بعد مساعدته في تحويل سيناء إلى برميل بارود.. تل أبيب تخشى رحيل السيسي!

الثلاثاء - 7 يونيو 2022

نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، 3 يونيو 2022 ، تحليلاً عنوانه "سيناء تتحول إلى برميل بارود بعد إعادة تسليحها"، رصد التغيُّرات الجذرية التي شهدتها شبه الجزيرة المصرية خلال سنوات حكم عبد الفتاح السيسي، خصوصاً من الناحية العسكرية.

التحليل الذي كتبه للمجلة الأمريكية الشهيرة ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون الشرق الأدنى، قال: نجحت مصر في تحقيق انتصار واضح على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سيناء، كما نشرت القاهرة-بموافقة إسرائيل– قوات كبيرة وبنت مطارات عسكرية وقواعد دائمة لجيشها، فلماذا يُقلق ذلك تل أبيب؟

توقَّف عند مصادر أسباب القلق الذي يعتري البعض في تل أبيب، ووجّه نصائح للحكومتين الإسرائيلية والأمريكية بضرورة "التحرك" قبل فوات الأوان، خوفاً من حدوث أي اضطرابات سياسية في مصر على غرار ما حدث عقب ثورة 25 يناير عام 2011 التي أطاحت بمبارك وجاءت برئيس ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين.

كيف نجح الجيش المصري في مواجهة "داعش"؟

قالت المجلة انه رغم تعرُّض أحد كمائن الجيش المصري في سيناء لهجوم مسلح تبناه داعش وأودى بحياة 11 عسكرياً وضابطاً مصرياً في سيناء مطلع مايو/أيار الماضي، فإن ذلك الهجوم الذي نتج عنه أيضاً إلحاق أضرار بخط أنابيب لنقل الغاز، كان الهجوم الأكبر للتنظيم خلال أكثر من عام، وهو تراجع هائل ونجاح للقوات المصرية مقارنةً بما كانت عليه الأوضاع في شبه الجزيرة منذ سنوات قليلة.

فخلال السنوات القليلة الماضية، نجحت القاهرة ليس فقط في التصدي لهجمات تنظيم داعش ومحاصرته وتقييده بشكل لافت؛ بل نجح النظام المصري أيضاً في ضخ أموال في التنمية الاقتصادية في شبه الجزيرة، وهو ما كان له أثر جيد لدى سكان سيناء من القبائل البدوية.

وأدى ذلك إلى قيام تعاون بين شيوخ القبائل والجيش المصري، تجلَّى في قيام تحالف بين شيوخ القبائل ومسلحين مدنيين من البدو وقوات من الجيش نجحوا في قتل زعيم داعش في سيناء، وكان ذلك في مارس/آذار عام 2021.

ويرجع النجاح الواضح للجيش المصري، ولو بصورة جزئية، إلى تغيير القاهرة استراتيجيتها في التعامل مع التمرد في شبه الجزيرة من الاستخدام المفرط للقوة العسكرية دون تمييز، وبالتالي وقوع ضحايا من المدنيين والأبرياء وتدمير منازلهم، إلى استراتيجية لا تركز فقط على الجانب العسكري؛ بل تركز أكثر على الحواجز العسكرية وفرض حظر تجوال في فترات محددة مع تنسيق أكبر مع شيوخ القبائل.

دعم اسرائيلي بعد انقلاب 2013

كما لعب الدعم الجوي التكتيكي من الجانب الإسرائيلي دوراً في الانتصار على داعش في سيناء، رغم أن هذا الدور لا يحظى بتغطية إعلامية كما تقول الصحيفة الأمريكية.

لكن التعاون المصري-الإسرائيلي لا يتوقف عند حدود الدعم الجوي من تل أبيب، بل تجسَّد أكثر في اتفاق الطرفين على الانتهاك المنظم لبنود الملحق الأمني لاتفاقية السلام المبرمة بينهما قبل أكثر من 40 عاماً برعاية أمريكية، كما يقول شينكر في تحليله.

وسمحت تلك الخروقات ليس فقط للطيران الإسرائيلي بالتحليق في الأجواء المصرية في شبه الجزيرة الاستراتيجية، ولكنها أيضاً مكَّنت القاهرة من الدفع بعشرات الآلاف من قواتها المسلحة وعتادها العسكري الثقيل من دبابات ومدرعات وحاملات جند وخلافه إلى سيناء، ليس فقط في المنطقة المتاخمة لقناة السويس، ولكن أيضاً في المنطقتين (ب) و(ج) منزوعتَي السلاح بحكم بنود اتفاقية السلام مع إسرائيل، أو بالأحرى ملحقها الأمني.

عقب انقلاب عام 2013، فتح ضباط من الجيش المصري مسألة التعاون مع نظرائهم الإسرائيليين، سواء بشكل مباشر أو من خلال قوة حفظ السلام الدولية الموجودة في سيناء، التي تتولى مهمة مراقبة الالتزام ببنود الملحق الأمني لمعاهدة السلام الموقَّعة بين القاهرة وتل أبيب عام 1978، والتي تنظم الجوانب العسكرية في شبه جزيرة سيناء.

وبدأ الجانب المصري يطلب استثناءات من الجانب الإسرائيلي؛ للسماح بإدخال قوات وعتاد إلى عمق سيناء للتصدي لداعش.

وهكذا بدأت مصر تطلب من إسرائيل إعفاءات تسمح بإدخال مئات الجنود والدبابات والأسلحة الثقيلة إلى المنطقتين "ب" و"ج" لمحاربة داعش، وفي كل مرة وافقت إسرائيل على تلك الطلبات، بحسب ما نقله شينكر في تحليله للمجلة الأمريكية عن مسؤولين حاليين وسابقين في الجيشَين المصري والإسرائيلي وفي قوة حفظ السلام متعددة الجنسيات.

وتحتفظ قوة حفظ السلام في سيناء بسجلات دقيقة، تسمى القائمة الجامعة للأنشطة المتفق عليها، ترصد كل طلب مصري بتفاصيله، من حيث عدد القوات وتسليحها وأماكن تمركزها، وموافقة الجانب الإسرائيلي، لكن تلك السجلات سرية بطبيعة الحال، وبالتالي من الصعب معرفة أعداد القوات المصرية وتسليحها وأماكن تمركزها بدقة.

لكنَّ تحليل "فورين بوليسي" يقول إنه على الرغم من صعوبة تحديد الأرقام بدقة، فإن أعداد القوات المصرية التي أصبحت متمركزة في المنطقتين "ب" و"ج" منزوعتي السلاح في سيناء ضخمة.

وقبل أربع سنوات، كان رئيس أركان الجيش المصري وقتها، محمد فريد حجازي، قد صرَّح بأن "24.630 من القوات يشاركون في جهود مكافحة الإرهاب في شمال سيناء، إضافة إلى أكثر من 20 ألفاً آخرين متمركزين في مناطق أخرى في شبه الجزيرة"

بينما تضع تقديرات أخرى، من جانب مراقبين ومحللين، أعداد القوات المصرية المتمركزة في سيناء في مستوى أعلى بكثير مما كان حجازي قد صرَّح به، لكن على أية حال، يمكن القول إن الجيش المصري-على الأقل-قد ضاعف أعداد قواته في سيناء عن الحد المسموح به في اتفاقية السلام مع الإسرائيليين، وإن أكثر من نصف تلك القوات بات متمركزاً بالفعل في المنطقتين "ب" و"ج".

وتلك القوات مجهزة بأسلحة ثقيلة ومدفعية ومدرعات غير مسموح بها في الاتفاقية، إضافة إلى 200 دبابة، أكثر من حاجز الـ 230 دبابة فقط المسموح بها، وكل ذلك يتم بموافقة ومباركة الجانب الإسرائيلي.

وخلال السنوات الماضية، استفاد الجيش المصري بشكل واضح من التعاون مع الجانب الإسرائيلي في سيناء؛ إذ لم تتوقف الأمور عند الدفع بعشرات الآلاف من الجنود ومئات الدبابات والمدرعات وغيرها من الأسلحة الثقيلة، لكن أيضاً أقام الجانب المصري إنشاءات عسكرية متعددة دون موافقة تل أبيب، كما يقول شينكر في تحليله.

وشملت الإنشاءات المصرية قواعد ومطارات عسكرية، ومنها على سبيل المثال معسكر دائم كمقر للفرقة 101 في العريش، وهذه مخالفة لبنود الملحق الأمني لاتفاقية السلام.

لكن هناك إنشاءات أخرى يراها شينكر انتهاكات أكثر خطورة، أبرزها بناء 3 مطارات عسكرية في شبه جزيرة سيناء؛ لأن اتفاقية السلام تسمح فقط ببناء مطارات مدنية.

ومن تلك المطارات الجديدة قاعدة المليز وسط سيناء-تقع في المنطقة "ب"- والتي تضم مخابئ تحت الأرض لتخزين الذخيرة ومخازن للوقود تحت الأرض أيضاً و800 مخبأ للطائرات العسكرية قادرة على خدمة نصف سرب من طائرات الـ"إف-16″ التابعة لسلاح الجو المصري.

كما قامت مصر ببناء مقرات للجيشين الثاني والثالث في عمق سيناء، إضافة إلى مقر قيادة موحَّد لقوات شرق القناة والمسؤول عن عمليات مكافحة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، على الرغم من أن اتفاقية السلام تسمح لمصر فقط ببناء وتشغيل قواعد ميدانية شرق القناة في المنطقة "أ" تكفي لكتيبة مشاة ميكانيكي واحدة.

كما شيَّدت مصر قاعدة بحرية في بورسعيد داخل حدود سيناء وبنت قواعد وتحصينات أخرى متعددة في شبه الجزيرة في مناطق يفترض أنها منزوعة السلاح، بحسب تحليل "فورين بوليسي"

لماذا تقلق تل أبيب؟

يرى شينكر، أنه لا يوجد الآن ما يدعو الإسرائيليين للقلق في ظل العلاقات الوثيقة التي تجمع بين النظام المصري الحالي برئاسة السيسي وتل أبيب، لكن من يضمن أن تستمر تلك "العلاقات الدافئة" بعد أن يغيب السيسي عن المشهد؟

ويستشهد مساعد وزير الخارجية السابق، في قراءته للمشهد في سيناء، بما حدث للعلاقات بين القاهرة وتل أبيب منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011 وحتى الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي على يد الجيش بقيادة السيسي عام 2013؛ حيث كانت العلاقات بين مصر وإسرائيل في أدنى مستوياتها، وكان الرأي العام المصري يرى في إسرائيل العدو الأول للبلاد وللمنطقة العربية.

واستمرت تلك المشاعر العدائية والعلاقات المتوترة حتى تولى السيسي المسؤولية في البلاد رسمياً عام 2014؛ ليبدأ فصل جديد من التعاون غير المسبوق بين مصر وإسرائيل في جميع المجالات، وليس فقط في المجال العسكري.

وتوَّج النظام المصري علاقاته القوية مع تل أبيب باللقاء الرسمي الأول بين رئيس مصري ورئيس وزراء إسرائيلي منذ الإطاحة بمبارك، عندما استضاف السيسي نفتالي بينيت في شرم الشيخ في سبتمبر/أيلول الماضي، وهي الزيارة التي أكدت مدى أهمية الرئيس المصري بالنسبة لإسرائيل ولمحاولات دمجها في المنطقة، خصوصاً أن اتفاقيات التطبيع الأخيرة مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان لم تقلل من أهمية دور مصر.

ويقر شينكر بأن التغييرات الأخيرة في المشهد العسكري في سيناء لصالح الجيش المصري كانت حتمية لهزيمة داعش، الذي يمثل تهديداً لإسرائيل أيضاً، وهو ما جعل تل أبيب تغض الطرف عن الخطوات التي يتخذها الجيش المصري، رغم أنها قد تكون "دائمة ولن يتراجع عنها المصريون" لكن السبب الرئيسي هو العلاقات الممتازة مع النظام الحالي برئاسة السيسي.

ويخشى شينكر وغيره من المحللين والمراقبين الإسرائيليين والأمريكيين أن يتحول الوجود العسكري المصري في سيناء إلى "برميل بارود" في حالة انتهاء حكم السيسي لأي سبب من الأسباب، وفي أي وقت من الأوقات، ومجيء رئيس آخر لا يتمتع بنفس العلاقات القوية ولا الدعم اللامحدود من جانب تل أبيب؛ حيث ستتحول القوات والمعدات والمنشآت العسكرية في سيناء إلى شوكة في خاصرة تل أبيب دون أدنى شك.