القدس العربي: مع نظام السيسي لم يعد للعنف سقف ولا للدم سعر
السبت - 18 ديسمبر 2021
تحت عنوان "مصر: عنفٌ ولا مبالاة"، كتب يحيى مصطفى كامل، مقالا في "القدس العربي، جاء فيه: "الجمهور في مصر انشغل تماماً، أو انزعج كليةً من تلك الموجة الجديدة من التسريبات، التي وصلتنا عن طريق اليوتيوبر عبدالله الشريف، التي نسمع فيها مستشارين، حقيقيين أو مدعيين، يتباحثان ويتجادلان في شأن صفقاتٍ بعشرات الملايين، تبدأ بالعقارات ولا تنتهي بالعمولات، وتتناثر فيها أسماء كثيرة لمعارف ورجال متنفذين في جهاز الدولة، والحلقة الأقرب حول الرأس الكبيرة، لا لن أزعم ذلك، لكن الأكيد أن ذلك التسريب أثار ضجيجاً ما، تفاوتت دائرته وتأثيره.
كما أنني لا أنكر أنني بدأت (كغيري من دون شك) أسأم من تكرار الفضائح والتسريبات، الأمر الذي أدهشني، شيئاً ما، وإذ أدرت الموضوع في رأسي قليلاً توصلت للإجابة، وأدركت أنه على الرغم من التكرار حد السماجة والسأم، فإن الوقت قد حان لكيلا تمر فضيحةٌ كتلك من دون توجيه نصيحة للنظام.
الثابت أن النظام، بتأكيد السيسي على نيته التي تقارب الشوق، لاستخدام «القوة الغاشمة» لدى أي بادرة «شغب» أي أي مظاهر معارضة ولو خافتةً كسيحة، وقد فعل، إذ لم يعد للعنف سقفٌ ولا للدم سعرٌ، وباتت الحجج والأعذار معروفة ومكررة: الانتماء لجماعة محظورة والعمالة لقطر أو تركيا (قبل أن يهدأ اللعب معهما وإن استمرت تلك النغمة) إلخ.
أما على الأرض، فبالكاد تمر ساعاتٌ على أي عملٍ إرهابي في سيناء أو اكتشاف مزعج كجوليو ريجيني، إلا ونرى جثثاً مرصوصة أو مجرمين يعترفون، كما هي الحال مع طرفي تسريب عبد الله الشريف المزعومين. بات مؤكداً أن هم النظام الأول هو السيطرة التامة الفعلية على كل ما قد يهدد وجوده، وعلى الحياة الاقتصادية بغرض الإثراء السريع، استجابةً لنهمٍ لا مثيل له، وفي محاولةٍ لاسترضاء واستمالة أكبر قدرٍ من الناس في المؤسسة العسكرية والأمنية والقضاء، وفي الفضاء العام، وفي مواجهة الفضائح والتسريبات، التظاهر بالحسم وسرعة الاستجابة والحركة.لكن في ذلك المنحى فاته، أو غاب عنه أمرٌ جوهري: أن يبدو مقنعاً.
إن إيجاد الجناة اللحظي هذا لا يخدم شيئاً سوى سد الخانات، وادعاء أو إبراز الكفاءة المطلقة، وربما انطلى هذا على الناس قسطاً من الوقت، إلا أنه مع التكرار في قضايا فساد الدولة وفشل، أو تقصير المؤسسة العسكرية، مناقضاً مجمل السلوك في القضايا المدنية التي تطول سنين وعقوداً لن يلبث أن يبدو هزلياً وسخيفاً. ربما، أو على الأغلب، فإنهم يعلمون ذلك وأنه يصلهم من قرون الاستشعار المنتشرة والمبثوثة في كل مكان، لكنهم في الحقيقة لا يبالون، هم لا يأبهون طالما أنهم قادرون على الضرب بعنفٍ دامٍ وسد خانات التقصير، وفي كل الأحوال فالأساس أنهم يؤكدون أنهم باقون رابضون على أنفاس الناس، وفي ذلك تأكيدٌ وترسيخٌ للتيئيس المنهجى، والإخصاء وترويض الشعب. لا أعلم إلى متى قد تطول تلك الحالة الغرائبية، بيد أننا نستطيع أن ننصحهم، فإذا كانوا غير قادرين على لجم سعارهم ونهمهم، وغير مستطيعين منع التسريبات في صراعات الكلاب الجائعة، التي تستعر بينهم، فعلى الأقل ليحاولوا اللعب بحرفيةٍ وحنكةٍ قليلاً، ومحاولة حبك «حواديتهم» لتبدو مقنعةً بعض الشيء.