مصر| الصحافة الغربية وانقلاب 3 يوليو .. من الإدانة إلى التطبيع الكامل
الأربعاء - 2 يوليو 2025
- إعلام الغرب تظاهر برفض انقلاب 3 يوليو في البداية ثم دعم السيسي ونظامه لاحقًا
- التحول نحو التطبيع مع النظام بدأ منذ عام 2014 وفقا للتغيرات الاقتصادية والأمنية
- مصطلح "انقلاب" اختفى من الصحف الغربية عام 2015 وبدأ إبراز السيسي كحليف استراتيجي
- الصحافة الغربية ضخّمت دور النظام المصري في التصدي لـ"الإرهاب" والهجرة غير الشرعية
- حد أدنى من المهنية في تناول الفشل الاقتصادي للنظام الانقلابي رغم تبدل الموقف السياسي
إنسان للإعلام- تقرير:
شهدت تغطية الصحافة الغربية للأحداث السياسية في مصر، منذ انقلاب 3 يوليو 2013، تحولًا لافتًا في الخطاب والمواقف؛ بدأت بانتقادات لاذعة للانقلاب العسكري، مرورًا بموجات التنديد بانتهاكات حقوق الإنسان، وصولًا إلى خطاب أكثر حيادية، بل وأحيانًا متواطئ، يلامس حدود التطبيع مع النظام الجديد.
هذا التحول يثير تساؤلات حول مدى استقلالية الصحافة الغربية، وحدود ارتباط خطابها بالمصالح الجيوسياسية والاقتصادية للدول التي تنتمي إليها.
فهل كانت الصحافة الغربية فعلًا صوتًا للعدالة والحرية؟ أم أنها أعادت إنتاج الخطاب الرسمي الغربي في قالب إعلامي؟ وما الأسباب الحقيقية وراء تغير موقفها بهذا الشكل الجذري؟
في هذا التقرير، نستعرض هذا التحول، ونفكك خلفياته ودلالاته، ونرصد انعكاساته على وعي المتلقي العربي والدولي.
الموقف الغربي الرسمي من انقلاب 3 يوليو 2013
أثارت الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي، عقب انقلاب عبد الفتاح السيسي وجنرالات الجيش في 3 يوليو 2013، انتقادات واسعة في الدول الغربية في بادئ الأمر. وكما جرت العادة، بنى الغرب استراتيجيته في التعامل مع أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيًا على أساس براغماتي بحت، إذ تصور قادة الغرب أن بإمكانهم التعامل مع مرسي كما تعاملوا مع سابقيه من حكام مصر، وأنه سيخدم مصالحهم دون تردد. لكن حين تبيّن لهم أن الرجل يتحرك برؤية مستقلة، ولا يقبل التبعية، بدأ التخطيط للإطاحة به بالتنسيق مع المؤسسة العسكرية.
لذلك، جاءت ردود الفعل الغربية في البداية منددة بالانقلاب، وإن كان ذلك في الإطار الشكلي. فقد أعرب الرئيس الأميركي باراك أوباما عن "قلق شديد" حيال قرار القوات المسلحة المصرية "الإطاحة بالرئيس مرسي وتعليق العمل بالدستور"، وأمر بمراجعة المساعدات الأميركية للحكومة المصرية، وفقًا للقانون الأميركي.
من جانبه، وصف وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله الإطاحة بمرسي بأنها "انتكاسة كبرى للديمقراطية في مصر". وتبنت فرنسا موقفًا مشابهًا، حيث قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند: "إنها لهزيمة أن يُطاح برئيس منتخب ديمقراطيًا كمرسي".
أما بريطانيا، فاتخذت موقفًا يبدو أقرب إلى الحياد، إذ شدد رئيس الوزراء ديفيد كاميرون على أن بلاده لم تدعم "أبدًا تدخل الجيش في أي دولة"، وأكد وزير الخارجية ويليام هيغ ذلك بقوله: "كان هذا تدخلًا عسكريًا في نظام ديمقراطي"، لكنه أضاف في الوقت نفسه أنه "تدخل يحظى بشعبية"[1].
وأكد مراقبون أن أحداث عام 2013 في مصر أدّت إلى تدهور العلاقات بين القاهرة وواشنطن، نتيجة معارضة الإدارة الأميركية للطريقة التي أُطيح بها بالرئيس مرسي. غير أن الواقع يكشف أن إدارة أوباما لم تكن راضية عن مرسي منذ البداية، إذ أبدت انطباعات سلبية تجاهه بسبب تعامله الندي وغير الخاضع لها، وهو ما لم تألفه من الزعماء العرب. فالرئيس - رحمه الله - لم يتنازل عن دينه، ولا عن وطنه، ولا عن كرامته.
وقد أكدت مذكرات أوباما هذه الرؤية؛ إذ لم يأتِ على ذكر مرسي إلا بشكل عابر، بينما خصّ حكام السعودية والإمارات بمساحات أوسع، مشيرًا إلى رغبتهم المبكرة في التخلص من حكم مرسي.
وفي السياق ذاته، كشف تقرير للصحفي ديفيد كيركباتريك، مدير مكتب نيويورك تايمز السابق في القاهرة، نُشر في يوليو 2018، عن الموقف الحقيقي لأبرز أعضاء إدارة أوباما من الإخوان المسلمين والرئيس مرسي. وسرد كيركباتريك تفاصيل الاتصال الأخير بين أوباما ومرسي في الأول من يوليو 2013، حيث حث الرئيس الأميركي نظيره المصري على التوصل إلى تسوية مع المعارضة المدنية، تقضي بتحويل حكومته إلى شبه حكومة وحدة وطنية. وقد شكر مرسي أوباما على نصيحته، لكنه أبلغه بأنها "متأخرة"، إذ كان في ذلك الحين محتجزًا فعليًا في مقر الحرس الجمهوري داخل القصر الرئاسي.
ورغم تباين ردود الأفعال الغربية على الانقلاب، فإنها لم تصل إلى مستوى الإدانة الواضحة. فبعد إعلان عزل مرسي، أخلت السفارة الأميركية في القاهرة طاقمها بالكامل، وأعرب أوباما مجددًا عن "قلق عميق" إزاء عزله، داعيًا إلى العودة السريعة للحكم المدني. من جهته، قال الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إن "التدخل العسكري في شؤون أي دولة هو أمر مقلق"، داعيًا إلى "الإسراع في تعزيز الحكم المدني وفق مبادئ الديمقراطية".
كما دعت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون، إلى "العودة السريعة إلى العملية الديمقراطية، بما يشمل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة".
ولا شك أن المواقف السياسية للدول الغربية انعكست بوضوح على تغطية الصحف الغربية لملف الانقلاب العسكري؛ إذ عبّرت معظمها في البداية عن استنكارها لما حدث، ثم ما لبثت أن تعاملت مع الانقلاب كأمر واقع[2].
كيف تناولت الصحافة الغربية الانقلاب في بداياته؟
منذ انقلاب 3 يوليو 2013، خرجت غالبية الصحف الغربية لتؤكد أن ما جرى في مصر هو انقلاب صريح على المسار الديمقراطي. وقد دعت صحف أميركية وبريطانية الإدارة الأميركية إلى الاعتراف بأن ما حدث انقلاب لا لبس فيه، وبالتالي وقف المعونات والدعم المقدم للنظام الجديد، والعودة إلى سياسة تقوم على المبادئ والقيم الأميركية، من خلال اشتراط استئناف الدعم المالي والعسكري بضمان العودة إلى الديمقراطية في أسرع وقت ممكن.
وطالبت تلك الصحف واشنطن بأن توضح موقفها صراحة، بأن المساعدات السنوية المقدمة للجيش المصري لن تستمر إلا إذا ضُمن انتقال ديمقراطي حقيقي، وتم الإفراج الفوري عن المعتقلين من جماعة الإخوان المسلمين.
في هذا السياق، قالت صحيفة واشنطن بوست في افتتاحية لها: "لا شك في أن ما حدث يوم 3 يوليو في مصر هو انقلاب عسكري على حكومة منتخبة ديمقراطيًا، وهو استجابة خاطئة للأزمات التي تعاني منها البلاد". أما صحيفة يو إس إيه توداي، فرأت أن الاستقرار كان ممكنًا تحقيقه في ظل الحكومة الشرعية برئاسة الدكتور محمد مرسي، لكن الانقلاب العسكري انحرف بمصر عن مسار الاستقرار السياسي.
وكتب الباحث ميشيل دون في واشنطن بوست أن السياسة الأميركية تجاه مصر، القائمة على الخوف لا على المبادئ، أبعدت الولايات المتحدة عن جميع الأطراف، داعيًا واشنطن إلى التخلي عن محاولات إيجاد مبررات للامتناع عن وصف ما جرى بالانقلاب، والتركيز بدلًا من ذلك على كيفية استغلال حاجة الجيش المصري إلى الشرعية الدولية كأداة ضغط للعودة إلى الديمقراطية[3].
أما صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، فأكدت أن الجيش المصري لن يكون الجهة التي تقود البلاد نحو الديمقراطية، مشددة على أن الانتخابات الشاملة، التي يشارك فيها الجميع بمن فيهم الإسلاميون، تمثل الخيار الوحيد لضمان مستقبل آمن ومستقر لمصر. ومع ذلك، أضافت الصحيفة أن القوات المسلحة، بعزلها للرئيس مرسي، قد أزاحت رئيسًا منتخبًا أخفق مرارًا في اختبارات الشرعية الديمقراطية.
وفي افتتاحيتها، حذرت صحيفة ذي ديلي تلغراف من أن انهيار النظام في مصر، أو استمرار بقائه من خلال فرض حالة الطوارئ، يعني أن الديمقراطية باتت على شفا الانهيار. وأشارت إلى أن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ترددت في تسمية ما حدث بالانقلاب العسكري، خشية أن يؤدي ذلك إلى انقطاع الدعم الأميركي عن الجيش المصري، في ظل مستقبل قاتم للديمقراطية في البلاد.
بدورها، أكدت صحيفة ذي جارديان أن الانقلاب العسكري دفع البلاد إلى حافة الهاوية، مشيرة إلى استخدام قوات الأمن العنف والرصاص ضد أنصار الرئيس مرسي في ميادين القاهرة بعد الانقلاب[4].
أما صحيفة التايمز، فقد دعت في افتتاحيتها، عقب إعلان السيسي الانقلاب على أول رئيس مدني منتخب، الدول الغربية إلى اتخاذ إجراءات ملموسة للرد على الأعمال القمعية والوحشية التي يمارسها الجيش المصري بحق المدنيين السلميين، مشددة على أن ما جرى هو انقلاب عسكري صريح على رئيس منتخب ديمقراطيًا.
وفي السياق ذاته، نشرت التايمز مقالًا للكاتب الإيراني-البريطاني أمير طاهري بعنوان: "الربيع العربي يتحول إلى صيف عسكري"، أكد فيه أن المؤسسة العسكرية في مصر استهدفت إنهاء التجربة الديمقراطية التي أنتجتها ثورات الربيع العربي، وبدأت مرحلة ما أسماه بـ"الصيف العسكري"[5].
من جهتها، قالت واشنطن بوست، في مقال للكاتب الأميركي تشارلز كروثامر، إن وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي كان مصممًا على الانقلاب على المسار الديمقراطي، وإن مصر ستدفع ثمن هذا القرار من استقرارها [6].
وفي تقرير لها بعنوان "جنرالات يعتقلون المعارضين بعد الانقلاب"، أكدت واشنطن تايمز أن الجنرالات الانقلابيين في مصر واصلوا حملات الاعتقال بحق قادة الإسلاميين وأنصارهم، وكل من يخالف مخططهم، مما زاد من تعقيد الأزمة السياسية في البلاد.
أما صحيفة كريستيان ساينس مونيتور، فقد أكدت في افتتاحيتها عقب وقوع انقلاب 3 يوليو أن المصريين باتوا يتساءلون عن مصير ثورتهم الشعبية، في ظل عودة الدولة العميقة ورجالاتها إلى الواجهة.
وبعنوان "أيام الغضب" (Days of Rage), نشرت مجلة The New Yorker تقريرًا وصفت فيه الانقلاب بأنه أطاح بديمقراطية ناشئة، ووصمته بالجريمة، كما انتقدت تردد إدارة أوباما في تسميته انقلابًا صريحًا، بسبب الخشية من فقدان المساعدات الأميركية [7].
وفي تقرير بعنوان "لا تنظروا إلى انقلاب مصر بعدسة غربية" (Don't view Egypt's coup with a Western lens), انتقدت كريستيان ساينس مونيتور التبريرات الغربية التي سعت لتقليل شأن الانقلاب، محذّرة من أن هذا التوجه يقوّض الديمقراطية ويعرقل اندماج الإسلاميين سياسيًا[8].
أما موقع Common Dreams، فقد نشر مقالًا بعنوان "لماذا تخطئ وسائل الإعلام الغربية في فهم مصر" (Why the Western Media Are Getting Egypt Wrong), أشار فيه إلى أن وسائل الإعلام الغربية قلّلت من شأن الحراك الشعبي الرافض للانقلاب، وركّزت على تحليلات لمختصين غربيين قلّلوا من أهمية المعارضة، ما اعتبر تمهيدًا لبوادر قبول غربي للانقلاب[9].
وفي السياق ذاته، نشرت وول ستريت جورنال تقريرًا بعنوان "الثورة المصرية والانقلاب العسكري"، جاء فيه أن الجيش المصري قد يكون محظوظًا إذا قورن بنموذج بينوشيه، في إشارة إلى محاولاته للإصلاح الاقتصادي، رغم تجاهله لتاريخه القمعي، ما يُلمّح إلى احتمال قبول الغرب بالانقلاب رغم مخاطره[10].
بهذا، اتسمت المعالجات الغربية الأولى للانقلاب العسكري في مصر، في مجملها، بالمهنية والانحياز للحقائق، وتجنبت الوقوع تحت تأثير السردية الإعلامية المصرية والعربية المروّجة للانقلاب،لكن تلك الموضوعية لم تدم طويلًا، إذ سرعان ما مالت كثير من المنصات الغربية إلى التعامل مع الانقلاب كأمر واقع.
كيف طبّعت الصحافة الغربية مع نظام الانقلاب؟
شهدت العلاقات بين النظام السياسي المصري والصحافة الغربية تحولًا ملحوظًا خلال الفترة الممتدة من عام 2014 وحتى 2025. فبعد استيلاء عبد الفتاح السيسي على السلطة عبر انتخابات وصفت على نطاق واسع بأنها مزوّرة، بدأت الصحافة الغربية تتجه تدريجيًا نحو تبني خطاب أكثر توازنًا، بل وفي بعض الأحيان خطابًا إيجابيًا تجاه النظام المصري، مقارنةً بما سبق من سنوات شهدت انتقادات حادة وتشكيكًا واسعًا في شرعيته.
هذا التحول لم يكن عفويًا أو منبتّ الصلة بسياقات أوسع، بل جاء نتيجة تقاطعات جيوسياسية واقتصادية وأمنية معقّدة، برزت فيها مصر كلاعب إقليمي مهم في منطقة تعاني من اضطرابات مستمرة، خاصة في قضايا مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية. كما ساهمت الضغوط الإقليمية والدولية، وتبدّل أولويات السياسة الخارجية الغربية، في دفع عدد من وسائل الإعلام الغربية إلى إعادة النظر في منهجها تجاه القاهرة، وهو ما تجلى في تقارير ومقالات بدت أقرب إلى التبرير أو الدعم لسياسات النظام المصري، رغم استمرار التحفظات المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات السياسية.
من هنا، فإن دراسة مسار تطبيع العلاقة بين الصحافة الغربية والنظام السياسي في مصر يكشف الكثير عن التحولات التي طرأت على المشهد الإعلامي والسياسي الدولي، وعن مدى تعقيد العلاقة بين الاعتبارات الأمنية والمصالح الاستراتيجية من جهة، والقيم الليبرالية والديمقراطية المعلنة من جهة أخرى.
وفيما يلي نماذج من تطور معالجات وسائل الإعلام الغربية، والتي انتقلت من التشكيك والإدانة إلى الاعتراف بالنظام السياسي في مصر كأمر واقع، بل وتقديمه أحيانًا في صورة الشريك الإقليمي الضروري، حيث اختفى من الخطاب الإعلامي الغربي، تدريجيًا، مصطلح "coup" أي "انقلاب"، واستُبدل بتوصيفات أكثر تحفّظًا أو تبريرًا:
- موقع Fox News: نشر تقريرًا بعنوان "El-Sisi in the Media"، بدا فيه الخطاب داعمًا للجيش المصري، حيث صُوّرت تدخلاته باعتبارها رد فعل مشروع على "عنف الإخوان المسلمين"، وليس قمعًا لحركة سياسية سلمية. وقدّم التقرير الجيش بوصفه الضامن الوحيد للاستقرار في البلاد[11].
-وكالة Bloomberg: نشرت تقريرًا تحت عنوان "السيسي ولعب دور محوري بالشرق الأوسط"، أشار إلى أن السيسي يمثل عنصر توازن إقليمي مهم، وأنه يقوم بدور محوري في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يُنظر إليه كقائد قادر على ضبط التوترات وضمان الأمن[12].
- وكالة Reuters: في تقرير بعنوان "Sisi’s Role in Regional Stability"، أوردت رويترز أن سياسات السيسي الأمنية وتعاونه مع دول الجوار أسهما في تخفيف التوترات الإقليمية، مما جعل من مصر في عهده قوة مركزية لضمان الاستقرار في محيطها الحيوي[13].
- صحيفة Financial Times: تناولت الصحيفة رؤية السيسي التي تربط بين الأمن والتنمية، مؤكدة أن النظام المصري تحت قيادته يسعى إلى تأسيس توازن إقليمي مستقر، ويرتكز على الاستقرار الأمني والتنمية الاقتصادية كدعامة لسلام المنطقة، واعتبرته ركيزة رئيسية في توازن القوى بالشرق الأوسط[14].
- قناة CNN: في تقرير بعنوان "Egypt’s Sisi a Key Player in the Region"، وصفت السيسي بأنه حليف استراتيجي للغرب، مشيرة إلى دوره في مكافحة الإرهاب ودعم الاستقرار في منطقة تعاني من أزمات مزمنة[15].
- هيئة الإذاعة البريطانية BBC: نشرت تقريرًا بعنوان "Egypt’s Fight Against Terrorism under Sisi"، أكدت فيه أن السيسي يقود جهودًا محورية لمكافحة الإرهاب، خصوصًا في سيناء، واعتبرته "شريكًا أساسيًا في الحرب ضد الإرهاب" في شمال أفريقيا والشرق الأوسط[16].
- مجلة The New Yorker: في تقرير بعنوان "The Egyptian Army’s Unlikely Allies", أشارت إلى أن شرائح متعددة من المجتمع المصري باتت ترى في السيسي ضرورة وطنية لمنع "الهيمنة الإسلامية"، وأن الجيش المصري أصبح، بفضل هذا الخطاب، مقبولًا لدى بعض القوى التي كانت تقليديًا معارضة له[17].
- موقع Index on Censorship: نشر تقريرًا بعنوان "Egypt: Regime Pushes Self-Censorship on Journalists"، أشار إلى اتساع نطاق الرقابة الذاتية في الإعلام المصري بدفع من النظام، لكنه في الوقت ذاته أبرز أن السيسي لا يزال يحظى بدعم واسع داخل الإعلام المحلي، ويُنظر إليه على أنه ضمانة للاستقرار، رغم تصاعد الانتهاكات الحقوقية[18].
هل تخلّت الصحافة الغربية كليًا عن المهنية؟
رغم حالة التطبيع المتصاعدة التي اتبعتها الصحافة الغربية في تعاطيها مع النظام المصري بعد انقلاب 3 يوليو 2013، فإنها حافظت – في الحد الأدنى – على مستوى من المهنية في تناولها للملف المصري، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، إذ استمرت بعض المؤسسات الإعلامية الغربية في تسليط الضوء على أوجه الفشل السياسي والاقتصادي للنظام، كما لم تغب الانتقادات الجذرية لمسار الحكم القمعي والانتهاكات الحقوقية عن تقارير وتحليلات العديد من الصحف والمجلات الغربية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
- صحيفة "ميدل إيست آي": أكدت في تقرير لها أن مصر تقف على حافة ثورة جديدة، نتيجة السياسات الفاشلة للنظام، مشيرة إلى أن انقلاب السيسي تم تمويله إلى حد كبير من قِبَل "ديكتاتوريات الخليج" التي تخشى أي تحول ديمقراطي في العالم العربي. وأضافت أن السيسي تلقى في عامي 2013 و2014 عشرات المليارات من الدولارات في صورة منح من السعودية والإمارات لدعم انقلابه وترسيخ سلطته[19].
- موقع "نيوز ري" الروسي: حذّر في تقرير مطول من أن مصر مهددة بموجة جديدة من الربيع العربي، مستندًا إلى مؤشرات اقتصادية خطيرة تشير إلى اقتراب البلاد من حافة الإفلاس، في ظل تفاقم الأزمة المالية وتراجع مؤشرات التنمية[20].
- صحيفة "فايننشال تايمز": نشرت تقريرًا بعنوان "مصر على حافة الثورة"، أكدت فيه أن الدولة التي وعد السيسي ببنائها قد فشلت بالفعل، رغم الدعم المالي السخي من دول الخليج والمانحين، وأن استمرار تدهور الأوضاع المعيشية ينذر بانهيار شامل، ويضع مستقبل البلاد على المحك[21].
- مجلة "الإيكونوميست": في تقرير بعنوان "خيارات السيسي تتضاءل.. والمصريون فقدوا الثقة في قيادته"، خلصت المجلة إلى أن النظام بات محاصرًا بانسداد سياسي واقتصادي متفاقم، وأن قطاعات واسعة من الشعب المصري فقدت ثقتها في قيادته، وأصبحت تتطلع إلى لحظة الخلاص منه[22].
- مجلة "فورين بوليسي": نشرت مقالًا للناشط الحقوقي المصري عبد الرحمن منصور، اعتبر فيه أن الديمقراطية لم تعد فقط مطلبًا سياسيًا وحقوقيًا، بل أصبحت ضرورة اقتصادية ملحّة لإصلاح ما أفسده حكم العسكر. وأكد أن السيسي، باعتباره رجلًا عسكريًا، يمثل التهديد الأخطر لاستمرار حكم الضباط في مصر، وأن فشل نظامه المتواصل يدفع المصريين إلى إدراك خطورة استمرار المؤسسة العسكرية في السلطة[23].
ومن خلال استقراء المعالجات الغربية لانقلاب السيسي وتطوراتها منذ 2013 وحتى 2025، يمكن استخلاص جملة من الحقائق المركزية التي ترسم ملامح التحول في تغطية هذا الحدث المفصلي:
- الهجوم الإعلامي الغربي على انقلاب 3 يوليو 2013 جاء حادًا ومباشرًا منذ لحظاته الأولى، حيث عرّفته كبريات الصحف والمجلات الغربية بأنه "انقلاب عسكري مكتمل الأركان" على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، واستمرت هذه النغمة الناقدة حتى نهاية عام 2014.
- بدايةً من أواخر عام 2014، بدأت المواقف السياسية للدول الغربية تؤثر بوضوح على معالجات الصحافة الغربية، حيث شهد الخطاب الإعلامي تحوّلات تدريجية نحو التهدئة أو إعادة التوصيف للأحداث في مصر.
- اختفى مصطلح "Coup" (انقلاب) من كثير من التقارير الغربية بدءًا من عام 2015، في دلالة على تغيّر الموقف الرسمي الغربي، وانعكاسه على اللغة الصحفية، حيث بدأت المؤسسات الإعلامية بتجنّب توصيف ما حدث بعبارات قانونية أو قاطعة.
- من عام 2014 حتى 2025، شهدنا مسارًا تصاعديًا في تطبيع الصحافة الغربية مع التحولات السياسية التي أعقبت 3 يوليو 2013، ضمن إطار إعادة تعريف أولويات الأمن والاستقرار في مواجهة الديمقراطية.
- كثير من الصحف الغربية قدّمت للرأي العام صورة تؤكد أن السيسي شريك استراتيجي مهم للغرب في الشرق الأوسط، خاصة في ملفات مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، ما ساعد في تبرير سياساته القمعية وتجاهل إخفاقاته السياسية.
- الخطاب الإعلامي الغربي غالبًا ما ضخّم دور السيسي في مواجهة ظاهرة الهجرة غير النظامية، وسوّقه باعتباره سدًا منيعًا أمام تدفق اللاجئين إلى أوروبا، مما زاد من مقبوليته لدى بعض الحكومات الغربية.
- ورغم ذلك، حافظت الصحافة الغربية على حد أدنى من المهنية في تغطية الفشل السياسي للنظام المصري، حيث استمرت بعض المنصات في انتقاد السياسات الاقتصادية والاجتماعية والانتهاكات الحقوقية، مما شكّل توازنًا نسبيًا في التغطية، وإن كان غير متكافئ.
إن تحوّل الصحافة الغربية من مهاجمة الانقلاب العسكري إلى التطبيع معه، يكشف هشاشة الادعاءات حول استقلالية الإعلام الغربي، ويبرز التناقض بين الخطاب الحقوقي والممارسات الفعلية حين تتقاطع مع المصالح الاستراتيجية.
هذا التحول يفتح بابًا واسعًا لإعادة التفكير في دور الإعلام العالمي، ليس فقط كمصدر للخبر، بل كفاعل سياسي ضمن شبكة النفوذ الدولي، وهو ما يحمّل الصحفيين والإعلاميين حول العالم مسؤولية الدفاع عن القيم المهنية، في مواجهة تغوّل الحسابات السياسية على الحقيقة.
المصادر:
[1] "كيف ترى موقف الغرب من الإطاحة بمرسي؟" ، بي بي سي ، 5 يوليو/ تموز 2013 ، https://goo.su/W4870y
[2] مجلة المجتمع، مركز المعلومات و الرصد، المـلـف: مصر – انقلاب العسكر، المصـدر: مصر العربية، الـتـاريخ : 16/5/2015م
[3] "صحف غربية تدعو لوقف مساعدات مصر" ، الجزيرة، 5 يوليو 2013 ، https://2h.ae/OSJG
[4] "الغرب يدعو لاتخاذ إجراءات ضد عسكر مصر" ، الجزيرة نت ، 18 أغسطس2013 ، https://goo.su/id6MD15/8/2013
[5] "التايمز: الربيع العربي يتحول إلى صيف عسكري" ، بي بي سي ،5 يوليو 2013 ، https://2h.ae/FWKK
[6] "الانقلاب العسكري المصري في الصحف الأمريكية" ، اسلام ويب، 15 سبتمبر2013 ، https://2h.ae/lrdI
[7] Days of Rage" " ، " The New Yorker" ، 19 أغسطس 2013 ، https://goo.su/ccMB
[8] "Don't view Egypt's coup with a Western lens" ، موقع " The Christian Science Monitor" ، 9 يوليو 2013 ، https://goo.su/EKAu
[9] "Why the Western Media Are Getting Egypt Wrong" ، موقع Common Dreams، 4 يوليو 2013 ، https://2h.ae/EYEx
[10] " The Egyptian revolution and the military coup" ، صحيفة The Wall Street Journal ، 16 يوليو 2013 ، https://2h.ae/VAyi
[11] " El-Sisi in the Media" ، موقع Fox News، 20 اكتوبر 2016 ، https://2h.ae/eIOi
[12] "السيسي ولعب دور محوري بالشرق الاوسط" ، 23 مارس 2023 ، https://2h.ae/IgaA
[13] Sisi’s role in regional stability" ، Reuters ، 20 فبراير 2024 ، https://2h.ae/iJOp
[14] " Sisi and Middle East stability"، موقعFinancial Times،23 فبراير 2020 ، https://2h.ae/BwlX
[15] " Egypt’s Sisi a key player in regional " ، موقع CNN، 10 نوفمبر 2023 ، https://2h.ae/MYll
[16] " Egypt’s fight against terrorism under Sisi" ، موقع BBC ، 22 فبراير 2022 ، https://2h.ae/Kemi
[17] The Egyptian Army's Unlikely Allies"" ، New Yorker، 8 يناير 2014 ، https://2h.ae/rElo
[18] Egypt: Regime pushes self-censorship on journalists" " ،Index on Censorship ، 14 نوفمبر 2014 ، https://2h.ae/ZmgS
[19] ميدل إيست آي: هل مصر على شفا ثورة أخرى؟" ، الخليج الجديد ، 26 يناير 2023 ، https://cutt.us/XMbxx
[20] موقع روسي: الأزمة الاقتصادية تهدد مصر بربيع عربي جديد" ، عربي21، 2فبراير 2023 ، https://cutt.us/42zOn
[21] FT" :دولة السيسي الجديدة فشلت رغم الدعم الخليجي" ، عربي21 ، 19 يناير 2023 ، https://cutt.us/XtKPm
[22] ECO: خيارات السيسي تتضاءل.. والمصريون فقدوا الثقة في قيادته"، عربي21 ، 25يناير 2023 ، https://cutt.us/4duRn
[23] فورين بوليسي" : السيسي يهدد جمهورية الضباط.. لماذا تحتاج مصر إلى الديمقراطية لإصلاح اقتصادها؟" ،الخليج الجديد ، 9 فبراير 2023 ، https://cutt.us/JSc2e