السيسي يستعد للجوء لصندوق النقد مجددا لإنقاذ الاقتصاد المصري
الاثنين - 20 ديسمبر 2021
لإنقاذ الاقتصاد المصري بعد غرقه في السياسات الفاشلة ، السيسي يستعد للجوء لصندوق النقد من جديد، وسط تحذيرات من آثار القرض الثالث على الشعب وإدخال مزيد من فئاته تحت مظلة الفقر، وفي سياق متصل تستعد الحكومة لخفض قيمة الجنيه مجددا، مع مواصلتها فرض رسوم جديدة على المصريين، وقوى معارضة ترفض استمرار سياسة الجبايات، وتحذر من ثورة جياع وصفتها بأنها على الأبواب ، ومن خلال سطور هذا التقرير نتعرض للتفاصيل.
بعد ما نشرته وكالة فيتش الدولية للتصنيف الائتماني مؤخرا، حول تقييم الوضع المالي الخارجي في مصر، يتوقع أقتصاديون توجه نظام الدكتاتورعبد الفتاح السيسي نحو إبرام اتفاق ثالث مع صندوق النقد الدولي، الأمر الذي يمثل كارثة كبرى على المصريين؛ لأن ذلك لا يعني سوى المزيد من الديون ورهن ما تبقى من أصول الدولة للدائنين الأجانب سواء كانوا مؤسسات تمويل دولية أو حكومات غربية .
والأكثر خطورة هو فرض المزيد من الأعباء على جميع فئات الشعب، لا سيما الطبقتين الفقيرة والمتوسطة في ظل سقوط عشرات الملايين من المصريين تخت خط الفقر منذ ما يسمى ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تبناه نظام السيسي مع صندوق النقد في نوفمبر 2016م.
وبذلك ستبقى لعقود تعاني من مصيده الدائنين، ولن يتحقق لها تنمية على الإطلاق بالمعني الصحيح للكلمة بعيدا عن بروباجندا النظام وآلته الإعلامية التي تمارس التزييف والتضليل بتوجيهات مباشرة من قادة النظام رغم أنهم على يقين كامل بأن المسار القائم بالغ التدمير لحاضر مصر ومستقبلها.
انتقادات لسياسات الصندوق
ويعيب تقرير فتش الائتماني، اعتماد الاقتصاد المصري في توفير السيولة من الدولار على التمويل الخارجي مثل الاقتراض أو الأموال الساخنة التي تبحث أكبر عائد من الأرباح والهروب لأسواق أخرى لتحقيق المزيد من الأرباح بما يعني أنها لا تمثل استثمارا حقيقيا بقدرما تحمل من مخاطر كبيرة على الأسواق الناشئة ومن بينها السوق المصري.
وبلغت الديون الخارجية لمصر إلى نحو 138 مليار دولار في يونيو 2021، بزيادة تجاوزت 219 في المائة منذ الانقلاب العسكري في العام 2013م. وهي الديون التي استخدمها السيسي في بناء ما تسمى بالمشروعات القومية العملاقة التي لم تنعكس مطلقا على تحسين مستويات معيشة المواطنين. مثل العاصمة الإدارية والكباري وشبكة الطرق والسجون المركزية الضخمة. بينما وصل حجم الدين الخارجي في يونيو الماضي نحو 4.7 تريليون جنيه. لكن الأكثر خطورة أن نظام السيسي عمل على تدويل الديون المحلية بما يكبل مصر وأجيالها القادمة لعقود طويلة.
أبرز الانتقادات الموجهة للصندوق تتركز على سطوة الولايات المتحدة الأمريكية وتحكمها وقدرتها على إعطاء القرض من عدمه لأي دولة، حيث إنها الدولة الوحيدة التي تمتلك حق الفيتو من بين الدول الأعضاء. حيث تبلغ حصتها 17.6% من إجمالي الحصص، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك حق تعطيل قرارات صندوق النقد الدولي أو حق الفيتو.
وقبل اتفاق السيسي مع الصندوق في 2016م، حذَّر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني من تداعيات هذه الخطوة؛ التي قد تؤدي إلى انفجار كبير جراء الإجراءات العنيفة التي يتخذها نظام السيسي لتلبية الشروط القاسية للصندوق، وينتهي إلى أن المعادلة القائمة في الحالة المصرية والتي تضم دكتاتورا (السيسي) ذا سجل حافل بإنفاق مليارات لا تحصى على مشروعات لتمجيد نفسه وكيان اقتصادي غربي ضخم (الصندوق) تتمثل حلوله في "حجم واحد يقلص كل الاقتصاد" سيشقان طريقاً مختصراً لانفجار جديد.
ومصر تستعد لخفض الجنيه
وفي سياق متصل، تتصاعد تحذيرات بنوك استثمار عالمية من أنّ العملة المصرية مرشحة للهبوط في ظل مخاطر تتعلق بتقلبات في التدفقات الأجنبية في الأشهر المقبلة، أقدم عبد الفتاح السيسي على إصدار قرار بتشكيل مجلس للتنسيق بين السياسة النقدية للبنك المركزي والسياسة المالية للحكومة..
وأصدر السيسي قراراً بتشكيل ونظام عمل المجلس التنسيقي، وفقاً للجريدة الرسمية، يوم الخميس الماضي، على أن يترأسه رئيس مجلس الوزراء، ويكون بعضوية كل من محافظ البنك المركزي، ووزيري التخطيط والمالية، ونائب محافظ البنك المركزي، ونائب وزير المالية للسياسات المالية، ويضم أعضاءً من ذوي الخبرة. ويختص المجلس بوضع آلية للتنسيق بين السياسة النقدية للبنك المركزي والسياسة المالية للحكومة، ويرفع تقريراً سنوياً عن أعماله إلى رئيس الجمهورية.
وقال المسؤول السابق في البنك المركزي المصري لـ"العربي الجديد" إن قرار تشكيل المجلس جاء متأخراً، لأنه منصوص عليه بموجب قانون البنك المركزي الأخير الصادر في 2020، لافتاً إلى أنه جاء بعد فترة طويلة من التضارب في السياسات المالية التي تضعها الحكومة من جهة والسياسات النقدية التي يضعها البنك المركزي من جهة أخرى، وهو دليل على عدم وجود سياسة اقتصادية شاملة داخل الحكومة.
العملة المصرية مرشحة للهبوط
ورجح المصدر أن يكون قرار تشكيل المجلس التنسيقي للسياسات المالية والنقدية قد "جاء نتيجة شعور بأنّ مشكلة ستقع في مصر إذا رفع مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) سعر الفائدة، ولذلك فإن الحكومة تحاول النظر في حلول مالية ونقدية من منظور جماعي يشمل البنك المركزي والوزارات الاقتصادية، وخاصة في ظل التقارير التي تشير إلى أنّ العملة المحلية مرشحة للهبوط"، مضيفاً: "هناك بعض المؤشرات التي تجعل الحكومة في حالة تحفز".
ويتوقع صانعو السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إقرار 3 زيادات للفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في 2022، و3 زيادات أخرى في 2023، لمواجهة التضخم، وهو ما يعني وفق محللين ماليين أن تغادر رؤوس أموال أجنبية الأسواق الناشئة، ولا سيما من مصر التي تواجه مخاطر مالية وتتجه صوب أميركا.
وبدأت مؤشرات استفحال التضخم العالمي خلال الأعوام المقبلة تهدد استقرار معظم الدول، وبينها مصر، خصوصاً مع تداعيات الأزمات، وأبرزها جائحة كورونا، وهو ما دفع الحكومة المصرية إلى اتخاذ بعض الإجراءات لتفادي التغير السلبي في معدل التضخم، والحفاظ على مكتسبات التنمية، بحسب ما يقول المسؤول السابق في البنك المركزي المصري.
ويضيف أنه "على الرغم من حفاظ مصر على معدلات التضخم في مستوى متدنٍّ مقارنةً بدول أخرى، في ظل تداعيات أزمة كورونا، إلا أنه يجب عليها التعامل مع أزمة استفحال التضخم وتحديد خططها بشكل أكثر إيجابية".
ووفق تقرير حديث لوكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني العالمية، فإنّ "اعتماد مصر على التمويلات الخارجية يجعلها عرضة لتغيرات الظروف النقدية العالمية".
ولفت التقرير إلى أنّ تراجع السيولة العالمية يحمل مخاطر رئيسية لمصر. وأشار تقرير الوكالة إلى أنّ مصر قد تلجأ إلى صندوق النقد الدولي، من دون أن يحدد نوع الدعم الذي قد تطلبه القاهرة من الصندوق
وبعد تثبيتها أخيراً للتصنيف الائتماني طويل الأجل لمصر عند +B مع نظرة مستقبلية مستقرة، حذرت وكالة "فيتش" من أن التدفقات الوافدة "يمكن أن تنسحب استجابة لأي صدمة ثقة أو تحول في ظروف السيولة العالمية، ما قد يضع السيولة من العملات الأجنبية وأسعار الفائدة والصرف تحت الضغط".
مخاطر التضخم وارتفاع الفائدة الأميركية
لكن على الرغم من ذلك، يتوقع محللون تضرر الاقتصاد المصري من تبعات التضخم العالمي، وهو الأمر الذي يتطلب خطة محكمة لتفادي الارتفاعات المتوقعة في الأسعار عالمياً وتأثير ذلك في السوق المصرية.
وأثرت الأزمة العالمية في أسعار السوق المحلية في مصر، إذ ارتفعت أسعار معظم المنتجات ومواد البناء. ووفق مؤشر "آي.إتش.إس ماركت" لمديري المشتريات، انكمش نشاط القطاع الخاص غير النفطي في مصر للشهر الثاني عشر على التوالي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، متأثراً بارتفاع أسعار المنتجات، ما عرقل إنفاق العملاء، وسبّب انخفاض الطلبيات الجديدة بأسرع وتيرة في عام.
وأظهر المؤشر الصادر في وقت سابق من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أن نشاط القطاع الخاص غير النفطي سجل 48.7 نقطة، أي دون مستوى الخمسين نقطة الفاصل بين النمو والانكماش، وهو المستوى نفسه الذي بلغه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ويرى محللون أن البنك المركزي المصري، يجب أن يلعب دوراً في التحوط من تبعات التضخم المتزايد، وذلك من طريق رفع أسعار الفائدة. كذلك قد تلجأ الدولة إلى إقرار تسعير مباشر لبعض القطاعات الرئيسية حال خروج حركة تداولها عن السيطرة، كما يحدث في الأسمدة وبعض مواد البناء واللحوم. ومن المفترض أن يتولى المجلس التنسيقي الذي صدر قرار جمهوري بتشكيله، التنسيق بين البنك المركزي والحكومة في هذا الشأن.
وتبدو الحكومة مرتبكة حيال التعامل مع التضخم والزيادة المحتملة في أسعار الفائدة العالمية التي تدفع رؤوس الأموال الأجنبية إلى الرحيل.
وفي أول قرار للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري بعد قرار السيسي تشكيل المجلس التنسيقي، قررت اللجنة الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند مستوى 8.25% و9.25% و8.75% على الترتيب. وكذلك الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى 8.75%.
واعتبر البنك المركزي في بيان له أنّ المعدل السنوي للتضخم العام في الحضر انخفض إلى 5.6% في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 من 6.3% في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 و6.6% في سبتمبر/ أيلول 2021. لكنّه لفت إلى أنّه على الصعيد العالمي، استمر النشاط الاقتصادي في التعافي من جائحة كورونا، وإن ظهرت بعض مؤشرات التباطؤ نظراً لاضطرابات سلاسل الإمداد والتوريد العالمية
ويقول الباحث المتخصص في العلاقات الاقتصادية والنزاعات الدولية، إبراهيم نوار، إنّ قرار البنك المركزي المصري إبقاء أسعار الفائدة من دون تغيير، يأتي رغم قرار مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي البدء بوقف شراء 120 مليار دولار من سندات الخزانة الأميركية شهرياً، وتنبيه السوق إلى أن أسعار الفائدة سترتفع بنهاية العام المقبل إلى ثلاثة أضعاف ما هي عليه الآن، إلى 0.9%، وأن معدل التضخم سيبلغ 2.6%، ثم يرتفع سعر الفائدة إلى نحو ثلاثة أضعاف مرة أخرى بنهاية عام 2023 إلى 1.6%، ثم إلى 2.1% عام 2024.
والحكومة تفرض رسوم جديدة على المصريين لصالح "صندوق المسنين"
وفي سياق متصل ، تستمرالحكومة في اللجوء لجيوب المصريين من جديد ، حيث وافق مجلس الشيوخ المصري، أمس الأحد، على مشروع قانون حقوق المسنين المقدم من الحكومة، وإحالته إلى مجلس النواب لإقراره بصفة نهائية، والذي يفرض رسوماً جديدة على العديد من الخدمات المقدمة للمواطنين بغرض تمويل "صندوق رعاية المسنين"، على غرار رسوم "صندوق دعم الأشخاص ذوي الإعاقة" و"صندوق تكريم ضحايا ومفقودي ومصابي العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم"، وذلك عوضاً عن تخصيص موارد مالية لها في بنود الموازنة العامة للدولة.
قوى معارضة ترفض التعديلات الحكومية على القوانين الضريبية
وفي سياق متصل ، أعلن حزب "التحالف الشعبي الاشتراكي" المصري المعارض رفضه التعديلات التي أدخلتها الحكومة على قوانين ضريبة الدمغة، وفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة، وضريبة دخول المسارح وغيرها من محال الفرجة والملاهي، وطالب الحكومة والبرلمان بسحب التعديلات المطروحة على تلك القوانين، وليس تأجيل إقرارها، كونها تفرض المزيد من الضرائب والرسوم على المواطنين.
وحذر الحزب، في بيان له مؤخرا السلطتين التنفيذية والتشريعية من تداعيات إقرار تلك التعديلات، قائلاً "ارفعوا أيديكم عن رقبة الفقراء لكي لا تكونوا سبباً في ثورة جياع. أوقفوا الإعفاءات الضريبية للمستثمرين التي ألغاها الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بعد أن اكتشف فشلها. وفي المقابل، افرضوا ضرائب تصاعدية، وأصلحوا النظام الضريبي للحد من الديون، وتوفير مصادر حقيقية لتمويل التنمية".