المغرب: انتخاب "الرمال" رئيسا لـ"التوحيد والإصلاح"..هل يرمم العلاقة مع حزب "العدالة والتنمية"؟
الأحد - 16 أكتوبر 2022
الحركة تعلن رفضها التطبيع مع الكيان الصهيوني.. و"هنية" يصفها بأنها "سند وعون" للقضية الفلسطينية
إنسان للإعلام- خاص
انتخبت حركة التوحيد والإصلاح المغربية، والتي يمثلها سياسيا حزب "العدالة والتنمية"، الدكتور "أوس رمال"، رئيساً جديدا للحركة، خلفاً للرئيس السابق عبد الرحيم الشيخي، الذي قاد الحركة لولايتين متتاليتين من 2014 – 2022.
فاز "رمال"، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الحركة منذ 2018، بـ 380 صوتاً، بفارق 172 صوتاً عن ثاني منافس له، وهو مسؤول قسم الدعوة بالحركة محمد البراهمي، الذي حصل على 208 أصوات، خلال انتخابات الجمعية الوطنية للحركة، التي انتهت في وقت متأخر مساء السبت صباح الأحد 16 أكتوبر 2022
وجاء المنسق العام لمجلس الشورى، محمد عليلو بالمركز الثالث بـ 154 صوتاً، تلاه أمين عام الحركة، خالد الحرشي بـ 142 صوتاً، وعضو المكتب التنفيذي الحسين الموس بـ 123 صوتاً.
ونشأت الحركة أواسط سبعينيات القرن العشرين من خلال فعاليات أقامتها جمعيات إسلامية، قبل أن يُعلن في 31 أغسطس / آب 1996 ميلاد حركة التوحيد والإصلاح من اندماج حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي.
وولد "رمال" في مدينة فاس (شمال شرق) عام 1958، وهو أحد الأسماء البارزة في حركة التوحيد والإصلاح.
ونال درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة محمد الخامس بالعاصمة الرباط، وتقلد في مساره المهني مناصب منها "مفتش ممتاز" بوزارة التعليم.
و"رمال" هو رابع رئيس لحركة التوحيد والإصلاح بعد كل من عبد الرحيم شيخي ومحمد الحمداوي وأحمد الريسوني.
وجاء انتخاب رمال رئيساً للجناح الدعوي للحزب الإسلامي، مطابقاً لتوقعات المراقبين الذين توقعوا أن يظفر بقيادة الحركة في وقت تواجه فيه الحركة الإسلامية تحديات كثيرة أخطرها قبول حزب العدالة والتنمية ذراعها السياسي التطبيع مع العدو الصهيوني، ما أدي لعدم دعم الحركة له في الانتخابات الأخيرة وخسارته وخروجه من السلطة.
وانتخب أعضاء الحركة أيضا، رشيد العدوني نائباً أول لرئيس الحركة، ويتبقى انتخاب منسق مجلس شورى الحركة وأعضاء المكتب التنفيذي الجديد، البالغ عددهم 11 عضواً، باقتراح من رئيسها المنتخب.
من هو أوس رمال؟
يجمع الرئيس الجديد لحركة التوحيد والإصلاح "أوس رمال" بين التكوين العلمي والشرعي وهو منفتح على تكنولوجيا العصر.
وقد وصفه الموقع الإلكتروني للحركة بـ "رجل تواصل، وانفتاح على تكنولوجيا العصر، له تقدير لقيمة الزمن، وحريص على احترام مواعيد الأنشطة واللقاءات".
أضاف: "يصف من احتك وتعامل مع الدكتور أوس رمال، بأنه إنسان رباني وصاحب شخصية رقيقة وتمثله بأخلاق صوفية في نمط حياته اليومية".
وقد شغل "رمال" عددا من المهام التنظيمية بحركة التوحيد والإصلاح، آخرها منصب نائب رئيس حركة التوحيد والإصلاح، وقبلها مسؤولا لقسم التكوين المركزي الذي أحدث فيه طفرة نوعية من خلال إعداد منظومة التربية والتكوين، كما شغل سابقا مسؤولية الجهة الكبرى للقرويين لحركة التّوحيد والإصلاح، وسبق له الانخراط في عضوية عدد من الجمعيات الثّقافية والتربوية والرّياضية.
وله إسهامات مقدرة في الإنتاج العلمي من أبرزها: وسائل الإثبات والتّطوّرات المعاصرة، والبصمة الوراثية وتطبيقاتها في مجال النّسب نموذجا (أطروحة الدّكتوراه)، ومنشورات وخطب ومحاضرات عدة، وإسهامات متنوّعة في مجالات: الأسرة، التّعليم، التّربية والتّكوين، الثّقافة، الدّعوة، والإعجاز العلمي.
ما هي الحركة؟
تسعى حركة التوحيد والإصلاح، القريبة من فكر الإخوان المسلمين، للمساهمة في إقامة الدين وتجديد فهمه والعمل به، على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة وبناء نهضة إسلامية رائدة وحضارة إنسانية راشدة، من خلال حركة دعوية تربوية، وإصلاحية معتدلة، وشورية ديمقراطية، تعمل وفق الكتاب والسُّنة.
وتهدف الحركة، حسب أدبياتها إلى تحقيق نهضة إسلامية من خلال حركة إصلاحية معتدلة تعتمد المرجعية الإسلامية وتتبنى خيار الشورى والديمقراطية. يصفها المراقبون بأنها النظير الدعوي لحزب العدالة والتنمية، لكنها تعتبر نفسها عملا إسلاميا تجديديا لإقامة الدين وإصلاح المجتمع.
تأييد النظام الملكي
وفي وثيقة أصدرتها عام 2003 بعنوان "توجهات واختيارات" سطرت الحركة مجموعة عناوين كبرى من قبيل "تأييد نظام إمارة المؤمنين الملازمة للملك وأساس شرعيته الدينية، وتمسكها بجعل الشريعة المصدر الأول للتشريع دون اختزالها في الحدود، ورفضها الغلو والعنف والإرهاب، والتمسك بالديمقراطية وحقوق الإنسان".
لكن منذ يوليو 2016، أطلقت حركة التوحيد والإصلاح برنامج مراجعة ميثاقها، قبل أن تخلص إلى التخلي عن "المجال السياسي"، حيث صدقت في المؤتمر العام للحركة في أغسطس 2018، على تعديلات في ميثاقها المؤسس، ودعت إلى "تطليق" السياسة وتعميق طابعها الدعوي.
وحددت الحركة لنفسها 11 هدفا، أبرزها ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، ومتابعة السنة في الاعتقاد والقول والعمل، والدعوة إلى الله بعمل جماعي منظم، يعتمد الحرية والشورى والتدرج والحكمة والموعظة الحسنة، والتدافع السلمي، والمخالطة الإيجابية، والانفتاح على باقي الفاعلين في المجتمع، والتعاون مع الغير على تحقيق الخير.
العلاقة بحزب العدالة
تربي كثير من أعضاء حزب العدالة والتنمية وقياداته داخل حركة التوحيد والإصلاح، لذا رفعا لأي لبس وخلط بين الدعوي التربوي والسياسي، أصر الطرفان (الحزب والحركة) على الفصل بين وظيفتيهما (الدعوي والسياسي) واستقلالية كل منهما عن الآخر، دون أن يمنع ذلك التقاء مواقف الحزب والحركة في اللحظات الكبرى للاصطفاف بخصوص قضايا ذات علاقة بالمرجعية الدينية.
لذلك تبدو العلاقة بين الحركة والحزب أقرب لأن تكون مشروعا واحدا، تعمل هيئتان (الحزب والحركة) على تجسيده، كلٌ من خلال وظيفته المعينة (السياسة والدعوة).
ويقول مراقبون إن علاقات وصلات الطرفين (الحزب والحركة) تأرجحت إلى حد التمايز، وانتهت بما اعتبره آخرون "طلاقا" بينهما، بعد تعديل الميثاق المؤسس للحركة عام 2018م، عندما قررت قيادات الحركة الدعوية "تطليق السياسة"، والتركيز على الطابع التربوي والإصلاحي للتنظيم، ثم جاء الاختبار الصعب للحزب بتوقيع أمينه العام سعد الدين العثماني اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني في 22 ديسمبر 2020م، عندما كان رئيسا للحكومة ليكون "القشة التي قصمت ظهر البعير" وزادت البون بين الحركة والحرب بعد رفضها هذه الخطوة.
وتعتبر قيادات حزب العدالة والتنمية المغربية أو قيادات حركة التوحيد والإصلاح أن "التمايز الوظيفي" بين الطرفين هو تحصيل حاصل للمتغيرات والتحولات السياسية والإيديولوجية والتنظيمية التي عرفتها الحركة بالخصوص.
وشرح هذا التمايز الدكتور سعد الدين العثماني، الذي يعتبره كثيرون مُنظرا لعلاقة التمايز بين الحزب والحركة، فقال: إن هذه العلاقة تتسم بنوع من الالتقائية في الأهداف والغايات، رغم اختلاف الأدوات التي يشتغل عليها كل طرف.
فالحزب يتابع ويقرر في التفاصيل السياسية بما ييسر لك التموقع بشكل إيجابي وجيد في المشهد السياسي للبلاد، بينما الحركة تنظر إلى الأمور بشموليتها استنادا إلى طابعها الدعوي والإصلاحي.
وبسبب هذا التمايز، لم تدعم حركة التوحيد والإصلاح، الحزب في الانتخابات بسبب اعتراضها على قبوله التطبيع وقانوني المخدرات وفرنسة التعليم.
وقد قررت الحركة في أغسطس 2014 منع الوعاظ والمشتغلين في العمل الاجتماعي من أعضاء الحركة من الترشح في الانتخابات باسم حزب العدالة والتنمية المغربي.
وبعد 2018 لم يعد يسمح لقيادات الحزب الإسلامي بعضوية المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح.
وفي هذا الصدد، قال محمد الهلالي، القيادي السابق في الحركة، عضو المجلس الوطني الحالي للعدالة والتنمية، لوكالة "الأناضول" 20 سبتمبر 2021 إنه "لا يمكن لقيادي تنفيذي في الحركة أن يتولى وظيفة تنفيذية أو تمثيلية في الحزب، وكذلك لا يمكنه الدعاية العلنية للحزب ما دام في وظيفته التنفيذية في الحركة".
خسارة الانتخابات وترميم العلاقات
عقب خسارة "حزب العدالة والتنمية" المغربي غالبية مقاعده البرلمانية في انتخابات الثامن من سبتمبر/أيلول 2021، طُرحت تساؤلات حول ابتعاد "حركة الإصلاح والتوحيد" عن دعمه في الانتخابات، وسقوطه المدوي وإمكانية استعادة العلاقة مجددا.
وكانت أولى تداعيات هذا السقوط استقالة الأمانة العامة للحزب عشية إعلان نتائج الانتخابات، إذ انتقل من صدارة المشهد السياسي بـ 125 مقعدا برلمانيا (من إجمالي 395) إلى 13 مقعدا فقط.
الآن بعد سقوط الحزب وابتعاده عن رئاسة الحكومة يتردد أن تعود أو يجري ترميم العلاقة بين الحزب والحركة مجددا.
"إذا كان تصدر الحزب المشهد السياسي استدعى مزيدًا من الفصل بين الحركة والحزب، فإن تراجع الأخير يرجح تقاربًا أكبر بينهما، بحسب مختصين، نظرًا لانتفاء الأسباب التي كانت تدعو للفصل، وفق ما قاله خبراء مغاربة لوكالة الأناضول.
يؤكدون أن "التقارب في المستقبل أكبر، نظرا إلى أن الحزب بصدد إعادة البناء بشكل كلي، ومراجعة الخط السياسي والخيارات الاستراتيجية، وهذه الأمور تحتاج إلى دعم وإسناد من الحركة".
ويعتبر منتصر حمادة، مدير مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث بالرباط، في تصريح لموقع "كيوبوست" 13 ديسمبر 2021 أنه سواء تعلق الأمر بحركة التوحيد والإصلاح أو حزب العدالة والتنمية، فالأمر يهم مشروعا إسلاميا حركيا، ينهل من مرجعية إخوانية.
ويؤكد الخبير في الحركات الإسلامية أن "هذا المشروع أو التصور المجتمعي المؤسس على أرضية دينية إيديولوجية إخوانية، يشبه مَجَرّة [Galaxy] تضم عدة كواكب.
ويشرح بالقول "ضمن هذه المجرة كوكب شغله الشاغل العمل السياسي، الذي يتجسد في الواجهة الحزبية، أي حزب العدالة والتنمية، وكوكب شغله الشاغل العمل الدعوي، أي حركة التوحيد والإصلاح، وهكذا الحال مع باقي الكواكب التي تشتغل على المجالات أو القطاعات النقابية، البحثية، الإعلامية، النسائية، الطلابية، الرقمية.. إلخ.
ويقول الداعية المغربي الشيخ الحسن بن علي الكتاني الحسني في تهنئة وجهها للرئيس الجديد للحركة إن أمام الحركة لتحديات كبيرة، أهمها الخروج بها من الصورة التي لصقت بها بعد تجربة العمل السياسي التي أثرت على سمعة الحركة الإسلامية كلها، وخاصة بعدما تورطت قيادة جناحها السياسي في القيام بالتطبيع مع الكيان الغاصب.
أضاف أن القيادة الجديدة للحركة مؤتمنة على حركة خرجت من رحم الحركة الإسلامية الأم في المغرب، وكان لها دور كبير في الصحوة الإسلامية، وخاصة في الجامعات المغربية، وخلال الأربعين سنة الماضية كان لها دور كبير في الدعوة إلى الله والوقوف في وجه العلمانية والتغريب.
لكن التجربة السياسية، والتي كنا من المعارضين لها لعدم وجود مؤهلات تسمح بها، أدت لكوارث على الحركة والدعوة الإسلامية في المغرب كلها، وليس على الحزب فحسب.
ضد التطبيع
وفي أول تحرك لها بالتزامن مع مؤتمرها العام، وضمن تصحيح أخطاء الحزب، حذرت حركة التوحيد والإصلاح المغربية، المسؤولين المغاربة، من مخاطر الاختراق الصهيوني للدولة والمجتمع، وطالبتهم بالتراجع عن مسار التطبيع مع "إسرائيل".
ودعت الحركة في 14 أكتوبر 2022 المسؤولين المغاربة إلى التراجع عن مسار التطبيع مع إسرائيل، وذلك ضمن أعمال مؤتمرها العام تحت شعار "بالاستقامة والتجديد تستمر رسالة الإصلاح".
وأعلنت "التوحيد والإصلاح"، على لسان رئيسها السابق عبد الرحيم شيخي، (قبل انتخابات الحركة) بحضور الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" عبد الإله بنكيران، عن رفضها لتطبيع المغرب علاقاته مع إسرائيل، معتبرة أن "المغرب لم يجن ولن يجني خيراً من العلاقة مع الصهاينة"
وقال الشيخي:" أمامنا تجارب عربية عديدة لم تحقق سوى الخراب والوهم من التطبيع مع إسرائيل"، معتبراً أن الاتفاق مع الكيان شكل "فاجعة وطنية خاصة في ظل ما تبعه من علاقات تطبيعية في مختلف المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية، وكذا العلمية والثقافية والرياضية وغيرها"
وشدد الشيخي على أن" الكيان الصهيوني المجرم يتخذ من هذه الاتفاقات غطاء آخر لتصعيد همجيته وجرائمه في أرض فلسطين المباركة"، مبرزاً أن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية يحظى بدعم الدول الغربية العظمى، بالإضافة إلى استفادته من الصمت الأممي والعربي وكذا الإسلامي، وفي تناقض مع احترام شعارات حقوق الإنسان.
تحية من اسماعيل هنية
وقد بعث إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس تحيه للمؤتمر العام لحركة التوحيد والإصلاح مؤكدا أن "الشعب المغربي كان ولازال سندا ودرعا لفلسطين وأهلها"
ووصف هنية، في اتصال هاتفي مباشر مع مندوبي المؤتمر العام الوطني السابع، 15 أكتوبر 2022 ، مشروع حركة التوحيد والإصلاح "بالخيرية المباركة، يتجدد فيها الأمل دوما في هذا المشروع الحضاري للمغرب وعموم الأمة، كونه مشروع مرتبط بهذه العقائد المؤصلة لفقهنا السياسي ولموروثاتنا الحضارية".
ونوه رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية بالدور الذي تقدمه حركة التوحيد والإصلاح والشعب المغربي في دعم القضية الفلسطينية قائلا “أنتم سند وعون لإخوانكم وأشقائكم في فلسطين المحتلة خاصة في القدس وفي رحاب المسجد الأقصى المبارك وكنتم ومازلتم وستبقون كذلك”.
وأشار هنية إلى أن الجمع العام للحركة يأتي بخصوصية الزمن الذي ينعقد فيه بالبعد الفلسطيني، ويحمل أهمية خاصة على الصعيد الفلسطيني من خلال الانتفاضة المتجددة في القدس وفي عموم الضفة الغربية الشماء والأبطال الذين يجاهدون في سبيل الله حق الجهاد من أجل تحرير الأرض والإنسان."