القتلة الحقيقيون.. هكذا تآمر الغرب على الرئيس مرسي
السبت - 18 يونيو 2022
- يديعوت أحرونوت: الإطاحة بمرسي بدت في أول الأمر كعمل ضروري لإنقاذ الديمقراطية!
- إدارة أوباما أبدت انطباعات سلبية عن الرئيس لتعامله بندية لم تكن معهودة عن الحكام العرب
- ضغوط سعودية إماراتية إسرائيلية على إدارة أوباما لدعم الانقلاب العسكري وإسقاط مرسي
- المسؤولين العسكريين الأمريكيين نسقوا مبكرا مع قادة الجيش المصري للإطاحة بمرسي
- ردود الفعل الغربية على الانقلاب لم تصل إلى مستوى الإدانة.. وتهميش إعلامي لوفاة الرئيس
- ردود الفعل الرسمية على وفاة مرسي كانت باهتة وستظل وصمة عار على جبين الإنسانية
- باحث فرنسي: الحكومات الغربية كانت وستظل دائما من بين ألد أعداء الحرية بالدول العربية
إنسان للإعلام- خاص
كعادته، بنى الغرب استراتيجيته في التعامل مع أول رئيس مصري منتخب على أساس براغماتي محض، وتصور قادة الغرب أن التعامل مع الرئيس مرسي سيكون بنفس الطريقة التي تعاملوا بها مع سابقيه من حكام مصر، وأنه سيكون في خدمة مصالحهم دون تردد، فلما تبين لهم أن الرجل يعمل برؤية مستقلة ولا يقبل التبعية، خططوا للانقلاب عليه بالتحالف مع العسكر، وبعد إخفائه لثلاثة أشهر وسجنه ست سنوات واستشهاده أثناء محاكمة ظالمة جائرة، كانت ردود أفعال دول الغرب على كل تلك الجرائم المرتكبة بحقة فاترة باهتة، تدل على ضغينة خفية، وتؤكد أن المبادئ الحقوقية والسياسية التي يتشدقون بها ليل نهار ليست إلا "دخان في الهواء".
التخلص من مهندس الثورة وصانع التاريخ
بعد وفاة الرئيس محمد مرسي أثناء محاكمته، وتحت عنوان "الإسلامي الثوري"، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، إن "محمد مرسي صنع التاريخ ودخله بأقدام ثابتة حينما اختير ليكون رئيسًا لمصر، حيث اختارته الجماهير اعتراضًا وخوفًا من عودة رجال مبارك، في وقت تميزت فيه فترة حكمه بجدال عميق داخل المجتمع المصري".
وذكرت، أنه "خلال فترة ولايته القصيرة، سجل مرسي عددا من الإنجازات الاقتصادية، ووقع على اتفاقيات وأصدر تعليمات بزيادة الاستثمارات في البنية التحتية والسياحة، والتي عادت لقوتها في عهده بعد تلقيها ضربة قاسية بعد ثورة 2011م، كما استقبل رؤساء الدول الغربية الرجل ناظرين إليه كمبعوث وسفير للجمهورية المصرية الثانية والتي تمثل الحكم الديمقراطي"
وختمت الصحيفة بأن: "الإطاحة بمرسي بدت في أول الأمر كعمل ضروري لإنقاذ الديمقراطية في مصر وتخليصها من أذرع الحكم الديني، لكن سرعان ما أصبح واضحًا للمواطنين بأنه حتى الرئيس الجديد، السيسي، ورغم خلعه زيه العسكري، لا يعرف شيئًا عن الحكم الديمقراطي، حيث شن حربًا واسعة النطاق ضد جماعة الإخوان المسلمين، وقمع أنشطتهم"
إدارة أوباما تساير أكاذيب العسكر وتنقلب معهم
قال مراقبون إن أحداث 2013 في مصر تسببت في تدهور العلاقات بين القاهرة وواشنطن بسبب معارضة الولايات المتحدة للطريقة التي أُطيح بها بالرئيس محمد مرسي.
لكن حقيقة الأمر أن الإدارة في عهد أوباما أبدت انطباعات سلبية عن الرئيس مرسي بسبب تعامله معها بندية لم تكن معهودة عن الحكام العرب، فالرئيس- عليه رحمة الله - لم يعطهم الدنية من دينه ولا من وطنه ولا من نفسه.
كان الموقف الرسمي الأمريكي إزاء الانقلاب العسكري في مصر يوم الثالث من يوليو 2013 يدل على "انتقائية" واشنطن للتجارب الديمقراطية؛ فقد عدت الولايات المتحدة أحداث 30 يونيو انتفاضة شعبية ضد الرئيس محمد مرسي، إذ جاء على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض، غاي كارني: "إن الرئيس مرسي لم يكن يحكم بطريقة ديمقراطية وإن ملايين المصريين خرجوا للشوارع والميادين مطالبين بعزله وهم يرون أن مساندة الجيش لهم لا تشكل انقلاباً".، حسب ادعائه.
ولعل ما نشر من مذكرات أوباما يؤكد ذلك، فلم يظهر لأوباما حديث عن الرئيس مرسي بقدر ما تحدث عن حكام السعودية والإمارات الذين آظهروا رغبة شديدة في التخلص من حكم مرسي مبكرا.
ومن أبرز المفارقات أيضا أن "باراك أوباما" أشاد بالعملية الديمقراطية في مصر عبر مكالمة هاتفية مع الرئيس محمد مرسي قُبيل الانقلاب بيومين، إلا أن الموقف الرسمي الأمريكي "وقع" في حيرة من أمره، كون مصر تمثل عمقاً استراتيجياً للمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي. وبالتالي، فإن مصالحها وأهدافها تقتضي التصرف وفق "المصلحة القومية العليا" على حساب مبادئ العقيدة الأمريكية "الديمقراطية".
في ذلك الوقت، صورت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية "جين باكي" الصورة الأوضح في الموقف الرسمي الأمريكي: "لم تكن حكومة مرسي تشكل حكماً ديمقراطياً، وخرج حوالي 22 مليون مصري للتعبير عن آرائهم وإظهار أن الديمقراطية ليست مجرد الفوز في صناديق الاقتراع"!.
لقد انقسمت الإدارة إلى طرفين، طرف يمثله أوباما ومستشاروه ويدفع باتجاه "إحداث تغيير في السياسة الأمريكية القائمة والتأسيس لعلاقة جديدة مع العالم العربي بهدف مواجهة التطرف المعادي للغرب وقطع الطريق عليه"، ويحث "على ضرورة احترام نتائج الانتخابات الحرة في مصر"، فيما وقف معظم المسؤولين في إدارته في الجانب الآخر، وكانوا يعبرون "عن مخاوف قديمة متجددة من الخطر الكامن في الإسلام السياسي" ويروجون لوجود "عقبات تحول دون نجاح الديمقراطية في مصر".
ولكن أوباما استسلم لوجهة نظر الفريق المناهض له، عندما قبل باستيلاء العسكر على السلطة، بعد يوم واحد من الإطاحة بالرئيس مرسي.
وكشف تقرير، أعده مدير مكتب صحيفة "نيويورك تايمز" السابق في القاهرة ديفيد كيركباتريك، في يوليو 2018م، الموقف الحقيقي لأهم أعضاء إدارة ترامب من الإخوان المسلمين والرئيس مرسي، حيث عرض "كيركباتريك" تفاصيل عن الاتصال الأخير بين الرئيس أوباما والرئيس مرسي في الأول من يوليو 2013، حيث حث أوباما مرسي على التوصل إلى تسوية مع معارضيه المدنيين بحيث تتحول رئاسته إلى حكومة وحدة وطنية تقريباً، فيما شكره مرسي على النصيحة وأخبره بأنها "متأخرة"، لأن مرسي كان فعليا في ذلك الوقت محتجزا في مقر الحرس الجمهوري بالقصر الرئاسي.
ويدل هذا الاتصال على سقوط الرواية التي روجتها وسائل إعلامية مصرية مرتبطة بالانقلاب بخصوص دعم إدارة أوباما لحكومة مرسي، إذ أن أقصى ما قام به الطرف الأقل حماسا للانقلاب في هذه الإدارة هو تقديم النصيحة المتأخرة لمرسي بعقد تسوية مع معارضيه.
توافق سعودي إماراتي إسرائيلي على إسقاط مرسي
كشف التقرير أيضا توافقا سعوديا إماراتيا إسرائيليا تجاه رفض الديمقراطية في مصر، والعداء مع الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين. فقد مارست كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ضغوطا كبيرة على إدارة أوباما لدعم الانقلاب العسكري، ولإقناع واشنطن بخطر الإخوان المسلمين والرئيس مرسي على المصالح الأمريكية، بسبب "ذعرهما من الانتخابات ومن فكرة اعتبارها إسلامية"، فيما مارست إسرائيل ضغوطا مشابهة بسبب خوفها من تهديدات للحدود ودعم لحركة حماس من مصر تحت حكم الرئيس مرسي.
وقد أخبر وزير الدفاع الأمريكي السابق تشاك هيغل كاتب التقرير، في مقابلة أجريت عام 2016م، بأنه كان محاصراً بالشكاوى الموجهة ضد الرئيس مرسي من إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وقال السيد هيغل وقتها إن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، الحاكم الفعلي للإمارات ورئيس قواتها المسلحة، وصف جماعة الإخوان المسلمين بأنها "باتت اليوم العنصر الأخطر على الأرض في الشرق الأوسط"، وأكد هيغل أنه اتفق معهم جميعاً وأنه سعى إلى طمأنتهم قائلاً للإماراتيين: "إن الإخوان المسلمين خطرون ونحن ندرك ذلك".
كما يكشف التقرير أن مسؤولين أمريكيين علموا بعد الانقلاب العسكري، أن الإمارات كانت توفر دعماً مالياً سرياً لتنظيم الاحتجاجات ضد الرئيس مرسي.
تنسيق أمريكي مبكر مع قادة الجيش المصري
وخلافا لما تروجه السلطات المصرية عن أن الانقلاب كان قرارا مصريا خالصا، يؤكد التقرير أن المسؤولين العسكريين نسقوا مبكرا مع قادة الجيش المصري للإطاحة بمرسي، وأن هؤلاء المسؤولين أصبحوا يتحاورون بشكل دائم مع نظرائهم المصريين منذ ربيع عام 2013 حول "الهموم المتبادلة حول الرئيس مرسي".
ويكشف التقرير أن كيري، المعروف بعلاقاته المتميزة مع أمراء خليجيين منذ أن كان عضوا في مجلس الشيوخ، ظل يعبر باستمرار عن ارتيابه وعدم ثقته بالإخوان المسلمين. وعندما زار القاهرة لأول مرة كوزير للخارجية في مارس من عام 2013، لم يعجبه الرئيس مرسي وشكل عنه انطباعاً سلبياً.
كما علم وزير الخارجية جون كيري بشكل مبكر عن الانقلاب أثناء لقائه بوزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي على انفراد، بعد يومين من لقائه بمرسي. ويشير كاتب التقرير ديفيد كيركباتريك إلى أن كيري أخبره فيما بعد أن الجنرال السيسي قال له في ذلك اللقاء "أنا لن أسمح لبلدي بأن تنساب في المجاري." وأنه أدرك حينها أن "الطبخة قد أعدت لمرسي"، وأضاف كيركباتريك أن كيري أخبره بأنه شعر جزئياً بالارتياح لأنه خلص إلى أن الجنرال السيسي على استعداد للتدخل.
ردود فعل الغرب على الانقلاب والمحاكمات الجائرة
تفاوتت ردود الفعل الغربية على الانقلاب، لكنها لم تصل إلى مستوى الإدانة، فـبعد إعلان عزل الرئيس مرسي في 3 يوليو 2013م، أخليت السفارة الأمريكية من جميع طاقمها، وعبّر الرئيس الأميركي باراك أوباما عن "قلقه العميق" من عزل مرسي، ودعا إلى العودة سريعا إلى المدنية، في وقت أعلنت بريطانيا أنها "لا تدعم تدخل الجيش لحل النزاعات في الأنظمة الديمقراطية" ودعت إلى التهدئة.
واعتبرت ألمانيا الانقلاب "فشلا كبيرا للديمقراطية"، ودعت إلى "عودة مصر في أسرع وقت ممكن إلى النظام الدستوري"
أما فرنسا فقالت إنها تأمل أن يتم الإعداد للانتخابات في ظل احترام السلم الأهلي والتعددية والحريات الفردية والمكتسبات في العملية الانتقالية كي يتمكن الشعب المصري من اختيار قادته ومستقبله.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن "التدخل العسكري في شؤون أي دولة هو مبعث قلق"، ودعا إلى "المسارعة إلى تعزيز الحكم المدني وفقا لمبادئ الديمقراطية".
ودعت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاترين أشتون إلى "العودة سريعا إلى العملية الديمقراطية بما في ذلك إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة"
الإعلام الغربي ورحيل مرسي.. تغطية هامشية
غلب الطابع الخبري على تغطية الإعلام الغربي لوفاة الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، أثناء محاكمته في قضية التخابر مع حماس. ومع نشر الصحف والمواقع الأجنبية أخباراً وتقارير وبورتريهات عن مرسي، اختلفت طريقة تعامل وسائل الإعلام تلك مع الحدث، بين من تعاطى معه كخبر عادي لوفاة رئيس سابق، وبين من أشار إلى أنّه أول رئيس منتخب ديمقراطياً وإلى شخصيته "السجالية" وآثار الانقلاب العسكري عام 2013 على الديمقراطية.
ولم يكن اهتمام وسائل الإعلام الغربية على مستوى الحدث، إذ إنّها لم تولِ اهتماماً كافياً للقضية، بل ركّزت على تغطية خبرية في معظمها، في ظلّ تقارير سردية للأحداث روت وجهات نظر الأطراف المختلفة، وبينها النظام المصري.
وجاءت تغطية "سي إن إن" أكثر شموليّةً من غيرها من القنوات والمواقع الأميركية. وقالت الشبكة إنّ "مرسي مثّل ذروة الربيع العربي وفشله العالمي. أصبح أول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر عام 2012م، لكن بعد عام من الفوضى العميقة، أُجبر على ترك منصبه في انقلاب قاده وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي". وأشارت إلى أنّ "جماعات حقوق الإنسان حذّرت من أن حالته الصحية السيئة (كان مصابًا بمرض السكري وأمراض الكبد والكلى) وحبسه الانفرادي المطول سيؤدي إلى موت سابق لأوانه". وقال ابنه عبد الله لشبكة "سي إن إن" إنه "مُنع من الزيارات، ولم تتمكن العائلة من رؤيته سوى ثلاث مرات منذ عام 2013"
وأشارت إلى أنّه "بصفته مرشح حزب الحرية والعدالة لجماعة الإخوان المسلمين، حصل مرسي على 51.7% من الأصوات في الانتخابات التي أعقبت الإطاحة بالرئيس حسني مبارك. كان فوزه زلزالًا في العالم العربي، حيث كانت جماعة الإخوان المسلمين حركة سرية لعقود بعدما قمعها زعماء استبداديون". وأضافت "في السلطة، كان الإنجاز الوحيد الذي حققه مرسي هو التوسط لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل بعد ثمانية أيام من العنف في غزة والتي أودت بحياة أكثر من 150 شخصًا"( ).
وقالت "وول ستريت" جورنال في تقريرها إنّ "الرئيس المصري السابق محمد مرسي، قائد إسلامي انتخب ديمقراطياً في أعقاب الثورة عام 2011م، توفي الإثنين بعدما أمضى آخر ستّ سنوات كسجين بعد الانقلاب العسكري الذي خلعه". وأضافت "كان مرسي أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين، شخصية مثيرة للجدل في مصر، حيث كان صعوده يرمز إلى لحظة سريعة من الحرية السياسية في أعقاب ثورة 2011م، التي أنهت دكتاتورية سلفه التي استمرت ثلاثة عقود الرئيس حسني مبارك، وساعدت في تحفيز موجة من التمرد في جميع أنحاء الشرق الأوسط".
وزعمت أنّ "سنة مرسي في السلطة قسمت المصريين، وسقوطه إثر السيطرة العسكرية أدى إلى سحق الديمقراطية الناشئة في البلاد وتناقص الآمال الديمقراطية في جميع أنحاء المنطقة"
وأشارت مختلف وسائل الإعلام، وبينها "بي بي سي" و"تايم" و"فوكس نيوز" إلى قيام السلطات بدفن مرسي، بوجود عائلته، فجر اليوم الثلاثاء، "بطريقة سريّة"، في ظلّ تواجد أمني كثيف. وكان في عنوان "نيويورك تايمز" أنّ "مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر توفي في المحكمة".
وجاءت تغطية "إندبندنت" بعنوان "من "إطار احتياطي" إلى رئيس: صعود وسقوط محمد مرسي"، وأشارت فيها إلى أنّ " مرسي، العضو البارز في جماعة الإخوان المسلمين المصرية، خرج من الغموض النسبي عندما تم تعيينه أول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر، في انتخابات أجريت في أعقاب فوضى ثورة 2011م". وأضافت "توفي وهو يطلب التحدث في قفص عازل للصوت في قاعة المحكمة بعد سبع سنوات فقط".
وقالت الصحيفة إنّ "إرثه سيكون معقداً وحزيناً". وأضافت "لم يكن مرسي هو الخيار الأول لجماعة الإخوان المسلمين كمرشح للرئاسة في عام 2012م". وتابعت "بالنسبة للعديد من المصريين، كان أي شيء أفضل من نظام مبارك الذي أطاحوا به للتو - حتى أن بعض الثوريين العلمانيين قد دعموا مرسي في الانتخابات. لكنه لم يكن رئيسًا شعبيًا أو فعالًا بشكل خاص"
وتحت عنوان "نعي محمد مرسي"، سردت "الغارديان" البريطانيةالأحداث التي سبقت ولحقت انتخاب مرسي، قائلةً إنّ "الممارسات الإسلامية العنيدة لمرسي تسبّبت بخروج متظاهرين ضده"!
وفي مقال نشرته وكالة الأناضول التركية، بتاريخ 26 يونيو 2019م، تناول القضية الدكتور طارق الشرقاوي الخبير في التواصل الإستراتيجي ومدير مركز أبحاث "TRT World" ومؤلف كتاب "أخبار وسائل الإعلام في الحرب: صراع الشبكات الغربية والعربية في الشرق الأوسط".
الشرقاوي قال: إن "وسائل الإعلام الغربية إلى حد كبير اتخذت نهجا يتماشى مع سياسات حكوماتها في الشرق الأوسط، فبعضها تجاهل حقيقة إرهاب الدولة والانتهاكات الفظيعة في العالم العربي، وفي نقل حادثة وفاة مرسي، كرّست المؤسسات الإعلامية التلفزيونية المختلفة في الغرب، القليل من الوقت لنقل الحادثة، فيما عمدت وسائل الإعلام المطبوعة على تخصيص حيز صغير لنقل الخبر".
وأضاف الشرقاوي: "حقيقة تخصيص مثل هذا القدر الصغير من الوقت والمكان لنقل مثل هذا الخبر الجلل يخبرنا بشيء مفاده عدم رغبة الغرب بسماع الأخبار المتعلقة بزعيم منتخب ديمقراطيا جرى عزله بانقلاب عسكري ثم سجنه وتعرضه لمعاملة غير إنسانية وحرمانه من أبسط الحقوق، ثم وفاته في ظروف مريبة بعد سنوات من السجن".
وأردف: "هذه السياسة تدفع الإنسان للتساؤل عمّا إذا كان نهج تلك المؤسسات سيكون مختلفا لو أن ما حدث مع الرئيس مرسي حدث بالضبط مع الزعيم السابق لجنوب إفريقيا نيلسون مانديلا".
وختم حديثه قائلا: "على أية حال، فإن النهج الذي اتبعته بعض وسائل الإعلام الغربية مع نبأ وفاة الرئيس مرسي، يظهر للعيان بعدها عن روح العدالة وحقوق الإنسان والتضامن الإنساني، وتجاهلها للجرائم التي ارتكبها نظام السيسي، ما يجعلها بموقع الشريك في هذه الجرائم"
لماذا تجاهل قادة الغرب الحديث عن وفاة الرئيس مرسي؟
كانت ردود الأفعال الغربية الرسمية على وفاة الرئيس مرسي باهتة وغير مبالية، حيث قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية "علمنا من تقارير إعلامية بخبر وفاة محمد مرسي، وليس لدينا تعليق"، ولم يصدر عن أي دولة أوروبية، باستثناء البوسنة والهرسك، نعياً رسميا للدكتور مرسي.
بينما طالب الناطق باسم مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، روبرت كولفل، بتحقيق "سريع ونزيه شامل وشفاف" تقوم به هيئة مستقلة لتوضيح أسباب وفاة مرسي.
من جهة أخرى، قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة رداً على أسئلة الصحفيين بشأن وفاة مرسي خلال مؤتمر صحفي، إنه يقدم خالص التعازي لعائلة مرسي ومحبيه.
الموقف الغربي من وفاة مرسي سيظل وصمة عار على جبين الإنسانية، وصمته دليل على عدم دعمه للشعوب في بلوغ تطلعاتها للديمقراطية
التاريخ سيكتب أن محمد مرسي هو خامس رئيس لجمهورية مصر العربية، وأول رئيس مدني منتخب في تاريخ الجمهورية التي تأسست في 18 يونيو 1953م، وللمفارقة فإن هذا التاريخ تضمن دفن الرئيس مرسي في 2019م، الذي توفي أثناء محاكمته على يد قضاء الانقلاب العسكري الذي أطاح به من الحكم في 3 يولي 2013م.
وكما صمت قادة الغرب عن استمرار الانقلاب، ووأد التجربة الديمقراطية الوليدة في مصر، وباركوا تموقع الجنرال المنقلب عبد الفتاح السيسي، صمتوا عن كم هائل من الانتهاكات التي ارتكبها نظام السيسي بحق الرئيس مرسي، الذي "قتل" تدريجيا داخل المعتقل في ظروف حبس بالغة القسوة، لرجل يعاني العديد من الأمراض المزمنة.
وللمرة الثالثة صمتت الحكومات الغربية عن وفاة الرئيس المنتخب، الذي سقط في ساحة المحكمة، على عيون الأشهاد، وتُرك مدة 30 دقيقة كاملة، بلا تقديم رعاية أو أية محاولة للإنقاذ، ودفن دون إجراء فحص الطب الشرعي، وهو الأمر الذي دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتصريح في قمة العشرين يوم 29 يونيو/ حزيران 2019، بأن "هناك شبهات في وفاة مرسي"
وعلق الكاتب التركي جاهد طوز، على الموقف الغربي قائلا: "الموقف الدولي هو عار على جبين الإنسانية. صمت الدول الغربية يدل على أنها لم تكن بجانب شعوب الشرق الأوسط في محاولتها لبلوغ تطلعاتها".
ورأى طوز أن "موقف الغرب ليس مستغربا، موقفه بالأساس تجاه الانقلابات والأنظمة لا يكون وفق قيمه ومبادئه، والسبب هو تفضيل المصالح وفق الحاكم الذي يأتي، فإن تصرف لصالحهم، ولو بشكل غير إنساني، فهم يدعمونه، كما يحدث مع خليفة حفتر في ليبيا"
واستطرد الكاتب التركي: "الغرب لم يتحرك أبدا وفق قيمه الديمقراطية والإنسانية، تم تحويل تلك القيم إلى نظام خاص بهم، بينما الديمقراطية هي وسيلة فقط للوصول إلى مصالحهم".
في 26 يونيو 2019م، كتب آلان غابون رئيس القسم الفرنسي في كلية وسيليان بولاية فيرجينيا الأمريكية، مقالا لموقع "ميدل إيست آي" بعنوان "وفاة محمد مرسي ونفاق الغرب"، أكد فيه أنه "لا يمكن الوثوق بالزعماء الغربيين الذين تستغرقهم مصالحهم الضيقة عن دعم ديمقراطية حقيقية في الشرق الأوسط".
وأردف: "رغم الصمت المطبق من الحكومات الغربية فإن مقتل الرئيس المصري المدني الأول والوحيد المنتخب ديمقراطيا (الذي كان جريمة قتل بطيئة وممنهجة ومتعمدة)، يعد حدثا عالميا كبيرا وليس حدثا عابرا كما يود الكثيرون أن يكون"
ويرى الباحث الفرنسي أن "الدرس الأكثر مأساوية الذي يؤخذ من وفاة مرسي مؤخرا هو أنه إذا قُدِّر للديمقراطية أن تتحقق في العالم العربي فإنه يجب تحقيقها رغم أنف الحكومات الغربية كذلك".
وأكد غابون أن "الإسلاميين يمكن أن يكونوا ديمقراطيين خلافا للاعتقاد الخاطئ الذي سيطر على العالم الغربي لعقود والذي وضع فيه الإسلاميون مع الإرهابيين في الفئة نفسها كتهديد "للحضارة الغربية"، وهناك فروع إسلامية معينة -بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين المصرية- كثيرا ما أثبتت أنها قوة للديمقراطية"
وختم آلان غابون حديثه "بأن كل ما حدث في المنطقة منذ عام 2011م وكل شيء نراه يحدث الآن، سواء كان ما تفعله روسيا مع بشار الأسد أو ما يفعله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع المنشق خليفة حفتر في ليبيا أو المحور الأمريكي السعودي الإسرائيلي الذي يعمل على فرض هيمنة إقليمية، عزز مرة أخرى هذا الدرس التاريخي، وهو أن الحكومات الغربية كانت في الماضي والحاضر وستظل دائما في المستقبل من بين ألد أعداء الحرية العربية"
موت الديمقراطية المصرية بجانب مرسي في السجن
في 18 يونيو 2019م، نشر الكاتب البريطاني "روبرت فيسك" على متن صحيفة "الإندبندنت" مقالة بعنوان "موت الديمقراطية المصرية بجانب مرسي في السجن"، حيث وصف الصمت الغربي على الواقعة قائلا: "كم كان شجاعا ردنا على وفاة محمد مرسي الفظيعة داخل القفص".
مضيفا: "لربما كان سيبعث على الضجر تكرار جميع كلمات الأسف والأسى والحزن، بل والتقزز والرعب، وتعبيرات التنديد التي تخرق الآذان وهي تتوالى تعليقا على موت رئيس مصر المنتخب الوحيد، داخل محكمة بمدينة القاهرة هذا الأسبوع".
وتابع: "من داونينغ ستريت (مقر الحكومة البريطانية)، من البيت الأبيض، من مقر المستشارة الألمانية إلى قصر الإليزيه – ودعونا لا ننسى البارليمونت (مقر المفوضية الأوروبية في بروكسيل) – حيث رجال وسيدات السياسة المفتخرون التابعون لنا. سيكون مرهقا فعلا التوقف عند كل واحد منهم والحديث عما شعروا به من حزن لموت مرسي".
وأردف معقبا: "لم يوجد شيء من ذلك على الإطلاق، لم يكن هناك سوى الصمت المطبق، لم تكن هناك همسة واحدة، ولا حتى تغريدة عصفور – أو تدوينة في حساب رئيس معتوه – ولا حتى كلمة أسف عابرة. كل أولئك الذي يزعمون أنهم يمثلوننا التزموا الصمت، لم ينطقوا ببنت شفة، وكانت أصواتهم محجوبة عن السمع تماما، كما كان مرسي في قفصه داخل المحكمة، صامتون تماما كصمته داخل قبره في القاهرة"
وقال فيسك: "لعل من المفيد ملاحظة كم كان التعامل مع مرسي مختلفا بعد الانقلاب الذي دمره. لقد احتجز في حبس انفرادي، وحيل بينه وبين أن يتكلم مع أفراد عائلته المقربين، وحرم من الإسعاف الطبي".
مضيفا: "ولكم أن تقارنوا ذلك بالمعاملة التي لقيها سلفه حسني مبارك بعد عزله – العلاج الطبي المستمر داخل المستشفى والزيارات العائلية، والتعبير العلني عن التعاطف معه، بل وحتى السماح له بإجراء مقابلة صحفية".
"أما مرسي، فكانت كلماته الأخيرة، التي دافع فيها عن كونه ما يزال رئيس مصر الشرعي، فقد حيل بينها وبين أن تصل إلى مسامع الناس بفعل التصميم الميكانيكي للقفص الذي احتجز فيه، والذي لم تكن جدرانه الزجاجية تسمح بعبور الصوت".
هكذا كان حجم المؤامرة ضد الرئيس مرسي
في محاضرة بمعهد دراسات الأمن القومي الصهيوني INSS يوم 17نوفمبر 2012م، قالت تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية الصهيونية السابقة،: "إن كل قائد ودولة في المنطقة يجب أن يقرروا أن يكونوا إما جزءا من معسكر التطرف والإرهاب، أو معسكر البرجماتية والاعتدال وإذا قررت دولة أو قائد دولة ما مسارا آخر فسيكون هناك ثمنا لهذا".
بينما شريكها في الحوار "برنارد ليفي" الكاتب الفرنسي اليهودي، أكد أن "الإسرائيليين والغرب لا يمانعون في أن تكون هناك بحور من الدم واضطرابات مستمرة في مصر وذلك مقابل ألا يكون هناك دولة إسلامية على رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وأنهم سيشجعون النظام العسكري للإستيلاء على السلطة كما حدث في الجزائر مهما كانت الفاتورة باهظة، لأنها (وفقا لقولهم) أقل بكثير من ان يشهدوا ميلاد دولة إسلامية في المنطقة"
أما صحيفة معاريف فقالت: "انتخاب مرسي زاد الإنفاق الأمني الإسرائيلي بخمسة مليار دولار كدفعة أولى"
وفي الوقت نفسه قال روني بارعون، رئيس لجنة الخارجية في الكنيست الإسرائيلي للإذاعة العبرية: "حكم مرسي دلل على ضرورة ألا يسمح الغرب بنجاح الإسلاميين في حكم مصر"
ولاحقا قال المفكرالصهيوني أيدر: " مع كل الألم ، يجب أن يغض الغرب الطرف عن مجازر السيسي ضد شعبه؛ لأنها السبيل لمنع دولة إسلامية"
من هم قتلة الشهيد مرسي الحقيقيون؟
في 22 يونيو 2019م، كتب الدكتور كمال إنات، عضو الكادر التدريسي في قسم العلاقات الدولية بكلية العلوم السياسية في جامعة صقاريا التركية مقالا على موقع وكالة أنباء "الأناضول"، بعنوان "من هم قتلة محمد مرسي الحقيقيون؟"، أكد فيه أن "المشتبه بهم الذين نجدهم أمامنا بينما نحاول التعرف على قتلة الشهيد الرئيس مرسي، هم نفس البلدان التي حرضت على انقلاب عام 2013، وبكلمات أخرى، يعلم الجميع أن السيسي والجيش المصري هما الجناة الظاهرين أمام الستار.. لا شك أن المحرضين على قتل مرسي وشهداء ساحة رابعة، هم الولايات المتحدة والإمارات وإسرائيل والسعودية وعدد من الدول الغربية الأخرى."
تابع:"من الواضح أن مواقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية تجاه مصر تتشكل من خلال سياسات القوة.. يجب ألا ننسى أبدًا أن قيمًا مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي كانت واشنطن ودول أوروبا الغربية تستخدمها في كثير من الأحيان للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، قد تم تجاهلها تمامًا عندما تم الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب.
إن موقف الدول الغربية الموجه نحو سياسة القوى ليس مفاجئًا بالنسبة لأولئك المطلعين على السياسات العامة لهذه الدول، حيث أنهم كلما اضطروا إلى الاختيار بين مصالحهم والقيم التي ينادوا بها مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، يقع اختيارهم على المصالح التي تعكس رؤيتهم قصيرة المدى
وبالتالي، فإن تلك الدول تفضل "المصالح قصيرة الأمد"، ولديها "إدراك إشكالي للمصالح"، والسبب في أني استخدم هذه العبارات، هو توضيح حقيقة أنه لو كانت هذه الدول الغربية قادرة على تحديد مصالحها بدقة، وبطريقة بعيدة النظر، لكانوا قد رأوا أن السياسة التي يتبعونها في مصر ستأتي بنتائج عكسية ضدهم، وذلك على المدى المتوسط والطويل."
أضاف إنات: في هذه المرحلة، من الضروري أيضًا التأكيد على حقيقة أخرى: هناك شرائح من المجتمعات الغربية غير مرتاحة لسياسات إداراتها الناشئة عن التصورات المرضية لمصر والدول المماثلة لها، كونها تتجاهل تمامًا القيم الأساسية مثل القانون الدولي، والديمقراطية، وحقوق الإنسان".
******
المصادر:
- كتاب الشهيد مرسي....فارس الحرية الذي بكاه العالم، مركز إنسان للإعلام، يونيو 2020م
- مركز إنسان للإعلام تقرير خاص التاريخ: 7 ديسمبر 2021
- مجلة المجتمع، مركز المعلومات و الرصد، المـلـف: مصر – انقلاب العسكر، المصـدر: مصر العربية، الـتـاريخ : 16/5/2015م.
- الأناضول: من هم قتلة محمد مرسي الحقيقيون؟ (مقال رأي) كتبه البروفيسور الدكتور كمال إنات، عضو الكادر التدريسي في قسم العلاقات الدولية بكلية العلوم السياسية في جامعة صقاريا التركية.