بتهم الخطف والقتل.. إيطاليا تبدأ محاكمة 4 ضباط مصريين بقضية ريجيني
الخميس - 29 أبريل 2021
تبدأ اليوم الخميس في روما محاكمة غيابية لـ4 من ضابط الأمن المصريين تتهمهم السلطات الإيطالية باختطاف ريجيني وتعذيبه وقتله قبل أكثر من 5 سنوات.
قصة القضية في إيطاليا بدأت عقب معاينة الطبيب الشرعي جثمان ريجيني في روما وقتئذ، إذ قررت النيابة الإيطالية فتح تحقيق مواز لتحقيق السلطات المصرية في حادثة وفاته.
وكان لافتا أن المحققين الإيطاليين اشتكوا منذ البداية ما وصفوها "محاولات تضليل للتحقيقات"، اتهموا المحققين المصريين بانتهاجها بغية إضاعة الوقت في سبيل تمييع القضية.
وابتداء من حديثهم في مستهل التحريات عن حادثة سير، للانتقال في ما بعد إلى الحديث عن حادثة قتل بسبب علاقات عاطفية شاذة، ثم سرد قصة عن تعاطيه للمخدرات، وصولا إلى الرواية التي قُتل فيها 5 أشخاص في أثناء اشتباك مسلح مع عناصر الشرطة المصرية التي وصفتهم في ذلك الحين بأفراد العصابة المسؤولة عن قتل ريجيني مؤكدة عثورها على متعلقاته الشخصية في منزل زعيم العصابة.
ومع مرور الوقت تركزت تحريات المحققين الإيطاليين تحديدا على أنشطة مجموعة من الضباط التابعين لجهاز الأمن الوطني المصري.
باحث وليس جاسوسا
ووفقا لكثير من البيانات التي صدرت عن النيابة في روما وحظيت باهتمام وسائل الإعلام الإيطالية، فإن تلك التحقيقات التي استُمع فيها إلى حشد من الشهود فضلا عن اللجوء إلى استخدام تقنيات متطورة جدا، كانت قد أفضت منذ مراحلها الأولى إلى أن ريجيني كان في مصر بناء على تكليف من جامعة كامبردج البريطانية في إطار تحضيره لرسالة الدكتوراه لإعداد بحث عن الباعة الجائلين ونقاباتهم في القاهرة.
وذلك هو الذي أثار -بحسب بيانات النيابة الإيطالية- نظر السلطات الأمنية في ظل أوضاع أمنية حساسة آنذاك، فازداد اهتمام أجهزة الأمن المصرية وشكوكها إلى درجة اتخاذها قرارا باختطافه وتعذيبه 7 أيام في محاولة لإجباره على الاعتراف بأنه كان في مهمة تجسس، وأن أفراد الأمن وبعد إخفاقهم في تحقيق ذلك المبتغى اضطروا إلى قتله للتغطية على جرائم الخطف والتعذيب التي ارتكبوها، بحسب الرواية الإيطالية للأحداث.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2018 كانت نقطة التحوّل في التحقيقات الإيطالية، حينما قرر مكتب المدعي العام في روما إدراج أسماء 5 ضباط من جهاز الأمن الوطني المصري في سجل المُشتبه بهم في اختطاف ريجيني وتعذيبه وقتله.
الشاهد الملك
وفي شهر مايو/أيار 2019 كشفت صحيفة "لاريبوبليكا" (la Repubblica) الإيطالية النقاب عن شاهد هو عنصر أمن أفريقي كبير أكد للمحققين الإيطاليين -في محضر رسمي- سماعه شخصيا محادثة بين أحد المتهمين في ارتكاب الجريمة وضابط أفريقي آخر، أكد في أثنائها الضابط المصري أن ريجيني قُتل على يد أجهزة الأمن المصرية لاعتقادها أنه كان جاسوسا بريطانيا.
وبعد مرور عامين من تسجيل أسماء 5 ضباط من جهاز الأمن الوطني المصري في سجل المشتبه بتورطهم في ارتكاب الجريمة، أعلنت النيابة في روما بتاريخ 11 ديسمبر/كانون الأول الماضي إغلاق تحقيقاتها بشأن قضية الباحث جوليو ريجيني مؤكدة جمعها أدلة قاطعة وكافية لمحاكمة كل من اللواء طارق صابر، والعقيد آسر كامل محمد إبراهيم، والنقيب حسام حلمي، والرائد مجدي إبراهيم عبد العال الشريف.
وأصدرت 4 إشعارات بحقهم بتهمة ارتكاب جنايات شديدة الخطورة تراوح بين الاختطاف إلى التعذيب أياما عدة والقتل العمد، ممهلة إياهم 20 يومًا لتقديم بيانات الدفاع وحضور جلسة الاستماع الأولية.
اليوم تبدأ المحاكمة
وبتاريخ 20 يناير/كانون الثاني الماضي، ونظرا لعدم تلقي النيابة الإيطالية أي ردّ، طلبت إحالة المتهمين الأربعة إلى المحاكمة التي تنطلق جلستها الأولى اليوم الخميس الموافق 29 أبريل/نيسان في العاصمة الإيطالية روما برئاسة قاضي الإجراءات التمهيدية.
وسينظر القاضي في مسألة "تقصير النيابة المصرية" في تزويد نظيرتها الإيطالية بعناوين المتهمين في مصر، إذ ترتب على ذلك تعذر إخطارهم رسميا بلائحة الاتهام الموجهة إليهم وفقا لما تنص عليه مدونة الإجراءات الجنائية الإيطالية التي بدورها لا تجيز محاكمة أحد دون إخطاره سلفا بإشعار رسمي مرفق بلائحة الاتهام.
بيد أن المراقبين يرون أن القاضي سيقرّ في الأغلب بطلب محاكمتهم نظرا لكشف النيابة عن أسمائهم منذ مدة طويلة ونشرها في وسائل الإعلام على نطاق واسع حتى في مصر.
وعن هذه النقطة الأخيرة يرى الباحث الإستراتيجي الإيطالي دانييلي روفينتيني أن طلب النيابة إحالة المتهمين الأربعة إلى المحاكمة يدلّ على أن المحققين الإيطاليين لديهم أدلة كافية لدعم لائحة الاتهام في المحكمة، كما يتعيّن التذكير بأهلية وكفاءة قضاة التحقيق في هذه القضية.
العدالة وميزان المصالح
وعن مدى تأثير القضية في العلاقات الإيطالية-المصرية وانعكاساتها على الملفات التي تعدّ ذات أهمية إستراتيجية للبلدين، كالملف الليبي على سبيل المثال، يرى الخبير الإيطالي أن المؤكد أن جريمة ريجيني "خلقت لحظات من التوتر الدبلوماسي الكبير بين البلدين اللذين تربطهما في العموم علاقات تاريخية وودّية".
وتابع "لهذا السبب حاولت الحكومات الإيطالية التي تعاقبت في السنوات الماضية دائما الحفاظ على علاقة قوية مع مصر، ليس فقط لأنها شريك تجاري مهم جدًا لها بل لقناعاتها أيضا بأن الحفاظ على علاقات جيدة مع مصر من شأنه أن يتيح لها مجالا أكبر لممارسة ضغوط قوية على السطات هناك في حثها على الكشف عن ملابسات الجريمة".
وعمّا إن كان يعتقد أن آمال أسرة ريجيني والرأي العام ستصيب في النهاية بتحقيق العدالة أم إن المصالح الاقتصادية الوازنة سيكون أثرها أكبر، قال الخبير الإيطالي "أعتقد أنه لا جدال في أنه سيُكشف عن حقيقة مقتل جوليو ريجيني، وأن الجناة الحقيقيين سيدفعون ثمن جريمتهم".
المصدر : الجزيرة