بعد الأحكام المسيسة في حق نشطاء ثورة يناير .. تصاعد الانتقادات الدولية وواشنطن تعلن عن خيبة أملها
الثلاثاء - 21 ديسمبر 2021
شهدت الساعات القليلة الماضية تصاعدا للانتقادات الدولية للأحكام القضائية المسيسة التي تصدر في حق المعارضين المصريين، خاصة في أعقاب صدور أحكام بحق الناشط علاء علبد الفتاح والحقوقي محمد الباقر والصحفي "أكسجين" ، فبعد انتقاد ألمانيا للمحاكمات الاستثنائية بمصر، توالت الانتقادات من قبل دول الاتحاد الأوروبي، والمنظمات الحقوقية ، فيما أعربت واشنطنمن جانبها أيضا عن "خيبة أملها" في الإستراتجية المصرية لحقوق الإنسان، وقد تزامن ذلك مع إطلاق أهالي معتقلين مصريين نداء استغاثة للإفراج عن ذويهم خاصة في سجن برج العرب ، ومن خلال سطور هذا التقرير نتعرض للتفاصيل.
انتقدت منظمات حقوقية الحكم بالسجن على الناشطين والحقوقيين المصريين، وطالبت بإلغاء هذه الأحكام وإطلاق سراحهم “فورًا”، كما أثار الحكم ردود فعل غاضبة من قبل مغردين.
قالت منظمة العفو الدولية إن “حكم محكمة الطوارئ على الناشط علاء عبد الفتاح بالسجن 5 سنوات، والمحامي محمد الباقر والمدون محمد إبراهيم بالسجن 4 سنوات هو تزييف للعدالة، وتذكير ببطش السلطات المصرية بالمعارضين”.
وفي نفس السياق ، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، الإثنين، إن الحكومة المصرية بدأت ما لا يقل عن خمس محاكمات في "محكمة أمن الدولة طوارئ" ضد حقوقيين، ونشطاء، ومعارضين سياسيين بارزين، بشأن جرائم مزعومة متعلقة بحرية التعبير، قبل إعلان إنهاء حالة الطوارئ في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وطالبت بوقف هذه المحاكمات الجائرة.
وقال نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، جو ستورك: "محاكمة الحقوقيين والمنتقدين السلميين في هذه المحاكم الخاصة، هي ظلم فادح، لأن سلطة الرئيس المصري الواسعة على هذه المحاكم تقوّض استقلاليتها وحيادها. مسارعة الحكومة إلى استخدام محاكم الطوارئ قبل إعلان إنهاء حالة الطوارئ، بعد حبس هؤلاء الأشخاص احتياطيا بشكل غير قانوني لسنوات، يؤكد أن القمع الشرس بحق المنتقدين السلميين لا يزال سائدا في مصر".
وقضى ما لا يقل عن 48 حقوقيا وناشطا سياسيا ومعارضا، سنوات محبوسين احتياطيا، ثم أُحيلوا إلى محاكم الطوارئ لمحاكمتهم، قبل إنهاء حالة الطوارئ، في خطوة تشير إلى عزم الحكومة على إخضاع هؤلاء المعتقلين للقواعد الاستثنائية لهذه المحاكم التي أُنشِئت بموجب قانون الطوارئ المصري الصادر عام 1958، والذي يسمح لهذه المحاكم بالاستمرار في المحاكمات المحالة سابقا، ولا يتيح إحالة قضايا جديدة إليها بعد انتهاء حالة الطوارئ.
وقال ستورك: "إحالة هذه القضايا إلى محاكم الطوارئ مباشرة قبل إنهاء حالة الطوارئ في مختلف أنحاء مصر، هي محاولة سافرة من الحكومة لحرمان هؤلاء النشطاء والسياسيين المعروفين من العدالة. يكشف هذا التلاعب القانوني عن مهزلة النظام القضائي المصري في التعامل مع المعارضة السياسية".
وفي السياق ذاته ، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، إن الولايات المتحدة “تشعر بخيبة أمل” بسبب حكم أصدرته محكمة مصرية بالسجن 5 سنوات على الناشط علاء عبد الفتاح، بعد محاكمته بتهمة نشر “أخبار كاذبة”.
وأضاف برايس أن المسؤولين الأمريكيين أثاروا قضايا حقوقية مع نظرائهم المصريين، وأبلغوا القاهرة بإمكانية تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر إذا تم إحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان.
وأوضح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أن واشنطن تشعر بخيبة أمل بسبب هذا الحكم، وأنه يجب أن يكون باستطاعة الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان ممارسة حريتهم في التعبير دون مواجهة عقوبات جنائية.
وسبق أن أعلنت إدارة الرئيس جو بايدن في سبتمبر/أيلول الماضي أنها ستحجب 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر إلى أن تتخذ القاهرة خطوات محددة تتعلق بحقوق الإنسان، لكن برايس رفض أمس توضيح ما إذا كان يمكن حجب مساعدات إضافية.
وقال برايس “أكدنا للحكومة المصرية أن تحسين احترام حقوق الإنسان يعزز علاقتنا الثنائية، وسنواصل الحوار مع القاهرة لتعزيز حرية التعبير وحقوق الإنسان العالمية الأخرى”.
وقال المتحدث باسم الخارجية المصرية، السفير "أحمد حافظ"، في بيان، فجر الثلاثاء، إنه "ليس من المناسب إطلاقًا، التعليق، بأي شكل على، أو التطرق إلى، أحكام تصدر من القضاء؛ تنفيذًا لقوانين، واستنادًا لأدلة وأسانيد دامغة وقاطعة، في إطار مسار قضائي عادل ونزيه ومستقل".
وشدد "حافظ" على أنه "لا يجوز تناول مثل تلك المسائل القضائية، في أي أطر سياسية، أو ربطها بمسار العلاقات بين البلدين، لما ينطوي عليه ذلك من تعقيدات غير مبررة".
وفي وقت سابق، الإثنين، قضت محكمة "جنح أمن دولة طوارئ" في مصر، في حكم نهائي، بسجن الناشط السياسي "علاء عبدالفتاح" لمدة 5 سنوات وغرامة 200 ألف جنيه (نحو 13 ألف دولار).
وقضت المحكمة ذاتها، بسجن المحامي الحقوقي "محمد الباقر"، والمدون "محمد أكسجين" لمدة 4 سنوات؛ بتهمة "الانضمام لجماعة إرهابية" بالقضية رقم 1228 لسنة 2021 جنح أمن دولة طوارئ، وفق وسائل إعلام محلية.
وأسندت النيابة المصرية للمتهمين، تهما بـ"نشر وبث وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، وجرائم الانضمام إلى جماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون، الغرض منها الدعوة لتعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة، من ممارسة أعمالها".
أهالي معتقلين مصريين يطلقون نداء استغاثة للإفراج عن ذويهم
وفي السياق الحقوقي ، أطلق أقارب بعض المعتقلين المصريين بسجن برج العرب بمحافظة الإسكندرية (شمالي القاهرة) نداء استغاثة جراء "الانتهاكات" التي يتعرض لها ذووهم، مطالبين بضرورة الإفراج عنهم، وإيقاف ما وصفوه بـ"الانتهاكات القاسية" التي يتعرضون لها.
وبحسب رسالة وصلت "عربي21" نسخة منها، تتعمد قوات الأمن إهانة المعتقلين وأهاليهم، وتقوم بإدخال المعتقلين الجُدد من بوابة السجن بالملابس الداخلية، ويتم إيداعهم في عنبر الإيراد بالسجن لفترة طويلة، وأثناء التسكين في الزنازين يتم عمل ما يُسمّى "تشريفة"، التي تتمثل في الاعتداء بالضرب على المعتقلين بالأيدي، والمترافق بشتائم وإهانات.
وأضافت الرسالة: "ما يحدث بعق معتقلي سجن برج العرب قمة في الإهانة والقهر والإذلال"، لافتة إلى أن الزيارة تكون من خلف الأسلاك لمرة واحدة فقط في الشهر.
وأردفت الرسالة: "المعتقلون يريدون إيصال صوتهم، وعليكم فعل أي شيء، والبعض يبكون جراء الإهانة والقسوة الشديدة التي يتعرضون لها"، منوهة إلى ما وصفته بـ "مسلسل التدوير المستمر من قضية إلى أخرى، وهو الأمر الذي يتعرض له جميع المعتقلين".
من جهته، أكد مركز الشهاب لحقوق الإنسان أن "هذه الاستغاثة لم تكن الأولى، فقد سبقها العديد من الاستغاثات الأخرى الصادرة من أهالي سجن جمصة بمحافظة الدقهلية شمالي القاهرة، ومن بعض أهالي السجناء بسجون متفرقة تتضمن انتهاكات مماثلة"
ولفت إلى أن "هذا الأمر يؤكد على تجاوزات وزارة الداخلية ومصلحة السجون تجاه المعارضين، والسعي المستمر للتخلص منهم أو كسر إرادتهم".
وطالب مركز الشهاب النائب العام بالتحرك، واتخاذ اللازم قانونا لمحاسبة مرتكبي تلك الانتهاكات.
يشار إلى أن مصر تشهد في ظل حكم عبد الفتاح السيسي أسوأ أزمة حقوقية منذ عقود؛ فلا يزال عشرات الآلاف من منتقدي النظام، ومن بينهم صحفيون ومدافعون حقوقيون، مسجونين بتهم ذات دوافع سياسية، والعديد منهم في الحجز المطول قبل المحاكمة، وفقا لمنظمات حقوقية دولية
كما تستخدم السلطات المصرية غالبا تهم الإرهاب ونشر أخبار كاذبة ضد النشطاء السلميين، وضايقت واعتُقلت أقارب معارضين في الخارج.
في حين أدى تفشي فيروس كورونا المستجد إلى تفاقم الأوضاع المزرية في السجون المكتظة
غير أن القاهرة عادةً ما تنفي صحة الانتقادات الموجهة إلى سجلها الحقوقي، وتؤكد احترامها الكامل للحريات والحقوق باستمرار، معتبرة أن بعض المنظمات الحقوقية الدولية تروِّجها في إطار "حملة أكاذيب" ضدها، وفق قولها.