الغضب يجتاح الشارع التونسي .. ومراقبون : "سعيد" يكرر سيناريو السيسي
الجمعة - 24 ديسمبر 2021
شهدت تونس على مدار الساعات القليلة الماضية تصاعدا في الأحداث، وموجة غضب كبير ضد إجراءات قيس سعيد والتي تستهدف إبعاد البلاد عن المسار الديمقراطي، وقد أعلنت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" بتونس دخولها في إضراب عن الطعام، اعتبارا من مساء أمس الخميس، رفضا لإجراءات الرئيس من تسييس للقضاء وتعديلا في الدستور، والمرزوقي وحركة النهضة وقوى سياسية تنضم لها، تتصدي بقوة لانقلابه، واتحاد الشغل يرفض تعديل الدستور، كما شهدت الساحة السياسية تضامن واسع مع "المرزوقي" بعد الحكم عليه غيابيا بتهم ملفقة، ومن خلال سطور هذا النتقرير نتعرض للتفاصيل .
أعلنت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" بتونس دخولها في إضراب جوع، اعتبارا من مساء أمس الخميس، رفضا لإجراءات الرئيس قيس سعيد، والتي تعتبرها " انقلابا" على الشرعية.
وأوضحت المبادرة أن شخصيات وطنية من نواب وسياسيين وحقوقيين وأساتذة تشارك في الإضراب عن الطعام، الذي يعد تحركا احتجاجيا وشكلا من أشكال النضال الديمقراطي، بحسب بيان "مواطنون ضد الانقلاب"
ويهدف هذا التحرك إلى إطلاق "السراح الفوري لكلّ النواب و المساجين السياسين وإيقاف كلّ المحاكمات العسكرية، والتوقف عن الإساءة إلى الجيش الوطني ومحاولات توريطه في المسار الانقلابي".
كما قالت المبادرة إن هذا الإضراب يأتي من أجل "إطلاق سراح بقية من تم اعتقالهم يوم 18 كانون أول/ ديسمبر 2021، على خلفية التحركات السلمية الأخيرة وإيقاف كل التتبّعات المتعلقة بحقهم".
ودعت "مواطنون ضد الانقلاب" "الشعب التونسي في الداخل والخارج والقوى السياسية والمدنية من أحزاب ومنظمات وهيئات حقوقية ونقابات وشخصيات وطنية ومثقفين وإعلاميين إلى مساندة هذا الإضراب والمشاركة في كلّ أشكال دعمه دفاعا عن الحرية والديمقراطية والحقوق الكونية للإنسان"، بحسب البيان.
من جهته، أعلن رئيس الجمهورية السابق محمد المنصف المرزوقي الإلتحاق بإضراب الجوع الذي تخوضه مجموعة من الشخصيات الوطنية.
كما عبرت حركة "النهضة" عن دعمها للإضراب عن الطعام الذي أعلنته حملة "مواطنون ضد الانقلاب"، مؤكدة مشاركة النائبين عن الحزب العجمي لوريمي وفائزة بوهلال في هذا التحرك.
وتأسست مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" في أعقاب إعلان سعيّد تدابير استثنائية في 25 تموز/ يوليو، حيث قادت الحملة، التي تعرف نفسها على أنها حراك مواطني، عديد التحركات الاحتجاجية الرافضة لإجراءات سعيّد.
والجمعة الماضي، أعلنت المبادرة دخولها في اعتصام مفتوح بالعاصمة تونس ضد سعيّد، قبل أن يقع تعليقه بسبب الاعتداء الأمني على المحتجين واعتقال 10 أشخاص من المعارضين لرئيس البلاد.
وبدأ الرئيس التونسي قيس سعيّد سلسلة من التدابير الاستثنائية منذ 25 تموز/ يوليو الماضي، حيث أعلن تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وعزل الحكومة وتعويضها بأخرى غير مصادق عليها من قبل البرلمان.
وفي 22 أيلول/ سبتمبر، قرر سعيّد تعليق العمل بأغلب فصول الدستور، فضلا عن مواصلة تعليق أعمال البرلمان وإلغاء الامتيازات الخاصة بأعضائه، وتعطيل عمل بعض الهيئات الدستورية.
وتعمقت الأزمة السياسية بتونس بعد إعلان الرئيس، في 13 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، تنظيم انتخابات تشريعية وفق قانون انتخابي جديد يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر 2022، وعرض مشاريع تعديلات دستورية لصياغة دستور جديد على الاستفتاء في تموز/ يوليو القادم.
اتحاد الشغل يرفض تعديل الدستور
وفي سياق متصل، أكد الاتحاد العام التونسي للشغل أن تعديل الدستور ليس أمرا عاجلا وأن التركيز يجب أن ينصب على حل الأزمة الاقتصادية، في حين أعلن معارضون لإجراءات الرئيس قيس سعيّد دخول عدد منهم في "إضراب جوع" احتجاجي.
وردا على ما أعلنه الرئيس سعيّد أخيرا بشأن الدعوة لاستشارة شعبية إلكترونية واستفتاء على الدستور، أكد الناطق باسم الاتحاد سامي الطاهري أن الاتحاد لا يدعم فكرة إلغاء كل ما سبق
وبرر المتحدث باسم المركزية النقابية موقفه بأن دستور عام 2014، رغم نواقصه، تضمن إيجابيات يجب البناء عليها، مشددا على أن تعديله يجب أن يكون نتاج حوار وطني متروٍّ، على حد تعبيره.
وتضامن واسع مع المرزوقي
وشهدت الساحة السياسية التونسية تضامن واسع مع الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي بعد الحكم عليه غيابيا بتهم ملفقة ، واعتبرت أحزاب التيار الديمقراطي والجمهوري والتكتل من أجل العمل والحريات في تونس أن الحكم على المرزوقي يمثل سابقة خطيرة وأنه كان بتوجيه مباشر ممن وصفته برئيس السلطة القائمة.
ووصف الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي الحكم على المرزوقي بالفضيحة بالنسبة للهيئة القضائية والسلطة القائمة التي توظف القضاء لتصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين، وفق تعبيره
واعتبر عماد الخميري رئيس كتلة حركة النهضة في البرلمان الحكم على المرزوقي بالباطل والظالم. أما حزب ائتلاف الكرامة فأعلن دعمه اللامحدود للمرزوقي.
كما نددت "حركة النهضة" أمس الخميس، بالحكم القضائي الصادر عن محكمة تونسية، والقاضي بسجن الرئيس الأسبق السيد محمد المنصف المرزوقي لمدة أربع سنوات مع النفاذ.
واعتبرت الحركة في بيان صادر عنها، القرار "تدشينا لمرحلة من المحاكمات السياسية للرافضين للانقلاب على الدستور والشرعية، وتجسيدا حيا لخطر تجميع السلطات بيد رئيس الجمهورية".
واتهم البيان الرئيس قيس سعيّد بممارسة "ضغوطات على القضاء بقصد تطويعه لتصفية خصومه السياسيين بعد شيطنتهم والتحريض عليهم".
كما طالب الحزب "القضاة الشرفاء والمنتظم السياسي والمدني بالتصدي بقوة لهذا التمشي الذي يخدم سلطة الاستبداد، ويعود بالسلطة القضائية إلى عهد التعليمات والخضوع للسلطة التنفيذية ويضرب مبدأ استقلالية القضاء في العمق".
وفي تصريحات للجزيرة، أوضح المرزوقي أن الحكم بحقه لا يعنيه لأنه صادر عن رئيس غير شرعي منقلب على الدستور، وفق وصفه.
ولفت إلى أنه حوكم في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ووقف أمام المحاكم آنذاك 7 مرات، وخلال حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي حكم عليه غيابيا بـ11 شهرا.
واعتبر المرزوقي أن قدره أن يحارب ما وصفه بالـ"دكتاتورية" في بلاده إلى نهاية حياته، مشيرا إلى أن الحكم غير قانوني ولم تصله أية دعوة للمحاكمة وقد صدر الحكم في غيابه وفي غياب أي محام
وأعرب المرزوقي عن خشيته مما وصفه بتغوّل الدولة، وبيّن أنه لن يطلب من أي محام استئناف هذا الحكم غير القانوني.
وكان سعيّد قد أعلن في 25 يوليو/تموز إقالة رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي وتعليق نشاط البرلمان وتولي الإشراف على النيابة العامة، وأصدر في 22 سبتمبر/أيلول الماضي تدابير "استثنائية" بأمر رئاسي أصبحت بمقتضاه الحكومة مسؤولة أمامه فيما يتولى بنفسه إصدار التشريعات بمراسيم
ومنذ لك الحين ضاعف المرزوقي إطلالاته التلفزيونية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي للدعوة إلى إطاحة سعيّد، واصفا إياه بأنه "انقلابي" و"دكتاتور"
وفي وقت سابق الأربعاء، أصدرت المحكمة الابتدائية بتونس حكما ابتدائيا غيابيا على الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي بالسجن 4 سنوات مع النفاذ العاجل، بتهمة "الاعتداء على أمن الدولة الخارجي"، وذلك على خلفية موقفه الرافض لانعقاد القمة الفرنكوفونية في تونس بعد استحواذ الرئيس قيس سعيد على كل السلطات
وحينها قال المرزوقي للجزيرة إن الأمر فيه رسالة تهديد لكل التونسيين، مضيفا أنه لم يستغرب هذا القرار من السلطات، وقال إنها "خطوة متوقعة بسبب مواقفي من الانقلاب"، وذلك في إشارة إلى القرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد في 25 يوليو/تموز الماضي، القاضية بحل الحكومة وتجميد عمل البرلمان.
والغنوشي يستبعد حل سعيد لحزب 'النهضة'
وفي سياق متصل ، وفي مقابلة خاصة يوم الأربعاء مع "التلفزيون العربي"، ردا على سؤال بشأن احتمال حل سعيد لحزب "النهضة" صاحب أكبر كتلة برلمانية في البرلمان المجمدة أشغاله (53 نائبا من 217)
وقال الغنوشي في تصريحاته "هذا الأمر (أي حل الحزب) ليس من مصلحته (سعيد) وليس قانونيا"، لافتا أن الرئيس قدم "هدية بشعة" للشعب في 25 يوليو/ تموز الماضي.
وأضاف الغنوشي مؤكدا أن "الترخيص (الخاص بتأسيس الحزب) ليس هو من أوجد حركة النهضة عمليا، إنما الشعب التونسي هو الذي أوجدها"، وتابع: "ما دام الشعب التونسي يحتاجها فستبقى.. الشعب وحده يمكن أن يطلب من حركة النهضة التنحي وذلك عبر الانتخابات".
وأكد الغنوشي ثقته في تبرئة القضاء لحركة "النهضة" من اتهامات بمخالفة قانون التمويل الانتخابي عام 2019، قائلا: "صحيفتنا بيضاء بالكامل فيما يتعلق بالمخالفات الانتخابية، ونحن أكثر حزب منظم في البلاد"
وأردف: "لم نتخلف قط عن التعاون مع دائرة المحاسبات (محكمة) التي نقدرها تقديرا كبيرا، ونعتبر أنها الجهة الوحيدة المخولة للحكم علينا، ونعتقد أنها ستبرئنا لأننا أبرياء فعلا"
وبشأن تحميل "النهضة" مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في تونس، قال الغنوشي إن "الحركة تتحمل المسؤولية بقدر مشاركتها في الحكومات السابقة"، مضيفا أن "الثورة تتعرض لمحنة وتحد خطير، بعد وضع الرئيس سعيد علامة استفهام على مشروعها".
وشدد الغنوشي على عدم وجود أية عداوة شخصية مع سعيد، قائلا: "نحن لنا عداوة مع الدكتاتورية ونخشى أن تعود.. عدة مؤشرات تدل على ذلك".
وترفض غالبية القوى السياسية والمدنية في تونس، وبينها "النهضة"، الإجراءات الاستثنائية، وتعتبرها "انقلابا على الدستور"، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية
وزاد الغنوشي موضحا أن "عملية تعطيل المؤسسات الدستورية معناها أن الرئيس يريد أن يحكم لوحدة.