تحركات مصرية مشبوهة لاستكمال عسكرة الحكم بالسودان ووأد الثورة
الثلاثاء - 4 يناير 2022
كشفت مصادر مصرية خاصة أن مسؤولاً مصرياً رفيع المستوى في جهاز المخابرات العامة زار العاصمة السودانية الخرطوم، محمّلاً بمجموعة من الرسائل من القيادة المصرية للمسؤولين في الخرطوم، في محاولة لتهدئة الأوضاع المضطربة هناك.
وقالت المصادر لـ"العربي الجديد"، إن المسؤول المصري التقى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو، ورئيس الحكومة المستقيل عبد الله حمدوك، قبل ساعات قليلة من إعلانه قرار الاستقالة.
وأوضحت المصادر أن المسؤول المصري طرح على البرهان، المدعوم من القاهرة، التصورات الخاصة بالمرحلة المقبلة، لعدم تحوّل السودان إلى كرة لهب تضرب المنطقة برمتها، خصوصاً في ظل اشتعال الأوضاع في إثيوبيا.
يخشى النظام المصري تمكين المدنيين في السودان، ولهذا بسعى حثيثا لتمكين العسكر ووأد ما تبفى من الثورة.
وأشارت المصادر إلى أن المسؤول المصري تناول مع المسؤولين في مجلس السيادة الأسماء المطروحة لخلافة حمدوك في حال فشلت جهود ثنيه عن قرار الاستقالة الذي جاء لاحقاً لزيارة المسؤول المصري.
وكشفت المصادر عن أن "هناك اثنين من الأسماء التي ترددت بقوة في أروقة صناعة القرار المصري، وهما السفير عمر دهب، والأكاديمي هنود قدوف، لدعم أي منهما خلال المرحلة المقبلة، بالتنسيق مع الحلفاء في السودان، لضمان عدم تفجر الأوضاع هناك وانزلاقها نحو مزيد من التوتر".
وذكرت المصادر أن "لجنة مصرية رفيعة المستوى بحثت خلال الفترة القليلة الماضية الوضع في السودان، وأعدت سيناريوهات متعددة لجميع الاحتمالات في ظل تواصل التظاهرات في الشارع السوداني وتوتر المشهد هناك".
وأشارت إلى "تواصل المشاورات بين مصر والسعودية في هذا الصدد، وفي ظل تصاعد معدلات التنسيق بين الجانبين بشأن عدد من ملفات المنطقة"، كاشفة عن "توافق الرؤى بين القاهرة والرياض بشأن مستقبل السودان".
وأوضحت أنه "في حال تم التوافق على البديل لحمدوك، فسيتم دعمه بحزمة اقتصادية تشارك في تمويلها السعودية، بالإضافة لتسهيلات مصرية للسودانيين، لتهدئة الوضع الملتهب في الشارع السوداني، وتهيئة الأجواء لمرحلة مفاوضات سياسية جديدة لا تتم تحت وطأة التظاهرات الشعبية".
واستطردت المصادر بأن "المسؤولين في مصر يسابقون الزمن، مع بعض الحلفاء الإقليميين، لقطع الطريق أمام أي محاولات انقلابية جديدة من داخل المؤسسة العسكرية السودانية، يكون ولاؤها لأجندات تختلف مع المصالح المصرية".
وكشفت المصادر عن أن المسؤول الاستخباري المصري حاول إقناع حمدوك بعدم الاستقالة، مؤكدة أنه عرض عليه التدخل لدى مجلس السيادة لإقناعه ببعض التعديلات المقترحة من جانب حمدوك، بالشكل الذي يحسّن موقفه لدى المعارضة بعد فترة من التوتر عقب عودته لمنصبه في أعقاب الانقلاب الذي قاده البرهان.
وفي السياق، قال دبلوماسي مصري سابق لـ"العربي الجديد"، إن استقالة حمدوك لم تزعج القاهرة، إذ إن حمدوك لم يكن مرغوباً به بالنسبة للقاهرة التي لطالما دعمت المكون العسكري برئاسة البرهان، والذي يتمتع بعلاقات قوية مع النظام في مصر، لا سيما مع رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل، الذي التقى البرهان في القاهرة عشية انقلاب الأخير على المكون المدني في الحكومة في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ولم يصدر عن القاهرة، حتى عصر أمس الاثنين، أي تعليق رسمي أو بيان بشأن استقالة حمدوك، لكن الدبلوماسي السابق، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، قال إنه "على الرغم مما يبدو أن استقالة حمدوك لاقت ارتياحاً في أروقة النظام المصري، لأنه لم يكن مرغوباً به، إلا أنها في الوقت ذاته تركت فراغاً دستورياً وقانونياً في السلطة في السودان مرشحاً أن يشعل الشارع السوداني مرة أخرى.
وهو الأمر الذي يضفي حالة من الضبابية على المشهد تجعل من الصعب توقع مآلاتها وتأثيرها على مصر في ملفات متعددة".
وقال المصدر إن "القاهرة تنظر إلى استقالة حمدوك من زاويتين، الأولى أنها ستخفف الضغط على البرهان والمكون العسكري في الحكومة السودانية، من ناحية الانفراد بالسلطة داخل البلاد، وبالتالي فإن القاهرة سوف تتعامل مع جبهة واحدة في الحكم. أما الزاوية الأخرى، فهي أن الاستقالة سوف تزيد الضغط على البرهان، من ناحية الفراغ الدستوري الذي ستخلفه من جهة، وضغط الشارع السوداني والمواقف الدولية من جهة أخرى. وبالتالي فإن هذا الوضع المرتبك سيجعل القاهرة في حالة قلق على الرغم من ارتياحها لاستقالة حمدوك، حتى الوصول إلى حل للأزمة يحقق تطلعات النظام المصري للوضع في السودان".
وأوضح المصدر أن "شغور منصب رئيس الوزراء السوداني سيخلق ارتباكاً داخل النظام المصري، نظراً لعدم معرفة مع من ستتعامل القاهرة بعد ذلك، وسيستمر ذلك الوضع حتى ظهور رئيس حكومة جديد".
وتوقع أن "يستمر الصراع بين المكونين المدني والعسكري في السودان لفترة"، مشيراً إلى أن الصراع بين المدنيين والعسكريين "معادلة صعبة" تسيطر على معظم الدول العربية، "وخصوصاً تلك التي مرت بتجربة الربيع العربي".
المصدر: العربي الجديد