القضاء الفرنسي يعطي السيسي ضوءًا أخضر للتجسس على المصريين وتعذيبهم
الثلاثاء - 27 ديسمبر 2022
- فرنسا تسهم في مشروع "عقل الدولة" أو "مقر مركز قيادة الدولة الاستراتيجي" للتجسس
- 4 أجهزة سيادية تشتري أجهزة تجسس لملاحقة المصريين وتتجسس علي بعضها!
- لدعمه السيسي.. فرنسيون هاجموا ماكرون فأجابهم: "البيزنس" لا حقوق الإنسان المصري!
إنسان للإعلام- خاص:
قضت محكمة في باريس، 14 ديسمبر 2022، بإسقاط التهم الموجهة ضد الشركة الفرنسية "نيكسا تكنولوجي" ومديريها، بالتواطؤ في التعذيب، بعد بيع برمجية تجسس إلكتروني متطورة للحكومة المصرية، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
كانت "نيكسا تكنولوجي" قد اتُّهمت هي وأربعة من مديريها عام 2021 ببيع مصر برمجية "سيريبرو"، ما مكن السلطات المصرية من التجسس على معارضين سياسيين وربما تعذيبهم وإخفائهم قسرياً.
لكن محكمة الاستئناف في باريس أسقطت التهم الموجهة إلى رئيس مجلس الإدارة أوليفييه بوهبو، والرئيس التنفيذي ستيفان ساليس، والمسؤولين الآخرين، لكنها لم تأمر بإغلاق القضية، ما يعني أن القضاة سيواصلون تحقيقاتهم، خاصة أن شركتي الأسلحة العملاقة "داسو"، وشركة تاليس متهمتان أيضا ولم تصدر نتائج التحقيق بشأنهما بعد.
ووصف محامو الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان القرار بأنه "خيبة أمل كبيرة" لكنهم قالوا إن "القصة لم تنته بعد"، وأضافوا في بيان: "سنواصل العمل لإلقاء الضوء على عواقب بيع نيكسا نظام سيريبرو للنظام المصري".
واعتبر مراقبون قرار القضاء الفرنسي بمثابة ضوء اخضر لنظام السيسي لاستمرار التجسس على المصريين وتعذيبهم وأنه حكم سياسي يراعي العلاقات الاقتصادية بين السيسي وفرنسا والتي يشتري منها صفقات سلاح وأجهزة تجسس.
ويدير "نيكسا" مسؤولون سابقون في "أميسيس"، وهي شركة تكنولوجيا معلومات فرنسية أخرى تم اتهامها في تحقيق منفصل حول بيع برمجية التجسس "إيغل" لنظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.
تم تأكيد اتهامات بالتواطؤ في التعذيب ضد "أميسيس" في نوفمبر 2022، لكن التهم أسقطت عن موظفين سابقين في الشركة.
قصة تجسس السيسي
في يوم 31 يوليو 2019، تحدث عبد الفتاح السيسي عن مشروع غامض أسماه "عقل الدولة"، قال إنه يتكلف 25 مليار جنيه.
وفي 17 نوفمبر 2020 تفقد السيسي ما سُمي "مقر مركز قيادة الدولة الاستراتيجي" بالعاصمة الإدارية الجديدة، الذي يمتد على مساحة 22 ألف فدان ويضم 13 منطقة مختلفة، بينها "مركز بيانات استراتيجي".
صحف النظام وصفت هذا المركز حينئذ بأنه "مجمع سيرفرات" يمثل قاعدة شاملة للبيانات، يمكن من خلالها "تحليل أحوال المصريين واتخاذ قرارات تخصهم".
بسبب تكرار السيسي هجومه على ثورة يناير 2011 وهو يتحدث عن "عقل الدولة"، تساءل نشطاء عن الهدف الحقيقي من المشروع، وهل له أهداف أمنية تتعلق بمنع ثورة شعبية جديدة على غرار 25 يناير 2011؟.
جاء ما كشفته الوثائق الفرنسية التي نشرها موقع "ديسكلوز" الاستقصائي 23 نوفمبر 2021 ضمن حلقات "أوراق مصرية" عن "مراقبة صُنعت في فرنسا"، ليلقي الضوء على مشروع "عقل الدولة" الغامض الذي أعلن عنه السيسي.
توقيت تسليم ثلاث شركات فرنسية سيرفرات ونظم مراقبة جماعية لأربعة أجهزة أمنية مصرية أبرزها المخابرات بشقيها (العسكري والعامة)، بالتزامن مع إعلان السيسي مشروع عقل الدولة، يؤكد العلاقة بين الأمرين.
تفاصيل "عقل الدولة"
في حديثه السابق عن مشروع "عقل جمع بيانات الدولة"، قال السيسي إنه عبارة عن منظومة ضخمة من الخوادم في مكان ما تحت سطح الأرض على عمق 14 مترا في أحد الأماكن التي لم يسمها، لكن الوثائق الفرنسية كشفته أنه في مطار ألماظة.
ونقلت عنه الصحف المصرية أن عقل الدولة تم البدء بتنفيذه عام 2016، أي بالتزامن مع توريد الشركات الفرنسية معدات السيرفرات ومحرك البحث والمراقبة.
قال السيسي إن "عقل الدولة" يخضع لتأمين مشدد، "في منطقة ما"، وأنه يوجد عقل آخر تبادلي بنفس القدرات في مكان آخر بعيداً عنه وهو ما كشفت الوثائق الفرنسية أنه بالإسكندرية دون تحديد مكانه بدقة.
وخلال تفقده "مركز قيادة الدولة الاستراتيجي" نوفمبر/تشرين ثان 2020 الذي يكمل مشروع "عقل الدولة"، جرى الحديث عما سمي "مركز تنسيق أعمال دفاع الدولة"، الذي يبدو أنه مركز حماية مقر السيسي بالعاصمة الادارية، أو "المنطقة الخضراء".(فيسبوك)
وقالت الصحف الحكومية 17 نوفمبر/تشرين ثان 2021 إن مركز قيادة الدولة الذي يستفيد من "عقل الدولة" تؤمنه وحدتين من الحرس الجمهوري ووسائل تأمين أخرى.
مشروع عملاق لمراقبة المصريين
بحسب تحقيق Surveillance made in France الذي نشره موقع "ديسكلوز" كشفت الوثائق الفرنسية عن مشروع عملاق معقد لمراقبة المصريين تقوم به أجهزة: المخابرات الحربية، والعامة، وجهاز الأمن الوطني، وهيئة الرقابة الإدارية.
بموجبه باعت ثلاثة شركات أسلحة وتكنولوجيا فرنسية، نظم مراقبة جماعية، لهذه الأجهزة الأمنية الأربعة، لتتجسس على المصريين وتسجل هواتفهم وتراقب تحركاتهم وأماكنهم وتقوم بتحليل كل البيانات المتعلقة بهم.
الوثائق الفرنسية التي نشرها "ديسكلوز"، أظهرت، تحرك كل جهاز من الأربعة بطريقة مختلفة وشراؤه أجهزة منفصلة، وللمفارقة تجسسهم علي بعضهم البعض بجانب تجسسهم جميعا على المصريين، وأنهم سربوا تسجيلات لبعضهم البعض!.
الشركة الفرنسية الأولي Nexa Technologies ورّدت لمصر نظام Cerebro لمراقبة شبكات الانترنت، ما سهل الاعتقالات والاختفاء القسري.
وقد اعترفت شركة "نيكسا" أن طلب توريد هذه المعدات للمراقبة الالكترونية ورد إليها من الإمارات التي دفعت الثمن، بحسب ردها على "ديسكلوز".
سبق هذا تأكيد مجلة تيليراما Télérama الفرنسية، 5 يوليو 2017، أن الامارات أهدت السيسي نظام للمراقبة الإلكترونية واسعة النطاق «سيريبرو» تطوره شركة فرنسية تدعى «آميسيس»، تكلفته 10 ملايين يورو.
كشفت الصحيفة وكذا "الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان"، أن هذا النظام "يوفر مراقبة حية للمستهدفين عبر أجهزتهم الإلكترونية ويتعقب مكالماتهم والبريد اﻹلكتروني وغرف المحادثات ومواقع التواصل الاجتماعي".
القضاء الفرنسي أدان شركة "نيكسا تكنولوجي" لبيعها معدات مراقبة للنظام المصري تمكنه من تعقب معارضين، و"التواطؤ في أعمال تعذيب واختفاء قسري"، بحسب صحيفة "لوموند" 26 نوفمبر 2021.
وجه قضاة التحقيق في فرنسا اتهامات إلى 4 مسؤولين في شركتي "أميسيس" و"نيكسا تكنولوجي" في قضايا بيع أجهزة إلكترونية للنظامين المصري والليبي، استخدمت للتجسس على شخصيات معارضة تعرضت للاعتقال والتعذيب.
صدر قرار الاتهام بعد دعوي قدمتها عدة منظمات حقوقية ضد أربعة مديرين تنفيذيين ومسؤولين بالشركة الفرنسية في يونيو 2021، واتهامهم بتصدير هذه المعدات لمصر وللانقلابي خليفة حفتر في ليبيا، عبر الإمارات.
صحيفة "لوماتان" أكدت، 28 نوفمبر 2021، أن التحقيق القضائي أيد تقرير مجلة "تيليراما" الذي كشف عن بيع فرنسا نظام تنصت للسيسي، وأن بيع فرنسا أجهزة المراقبة للسيسي في مارس 2014 تم بدعوي "مكافحة جماعة الإخوان المسلمين" في مصر، وساهم في موجة القمع ضد معارضي عبد الفتاح السيسي.
وقد وردت الشركة الثانية Ercom-Suneris لمصر نظاما آخر هو Cortex Vortex المستخدم في تتبع أرقام المحمول والتنصت على المكالمات.
المخابرات الحربية تحلل المصريين
أما الشركة الفرنسية الثالثة فهي الأخطر على الإطلاق لأنها شركة Dassault Système العسكرية، التي سلمت وزارة الدفاع المصرية (المخابرات الحربية) محرك بحث شديد التطور يسمى Exalead يشبه جوجل.
هذا المحرك يبحث في حياة المصريين الشخصية وسجلاتهم التي بناها ضباط المخابرات الحربية منذ 2014، ويحلل ويربط البيانات المختلفة بالهوية أو جوازات السفر أو أنشطتهم الإلكترونية واتصالاتهم.
وقد أظهرت التسريبات أن موظفي هذه الشركة الفرنسية سافروا إلى القاهرة خمس مرات بين أكتوبر 2015 ونهاية عام 2016 للإشراف على تركيب محرك البحث Exalead ، كما تم تدريب ضباط المخابرات الحربية المصرية عليه، في باريس.
وسبق أن كشفت مجلة "تيليراما"، السابق ذكرها، أن عقد منظومة المراقبة الجديدة جري إبرامه بواسطة المخابرات الحربية المصرية وتم توصيل النظام لها عبر شركة إماراتية هي «أنظمة الشرق اﻷوسط" بدبي.
ونقلت "تيليراما"، عن مصدر، لم تذكر اسمه أن مراكز البيانات لنظام التجسس الجديد جري تفعيلها أواخر 2017، بشكل سيُسهل من عمليات تحليل وأرشفة البيانات.
و"لضمان قيام هذا النظام بعمله على أكمل وجه، لم تبخل ديكتاتورية السيسي في المعدات"، كما يؤكد موقع "ديسكلوز" 23 نوفمبر 2021، الذي قال: "وفرت مصر مراكز بيانات جديدة تمامًا، وأحدث جيل من أجهزة كمبيوتر Dell، و"خوادم ضخمة" من شركة DDN الأمريكية، وكان هناك بديل أخر لهذا النظام في الإسكندرية"، كما يؤكد الموقع.
ربما يفسر هذا ما قاله السيسي عن وجود "مكان آخر بديل" يقوم بدور "عقل الدولة"، في حالة حدوث أي طارئ"، أي مراكز تبادلية في القاهرة والاسكندرية لـ "عقل الدولة" لتمكين النظام من السيطرة ومنع أي ثورات مقبلة.
ويقول تحقيق "مراقبة صُنعت في فرنسا": "وضع الجيش المصري أيضًا مكونات إلكترونية مثبتة على الكابلات البحرية التي تربط الدولة بشبكة الإنترنت، وذلك لمراقبة أفضل لها"، وأن مركز قيادة هذه المراقبة هو "جهاز الأمن القومي المستقبلي"، ويقع في القاهرة، في قاعدة ألماظة العسكرية، على بعد 10 كيلومترات من القصر الرئاسي، ويمكنه مراقبة شبكة الكمبيوتر دون تعطيلها.
ويشرح خبير الأمن السيبراني المصري "رامي رؤوف" طريقة عمل منظومة المراقبة عبر خريطة على حسابه علي فيسبوك، تبين العلاقات بين قطاع الأمن بمصر وشركات مراقبة تقنية محلية وشركات دولية .
ويشير لقيامه مع باحثين أخرين برصد ذلك بالاعتماد على شهود عيان من داخل شركات مختلفة، وسيرڤات متسربة للمراسلات والمصروفات، ومستندات المشتريات والحوالات البنكية، ومخازن بيانات ومستودعات معلوماتية تبع الشركات.
وأن ما كان يتردد عن أدوار لفرنسا والامارات في مد نظام السيسي بهذه الأجهزة بات حقيقة الآن بعدما كشفته الوثائق الفرنسية التي نشرها موقع "ديسكلوز". (فيسبوك)
Eagle eye لمراقبة المصريين
وفسر نشطاء هدف هذا العقل الإلكتروني السري تحت الأرض بأنه لتحليل تحركات المصريين ورصد غضبهم والتجسس عليهم على غرار فكرة الفيلم الأمريكي Eagle Eye (عين النسر) الذي يقوم على التنصت ومراقبة تحركات الأمريكيين. (تويتر)
وتقوم فكرة الفيلم (إنتاج 2008) على تصور وجود عقل إلكتروني ومنظومة مراقبة عملاقة تسمى "عين النسر" ترصد وتصور وتسجل تحركات واتصالات ورسائل الأمريكيين، لكن يخرج هذا المركز عن سيطرة الدولة ويخطط لتدمير البلاد.
رئيس قسم تكنولوجيا المعلومات بصحيفة الأهرام، جمال غيطاس، اعتبر أن الهاجس الأمني والرقابي كان حاضرا وبشدة خلال تبني مشروع عقل الدولة ربما بدرجة تفوق قدره الطبيعي المعقول".(فيسبوك)
توابع فضيحة كشف التعاقدات
عقب كشف هذه التعاقدات، وخاصة تعاقد المخابرات الحربية على محرك بحث يراقب ويحلل بيانات المصريين مع شركة Dassault Système، قامت وزارة الدفاع الفرنسية 26 نوفمبر 2021 برفع دعوى قضائية ضد موقع "ديسكلوز".
المتحدث باسم الوزارة اتهم الموقع بـ "انتهاك سرية الدفاع الوطني"، و"كشف وثائق فرنسية بها معلومات استخباراتية عن فرنسا ومصر".
بسبب ذلك، إضافة لفضح التآمر الفرنسي مع مصر لقتل مدنيين أبرياء من المهاجرين هجرة غير شرعية في الصحراء الغربية في تحقيق "العملية سيرلي"، قامت مصر بحجب موقع "ديسكلوز" وأصبح الدخول عليه محظورا حتى عبر محرك "تور".(تويتر)
توقع مراقبون أن تؤثر الفضيحة على مستقبل الرئيس ماكرون بعدما خرج مسربوا الوثاق عن صمتهم واتهموه بالتفريط في مبادئ الجمهورية الفرنسية والمشاركة في جرائم الديكتاتور السيسي، لكن لم يحدث شيء وفاز في انتخابات 2022 مجددا لأن الفرنسيين يبحثون عن مصالحهم التي يرون أنها لا تتعارض مع انتهاكات حقوق الانسان كما قال ماكرون نفسه.
وفي الحلقة الرابعة التي نشرها موقع "ديسكلوز"، 26 نوفمبر 2021 ، تحدث المصدر الذي سرب المعلومات للموقع مؤكدا أنه "لم يعد الصمت خيارا" بعد الفضيحة التي تسبب فيها الرئيس الفرنسي بدعم السيسي في قتله مدنيين أبرياء.
قال: "من يصدق أن نظام السيسي الاستبدادي الحالي يعمل على استقرار المنطقة؟ من يصدق أن مقاتلاتنا من طراز رفال وفرقاطاتنا تشارك في الحرب ضد الإرهاب؟ يجب أن يكون للفرنسيين أو لممثليهم رأي فيما يجري".
واعتبر هذا "يسيء إلى مبادئ الجمهورية الفرنسية ويدعم منطق القتل والشر الذي ندعي محاربته لذا لا يمكننا أن نصمت".
ورغم عدم تأثير الفضيحة على مصر، بسبب سياسات القمع والتعتيم، وقصر ردود الفعل على فرنسا، فقد كشفت الوثائق المسربة أسرارا خفية، مثل مسئولية أجهزة أمنية عن تسريب تسجيلات لمسئولين في إطار الصراع بينها.
ويقول الباحث في مجال الأمن السيبراني رامي رؤوف في تعليقه على الوثائق، عبر حسابه علي فيس بوك، إن ما تم كشفه يؤكد الشكوك والتسريبات التي كانت تتردد (مثل تسريبات عباس كامل والسيسي وغيرها)
فتجسس الأجهزة على بعضها يحل لغز ما كان يجري تسريبه من مراسلات رسمية وميزانيات وفواتير وحوالات بنكية وضحايا وعقود، بحسب "رؤوف.