميا، فاحتلها الكيان الصهيوني عسكريا عقب حرب عام 1967، وبعد اتفاق السلام 1979 تم فتحها مجانا لهم للسياحة على حساب أهلها.

فبدعوى السلام، تم إخلاؤها للصهاينة عبر تهجير أهالي شرقها في رفح والشيخ زويد، ومنع دخول المصريين من المدن المختلفة هناك بدعوى محاربة "تنظيم الدولة" ومخاوف انضمام مصريين لهم.

ووصل الأمر إلى تعاون عسكري هو الأول من نوعه بين القاهرة وتل أبيب في سيناء، بالسماح للطيران الإسرائيلي بضرب أهداف هناك خدمة للجيش المصري ضد تنظيم ولاية سيناء، واعترفت بها صحف ومسؤولون إسرائيليون.

وفي 4 يناير/كانون الثاني 2019، اعترف عبد الفتاح السيسي في برنامج 60 دقيقة على قناة "سي بي إس" الأميركية، أن "إسرائيل تشن غارات في سيناء بالتنسيق معنا"

لينتهي الأمر حاليا بمنع كل المصريين تقريبا من دخول سيناء كاملة، ووصفهم بأنهم غير مرحب بدخولهم إليها للسياحة، خشية مضايقة السياح الإسرائيليين، وقصر الأمر على أعداد محدودة من أصحاب الأملاك في المنتجعات.

وهذه التطورات تذكر بدعوة غريبة أطلقها رجل الأعمال صلاح دياب مالك صحيفة "المصري اليوم" الموالية للنظام في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، لفصل سيناء عن مصر وتعيين "حاكم" مستقل لها في مقال كتبه باسم "نيوتن".

أثار ذلك غضب المصريين وتساؤلات عن أسباب إطلاق هذه الدعوات بالتزامن مع فشل صفقة القرن حينئذ، وهل بدأ مخطط تفكيك مصر، بداية بسيناء وشمال الدلتا؟ أم أن الأمر بالون اختبار، وتردد التحقيق معه وانتهى الأمر بصورة عادية.

نفس الفكرة سبق أن طرحها أيضا السفير المصري السابق المفكر الليبرالي "عز الدين فشير" في نفس الصحيفة، في 4 مارس/آذار 2018، بحجة أنه لا يوجد حق أو دليل تاريخي يثبت ملكية مصر لسيناء، ما أثار هجوما عليه.

الآن تطور الأمر من تهجير أهالي سيناء وانتهاك الطيران الإسرائيلي لسيادتها، وتوطين الإسرائيليين هناك بفعل الزيارات المكثفة التي لا تنقطع عبر معبر طابا وخطي طيران إلى منع المصريين، ثم ترتيبات أمنية محددة لحماية الصهاينة من المصريين.