من شريان حياة إلى "واد غير ذي زرع".. النيل يموت عطشا
الأربعاء - 27 سبتمبر 2023
إنسان للدراسات الإعلامية – جهاد يونس:
بعد تجميد لأكثر من عامين، انتهت في أديس أبابا، يوم 24 سبتمبر 2023، مفاوضات سد النهضة الجديدة، دون تحقيق أي حل في الملف المقلق لكل مصري.
الجولة التفاوضية، التي جمعت مصر والسودان وإثيوبيا في أديس أبابا؛ لمناقشة قضية سد النهض ، انتهت دون أن تسفر عن أي تقدم يُذكر، وفقا للجزيرة نت.
تراجعت إثيوبيا عن توافقات سابقة تم التوصل إليها بين الدول الثلاث سابقاً، وفقا لوزارة الري المصرية، التي أشارت- في بيان- إلى أن إثيوبيا مستمرة برفضها لكل الحلول الوسط التي تم طرحها وكذلك للترتيبات الفنية المتفق عليها دوليا.
وأكدت الوزارة أن الوفد المصري مستمر في التفاوض بجدية للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ينظم قواعد تعبئة وتشغيل سد النهضة بما يحفظ مصالح الدول الثلاث. (الخبر: مصر: إثيوبيا تتراجع عن توافقات سابقة ولا تقدم بمفاوضات سد النهضة)
الإعلام المحلي والدولي تناول هذا الموضوع خلال الأسبوع الحالي، عاكسا الجدل المستمر حول قضية سد النهضة منذ وقع الجنرال السيسي، قائد الانقلاب في مصر، على اتفاقية المبادئ في الخرطوم عام 2015.
نشر موقع "سباتونيك" الموقف الاثيوبي من المفاوضات، حيث وجهت إثيوبيا انتقادات إلى مصر، بعد نهاية الاجتماع الوزاري الثلاثي. وقالت وزارة الخارجية الإثيوبية: إن الجانب المصري أظهر موقفا يقوض اتفاق إعلان المبادئ الموقع في عام 2015".(الخبر: إثيوبيا: مصر تبنت موقفا يقوض اتفاق المبادئ بشأن مفاوضات سد النهضة)
وقال ياسين أحمد، رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية: إن إثيوبيا ترى الجانب المصري متمسك بالحقوق التاريخية، وهي حصص لا تعترف بها إثيوبيا لأنها مرتبطة بمعاهدات استعمارية واحتكارية، وفقًا لتعبيره.
بناءً على ذلك ألقى وزير الخارجية المصري سامح شكري بياناً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم السبت 23 سبتمبر 2023، شدد فيه على أن "إثيوبيا تمادت في ملء وتشغيل سد النهضة في خرق واضح للقوانين الدولية".
و نشرت جريدة "الأهرام" بيان شكري الذي قال فيه: "ليس هناك مجال للاعتقاد الخاطئ بإمكانية فرض الأمر الواقع عندما يتصل الأمر بحياة ما يزيد على 100 مليون مصري". (الخبر: من المنبر الأممي.. 5 رسائل نارية من مصر حول سد النهضة)
أخطار عديدة للسد
ونشر موقع "فرانس 24" مقالا عن احتمالية تكرار سيناريو مدينة درنة في سد النهضة الإثيوبي، حيث حذر الخبير المصري الدكتور عباس شراقي من أن حجم التخزين الضخم للسد، الذي يصل إلى 41 مليار متر مكعب، أو استكمال إثيوبيا الإجراءات المنفردة وزيادة حجم استيعاب السد ليصل إلى 74 مليار متر مكعب، ينذر بكارثة حال تعرض السد لأية أخطار.
واستند في حديثه إلى ما حدث في مدينة درنة بليبيا بعد انهيار سدين لتخزين 28 مليون متر مكعب، فخلف وراءه آلاف القتلى والمصابين والخسائر المادية الفادحة في حين يخزن سد النهضة 41 مليار متر مكعب، أي ما يعادل أكثر من 3 آلاف مرة حجم سدي درنة. (الخبر: بين تهديد الفيضانات والزلازل.. ما احتمال أن يتكرر سيناريو درنة في سد النهضة الإثيوبي؟)
ونشر موقع "فيتو" صورا جديدة لتوقف التوربينات الخاصة بسد النهضة الإثيوبي والتي تكشف انخفاض تدفق المياه على الممر الأوسط للسد. هذه الصور نشرها أستاذ الموارد المائية عباس شراقي، على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، تؤكد انخفاض تدفق المياه أعلى الممر الأوسط، بعد انتهاء التخزين الرابع 9 سبتمبر 2023، بنحو 250 مليون متر مكعب يوميا بعد أن كانت 300 مليون، ومعدل التدفق منخفض أيضا عن اليوم نفسه من العام الماضي بمقدار 50%، وهذا أثر كثيرا في انخفاض منسوب النيل الأزرق، وعدم وصول المياه إلى الأراضي الفيضية التي يعتمد على زراعتها ملايين المزارعين في السودان الذين ضاع على كثير منهم الموسم الزراعي لهذا العام، وفقا لما ذكره خبير الموارد المائية. (الخبر: خبير يكشف عن لغز غير مفهوم أظهرته الأقمار الصناعية بسد النهضة وتأثيره على السد العالي)
جفاف النيل الأزرق
كما نشر موفع "روسيا اليوم" فيديو تداوله نشطاء عبر موقع إكس (تويتر سابقاً) لمواطن سوداني يرصد جفاف النيل الأزرق في السودان، مع توجيه رسالة لمصر مفادها "القادم أسوأ".
ونشر عدد كبير من المصريين على إثرها مجموعة من المنشورات حول ضرورة أن تكشر مصر عن أنيابها لحل أزمة سد النهضة وسط تعنت إثيوبيا في عدم التوصل إلى حلول مرضية.(الخبر: القادم أسوأ".. فيديو كارثي من السودان يحذر مصر من تطورات خطيرة في نهر النيل)
الخيارات المتاحة لمصر
يطرح بعض الخبراء حل اللجوء إلى مجلس الأمن مجددا مع التلويح بورقة التغيرات المناخية والبيئية التي يمكن أن تشكل خطرا، كما حدث في المغرب ومدينة درنة الليبية، في ضوء أن إثيوبيا تقع في حزام زلازل، وربما يهدد بانهيار سد النهضة في أي وقت وما قد ينتج عنه من تدمير واسع في وادى النيل.
وقد نشر "العربي الجديد" أراء بعض الخبراء حول الحلول المتاحة أمام مصر، و استبعد فيها دبلوماسي مصري إمكانية اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، قائلاً إنه "بعد البيان الأخير لمجلس الأمن بشأن الأزمة، وإحالتها إلى الاتحاد الأفريقي، سيكون من الصعب إعادة طرح الأمر مجدداً على المجلس، كما أن الظرف الدولي الراهن سيفقد تلك الخطوة قيمتها في ظلّ انشغال القوى الدولية بقضايا أكثر إلحاحاً".
فيما قالت خبيرة النزاعات المائية المصرية، هالة عصام الدين: "لا بد من الاستعانة بخبراء القانون الدولي، لمعرفة ما هو المتاح لمصر من خيارات، للحلول القانونية الملزمة". وأضافت أن "الحلول والخيارات أصبحت قليلة، مع وجود سد ضخم ممتلئ" .(الخبر: كواليس الجولة "الفاشلة" من مفاوضات سد النهضة)
هل أصبح الطريق مسدوداً؟
قال خبير المياه الدولي المصري ضياء الدين القوصي، تعليقاً على جولة المفاوضات الأخيرة في أديس أبابا، إن "الغرض الرئيسي من هذه الجلسات هو أن يعرف الجميع، محلياً وإقليمياً ودولياً، أن مصر لم تدخر أي جهد ولم تترك أي فرصة للوصول إلى اتفاق بالطرق الدبلوماسية، وعن طريق المفاوضات، تمهيداً لاتخاذ إجراءات أخرى في المستقبل".
ويرى الأكاديمي المصري المتخصص في الشأن الأفريقي خيري عمر أن الملء الإثيوبي الرابع للسد "لا يوحي بانفراجه". وأضاف عمر: “سنعود إلى نقطة الصفر في المفاوضات استنادا إلى موقف إثيوبي لن يتغير وسيؤكد أن الملء المتكرر تم بلا ضرر، وبالتالي لا حاجة إلى اتفاق”. (الخبر: جولة جديدة من مفاوضات سد النهضة: استعراض إثيوبي ورضا مصري)
السيسي ورط مصر
على هامش اجتماع في قمة الاتحاد الأفريق، يناير 2018، شوهد السيسي محاطاً بالرئيسين السوداني والأثيوبي زاعماً أن كل المشاكل ستحل خلال شهر: “إن مصالحنا واحدة، ونحن نتحدث كدولة واحدة وليس كثلاث دول. انتهت الأزمة، لا يوجد أزمة أصلاً”.
وبعد سنين، لازالت الأزمة تتفاقم، ومن جهتها تحمّل المعارضة المصرية عبد الفتاح السيسي مسؤولية أزمة سد النهضة، فقد نشر "القدس العربي" بيان للمرشح الرئاسي المحتمل، أحمد الطنطاوي، يقول فيه: "إن إثيوبيا مستمرة في سياسة فرض الأمر الواقع، مستفيدة من ضعف وتهاون موقف السلطة المصرية في قضية وجود الدولة".
أضاف: "الحل الذي ناديت به على مدار 8 سنوات، كنائب بالبرلمان، ثم كرئيس حزب سياسي، والآن كمرشح رئاسي، يبدأ بعرض هذا الاتفاق غير المُلزم للدولة المصرية على البرلمان احتراما وتطبيقا للدستور”.(الخبر: جولة تفاوض جديدة بين مصر وإثيوبيا والسودان حول سد النهضة)
كما صرح خبير السدود المصري محمد حافظ، بأن "الجانب المصري لا يتحدث بصراحة مع الشعب بقوله إن المفاوضات تجرى حول آلية عمل السد، بينما الجانب الإثيوبي يؤكد أن المفاوضات تتعلق بكمية المياه التي ستخصم من حصة مصر، والتي وافقت عليها مصر في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وهو خفض حصتها إلى 37 مليار متر مكعب، بدلاً من 40 مليارا ونصف مليار، بينما وصل التنازل المصري إلى 9 مليارات، وذلك فيما تؤكد إثيوبيا أن الخصم يصل إلى 16 مليار متر مكعب، وهناك بعض المعلومات تتحدث عن خصم 22 مليار"
القادم أسوأ
هذا الجدل الإعلامي يتجاهل، في معظمه، أن السد بمثابة تهديد وجودي لمصر، لأنها تعتمد على نهر النيل لتأمين 97% من احتياجاتها من الماء.
وتعاني مصر بطبيعة الحال من ندرة في المياه تصل إلى 50% من احتياجاتها المائية. وتأتي على رأس قائمة الدولة القاحلة، فهي الأقل من حيث معدل هطول الأمطار بين دول العالم.
ومعظم الخبراء يؤكدون أن مصر ستصل في العام القادم الى مرحلة الفقر المدقع بسبب السد، حيث سينخفض نصيب الفرد فيها من المياه إلى 500 متر أو أقل سنويا، فيما تفيد تقديرات الأمم المتحدة بأن "المياه قد تنفد في مصر بحلول عام 2025″، وأن مناطق في السودان معرضة بشكل متزايد للجفاف بسبب تغير المناخ.
وفي ظل هذا الوضع الكارثي الذي وصل إليه ملف سد النهضة بسبب سياسات السيسي الخاطئة، من المتوقع أن تخنق إثيوبيا مصر مائيا، ويتحول النيل إلى واد جاف معظم أيام السنة، في سابقة هي الأولى من نوعها تاريخيا، بعد أن كان شريان الحياة لمصر كلها منذ آلاف السنين.