باعته أسلحة بـ 5 مليارات قبل رحيل ميركل..هل ألمانيا غاضبة فعلا من السيسي؟
الأحد - 26 ديسمبر 2021
وافقت الحكومة الألمانية السابقة، التي كان يقودها التحالف المسيحي المنتمية إليه المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، والحزب الاشتراكي الديمقراطي -خلال الأيام التسعة الأخيرة قبل انتهاء ولايتها- على صادرات أسلحة بقيمة تقارب 5 مليارات يورو (5.65 مليارات دولار).
وجاء في ردّ وزارة الاقتصاد الألمانية على طلب إحاطة من النائبة البرلمانية عن حزب اليسار سيفيم داجدلين، أن تصاريح صادرات الأسلحة على مدى عام 2021 وصلت بذلك إلى مستوى قياسي، بإجمالي 9.043 مليارات يورو.
وبحسب الرد الذي أوردته وكالة الأنباء الألمانية ،السبت، حلّت مصر في المرتبة الأولى بفارق كبير في قائمة الدول المستقبلة للأسلحة الألمانية هذا العام.
من جانبه، تساءل الكاتب صلاح سليمان في "الجزيرة مباشر": هل تتغير السياسة الألمانية تجاه مصر بعد ميركل؟!
وقال: ثمّة لغط كبير وتصريحات نارية متبادلة بين القاهرة وبرلين، على إثر محاكمة الناشط علاء عبد الفتاح والحكم عليه بالسجن 5 سنوات، و4 سنوات بحق اثنين من رفاقه.
جدل سياسي لا أكثر
تأتي الانتقادات الألمانية للقاهرة المتعلقة بانتهاكات شديدة في حقوق الإنسان، بعد أيام قليلة من تولي المستشار الجديد أولاف شولتز دفة الحكم في البلاد، فقد استبقت الخارجية الألمانية النطق بالحكم وأصدرت بيانًا قالت فيه “إن الحكم سيكون بمثابة إشارة للاتجاه الذي ستسير فيه قضية العدالة وحقوق الإنسان في مصر”. وفي إشارة ضاغطة ورافضة للحكم قبل النطق به، قال البيان إن الحكومة الألمانية “تتوقع الإفراج عن الموقوفين، خاصة أنهم رهن الاعتقال منذ عام 2019 على خلفية اتهامات بنشر أخبار كاذبة، مع أنها تعتبر أن حرية التعبير هي أساس السلام الاجتماعي”.
وردت وزارة الخارجية المصرية سريعًا في بيان مضاد، وصفت فيه ذلك بأنه تدخّل سافر وغير مبرر في الشأن الداخلي المصري، وقالت إن “افتراض نتيجة محددة مرفوض رفضًا تامًّا، لأن ذلك يمثل ضياعًا للعدالة المصرية ومبادئ سيادة القانون وفصل السلطات المنصوص عليها في الدستور”.
قد يبدو من هذا البيان أن الجانب الألماني غير راضٍ عن ملف حقوق الإنسان في مصر، وهذا ليس بجديد، فهو يعيدنا إلى نقطة منطلق هذا الصراع والاتهامات المتبادلة بين القاهرة وبرلين في بداية عهد عبد الفتاح السيسي. فسرعان ما أعربت ألمانيا وقتها عن عدم رضاها عن الاعتقالات والانتهاكات التي تجري بمصر. لكن قبل تصعيد الأمور احتوت القاهرة برلين وقتها بتوقيع عدد من الاتفاقات الاقتصادية بين البلدين أحدها كان أكبر صفقة في تاريخ شركة (سيمنس) الألمانية بلغت قيمتها نحو 8 مليارات يورو، تقوم فيه الشركة بإنشاء محطات للطاقة الكهربائية، ثم توالت الصفقات في خط إنشاء قطار العاصمة الجديدة، بجانب توقيع صفقات في مجال الأسلحة المختلفة، آخرها صفقة الخمسة مليارات دولار، ولذلك اختفت النبرة الألمانية المنتقدة للسياسة المصرية الداخلية تمامًا، وحل محلها دفء عام في العلاقات، نجم عنه زيارات عدة للسيسي إلى برلين، ومن ثم زارت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل القاهرة، وأصبحت العلاقات تسير في اتجاه المصلحة لكلا الطرفين، بغض النظر عن أي مسائل أخرى.
بهذا منحت ميركل السيسي قوة في وسط المجوعة الأوربية، حتى إنها -قبل يوم واحد من مغادرتها الحكم- أجازت صفقة الأسلحة الجديدة للقاهرة.
زوبعة في فنجان
وبما أن حكومة المستشار الألماني الجديد فوجئت بهذه الصفقة، فقد أثار ذلك حنقها، لأنها تعتزم تقييد بيع الأسلحة وسن قانون جديد بشأن توريدها إلى بعض الدول الضالعة في انتهاكات حقوق الإنسان أو نزاعات وحروب إقليمية، ومنها مصر.
لكن المؤكد أن الأحكام القاسية التي صدرت بحق الناشطين في مصر وما صاحبها من انتقادات الخارجية الألمانية وإدارتها الجديدة لن يكون أكثر من "زوبعة في فنجان"، لآن أوربا -باختصار- غير مستعدة لممارسة أي ضغوط علي الدول التي تتهمها بانتهاكات في مجال حقوق الانسان، لآنها تضع المصلحة المادية فوق جميع الاعتبارات!
الدليل أنه تم تسجيل آخر مستوى قياسي لقيمة تراخيص صادرات الأسلحة الألمانية قبل عامين، ففي عام 2019 تم توريد أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 8.015 مليارات يورو من ألمانيا إلى جميع أنحاء العالم. وبحسب البيانات، ستتجاوز صادرات الأسلحة هذا العام هذه القيمة بما لا يقل عن مليار يورو.
شولتز شريك في دعم السيسي
وقبل يوم من انتخاب شولتز مستشارا، أبلغ وزير الاقتصاد في ذلك الحين بيتر ألتماير، البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) بصفقة السلاح لمصر، لكن دون أن يذكر قيمتها.
وجاء في ردّ الوزارة أنه تمت الموافقة على تصدير أسلحة حربية وبضائع تسليح أخرى لمصر بقيمة 4.34 مليارات يورو(4.91 مليارات دولار) خلال هذا العام وحتى الأيام الأخيرة للحكومة السابقة.
وبحسب ردٍّ سابق للوزارة على طلب إحاطة برلماني، كانت قيمة صادرات الأسلحة الألمانية لمصر تبلغ 0.18 مليار يورو حتى 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وهذا يعني أنه تمت الموافقة لمصر وحدها في الأيام التسعة الأخيرة من حكومة ميركل على صادرات أسلحة بقيمة تزيد على 4 مليارات يورو.
الشائك في ذلك هو أن الحكومة في أيامها التسعة الأخيرة كانت تتولى تسيير الأعمال لحين تنصيب الحكومة الجديدة، ومن الشائع أن تتوقف الحكومة عن اتخاذ قرارات سياسية بعيدة المدى في مثل هذه المرحلة، خاصة عندما يكون للحكومة اللاحقة رأي مخالف.
لكن هذا لا يعفي المستشار الحالي أولاف شولتز من المسئولية، فقد شارك في تحمل مسؤولية هذا القرار، حيث وافق مجلس الأمن الاتحادي الألماني على تصدير فرقاطات وأنظمة دفاع جوية من تصنيع شركة "تيسنكروب" للأنظمة البحرية، وشركة "ديل ديفينس" مجلس الأمن الاتحادي الألماني.
ومجلس الأمن الاتحادي عبارة عن لجنة وزارية ضمت -إلى جانب ميركل- 7 وزراء، من بينهم وزير المالية في ذلك الحين أولاف شولتز.
وانتقدت السياسية في حزب اليسار داجدلين تصرف المستشار الحالي بشدة، وقالت -في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية- "قام أولاف شولتز بخداع حقيقي في حكومة تسيير الأعمال، وأظهر بصورة مذهلة كيف أن انتقادات الحزب الاشتراكي الديمقراطي لصادرات الأسلحة غير الأخلاقية، خاصة إلى دكتاتوريات وأنظمة استبدادية، بقيت دون عواقب… هذا عبء ثقيل بالنسبة لحكومة إشارة المرور الجديدة بقيادة شولتز"، وفق تعبيرها.
المصدر : الجزيرة + الجزيرة مباشر+ الألمانية