تجارة زواج القاصرات بمصر تزدهر في ظل الأزمة الاقتصادية

السبت - 14 مايو 2022

المجلس القومي للطفولة والأمومة أحبط  27 حالة زواج أطفال بالمحافظات المختلفة

"المركزي للإحصاء": 117 ألف طفل في الفئة العمرية من 10 إلى 17 عاماً متزوجون أو سبق لهم الزواج بشكل قهري  

مركز البحوث الاجتماعية: 17 % من المصريات تزوجن قبل بلوغهن سن 18 عاماً من  بينهن 4.6 % تزوجن قبل إتمام سن 16 عاماً

المجلس القومي للمرأة : عدد زواج الفتيات الذي تم دون السن القانونية (18 عاماً) بلغ أكثر من 200 ألف حالة خلال العام الماضي

و64 % من زواج القاصرات انتهى بالفشل  و26 ألف طفل يعانون من التفكك الأسري نتيجة طلاق الوالدين

"الصحة العالمية ": نسبة السيدات المصريات اللّواتى أصبحن أمهات فى الفئة العمرية من 15 إلى 19 عامًا فى الريف 45% مقابل 26% فى الأماكن الحضرية

حقوقيون : مصر تحتلّ المرتبة الأولى عربياً في زواج القاصرات نتيجة انتشار الفقر والبطالة اللذين يدفعان الأهالي إلى تزويج بناتهم ‏في عمر صغير

 

 

جريمة تجارة زواج الأطفال  ظاهرة مستمرّة في مصر

تشهد مصر في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد ، تصاعد لظاهرة خطيرة تصل لدرجة "النخاسة" ، وهي ظاهرة زواج الأطفال ، خاصة للأثرياء العرب .

وخلال أيام عيد الفطر الذي حلّ مؤخراً، أعلن المجلس القومي للطفولة والأمومة في مصر إحباط 27 حالة زواج أطفال بمحافظات الجيزة والشرقية والدقهلية والبحيرة والإسكندرية وبني سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج.

وأبرز هذه الحالات، بحسب نائب وزيرة الصحة والسكان المصري طارق توفيق، تمثلت في هرب فتاتين (16 عاماً)؛ الأولى كانت تقيم في مركز كوم حمادة في محافظة البحيرة، وهربت بسبب عزم والدها تزويجها عرفياً خلال عيد الفطر، قبل أن توقفها شرطة محطة سكك حديد مصر. ولدى سؤالها عن سبب صعودها القطار من دون أي أوراق رسمية، قالت إنها تتعرض للضغط من قبل والدها وشقيقيها لتزويجها من أحد الأشخاص، الأمر الذي اضطرها إلى الهرب، فتم تحرير محضر في نيابة شبرا الجزئية بالقاهرة، واستدعي والدها الذي تعهد بالاستجابة لطلب الطفلة وفسخ خطبتها، على أن تُتابع حالتها.

أما الحالة الثانية، فكانت إخطار من نيابة الأميرية الجزئية بهروب طفلة بعد محاولة والدها تزويجها لشخص يبلغ من العمر 28 عاماً في محافظة المنوفية، حيث سافر بها لإتمام الخطوبة لتكتشف أن هناك حفل زفاف، فهربت قبل عقد القران. وسُلّمت الطفلة لشخص مؤتمن على إعالتها بعد تعريضها للخطر من قبل والديها، واحتجز الأب على ذمة التحقيقات. وأوقفت الزيجات بالتعاون مع النيابة العامة ووزارة الداخلية ولجان حماية الطفولة في المحافظات والجمعيات الشريكة، وجرى تفعيل خط نجدة الطفل. وقدمت جلسات توعية وإرشاد أسري لعائلات الفتيات حول مخاطر وأضرار زواج الأطفال، وقد وقعت العائلات على تعهدات بعدم إتمام إجراءات الزواج قبل بلوغهن السن القانونية.

تعرّف منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" زواج الأطفال بأنه أي زواج رسمي أو أي ارتباط غير رسمي بين طفل تحت سن 18 عاماً وشخص بالغ أو طفل آخر. وتشير إلى أنه في الوقت الذي تراجع فيه انتشار زواج الأطفال في جميع أنحاء العالم، وذلك من واحدة من بين كل أربع فتيات تزوجن قبل عقد من الزمن، إلى حوالي واحدة من كل خمس فتيات في يومنا هذا، لا تزال هذه الممارسة واسعة الانتشار. وتدعو أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة إلى اتخاذ إجراء عالمي لإنهاء انتهاك حقوق الإنسان هذا بحلول عام 2030.

  البيانات الرسمية تؤكد أن الحالة الاقتصادية ساعدت علي تصاعد "الظاهرة"

وفي مصر، يعد زواج الأطفال ظاهرة مجتمعية منتشرة، خصوصاً في الصعيد والأرياف،  وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في آخر مسح ديموغرافي صحي في مصر، أن 117 ألف طفل في الفئة العمرية من 10 إلى 17 عاماً متزوجون أو سبق لهم الزواج. المسح الديموغرافي نفسه أشار إلى أن محافظات الصعيد (جنوبي البلاد) هي الأعلى لناحية معدلات الزواج والطلاق، بينما سجلت محافظات مصر الحدودية (البحر الأحمر وسيناء ومرسى مطروح وأسوان) أقل نسبة في زواج الأطفال.

وبحسب مسح صدر عام 2013 عن مركز البحوث الاجتماعية في الجامعة الأميركية في القاهرة، فإن 17 في المائة من المصريات تزوجن قبل بلوغهن سن 18 عاماً. وشمل المسح 4000 مصرية تراوحت أعمارهن ما بين 10 و29 عاماً، من بينهن 4.6 في المائة تزوجن قبل إتمام سن 16 عاماً. وفي عام 2021، أعد المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية دراسة كشفت أن 20 أسرة (شملتها الدراسة) وافقت على تزويج بناتها من دون التقيد بالسن القانوني، أي قبل إتمام 18 عاماً، فيما رفضت 80 في المائة من الأسر الزواج المبكر للفتيات على اعتبار أنه يحرمهن من فرص كثير

وفي دراسة أعدتها كل من مؤسسة "فورد" الأميركية (تهدف إلى تعزيز الديمقراطية والحد من الفقر وتعزيز التفاهم الدولي) والجمعية المصرية لدراسات السكان والصحة الإنجابية، عن العلاقة بين تراجع تعليم المرأة وزواجها المبكر، تبين أن الكثيرات ممن تزوجن مبكراً كانت لديهن صعوبة في الحصول على التعليم؛ فمن بين 300 امرأة (شملتهن الدراسة)، 42 في المائة منهن تزوجن قبل سن 18 عاماً وكن أميات، بينما أكملت 5 في المائة منهن تعليمهن الثانوي ولم تحصل أي منهن على شهادة جامعية.

وقال مجلس الوزراء، في بيان رسمي، إن ظاهرة زواج الأطفال تُعَدّ اعتداءً صارخاً على مرحلة الطفولة لعدم اكتمال نموهم المناسب لتحمّل تبعات الزواج سواء الذكور أو الإناث، ولكونهم غير مؤهلين نفسياً وعقلياً لتحمّل مسؤولية تكوين الأسرة وتربية الأطفال، ما دفع إلى التدخل لمنع هذه الممارسات

ونص مشروع القانون على عدم جواز توثيق عقد الزواج لمن لم يبلغ 18 عاماً، ويتوجب على المأذون أو الموثق المنتدب إخطار النيابة العامة بوقائع الزواج العرفي الذي يكون أحد طرفيه طفلاً لم يبلغ 18 عاماً وقت الزواج، مرفقاً بصورة عقد الزواج العرفي، وبيانات أطرافه، وشهوده.

وفرض مشروع القانون عقوبات على كل من تزوج أو زوج ذكراً أو أنثى لم يبلغ 18 عاماً من العمر أثناء عقد القران، بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة مالية. كما تقضي المحكمة على المحكوم عليه بالعزل إذا كان مأذوناً، أو موثقاً، أو وصياً على الطفل. كما يعاقب كل من حرض على هذه الجريمة بالعقوبة نفسها، ولو لم يترتب عن التحريض أثر. ولا يُعد الطفل مسؤولاً مسؤولية جنائية أو مدنية عن الجريمة، ولا تنقضي الدعوى الجنائية الناشئة عن الجريمة بمضي المدة

تبيّن دراسة أعدّها المجلس القومي للمرأة (جهة حكومية مصرية) مؤخرا  أنّ عدد زواج الفتيات الذي تم دون السن القانونية (18 عاماً) بلغ أكثر من 200 ألف حالة خلال العام الماضي، و64 في المائة من زواج القاصرات انتهى بالفشل، و26 ألف طفل يعانون من التفكك الأسري نتيجة طلاق الوالدين. كذلك وصل عدد الدعاوى القضائية لإثبات الزواج إلى 14 ألف حالة، معظمهم أثرياء عرب أنجبوا أطفالاً من تلك الزيجات. كما أن نسبة إقدام الفتيات القاصرات على محاولة الانتحار خلال السنوات الثلاث الأخيرة زادت بنسبة كبيرة. وتكشفت الدراسة عن أن هناك بلاغات ينتظرها القضاء والنيابة العامة، بسبب المطالبة بإيصالات الأمانة التي وقّع عليها الزوج في مقابل الزواج من الفتاة، يتولى صياغتها عدد من المحامين المتخصصين في تلك الزيجات، خصوصاً في القرى والأرياف. ويتم التوقيع على إيصال أمانة كحق للفتاة في حال الانفصال قبل عقد الزواج الرسمي بعد سن الـ 18.

يكشف الحقوقي فتحي عبد العزيز أن بلاده تحتلّ المرتبة الأولى عربياً في زواج القاصرات نتيجة انتشار الفقر والبطالة اللذين يدفعان الأهالي إلى تزويج بناتهم ‏في عمر صغير، خصوصاً لعدد من العرب ورجال الأعمال، وعدد من الشخصيات الميسورة داخل البلاد في مقابل مادي بسيط، وكأنها "تجارة رقيق". يضيف أن زواج القاصرات يملأ أروقة المحاكم المصرية على مستوى المحافظات بقصص مؤلمة، وبالتالي نحن أمام جريمة مكتملة الأركان، يجب أن يحاكم فيها كل من شارك فيها، بدءاً من رب الأسرة، مروراً بالأشخاص الذين يطبقون السنة الشرعية والشهود والمحامين الذين يكتبون العقود ويوصلون الأمانة، والمسجد الذي تمت فيه الواقعة، وتقديمهم إلى المحاكمة العاجلة بتهم استغلال الفتيات وتدمير مستقبلهن، خصوصاً أن الظاهرة منتشرة وتؤدي إلى نتائج وخيمة على المجتمع ككل، وليس على من يتزوجون في هذه السن فقط.

زواج القاصرات و أرقام مفزعة 

وحسب التعداد السكانى على مستوى الجمهورية لعام 2017 فإن عدد حالات زواج ال قاصرات 14% من إجمالى حالات الزواج فى مصر سنويًا، وتصدرت المحافظات الحدودية القائمة بنسبة 23% وبعدها الصعيد، والنسبة الأكبر من زواج الحدث يصل من 30 إلى 40% بالصعيد والقرى والأرياف، فيما وصل تعداد السكان فى 18 إبريل 2017 أكثر من 94 مليون مصرى بالداخل، بالإضافة إلى أكثر من 9 ملايين مصرى بالخارج. وبلغ عدد المصريين بالخارج والداخل 104 ملايين نسمة.

أوضح الدكتور خالد مجاهد، المتحدث باسم وزارة الصحة، أن أعلى نسبة للمتزوجات أقل من 20 سنة بمحافظة القاهرة 9.1%، وفى الجيزة 8.1%، وفى الشرقية 7.7% فى حين كانت أقل المحافظات الحضرية هى محافظات السويس، وبورسعيد بنسبة 0.7%، ويرتفع متوسط عدد الأطفال فى حالة الزواج قبل 18 سنة إلى حوالى 3.7 طفل، بينما يكون المتوسط 2.79 فى حالة الزواج بعد عمر 22 سنة، ومعدل وفيات الأطفال بالنسبة للفتيات القاصرات 29 لكل ألف مولود.

المحاكم تشهد عشرات الالاف من قضايا لأثبات صحة الزواج والنسب والحصول على النفقة لمن لم يتجاوزن الـ 18 عامًا ، ووصلت نسبة الدعاوى للأمهات القاصرات أمام محاكم الأسرة خلال عام 2015 وعام 2016 الباحثات عن حقوقهن بعد الزواج بعقود مزورة، حوالى 16 ألف دعوى إثبات الزواج، و14 دعوى إثبات النسب، و12 ألف دعوى النفقة، فيما تصل مدة دعوى إثبات النسب أو إثبات الزواج أمام محاكم الأسرة فترة ما تقارب سنة إلى سنة ونصف.

وطبقًا للبيانات الصادرة عن قطاع الأحوال المدنية يتم ضبط قضية زواج قاصرات بعقود وهمية كل يومين وربع، أى بمعدل 12 قضية فى الشهر لتصل النسبة السنوية ما بين "144-200" قضية سنوية بخلاف ما يتم فى الخفاء ولا يكشف إلا بعد وقوع كارثة.

وأكدت المراكز المهتمة بقضايا المرأة، أن نسبة 90% من زواج الحدث الذى يتم بعقود مزورة يسفر عن جريمة وأن نسبة إقدام الفتيات القُصَّر على محاولة الانتحار خلال عام 2015 كانت 10% من إجمالى الزيجات ونسبة 2% من محاولة الانتحار كانت من الذكور الذى تزوجن فى سن صغير.

نقيب المأذونين الشيخ إسلام عامر، أكد أن "نسبة الزواج العرفى والمتمثل فى زواج القاصرات، منتشر بصورة مفزعة وتعدى 60% بسبب أئمة المساجد المتورطين فى قرابة 90% من الحالات، ومن أشهر القرى التى يتم فيها عمل ذلك قرية طوخ، وقرية العمار وقرية صمط الجزيرة، و2% من الفتيات التى تتراوح أعمارهن من 12: 16 عامًا، يتزوجن زواج قاصرات، و98% الباقية تحدث بين الفتيات اللاتى تتراوح أعمارهن من 16 : 18 عاما".

ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية بلغت نسبة وفيات الأمهات بمصر 52 سيدة لكل 100 ألف مولود حى عام 2015، مقابل 84 سيدة عام 2000، ووفقًا للمسح السكانى الصحى لعام 2014، بلغت نسبة السيدات المصريات اللّواتى أصبحن أمهات فى الفئة العمرية من 15 إلى 19 عامًا فى الريف 45%، مقابل 26% فى الأماكن الحضرية.

زواج القاصرات بأثرياء عرب ينتشر في الحوامدية وكفر العلو

ومن جانبها قالت الدكتورة نهال فهمي، مدير، المكتب الإقليمي للأمم المتحدة لمكافحة الإيدز والاتجار بالبشر، إن جريمة الاتجار بالبشر انتشرت في الفترة الأخيرة في صور متعددة، من بينها زواج القاصرات من أثرياء عرب لفترة محدودة في قري مركز الحوامدية بالجيزة

وفي كفر العلو بمحافظة حلوان، مطالبة بإصدار قانون خاص يجرم ويمنع الاتجار بالبشر، فيما أكدت دراسة صادرة عن الإدارة العامة للمعلومات والتوثيق بوزارة الداخلية أن الوضع الاقتصادي «المتردي» ساهم في انتشار الظاهرة.

وأوضحت نهال لـ «المصري اليوم» أن جريمة الاتجار بالبشر تعد في المرتبة الثالثة بعد جريمتي الاتجار في السلاح والمخدرات، مشيرة إلي أن تقريرين للأمم المتحدة والخارجية الأمريكية كشفا عن وجود 900 ألف شخص تتم المتاجرة بهم سنويا، إضافة إلي 100 ألف طفل وامرأة في البرازيل يتم استغلالهم جنسياً.

وقدرت مديرة المكتب الإقليمي أرباح التجارة في البشر بنحو 32 مليون دولار، لافتة إلي أن البطالة والتسرب من التعليم والأمية ساهمت في انتشار هذه الجرائم.

وأكدت أن الوضع الاقتصادي المتردي ساهم في انتشار الظاهرة، وأن «الرغبة في حياة أفضل تدفع النساء للعمل خارج وطنهن، وعندما يسافرن إلي دولة لا يجدن سوي السير في طريق الرذيلة».

وفي عام 2015 ، أثار قرار وزير العدل المصري أحمد الزند بدفع مبلغ 50 ألف جنيه كشرط لإتمام زواج الفتاة المصرية من زوج أجنبي يكبرها بكثير، حالة من الاستياء الشديد في مصر، حيث وصفه كثيرون بأنه شكل من أشكال النخاسة ويقنن بيع الفتيات المصريات للأثرياء العرب.