انقلب السحر على الساحر.. مؤتمر المناخ يفضح كوارث السيسي الحقوقية والبيئية

الأربعاء - 9 نوفمبر 2022

  • "كوب 27" تحول إلى ساحة إعلامية لفضح الانتهاكات الحقوقية بمصر والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين
  • "الفايننشال تايمز": استياء قادة العالم من استمرار النظام المصري في الانتهاكات الحقوقية
  • "سناء سيف" تفضح الجرائم التى ترتكب بحق المعتقلين وتؤكد تعرض حياة اخيها للخطر
  • بالتزامن مع  المؤتمر.. تصاعد حملات الاعتقال التعسفي والتي طالت اكثر من ألف مصري حتي الآن  
  • رغم انعقاد "كوب 27" على أراضيها .. القاهرة ثاني أكثر مدن العالم تلوثاً للهواء  
  • "الصحة العالمية": كل مواطن مصري يفقد عامين من عمره بسبب الاعتلال الصحي
  • 12600 حالة وفاة بسبب تلوث الهواء في القاهرة الكبرى وحدها خلال عام 2017
  • البنك الدولي: 47 مليار تكلفة المرض والوفيات الناجمة عن التلوث بالقاهرة الكبرى
  • تعددت مبادرات مصر لتحسين الوضع البيئي في حين تقوم بمجازر للأشجار والحدائق
  • مصر تنتج 16.2 مليون طن نفايات سنوياً وتحتل المرتبة الأولى بالمنطقة في تلويث البحار
  •  مصانع الأسمنت بمصر لا تراعي أي اشتراطات بيئية وتسببت في تدمير الصحة

 

إنسان للإعلام- خاص:

"أنقلب السحر على الساحر".. هذا المثال هو خلاصة ما حدث لمصر في مؤتمر "كوب27"، والذي استهدف السيسي ونظامه منه تعضيد شرعيتهم، والحصول على مزيد من الدعم الدولي، ولكن المؤتمر تحول الي ساحة إعلامية لفضح الجرائم الحقوقية والبيئية التي يرتكبها السيسي ونظامه، وقد سماه البعض "بمؤتمر علاء عبد الفتاح"، بسبب طغيان القضايا الحقوقية على هذا المؤتمر.

ومن خلال سطور هذا التقرير نرصد بالتفاصيل كيف فضح هذا المؤتمر نظام السيسسي الدموي.

"كوب 27"  يفضح الانتهاكات الحقوقية بمصر

تحول مؤتمر "كوب27" إلى ساحة إعلامية لفضح الانتهاكات الحقوقية لنظام السيسي.  وقد  كشفت  صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية في تقرير لها عن تحول المؤتمر البيئي لساحة إعلامية لفضح الكوارث والجرائم الحقوقية التي يرتكبها النظام ، متطرقة لمساعي إطلاق سراح المعتقل البريطاني من أصل مصري علاء عبد الفتاح.

وقال كاتبا التقرير إن سناء سيف قادت احتجاجًا، من خيمة زرقاء صغيرة نُصبت خارج وزارة الخارجية البريطانية، في محاولة لتأمين إطلاق سراح شقيقها المعتقل في مصر، بينما تستعد شرم الشيخ لاستضافة زعماء العالم في قمة COP27.

وذكر التقرير أن سيف، مثل العديد من المصريين، تأمل في أن يوفر مؤتمر المناخ فرصة نادرة لتسليط الضوء الدولي على سجل البلاد السيئ في مجال حقوق الإنسان.

وقالت سيف، وهي محاطة بصور لأخيها المسجون علاء عبد الفتاح: "المؤتمر فرصة تتجه فيها الأنظار إلى مصر، فرصة للتحدث والحصول على مساحة للتنفس".

وأضافت الصحيفة: "يمكن إنقاذ الأرواح إذا استمر تسليط الضوء على أوضاع حقوق الإنسان في التصاعد، وإذا وضعت الحكومات ذلك في تعاملها مع السلطات المصرية".

وذكر التقرير أن علاء عبد الفتاح هو أحد السجناء السياسيين البارزين من بين الآلاف الذين اعتقلهم نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ تولى قائد الجيش السابق السلطة في انقلاب مدعوم شعبيا عام 2013.

وأوضح التقرير أن احتجاج سيف، وسجن عبد الفتاح، لفتا انتباه نشطاء المناخ بالفعل، حيث كانت ناشطة المناخ غريتا ثونبرغ من بين أولئك الذين زاروا اعتصامها في الخيام تعبيرا عن التضامن."1"

ومن ضمن الفضائح التي شهدها مؤتمر "كوب27" ، طرد أمن الأمم المتحدة  نائب في البرلمان أراد مقاطعة سناء سيف ومنعها من الرد عليه بعد أن سمح لها بالتحدث وهاجمها بشدة هي وعلاء عبد الفتاح، بحسب صحفيين من فرانس برس.

وقال النائب عمرو درويش الموالي للسلطة إن علاء عبد الفتاح “مواطن مصري وهو سجين جنائي وليس سياسيا.. لماذا تستقوون بالدول الغربية؟”. وأضاف أن علاء “اعتدى على جيش بلده وشرطتها”، في اشارة الى أنه لا يستحق الرأفة.

وفي مؤتمر صحفي عقدته في شرم الشيخ، حيث تحضر للضغط من أجل الافراج عن شقيقها، قالت الناشطة الحقوقية سناء سيف أن عائلتها تخشى من أن “ترغم” السلطات المصرية علاء عبد الفتاح على التغذية وإنها “ترفض” أي اجراء يتم “رغما عن إرادته”.

وأوضحت سيف أن هذه المخاوف ازدادت بعد تصريحات الاثنين لوزير الخارجية المصري سامح شكري أكد فيها أن شقيقها “يتلقى العناية اللازمة” وللرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون نقل فيها عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أنه “تعهد المحافظة على صحته”.

وقالت سيف إنه لا يمكنها أن تتخيل أن شقيقها “يتم الآن إرغامه على التغذية وأنه تم وضعه على سرير وتقييد يديه” لهذا الغرض.

وقالت الناطقة باسم المفوضية العليا رافينا شمدساني في تصريح صحافي في جنيف إن تورك “يأسف بشدة لأن السلطات المصرية لم تفرج بعد عن المدون والناشط المعرضة حياته لخطر كبير”.

وأضافت “نحن قلقون جدا على صحته” خصوصا وان عائلة الناشط “لم تتمكن من الاتصال به في اليومين الماضيين”.

وأوضحت أن تورك بحث قضية علاء عبد الفتاح مع السلطات المصرية الجمعة كذلك بحث الأمين العام للامم المتحدة أنطونيو غوتيريش قضيته مع السلطات المصرية على هامش مؤتمر المناخ المنعقد في شرم الشيخ بمصر.

وقال تورك في بيان إن “عبد الفتاح في خطر كبير. إضرابه عن تناول الماء يعرض حياته للخطر”.

وأضاف “مكتبي وآليات أخرى لحقوق الإنسان في الامم المتحدة أثاروا قضية عبد الفتاح وحالات اشخاص آخرين محرومين تعسفا من حريتهم ومسجونين بعد محاكمات غير عادلة عدة مرات”.

وفي نفس السياق ، دعا مُفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، السلطات المصرية إلى "الإفراج الفوري عن المدوّن والناشط السياسي علاء عبد الفتاح، الحاصل على الجنسية البريطانية، والمُضرب عن الطعام والشراب داخل محبسه، ما يُمثّل خطراً شديداً على حياته"."2"

استمرار السياسات الأمنية الباطشة

مع انعقاد مؤتمر "كوب 27"  أستمر النظام المصري في سياساته الأمنية  الغبية ، حيث  تصاعدت حملات الاعتقال التعسفي ، والتي طالت اكثر من الف مصري حتي الان  .

وقد ألقت أجهزة الأمن، القبض على بعض المحاميين ومنهم المحامي أحمد نظير الحلو، من منزله بحي التجمع الخامس في القاهرة، بحسب عدد من المحامين الذين تحدثوا لـ«مدى مصر»، موضحين أن أحد الضباط قال لنجل الحلو وقت القبض عليه «خلصونا لسه قدامنا 70 واحد هنقبض عليهم».

وقال المحامي خالد علي لـ«مدى مصر» إن الحلو هو أحد المحامين الذين يحضرون التحقيقات وتجديدات الحبس أمام نيابة أمن الدولة ومحكمة بدر، وله الكثير من الموكلين، بينهم منتمون لجماعة الإخوان وغيرهم.

وفي نفس السياق، أعلن صانع المحتوى المقيم خارج مصر، عبد الله الشريف، عن إلقاء القبض على والده، محمد الشريف، 74 سنة، من منزله بمحافظة الإسكندرية، لافتًا إلى أن السلطات سبق وألقت القبض على شقيقيه .

من ناحية أخرى، رصدت صفحة المحامي محمد أحمد 357 متهمًا ظهروا أمام نيابة أمن الدولة في الفترة من 3 أكتوبر الماضي وحتى 7 نوفمبر الجاري، وذلك بعد أن رصد عدد من المنظمات الحقوقية والمحامين، ومنهم المحامية هدى عبد الوهاب، تزايد عدد المقبوض عليهم المعروضين على نيابة أمن الدولة، إلى 165 شخصًا خلال الأسبوعين الماضيين.

وبحسب حصر المحامين والمنظمات الحقوقية، أُدرجت غالبية المقبوض عليهم على ذمة القضية رقم 1893 لسنة 2022 المعروفة بـ«ثورة المناخ»، وقضية أخرى برقم 1691 لسنة 2022، وتنوعت أسباب القبض عليهم بين قيامهم بتسجيل رسائل صوتية أو مقاطع فيديو  تتناول انتقاد رئيس الجمهورية وسياساته، وموضوعات من بينها غلاء الأسعار والظروف الاقتصادية الحالية، أو دعوة المواطنين للمشاركة في تظاهرات 11 نوفمبر، بالإضافة إلى مشاركة آخرين مقاطع مصورة مع إعلامي مقيم خارج مصر يُدعى حسام الغمري، يعبرون فيها عن رغبتهم في التظاهر في 11 نوفمبر.

وبخلاف المعروضين على نيابة أمن الدولة، قال المحامون إن هناك مئات المتهمين الذين قُبض عليهم من الشوارع ومن منازلهم ومقار عملهم، محتجزون بمعسكرات الأمن المركزي بالمحافظات، ويتم عرضهم على النيابات العادية، وتقوم الأخيرة بحبسهم، ويكون لها خلال التحقيق جميع صلاحيات نيابة أمن الدولة، وتوجه لهم نفس التهم.."3"

وفي نفس السياق ، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، إن السلطات المصرية اعتقلت أكثر من 100 شخص على صلة بمظاهرات مخطط لها في قمة المناخ، والتي تستمر حتى منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.

وأوضحت الصحيفة أن قلقا حقوقيا تزايد خلال الأيام الماضية، على إثر قمع السلطات المصرية لناشطين كانوا ينوون التعبير عن آرائهم.

ورغم سماح السلطات لناشطي جمعيات الدفاع عن البيئة، بتنظيم اعتصامات محدودة، إلا أن شرط الحصول على بيانات المشاركين اعتُبر من قبل حقوقيين، انتهاكا لهم.

ولفتت الصحيفة الأمريكية، إلى أن "الحكومة تبدو قلقة بشكل متزايد من أن الاحتجاجات يمكن أن تمتد إلى استعراض أوسع للمعارضة ضد   السيسي ."4"

وتصدرت بعض الملفات الحقوقية، لقاءات جمعت زعماء أوروبيين بالسيسي، على هامش اليوم الأول من مؤتمر المناخ "كوب27".

وقال مكتب رئيسة الوزراء الإيطالية، الاثنين الماضي ، إن جورجيا ميلوني ناقشت موضوعات الطاقة وأزمة المناخ والهجرة في محادثات مع  السيسي خلال زيارتها إلى شرم الشيخ من أجل حضور مؤتمر كوب27.

وقال مكتب ميلوني في بيان: "  "كان الاجتماع فرصة أيضا لرئيسة الوزراء ميلوني لطرح موضوع احترام حقوق الإنسان والتشديد على اهتمام إيطاليا الشديد بقضيتي جوليو ريجيني وباتريك زكي".

وأثارت ميلوني، خلال المحادثات مسألة حقوق الإنسان وقضية كل من الطالب الإيطالي المقتول جوليو ريجيني وباتريك زكي، الذي كان يدرس في إيطاليا ويحاكم حاليا في مصر بزعم نشر معلومات كاذبة.

وفي السياق، علق المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية بالقول: "تناول الاجتماع مسألة الطالب الإيطالي ريجيني والتعاون للوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة"، وأضاف: "تحدثنا خلال الاجتماع عن إمدادات الطاقة والمصادر المتجددة وأزمة المناخ والهجرة".

وقالت صحيفة لاريبوليكا الإيطالية إنه من الواضح أن "السيسي يأخذ خطوة إلى الأمام في العلاقة مع روما، دون أي تنازلات في مسائل حقوقية وقضية ريجيني".

وفي سياق متصل، قال مكتب رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، في بيان الإثنين، إنه شدد على "مخاوفه العميقة" بشأن قضية الناشط المصري البريطاني علاء عبد الفتاح المضرب عن الطعام وذلك خلال اجتماعه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

واجتمع سوناك والسيسي خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب27) في شرم الشيخ

وقال البيان : "أثار رئيس الوزراء قضية علاء عبد الفتاح مشددا على مخاوف الحكومة البريطانية العميقة بهذا الخصوص"، وأضاف: "قال رئيس الوزراء إنه يأمل أن يرى تسوية لهذا الأمر في أقرب وقت وإنه سيواصل الضغط لإحراز تقدم".

وفي السياق، أوردت وكالة الأنباء الفرنسية تأكيد الرئيس إيمانويل ماكرون إثارته لقضية علاء عبد الفتاح، خلال لقائه مع الرئيس المصري."5"

مصر تغرق في  الكوارث البيئية

وقد أكد نشطاء بيئيين مشاركين بالمؤتمر،  أن  مصر من البلاد شديدة التأثر بتغير المناخ، مع زيادة موجات الحر والعواصف، إذ تم توثيق زيادة الاحترار على مدار الثلاثين عاماً الماضية، وأكدوا أن  العاصمة القاهرة حلت كثاني أكثر مدن العالم تلوثاً للهواء المحيط، وفق دراسة لمنظمة الصحة العالمية في عام 2016.

وأضاف النشطاء ، أنه وفقاً  لمنظمة الصحة العالمية ، يفقد كلّ مواطن مصري نحو عامين من عمره الطبيعي بسبب الاعتلال أو الإعاقة الصحية من جراء تلوث الهواء، ويترتب على ذلك ضغوط على مرافق الصحة، وتراجع مؤشرات إنتاجية العمال وتركيز تلاميذ المدارس، فيما سجلت 12600 وفاة ناتجة عن تلوث الهواء في منطقة القاهرة الكبرى وحدها خلال عام 2017، ولا توجد بيانات رسمية حول أوضاع التلوث خارج القاهرة الكبرى (تضم ثلاث محافظات هي القاهرة والجيزة والقليوبية).

ويشير تقرير للبنك الدولي في عام 2019، إلى أن تكلفة المرض والوفيات المبكرة الناجمة عن تلوث الهواء، وصلت إلى نحو 47 مليار جنيه (نحو ملياري دولار) في منطقة القاهرة الكبرى وحدها. في المقابل، تؤكد وزارة البيئة المصرية، أنها شرعت في تحسين الظروف البيئية من خلال مبادرات حكومية مختلفة.

في حين تقول السلطات إنه منذ تقدمت مصر بطلب استضافة المؤتمر، ووقع الاختيار عليها باعتبارها الدولة الأفريقية الوحيدة التي أبدت رغبتها في استضافته، شرعت في دعم جهود المناخ الدولية، فأطلقت مبادرة "تحضر للأخضر" لنشر الوعي البيئي، وتغيير السلوكيات، وحث المواطنين على المشاركة في الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية.

وكشف بيان حكومي، أن الحملة تتضمن الترويج لـ13 محمية طبيعية، والعمل على إعادة ربط السائحين بالمواقع البيئية في مصر، بهدف إعادة اكتشاف الطبيعة، وتعزيز أهمية الحفاظ على البيئة، إلى جانب تسليط الضوء على جميع أنواع الحياة البرية والتنوع النباتي والمناظر الطبيعية.

وانطلقت "المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية"، والتي تقول الحكومة إنها مبادرة رائدة في مجال التنمية المستدامة والذكية للتعامل مع آثار التغيرات المناخية، من خلال وضع خريطة على مستوى المحافظات للمشروعات الخضراء الذكية، وجذب الاستثمارات اللازمة لها.

كما تم إطلاق مبادرة "الرئة الخضراء" التي تقوم على تحديد 9900 موقع في كل المحافظات تصلح لتكون غابات شجرية، أو حدائق، وتوفير الشتلات الزراعية وشبكات الري لها.

وأكد خبراء البيئة أنه في مقابل المبادرات الحكومية التي انطلقت قبل أشهر من استضافة مؤتمر المناخ، تتكرر الانتقادات الحادة من منظمات ومبادرات مجتمعية، محلية أو دولية، والتي تستهجن إزالة مساحات واسعة من المتنزهات والحدائق العامة، وقطع أعداد كبيرة من الأشجار لصالح إقامة مشروعات استثمارية ومحطات وقود ومطاعم ومقاه في غالبية المدن الكبرى، خصوصاً في القاهرة والجيزة والإسكندرية.

وفي الفترة الأخيرة، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورا للحديقة الدولية، إحدى أكبر المساحات الخضراء بالقاهرة وتحديدا منطقة مدينة نصر، بينما يدهس خضارَها ويجرّف جزءا منها إحدى الجرافات، التي جرى تداول صورتها في عمليات تجريف حدائق أخرى.

هذه الصور أشارت إلى دخول الحديقة الدولية دوامة الإزالة، الذي أصدر مجلس الوزراء بيانا ليضع لها مسمى آخر وهو "التطوير"، الذي ما أن يطول أي منشأة تراثية أو حديقة في مصر، يشير ذلك إلى تجريف أجزاء منها، وإفقادها روحها، وجعلها مكانا صالحا للكسب المادي، وإقامة مشروعات تجارية.

جرى ذلك في حديقة "المنتزة" في الإسكندرية، التي تم تجريف الكثير من أشجارها ونباتاتها وإقامة أكشاك ومطاعم ومناطق ترفيهية بأسعار باهظة بدلا منها، تنفيذا لاستراتيجية الدولة الحالية، القائمة على تحقيق أكبر أرباح ممكنة من أي منطقة على أرض مصر يمكن أن تدر أرباحا.

ويشمل ذلك التوجه الحكومي الحدائق العامة، والسواحل على حدٍ سواء؛ فسواحل كثيرة تم ردمها أو نحرها، أو البناء عليه، بخاصة في مدن قد تواجه خطر الغرق؛ بسبب التغير المناخي خلال السنوات المقبلة.

وحصل ذلك في الإسكندرية؛ حيث تم بناء جسر على بعد أمتار من الساحل، وتم إلغاء شاطئ قديم وشهير كان مقصدا أساسيا للسياح، هو "البوريفاج".

وكذلك ما يجري بمنطقة الساحل الشمالي، والذي وصفه ناشطون بـ"الحلب المالي" إلى أقصى مدى ممكن؛ إذ يتم حاليا إنشاء مرسى يخوت في عمق البحر، وهو ما استدعى الكثير من أعمال التكريك والبناء بالمنطقة الشاطئية لقرى السياحية.

وتداولت العديد من المنظمات المحلية مئات من شكاوى الأهالي حول قطع الأشجار في أحياء تاريخية، وإتاحة إنشاء مراسٍ للسفن بالمخالفة للقانون، فضلاً عن قضايا بيئية في شبه جزيرة سيناء، وفي المحميات الطبيعية.

ويركز تقرير صادر عن "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، بعنوان "حتى لا يزول الأخضر" على قطع الأشجار وإزالة الحدائق في مدن مصر من منظور العدالة البيئية، ويرصد ما جرى خلال السنوات الأخيرة من قطع للأشجار كظاهرة متكررة تصاحب مشروعات بناء وتطوير المرافق الخدمية في المدن، بما لا يراعي الوظيفة البيئية للأشجار والمساحات الخضراء، باعتبارها حلاً فعّالاً منخفض التكلفة لعلاج مشاكل تلوث الهواء والضوضاء، وتوفير الظل في الشوارع، وتبريدها في ظل الزيادات القياسية لدرجات الحرارة.

وأشار التقرير إلى أن أشجار الريف لم تَسْلَم بدورها من الانتهاكات، إذ تم اقتلاع آلاف الأشجار أثناء تنفيذ مشروع تبطين الترع والمصارف، من دون الإعلان عن أي دراسات أثر بيئي لإزالة تلك الأشجار، أو تحديد منهجية واضحة للإزالة، أو تخفيف عمليات القطع إلى أقل درجة ممكنة.

وقبل انعقاد "كوب 27"، حذرت منظمات مدنية وشخصيات معنية بالبيئة والمناخ، من مخاطر ترقى إلى حد الكوارث في عدد من المدن المصرية. واعتبر "المنبر المصري لحقوق الإنسان"، أن مشروع "التجلي الأعظم" في مدينة سانت كاترين، يعد "كارثة بيئية ومجتمعية في سيناء".

وفي ورقة موقف، أشارت المنظمة الحقوقية إلى وثيقة حكومية صادرة في مارس/آذار 2021، بعنوان "تطوير سانت كاترين. موقع التجلي الأعظم على أرض السلام"، تضمنت تفاصيل خطة بناء مشروع سياحي ضخم داخل وحول موقع التراث العالمي ومحمية سانت كاترين الطبيعية الواقعة في محافظة جنوب سيناء، إذ تم خلال العام الماضي، إنشاء مئات المباني داخل وحول مدينة سانت كاترين التاريخية، في خرقٍ واضحٍ لقواعد منظمة اليونسكو المنظمة للتعامل مع مناطق التراث العالمي، وبالمخالفة للقوانين المصرية المنظمة لشؤون المحميات الطبيعية.

وفي وقت سابق، أطلق "المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" حملة بعنوان "سكة السلامة" للتوعية بتأثيرات تغير المناخ على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ركزت على خطورة مخلفات البلاستيك في مصر، واستعرضت الأرقام الصادمة في هذا الملف، ومنها تقرير صادر في سبتمبر/أيلول 2021، أوضح فيه عضو المجلس التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة، عمرو نصار، أن قيمة الاستثمارات التي يتم ضخها في صناعة البلاستيك في مصر تصل إلى 7.2 مليارات دولار، بقيمة إنتاجية سنوية تصل إلى نحو 16.6 مليار دولار.

ووفقا لمركز تحديث الصناعة التابع لوزارة التجارة والصناعة المصرية، فإن عدد المصانع "الرسمية" في مجالات البلاستيك تبلغ نحو 7500 مصنع. وعلى الرغم من ذلك، انخفضت نسبة الصادرات المصرية من البلاستيك من 2.2 مليار دولار في 2019، إلى 1.7 مليار دولار في 2020، لتحتل مصر المركز 38 في قائمة الدول المصدرة للبلاستيك.

وفقاً لدراسات أعدتها وزارة البيئة، فإن مصر تنتج نحو 16.2 مليون طن من النفايات سنوياً، وتشكل مخلفات البلاستيك نحو 6 في المائة منها، ويبلغ الاستهلاك المحلي السنوي نحو 12 مليار كيس بلاستيكي أحادي الاستخدام، وكلها تهدد الحياة البرية والبحرية، ويتم تدوير نحو 45 في المائة من مخلفات البلاستيك، وإعادة استخدام 5 في المائة منها، فيما يُحرق نحو 50 في المائة من النفايات البلاستيكية في الهواء الطلق، ما يمثل خطراً محدقاً بالبيئة المحيطة، ويخلف زيادة في أمراض السرطان، والأمراض التنفسية

كشف تقرير سابق للبنك الدولي، أنّ مصر تحتل المرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تلويث البحار بالبلاستيك، والمركز السابع على مستوى العالم، وأنّها مسؤولة عن نحو ثلث إجمالي المخلفات البلاستيكية التي تتدفق إلى البحر المتوسط، وتليها الجزائر، ثم المغرب.

وتعد وسائل النقل والمواصلات القطاع الأكثر تلويثاً للبيئة في مصر. وأوضح تقرير صادر عن وزارة البيئة، أنّ نسبة تلوث الهواء تجاوزت الحد المسموح في القانون، وأنّ سكان المدن الكبرى يتعرضون لمستويات مرتفعة من التلوث بالجسيمات الدقيقة العالقة.

ووفق تقرير للبنك الدولي، فإنّ نحو 40 في المائة من انبعاثات قطاع النقل في مصر صادرة عن منطقة القاهرة الكبرى، والتي تضمّ نحو نصف إجمالي المركبات في البلاد. كما كشفت دراسة لمنظمة الصحة العالمية، أنّ العاصمة القاهرة كانت ثاني أكبر مصدر لتلوث الهواء خلال الفترة من عام 2011 إلى 2015."1"

وتأمل مصر، من خلال استضافة المؤتمر، في الحصول على دفعة من الشرعية الدولية، وكذلك "التمويل الأخضر".

وسعى   السيسي  تدريجيا لإعادة مصر إلى الساحة العالمية، ووعد بعصر جديد يركز على التنمية في البلاد، رغم استمرار العوامل الاقتصادية غير المواتية التي أدت إلى تراجع نحو 35% من قيمة الجنيه مقابل الدولار منذ مارس/آذار.

ووفق "حفصة حلاوة"، وهي باحثة غير مقيمة في معهد الشرق الأوسط، فإن "السبب الذي دفع المصريين إلى طلب استضافة كوب 27 هو الشرعية الدولية في المقام الأول" وليس الاهتمام بموضوعات البيئة .

وتضيف أن السلطات تريد أن تظهر أن مصر ليست دولة بعيدة عن مجريات الأمور، وأن لديها المقدرة والنفوذ الدبلوماسي والتأثير والوجود الأمني ​​لتكون دولة محورية.

وتقدم مصر نفسها على أنها مدافعة عن أفريقيا ودول نصف الكرة الجنوبي، مستندة إلى حملة دبلوماسية لكسب دول القارة السمراء في نزاع مع إثيوبيا بشأن سد "النهضة"، الذي تعتبره القاهرة تهديدا لإمداداتها من المياه.

وتضغط مصر من أجل "تحول عادل" في مجال الطاقة، يسمح للدول الفقيرة بالتطور الاقتصادي وتعزيز التمويل الرخيص لمواجهة آثار تغير المناخ، وتلبية مطالب الدول المعرضة للتأثر بالتغيرات المناخية بالتعويض عن الأضرار الناجمة عن الظواهر الجوية المتطرفة التي يسببها المناخ.

وتقول السلطات إنه منذ أن تقدمت مصر بطلب استضافة المؤتمر، ووقع الاختيار عليها باعتبارها الدولة الأفريقية الوحيدة التي أبدت رغبتها في استضافته، شرعت في دعم جهود المناخ الدولية؛ فأطلقت مبادرة "تحضر للأخضر" لنشر الوعي البيئي وتغيير السلوكيات، وحث المواطنين على المشاركة في الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية

ورغم اطلاق الحكومة الكثير من حملات الدعاية لمشروعات بيئية تقدمية ، إلا أن ذلك كله لم يتم تنفيذه على أرض الواقع، في الوقت الذي يصف "وائل أبوالمجد"، الدبلوماسي المصري المخضرم والممثل الخاص لرئاسة "كوب 27"، المؤتمر بأنه "لحظة فاصلة"، لافتا إلى أن "الكل يدرك خطورة الوضع وحجم التحدي".

وتأمل مصر من خلال المؤتمر في التوقيع على مجموعة من الاتفاقات بشأن مجالات تشمل طاقة الهيدروجين الأخضر ومشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

في المقابل، يبدي البعض دهشته من أن مصر ستستضيف مثل هذا المؤتمر، بالنظر إلى انخفاض مستوى حماية البيئة والقيود المفروضة على نشاط المجتمع المدني.

وبسبب معدلات البناء العالية، التي تحرص عليها مصر، ما بين وحدات سكنية ومدن جديدة وعقارات، تتضاعف صناعة الإسمنت، الذي يعد من أكثر العوامل المساهمة في التدهور البيئي في مصر.

ولاستيعاب الطلب الكبير، ارتفعت الطاقة الإنتاجية للأسمنت المصري خلال السنوات الثلاث الماضية من 85 مليون طن إلى 87 مليون طن سنويا، برغم المحاولات الحكومية لاحتواء التأثير البيئي المُهلك لهذا القطاع الصناعي، عبر اقتراح تخفيض إنتاج المصانع بنسبة 10%، إلا أن المصانع لم تتجاوب مع المقترح، كما أن الرقابة الواهية تخلق الكثير من المخالفات، بخاصة أن صناعة الإسمنت ليست بالشفافية المطلوبة، بحسب القواعد العالمية.

ووفق تقارير حقوقية، فإن المصانع المصرية لا تتخذ التدابير اللازمة لمنع انبعاثات الغلاف الجوي، أو التخلص من النفايات الخطرة بطريقة لا تضر البيئة والسكان.

وغالبا، ما تخالف المصانع جميع القواعد والقوانين وتنتهك البيئة، ويصبح إثبات مخالفاتها صعبا للغاية؛ لتقديمها وثائق وأوراق تؤكّد قانونية عملها."6"

المصادر

  1. FT" : "كوب 27" يسلط الضوء على الانتهاكات الحقوقية في مصر" ،  عربي21،09 نوفمبر 2022،   https://cutt.us/JVMgf
  2. "إبعاد نائب برلماني من مؤتمر شقيقة علاء عبدالفتاح.. اتهمها باستعداء الخارج" ، موقع رصد ، 8 نوفمبر 2022، https://cutt.us/9YV0p
  3.   "القبض على محامي متهمين في قضايا سياسية.. وحبس 300 على خلفية دعوات «11-11» " ، مدي مصر،  8|11||2022 ، https://cutt.us/2HL51
  4. "اعتقالات تزامنا مع "كوب27" بمصر.. وقادة العالم: نواجه معركة" ، عربي21، 08 نوفمبر 2022 ، https://cutt.us/CVEk9
  5. " قضايا حقوقية تتصدر لقاءات زعماء أوروبيين بالسيسي بـ"كوب27" ، عربي21، 07 نوفمبر 2022،  https://cutt.us/uqkTS 
  6. "مصر تدعم جهود مكافحة تغيير المناخ في الخارج وتحاربه بالداخل.. ما القصة؟" ، الخليج الجديد ، 7 نوفمبر 2022 ، https://cutt.us/Ou925