انطلاق جولة جديدة لمفاوضات سد النهضة وسط توقعات بفشلها

الاثنين - 19 أبريل 2021

شهد ملف سد النهضة كثير من التطورات خلال الساعات الأخيرة والتي تعد حاسمة في هذا الملف الخطير على الأمن القومي المصري، حيث انطلقت اليوم مفاوضات جديدة بالعاصمة الكونجولية كينشاسا، وتستمر لمدة 3 وسط توقعات بفشلها، وأصبح معتاداً في كل محطة تتفاقم فيها أزمة سد النهضة، أن تلجأ إثيوبيا للترويج السياسي والإعلامي لما تصفه بـ"مخالفة مصر لاتفاق المبادئ" المبرم في مارس/آذار 2015، وأن تطالب بالعودة إلى الإطار التطبيقي لهذا الاتفاق، وتزامن ذلك مع تصعيد أثيوبيا من خلال تصريحات المسئولين حول حتمية الملء الثاني واستكمال مشروع "السد" ، كما أعلنت جنوب السودان انحيازها بالكامل لكل المطالب الإثيوبية ، فيما واصلت الإمارات تحديها لمصر، من خلال مساعدات إنسانية إلى إقليم "تيغراي" الإثيوبي بعد يومين من تهديدات السيسي لأديس بابا، ومن خلال سطور هذا التقرير نتعرض للتفاصيل.

توجّه وزير الخارجية المصري "سامح شكري" إلى العاصمة الكونجولية كينشاسا للمشاركة في جولة من المفاوضات حول سد النهضة

بناء على الدعوة التي وجهتها جمهورية الكونجو الديمقراطية، بوصفها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، وبمشاركة وزراء الخارجية والري لكل من مصر والسودان وإثيوبيا.

ويأتي حرص مصر على تلبية هذه الدعوة من جانب الكونجو "انطلاقاً من موقفها الداعي إلى إطلاق عملية تفاوضية جادة وفعالة، تسفر عن التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم حول ملء وتشغيل سد النهضة على نحو يراعي مصالح الدول الثلاث"، بحسب وزارة الخارجية المصرية.

وفي السياق ذاته أعلنت الخارجية السودانية، أن وزيرة الخارجية "مريم الصادق"، ووزير الري والموارد المائية "ياسر عباس"، سيغادران إلى كينشاسا، اليوم السبت؛ للمشاركة في الاجتماعات برعاية جمهورية الكونجو الديمقراطية، رئيسة الدورة الحالية للإتحاد الأفريقي.

وسبق أن أعلن الخرطوم بضرورة الاستعانة بوساطة دولية رباعية تضم الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، وتعمل تحت قيادة الاتحاد الأفريقي؛ لمساعدة الأطراف الثلاثة للتوصل لاتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة يخاطب مصالح ومخاوف كل الأطراف.

وكان وفد مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي أكد أمس مواصلة الحوار بشأن السد.

وقال مسؤولون في وزارة الخارجية والرئاسة بالكونغو إن الاجتماع الذي يستمر 3 أيام سيستضيفه الرئيس فيليكس تشيسيكيدي، الذي تولى رئاسة الاتحاد الأفريقي الشهر الماضي.

وذكرت مجلة "جون أفريك" (Jeune Afrique) الفرنسية أنه من المتوقع أن يحضر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي المباحثات.

وكان " السيسي" قال عن أزمة سد النهضة إن مصر الآن في "معركة تفاوض"، وأضاف "السيسي" في مؤتمر صحفي: "كل يوم كبار المسؤولين في العالم بنأكد لهم إننا بنكسب أرض، إننا جادين، إننا نتفاوض من أجل الكسب للجميع".

توقعات بالفشل واثيوبيا تلجأ لاتفاق "المبادئ" لتعطيل المفاوضات

وكالمعتاد في كل محطة تتفاقم فيها أزمة سد النهضة، أن تلجأ إثيوبيا للترويج السياسي والإعلامي لما تصفه بـ"مخالفة مصر لاتفاق المبادئ" المبرم في مارس/آذار 2015، وأن تطالب بالعودة إلى الإطار التطبيقي لهذا الاتفاق،.

هذا الخطاب وصفه مصدر دبلوماسي مصري بأنه "يهدف إلى إهدار الوقت، ويرمي إلى الاستفزاز أيضاً"، خصوصاً أن إثيوبيا تعلم بالمقترحات الدائرة في الاتصالات المصرية السودانية، والتي كشفتها "العربي الجديد" في فبراير/شباط الماضي، بالانسحاب الفردي، أو الثنائي، من الاتفاق، كنوع من تعرية الموقف الإثيوبي.

 وأضاف المصدر، لـ"العربي الجديد"، أن بعض المسؤولين في مصر والسودان يطرحون أسباباً للتردد في هذه الخطوة خشية الفشل في إجبار إثيوبيا على تقديم أي تنازلات إذا انقضى اتفاق المبادئ، وخشية المتاجرة الدبلوماسية من أديس أبابا بأن خطوة الانسحاب تتناقض مع الرغبة في التوصل إلى اتفاق، أو اعتبارها مقدمة للحل العسكري الذي لوح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي به للمرة الأولى، الثلاثاء الماضي.

ووفقاً للمقترح المتداول، فإن الانسحاب من الاتفاق قد يكون في صورة إعلان ثنائي من القاهرة والخرطوم، ومن المطروح أيضاً أن تسبق دولة الأخرى إلى ذلك، كنوع من التنسيق التكتيكي بينهما. وفي الحالتين سيكون الانسحاب خطوة مباشرة للجوء إلى مجلس الأمن بشكوى رسمية جديدة ضد إثيوبيا. الأكيد أن إثيوبيا لم تقدم أي تنازل على مدار خمس سنوات من التفاوض بعد إبرام هذا الاتفاق، بل أصبح تكية تستند إليها لتبرير تمسكها بالتحكم السيادي في السد. فالاتفاق أدى في الواقع إلى تخلي مصر عن زمام المبادرة، وخسارة العديد من الأوراق التي كانت تلوّح بها سابقاً، وعادت للتهديد بها أخيراً، كالحل العسكري. وأهدى الاتفاق إلى إثيوبيا اعترافاً مطلقاً بحقها في إنشاء السد وملئه وتشغيله، وفرصة واسعة للتلاعب السياسي والدبلوماسي والفني، على الرغم من أن الاتفاق، كانت مصر تسعى إليه بتصور خاص من السيسي، رئيسها الجديد آنذاك، بأنه سيضمن حق الشعب المصري في الحياة، فإذ به ينقلب لصالح إثيوبيا، التي تمكنت حتى اليوم من استخدامه بصورة مربحة لها.

أديس أبابا ماضية في إكمال بناء سد النهضة  

وعلي الجانب الأخر وبالتزامن مع انطلاق المفاوضات بالكونغو ، قال وزير الخارجية الإثيوبي ديميكي ميكونين إن بلاده تتجه حاليا نحو استكمال المراحل النهائية لبناء سد النهضة

وفي كلمة ألقاها بمناسبة الذكرى العاشرة لبدء بناء السد، شدد وزير خارجية إثيوبيا على أن استكمال أشغال البناء يمثل أولوية قصوى لأهميته التاريخية والاقتصادية.

وقال إن بعض القوى الخارجية تسعى إلى تقويض سيادة إثيوبيا بدعمها وتغذيتها للعنف الداخلي، لمنعها من التنمية والاستفادة من مواردها الطبيعية، وفق تعبيره.

وأكد المسؤول الإثيوبي تمسك أديس أبابا بالاستفادة من مشروع سد النهضة ومراعاة مخاوف دولتي المصب، والالتزام بعدم إلحاق أي ضرر بهما.

وفي نفس السياق ، أعلنت رئيسة إثيوبيا، سهلى ورق زودي، إن بلادها تستعد لعملية الملء الثانية لسد النهضة، خلال كلمة لها بمناسبة الذكرى العاشرة لبدء بناء سد النهضة الإثيوبي الذي يوافق اليوم الثاني من أبريل 2011.

وأضافت رئيسة أثيوبيا " سلهورق زودي " : “سد النهضة يمثل حجر الأساس للتغلب على الفقر وتحويل حياة المواطنين للأفضل لقد حققنا الجولة الأولى من ملء سد النهضة بعد التغلب على التحديات والضغوطات لكن إثيوبيا مصممة على استكمال بناء السد الذي يتطلع له جميع الإثيوبيين ويمثل ركائز مساعي الدولة التنموية”.

وقالت: “نهر أباي (النيل) وروافده تمثل إمكانات هائلة للإصلاح الاقتصادي المستمر للشعب الإثيوبي, إثيوبيا فشلت في استغلال الموارد المائية للنهر وكذلك مواردها الطبيعية الأخرى لأغراض اقتصادية لسنوات عديدة بسبب محدودية القدرات والظروف الإقليمية والدولية”.

وأكدت على أن تطوير أحواض نهر النيل في إثيوبيا تمثل مسألة بقاء وسيادة، وأن سد النهضة هو ملكية تاريخية للإثيوبيين يتم بناؤه من خلال تقاسم ثرواتهم ووقتهم وعملهم ومعرفتهم”.

 

موقف من جوبا

وفي جنوب السودان، أكد وزير الري والموارد المائية ماناوا بيتر جاتكوث دعم بلاده لحقوق إثيوبيا الكاملة في مواردها الطبيعية.

وقال خلال محادثاته مع السفير الإثيوبي في جوبا إن حكومة جنوب السودان ستصدق قريبا على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل بمجرد افتتاح البرلمان.

إثيوبيا تعلن اكتمال 79% من أعمال بناء «سد النهضة

ومؤخرا أعلن وزير الري الإثيوبي  اكتمال 79 % من أعمال بناء سد النهضة.

وأكد أن السلطات الإثيوبية شرعت في مخطط إزالة الغابات بمساحة 4854 هكتار من الأراضي، تمهيدا لإزالتها للشروع في الملء الثاني لبحيرة سد النهضة.

الإمارات واللعب لصالح اثيوبيا

وفي تحد واضح لمصر ، أعلنت الإمارات إرسال مساعدات إنسانية إلى إقليم "تيغراي" الإثيوبي بعد يومين من تهديدات رئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي، بـ"رد لا يمكن تخيله سيتردد صداه في المنطقة" في حال تأثرت إمدادات بلاده من المياه بسبب السد الذي تشيده إثيوبيا.

تأتي المساعدات الإماراتية المتكررة في إطار المساعدات الإنسانية التي تفرضها العلاقات الوطيدة بين البلدين كما يقول مسؤولو أبو ظبي، ويراها مراقبون أنها تأتي في إطار تعزيز وتدعيم حكومة آبي أحمد للحفاظ على استقرار البلاد وبالتالي مصالحها هناك.

جاء موقف الإمارات مغايرا وأقرب للحياد واكتفت في بيان لها، بالدعوة لاستمرار المفاوضات، معربة عن "اهتمامها وحرصها الشديد على استمرار المفاوضات للوصول إلى حل يرضي الجميع".

كان مصدر حكومي مصري قال لموقع "مدى مصر" (مستقل) إن "الإمارات، حتى الآن، لم تدعم مصر في مسألة السد الإثيوبي، رغم قدرتها على ذلك بما تتمتع به من استثمارات كبيرة في إثيوبيا".

وأوضح المصدر أن الإمارات لديها أفكار ومصالح في منطقة البحر الأحمر، وهذا أمر مختلف عن دعم مصر، فيما تشهد العلاقات بين القاهرة وأبو ظبي مرحلة "إعادة حسابات"، بحسب وصف مسؤولين مصريين.

يرى مراقبون أن موقف أبو ظبي الأخير، يعكس توترا مكتوما بين البلدين على خلفية التباين في مواقف البلدين إزاء العديد من قضايا المنطقة، على رأسها الاندفاع الإماراتي سياسيا واقتصاديا وعسكريا نحو "تل أبيب" وقيادة حملة غير مسبوقة للتطبيع مع الاحتلال، تتجاوز الدور المصري.

أرجع عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري سابقا، محمد جابر، الموقف الإماراتي إلى الدعم الكبير الذي توفره لإثيوبيا في بناء السد، وقال: "موقف الإمارات ليس بمستغرب؛ فهي من أوائل الدول التي دعمت بناء السد في إثيوبيا واستثمرت فيه بمبالغ كبيرة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ولا يخفى ذلك على النظام المصري، ومساعدتها بهدف استقرار الأوضاع هناك وبالتالي مصالحها".

في معرض تعليقه قال كاتب وباحث خليجي إن "الموقف الإماراتي من تصريحات السيسي بشأن مياه النيل يتماشى مع موقفها من أزمة غلق قناة السويس بسبب جنوح سفينة حاويات في مدخلها الجنوبي؛ لم يكن لها موقف معلن وقوي وداعم لمصر؛ لأن أبو ظبي أصبحت جزءا من منظومة الاستثمار الإسرائيلي في قضية الهيمنة على المياه والمضائق".

وفي نفس السياق ، توجه وفد سوداني إلى أبوظبي في 26 فبراير/شباط لإجراء محادثات بشأن النزاع الحدودي مع إثيوبيا في إطار مبادرة وساطة أعلنتها الإمارات. وأعلن مجلس الوزراء السوداني في 23 مارس/آذار موافقته على مبادرة الإمارات للوساطة بينه وبين إثيوبيا لحل نزاعاتهما الحدودية وأزمة "سد النهضة" بين مصر والسودان وإثيوبيا.

وكان وفد إماراتي رفيع المستوى زار الخرطوم في 13 يناير/كانون الثاني، والتقى الوفد بمسؤولين في وزارتي الخارجية والري والموارد المائية، وناقش ملف "سد النهضة" ومواقف السودان. ثم اقترحت الإمارات مبادرة لتقريب وجهات النظر وحل الخلاف بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا).

وتأتي المبادرة الإماراتية، التي لم يتم الكشف عن تفاصيلها بعد، وسط جمود وفشل متكرر لمفاوضات "سد النهضة". كما تأتي في ظل تصاعد التوترات الحدودية بين السودان وإثيوبيا بشأن منطقة "الفشقة" الحدودية، وقد بلغت ذروة هذه التوترات بمواجهات عسكرية مطلع العام الجاري.

 

وقال "شفاء العفاري" الكاتب والمحلل الإريتري المتخصص في الشؤون الأفريقية، إن المبادرة الإماراتية تأتي في وقت حرج، وأضافت لموقع "المونيتور": "يأتي ذلك في ظل تصعيد عسكري عبر الحدود السودانية الإثيوبية، وتعاون عسكري مصري سوداني غير مسبوق، وتحذيرات من تدخل عسكري في أزمة سد النهضة".

وأكد رئيس المجلس العسكري الانتقالي والقائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق "عبدالفتاح البرهان"، في كلمة ألقاها أمام ضباط وضباط صف وجنود منطقة البحري العسكرية في 21 مارس/آذار الجاري، أن القوات السودانية لن تتراجع عن مواقعها على الحدود السودانية مع إثيوبيا.

ويوجد حاليا 92 مشروعا استثماريا إماراتيا في إثيوبيا، تتركز في قطاعات الزراعة والصناعة والعقارات والرعاية الصحية والتعدين.

وفي 14 مارس/آذار، أعلنت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل، المعروفة أيضا باسم "مصدر"، عن اتفاقية مع الحكومة الإثيوبية لتنفيذ مشاريع طاقة شمسية من شأنها أن تولد 500 ميجاوات في عدة مواقع في إثيوبيا.