السيسي مكّن الدائنين من وضعها تحت الوصاية.. ماذا ينتظر مصر بعد إغراقها في الديون؟

الأحد - 6 نوفمبر 2022

  • 3 مليارات دولار من الصندوق ومليار من صندوق الاستدامة والمرونة و5 من الشركاء الدوليين..ماذا يفعل بها السيسي؟
  • رئيس الوزراء" اعترف بأن اتفاق الصندوق تضمن برنامجاً للإصلاحات سيحمل المصريين أعباء غير مسبوقة
  • وصاية جديدة.. الدائنون الدوليون والإقليميون سيلعبون دورا حاسما في القرار الاقتصادي والسياسي المصري
  • آثار قرض الصندوق ظهرت بسرعة على السوق المصري بعد التعويم الثالث للجنية  ورفع أسعار الفائدة 2%
  •  هبوط الجنيه مقابل العملة الأمريكية و ارتفاع أسعار الذهب والوحدات السكنية بنسَب تزيد على 10%
  • قفزة كبيرة في أسعار السلع الكهربائية والإلكترونية وصلت إلى 25% والمستوردة بنسبة لا تقل عن 20%  
  • الرئيس مرسي رفض الخضوع  لمطالب صندوق النقد  وفشلت المفاوضات  بين الطرفين في عام 2012
  • ساند الصندوق السيسي منذ بداية انقلابه ومنحه قروضا بـ  25.8 مليار دولار بعد رضوخه لكل الشروط
  • السيسي حول مصر إلى دولة متسولة وبات الدين الخارجي أكثر من 170 مليار دولار والداخلي 5 تريليون جنيه   
  • القروض دمرت الطبقة المتوسطة وأغرقت أكثر من 70 مليون في الفقر منهم 30 مليون لايجدون غذاءهم
  • مصر أصبحت  أكبر مصدر للديون السيادية بين الأسواق الناشئة في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا
  • "رويترز" رصدت علامات تقليدية  للدول التى غرقت في الإفلاس ومنها مصر وتونس ولبنان
  • "بلومبيرج": مصر ضمن 5  دول في القائمة الحمراء المعرّضة للخطر  باعتبارها مهدَّدة بالتخلف عن السداد
  • الاقتراض الخارجي زاد نصيب الفرد من الديون إلى 900 دولار للفرد.. ومصر تسلك مهددة بالدمار  

 

إنسان للإعلام- خاص:

واصل السيسي إغراق مصر في وحل الاقتراض من صندوق النقد،  مما سيرتب علي البلاد مجموعة من  التبعات ستؤدي لإغراق سفينة الاقتصاد المصري، وتدمر حياة المصريين وتهديد مصر وجوديا.

أعلنت حكومة السيسي مؤخرا حصولها على تمويلات دولية إجماليها 9 مليارات دولار، وذلك من خلال  اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي على مستوى الخبراء، للحصول على قرض جديد من الصندوق بقيمة 3 مليارات دولار، بالإضافة إلى مليار دولار من صندوق الاستدامة والمرونة، و5 مليارات من الشركاء الدوليين، وهو ما يفتح الباب لفرض وصالة دولية على مصر والتحكم في قرارها السياسي والاقتصادي.

ومن خلال السطور التالية نفتح ملف الآثار المترتبة على القروض المتتالية لمصر من صندوق النقد على الاقتصاد المصري، وعلى معيشة المصريين، والآفاق المستقبلية الاقتصادية لهذا الوطن المكلوم، بعد هذا القرض الأخير.

خفايا القرض الجديد

أعلنت مصر، الخميس قبل الماضي،  أنها ستحصل على تمويلات إجمالية قيمتها 9 مليارات دولار، بينها 3 مليارات، ضمن برنامج تمويل من صندوق النقد الدولي، وذلك بعد وقت قصير جداً من قرار البنك المركزي رفع الفائدة واتخاذ خطوة جديدة لتعويم سعر الجنيه.

وقالت رئيسة بعثة الصندوق، إيفانا هولار، إن الاتفاق مع مصر يمتد إلى 6 أشهر بتكلفة 3 مليارات دولار، ويهدف إلى تمويل الموازنة المصرية، وتوفير تمويل للشركاء الدوليين والمحليين، في مواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية.

وأضافت هولار، في كلمتها، أن مجلس إدارة الصندوق سينظر في الاتفاق قريباً، موضحة أن "الأزمة الروسية الأوكرانية سبّبت أزمات في مختلف دول العالم، ومن بينها مصر".

وأكملت أن "صندوق النقد عمل مع السلطات المصرية على إجراء تعديلات هيكلية، من أجل الوصول إلى التزام أقوى في ما يخص تعديلات الاقتصاد الكلي، في ضوء الضغوط والتحديات الدولية"."1"

ومن اخطر مانص عليه أتفاق قرض صندوق النقد الجديد في   بيانه الرسمي إن شركاء مصر الدوليين والإقليميين سيلعبون دورا حاسما في تسهيل تنفيذ سياسات الإصلاح بمصر دون توضيح من هم وما هو دورهم.

وقال الصندوق: “نتطلع إلى تزويد مصر بميزان المدفوعات ودعم الميزانية مع تحفيز تمويل إضافي من شركاء مصر الدوليين والإقليميين للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي ، ومعالجة الاقتصاد الكلي. الاختلالات والتداعيات من الحرب في أوكرانيا ، وحماية سبل العيش، ودفع الإصلاحات الهيكلية والحوكمة العميقة إلى الأمام لتعزيز النمو الذي يقوده القطاع الخاص وخلق فرص العمل”.

أضاف صندوق النقد: “يرحب فريق صندوق النقد الدولي بالإجراءات التي اتخذتها السلطات مؤخرًا لتوسيع الحماية الاجتماعية المستهدفة، وتنفيذ نظام سعر صرف مرن دائم، والتخلص التدريجي من الاستخدام الإلزامي لخطابات الاعتماد لتمويل الواردات، فضلاً عن التزامها الثابت بمعالجة التعديلات اللازمة على مستوى الاقتصاد الكلي وتنفيذها أجندة طموحة للإصلاح الهيكلي وسط خلفية عالمية صعبة.

وقال البيان:” إن السياسة المالية للحكومة ستركز في إطار اتفاق التمويل على خفض الدين الحكومي العام واحتياجات التمويل الإجمالية. وسيتم دعم الضبط المالي المستمر من خلال تنفيذ استراتيجية الإيرادات الحكومية متوسطة الأجل (MTRS) التي تهدف إلى تحسين كفاءة وتدرجية النظام الضريبي”.

وأضاف صندوق النقد:”تهدف التسهيلات أيضًا إلى إطلاق إمكانات النمو الهائلة في مصر من خلال توسيع وتعميق الإصلاحات الهيكلية والإصلاحات الحكومية. وسيتضمن البرنامج سياسات لإطلاق العنان لنمو القطاع الخاص، بما في ذلك عن طريق الحد من تأثير الدولة ، واعتماد إطار تنافسي أكثر قوة ، وتعزيز الشفافية ، وضمان تحسين تيسير التجارة. كما تخطط السلطات لتوسيع التحويلات الاجتماعية المستهدفة وتعزيز الإنفاق على المساعدة الاجتماعية والصحة والتعليم. وستكون تدابير الإصلاح هذه حاسمة لمعالجة القيود طويلة الأمد التي تعوق النمو الأعلى والأكثر استدامة والأكثر شمولاً في مصر”."2"

وفي يونيو 2022 وقعت مصر اتفاقية قرض مع صندوق النقد،  بقيمة 5.2 مليار دولار وهو مرتبط بتنفيذ مصر برنامج جديد مدته 12 شهرا ، وكان  القرض ضمن حزمة تمويل طلبتها مصر من الصندوق من أجل مواجهة تداعيات انتشار فيروس كورونا.

مصر بهذا القرض حصلت على تمويل بقيمة إجمالية حوالي 8 مليارات دولار من صندوق النقد مؤخرا،  كان من المفترض ان يصرف القرض  وقتها على دعم الإنفاق على الصحة والجوانب الاجتماعية، ويحسن الشفافية المالية ويدفع المزيد من الإصلاحات لتحفيز النمو الذي يقوده القطاع الخاص وخلق فرص العمل."3"

وفي مايو 2022 وافق مجلس إدارة صندوق النقد الدولي   على منح مصر قرض طارئ بقيمة 2,77 مليار دولار لمساعدة البلاد على التعامل مع وباء كوفيد-19، وقال الصندوق في بيان وقتها إن مصر شهدت "تحولا ملحوظا" في برنامجها الإصلاحي الاقتصادي المدعوم من الصندوق نفسه."4"

آثار فورية للقرض

ظهرت الأثار الفورية لقرض صندوق النقد الجديد ، حيث رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة 2%، واعتمد سعر صرف مرن للجنيه في تعويم ثالث له، وقفز سعر الدولار في البنوك المصرية الخاصة من 19 جنيها و70 قرشا إلى نحو 24 جنيها و30 قرشا

و أعلن البنك المركزي المصري  ، قواعد جديدة تسمح للبنوك بالقيام بعمليات الصرف الآجلة للشركات بشرط أن يكون الغرض منها تغطية مراكز العملاء الناتجة عن اعتمادات مستندية أو تسهيلات موردين."6"

ومن الأثار المباشرة للتعويم الثالث ، فقد الجنيه المصري نحو 20% من قيمته،  وسط توقعات باستمرار المضاربة على العملة الأميركية حتى تصل إلى أعلى سعر لها، والذي من المرجح أن يكون في حدود 25 جنيهاً .

وصاحب انخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية ارتفاع في سعر الذهب بطبيعة الحال، والذي قفز من 975 جنيهاً إلى 1024 جنيهاً للغرام (عيار 18)، ومن 1138 جنيهاً إلى 1195 جنيهاً للغرام (عيار 21)، ومن 1300 جنيه إلى 1368 جنيهاً (عيار 24)، في حين سجل سعر الجنيه الذهب 9560 جنيهاً، والذي يزن 8 غرامات من عيار 21، مقارنة بـ9120 جنيهاً قبل تراجع العملة المحلية.

في موازاة ذلك، رجح خبراء في مجال العقارات ارتفاع أسعار الوحدات السكنية في مصر بنسَب تزيد على 10%، سواء للوحدات مكتملة البناء أو التي لا تزال تحت الإنشاء، بفعل الانخفاض الحاصل في قيمة الجنيه، ورفع أسعار الفائدة، وما صاحبه من زيادة مباشرة في سعر الحديد والإسمنت،

كذلك شهدت أسعار السلع الكهربائية والإلكترونية قفزات كبيرة في الساعات الماضية، حيث تراوحت الزيادة في أسعار الأجهزة الكهربائية المستوردة، والهواتف المحمولة، ما بين 15% و25%، مع امتناع العديد من المتاجر الكبرى عن البيع، خصوصاً في العاصمة القاهرة، وذلك بحجة إعادة التسعير لارتفاع سعر الدولار رسمياً.

أيضاً ارتفعت أسعار السلع الغذائية، ولكن بصورة طفيفة، وتراوحت ما بين 5% و7% في منتجات الألبان والجبن، والتي تَدخل في صناعتها ألبان وزيوت نباتية مستوردة من الخارج، وهي نسبة مرشحة للزيادة مع الارتفاع المرتقب في أسعار جميع السلع الأساسية، مثل اللحوم والأسماك والدواجن والبيض والأرز والعدس والفول والحبوب والسكر والبن والشاي.

وتوقع رئيس لجنة التموين في شعبة المستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية، متى بشاي، ارتفاع أسعار السلع المستوردة في السوق المحلية، بنسبة لا تقل عن 20% خلال أسابيع قليلة، ارتباطاً بتراجع سعر الجنيه مقابل الدولار."7"

تاريخ أسود للصندوق

وتجربة صندوق النقد مع ذات تاريخ أسود ، حيث بدأت منذ عهد الملك فاروق عام 1945 بانضمام مصر للصندوق للاستفادة من التعاون الاقتصادي مع الدول الأخرى ثم تطورت لطلب مستمر للقروض حتى اليوم.

إلا أن بداية العلاقة المالية وبرامج الإصلاح الاقتصادي كانت في عام 1977، عندما تقدمت مصر بطلب برنامج إصلاح اقتصادي للحصول على قرض مالي بقيمة 185.7 مليون دولار ولم تحصل عليه.

 ويعود تعثر القرض حينها، إلى مجموعة إجراءات اقتصادية اتبعتها القاهرة الأسواق المحلية، شملت زيادات أسعار، دفعت المصريين للنزول إلى الشارع.

بينما في عام 1987، تقدمت مصر للحصول على قرض بقيمة 375 مليون دولار، في حكومة عاطف صدقي، وحصلت عليها فعلا وتم استخدامه لتقوية السوق والبورصة.

بينما في عام 1996، تقدمت مصر للحصول على قرض آخر بقيمة إجمالية 434 مليون دولار، لكنها لم تسحب منه أية شريحة، واعتبر لاغيا، وفي ذلك العام، طلبت مصر قرضا احتياطيا، لكن الظروف المالية والاقتصادية للبلاد جنبها السحب من التمويل المقدم من جانب الصندوق.

وفي عام 2012، خلال فترة الرئيس الشهيد محمد مرسي، طلبت مصر رسميا قرضا بقيمة إجمالية 4.8 مليارات دولار، واستمرت المناقشات حتى مطلع عام 2013، إلا أن صندوق النقد الدولي رفض البرنامج،  للضغط على الرئيس مرسي وقتها، واعتبر أن السياسات المنقسمة في مصر والانتخابات البرلمانية التي تلوح في الأفق حينها، يعني أن أي وعود قدمها الرئيس مرسي لصندوق النقد الدولي بشأن خفض الدعم وخفض الإنفاق الآخر الذي يُطالب به كجزء من الحزمة، لا يمكن تنفيذها ، لكن السياسة المصرية في ذلك، لم تكن مواتية وأدت إلى شل فكرة “الإجماع الوطني” حول أي شيء، ما دفع الصندوق للتأكيد على رفض التمويل."8"

ومع قدوم السيسي للحكم، لم يسلك إلا طريق الاستدانة  لتنفيذ كل ما يستهدفه من مشروعات لم تعد بالجدوى على الشعب المصري، وتعاقد مرات عدة مع صندوق النقد الدولي ، ففي عام 2016، وبالتحديد نوفمبر/ تشرين ثاني، وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على عقد اتفاق ممدد مع مصر لفترة ثلاث سنوات.، بقرض قيمته 8.579 مليارات وحدة حقوق سحب خاصة (حوالي 12 مليار دولار، أو 422% من حصة عضويتها)، لدعم البرنامج الذي وضعته السلطات المصرية لإصلاح الاقتصاد.

وفعلا، تمكنت مصر من الحصول على جميع شرائح القرض الممتد على مدار 3 سنوات، سبقه حزمة إجراءات اقتصادية، أبرزها تعويم الجنيه.

وفي مارس/آذار 2022،اتجهت حكومة  السيسي  مجددا إلى صندوق النقد الدولي بحثا عن برنامج إصلاح اقتصادي جديد، قد تسبق الموافقة عليه رزمة إجراءات سيطلبها الصندوق، مرتبطة برفع الدعم على وجه الخصوص.

وحسب تقرير للأناضول بلغ إجمالي القروض التي طلبتها مصر في عهد السيسي من صندوق النقد الدولي 25.8 مليار دولار، أكبرها في 2016 بقيمة 12 مليار دولار؛ لكن المبالغ التي حصلت عليها فعلا، بلغت 20.37 مليار دولار."9"

السيسي حول مصر لدولة متسولة

وفي عهد السيسي باتت مصر أسيرة معادلة الاقتراض الدائم، لتمويل سداد ديونها السابقة مع فوائدها، وأصبحت بحسب الوصف "دولة متسوّلة"، يعتمد اقتصادها أكثر من أي وقت مضى على الدعم الأجنبي، وخاصة القروض وقد بلغ حجم الدين الخارجي اكثر من  170مليار دولار حاليا . 

كما أعلن البنك المركزي المصري تهاوي صافي الاحتياطات من النقد الأجنبي في شهر واحد فقط بمقدار 2.120 مليار دولار، لتصل إلى 33.375 مليار دولار بنهاية يونيو/ حزيران 2022، وتتوقع الموازنة العامة الجديدة أن تسجّل عجزًا قيمته 30 مليار دولار، وبلغ معدل التضخم خلال يونيو/ حزيران الماضي 14.7% على أساس سنوي، مقابل 5.3% للشهر ذاته من العام الماضي، وهو أعلى مستوى منذ عام 2019.

وتتوقع مؤسسة "ستاندرد آند بورز" المالية أن تصبح مصر أكبر مصدر للديون السيادية بين الأسواق الناشئة في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، حيث ستبلغ إصدارات مصر من السندات 73 مليار دولار خلال العام الحالي مقابل 63 مليار دولار العام الماضي، ورغم أن مصر تتطلع للحصول على أكثر من 20 مليون دولار من دول الخليج لكن باعتراف السيسي فشلت مصر في ذلك .

وكانت مشاريع السيسي "الفنكوشية"  السبب الرئيسي لما وصلت له الحالة الاقتصادية بمصر، وأولها ما يُطلق عليه "قناة السويس الجديدة" التي وصلت تكلفتها إلى 8 مليارت دولار، لكنها لم تحقق الزيادة الهائلة التي توقعها السيسي في العائدات المالية، حيث ارتفعت رسوم العبور إلى 5.8 مليارات دولار فقط عام 2020، مقارنة بـ 5.6 مليارات دولار عام 2017، ليرثَ المصريون من هذا المشروع المتعثّر ديونًا ضخمة تُضاف إلى سابقاتها، وبات لزامًا على الحكومة أن تؤمّن سداد سندات الدين التي أصدرتها لتمويل المشروع، بنسبة فائدة قاربت الـ 12% سنويًّا.

تكرّرَ سيناريو المشاريع عديمة الفائدة مع مشروع "العاصمة الإدارية الجديدة" والذي من المتوقع أن تصل تكلفتها اكثر من 50 مليار دولار، و تكلفة المرحلة الأولى وحدها 25 مليار دولار، وقد موّلت مصر هذا المشروع عبر الاقتراض مجددًا من المصارف والمؤسسات المالية الأجنبية، لكن الشكوك ما زالت تحيط به من ناحية العوائد الاقتصادية المتوقعة، والتي قد تنتهي بتكرار سيناريو "قناة السويس الجديدة".

وتشمل القائمة عمليات الاستحواذ التي يبدو أن معظمها يضيف قيمة رمزية وليست اقتصادية، ومنها صفقات الأسلحة التي لا تُعرف قيمتها الحقيقية، ولكنها جعلت البلاد من بين أكبر المشترين للأسلحة في العالم، وإنشاء مفاعل نووي بقيمة 25 مليار دولار لإنتاج الطاقة في بلد به فائض في الكهرباء، والعديد من أكبر المشاريع المقرونة بصفة التفضيل في أفريقيا أو حتى في العالم، بدءًا من أطول مبنى وأكبر كنيسة في القارة إلى أكبر مزرعة سمكية في العالم.

وبحسب وصف الباحث في المعهد الإيطالي للشؤون الدولية، روبرت سبرينغبورغ، في دراسة بعنوان "تَتَبّعْ مسار المال لتعرف حقيقة مصر السيسي"، فإن حكومة السيسي تتصرف كما لو كانت تترأّس دولة ريعية غنية بالنفط مثل دول الخليج، أو دولة تجارية تستفيد من ميزان تجاري مستدام يغذّيها توسيع الصادرات المصنَّعة مثل الصين، رغم أنها ليست كذلك، والواقع أن النموذج الذي تتبنّاه الدولة يتطلب موارد اقتصادية لا تتناسب إطلاقًا مع قدرة الاقتصاد على توفيرها. 

هكذا، كان هذا النوع من المشاريع الطموحة سببًا في تراكم الديون والالتزامات المالية التي تورّطت بها الدولة، واستنزفت مداخيلها.

وفي يوليو/ تموز الماضي، أعدّت وكالة "رويترز" تقريرًا رصدت فيه علامات تقليدية تنطبق على عدة دول أصبحت في دائرة خطر الإفلاس، ومن هذه الدول 3 دول عربية ضمن البلدان الأكثر عرضة للإفلاس، وهي مصر وتونس ولبنان.

وفي أحدث تقرير لها عن الوضع الاقتصادي والمالي والمصرفي لـ 50 دولة، متأثرة بالحرب الروسية على أوكرانيا، صنَّفت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية 5 دول في القائمة الحمراء المعرّضة للخطر، باعتبارها مهدَّدة بالتخلف عن سداد ديونها الخارجية، ما يعني أنها لن تعود قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية لدائنيها، من بين هذه الدول دولتان عربيتان: مصر وتونس.

ويضيف التقرير أن مصر، وهي واحدة من الدول الأعلى مديونية، مدينة بنحو 4 مليارات دولار من الديون الخارجية المستحقة في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2022، وفي الوقت نفسه تشمل مدفوعات الديون الخارجية التي بلغت قرابة 16 مليار دولار في 2022-2023 ما يقارب الملياري دولار مستحقة لصندوق النقد الدولي، ما يضع البنك المركزي المصري تحت ضغط شديد لتوفير الدولار بشكل عاجل لإيفاء مستحقات الديون.

ومن المتوقع أن تضطر مصر إلى سداد 100 مليار دولار من الديون بالعملة الصعبة على مدى السنوات الخمس المقبلة (بحلول عام 2027)، ستذهب إلى صندوق النقد الدولي أو الاتفاقات الثنائية، ومعظمها مع دول الخليج، بما في ذلك سندات ضخمة بقيمة 3.3 مليارات دولار في عام 2024، وفقًا لفرانسيسك بالسيلس، رئيس قسم المعلومات لديون الأسواق الناشئة لدى شركة إدارة الأموال "إف آي إم بارتنيرز".

وتشير الأرقام إلى أن هذا الوضع المتردي  المرّ مجرد مقدمة لغضب شعبي بعد أيام أمرّ، حيث تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في مصر حوالي 95%، أما الدين الخارجي فشهد معدلات ارتفاع متسارعة في السنوات الماضية، إذ قفز من نحو 35 مليار دولار فقط عام 2011، إلى أكثر من 170 مليار دولار.

وكشفت بيانات البنك الدولي أن تلك الزيادة تعود إلى زيادة نسبة الودائع قصيرة الأجل، وكانت السعودية قد أودعت 5 مليارات دولار لدى البنك المركزي المصري في شهر مارس/ آذار الماضي، وقالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني إن الإمارات أودعت أيضًا 3 مليارات دولار، وتمثل الودائع الخليجية موردًا مهمًّا للتمويل في ظل موجة خروج استثمارات الأجانب من أذون وسندات الخزانة منذ بداية العام الحالي.   

ووفق هذه الأرقام، فإن الديون الخارجية لمصر ترتفع بقيمة 11 مليار دولار سنويًّا خلال السنوات العشر الماضية، وقد اتّسع الفارق بين الدين الخارجي والاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي المصري بشكل كبير خلال هذه السنوات، إذ تراجع بشكل حاد إلى نحو 37 مليار دولار بنهاية مارس/ آذار 2022.

هذه الديون السيادية المتداوَلة عند مستويات متعثرة خلال الأشهر الماضية، تصعّب مهمة المستثمرين الأجانب الذين يرون بلدانًا كمصر تتخلف عن سداد ديونها، ما يدفعهم للانسحاب من السوق المصري، من ناحية أخرى غالبًا ما تؤدّي الأزمات التي تحدث في البلدان التي تعاني من أزمات اقتصادية مستفحلة، إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية وانهيار في الاقتصاد والحكومات. "10"

السيسي نجح بجدارة في  إغراق مصر في وحل الديون ، حيث  أكد تقرير لـ«المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، أنه ارتفعت في مصر وتيرة الزيادة السنوية في الاقتراض الخارجي بالتزامن مع اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي، الذي يقضي بحصول مصر على قرض قيمته 12 مليار دولار، حيث زاد الدين بأكثر من الضعف خلال الفترة ما بين عامي 2017 و2020 ».

وأوضح التقرير، الذي حمل عنوان «الدين الخارجي 2020: كورونا ترفع الاستدانة»، أن الدين ارتفع بما يقرب من أربعة أضعاف عن مستواه في عام 2010 وبلغت نسبته حوالى 35٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، في مقابل 15٪ في 2010.

ولفت إلى أن التسارع في الاقتراض الخارجي زاد نصيب الفرد من الديون بأكثر من الضعف، ليصل إلى حوالى 900 دولار للفرد مقابل 400 فقط في نهاية العقد الأول من القرن الـ21.

وأوضح التقرير أن أهم أدوات الاقتراض هذا العام تمثلت في أذون الخزانة المملوكة لغير المقيمين في مصر، وهي قروض بالجنيه المصري واجبة السداد خلال أقل من سنة، وبلغت قيمتها 26 مليار دولار في يناير/ كانون الثاني 2021، ورغم أن هذه القروض لا تندرج تحت الرقم الإجمالي للدين الخارجي، فمن الضروري إضافتها إليه عند تقييم الوضع الخارجي لأن حائزيها غير مقيمين وسدادها يتم بالدولار، ومن ثم تمثل عبئا على سوق الصرف.

وتابع: كان الأجانب تخلصوا من 60٪ من أذون الخزانة التي اشتروها من السوق المصرية أثناء الإغلاق الجزئي في الفترة بين مارس/ آذار، ومايو/ أيار 2020، بسبب التخوف من الأخطار الاقتصادية التي قد تصيب العالم مع انتشار جائحة كورونا، ما أدى إلى خروج موارد دولارية، تقدر تقريبا بـ 18 مليار دولار، غير أن ارتفاع أسعار الفائدة التي تقدمها السلطات المصرية سرعان ما أغرى الأجانب بالعودة إلى إقراض الحكومة عن طريق شراء أذون الخزانة، سعيا وراء ارتفاع الأرباح (رغم تصنيف مصر كبلد مرتفع المخاطر، إلى جانب جنوب أفريقيا وتركيا) حيث تمنح مصر واحدا من أعلى معدلات العائد الحقيقي على أذون الخزانة في العالم.

وحسب التقرير: تضطر مصر بسبب سداد تلك المبالغ الكبيرة سنويا، إلى إعادة تدوير ديونها، أي إعادة الاقتراض من أجل السداد، ما يطرح أسئلة عن هشاشة الاقتصاد المصري وإلى أي مدى تمت تقوية قدراته خلال تلك السنوات العشر التي زادت فيها القروض بهدف أن يصبح أكثر قدرة على مواجهة وامتصاص الصدمات، دون الاعتماد بشكل أساسي على الاقتراض الخارجي."11"

الآثار المتوقعة على مصر

ومع حصول مصر على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، تزداد مخاوف المواطنين من ارتفاع معدل الديون الخارجية الذي وصل إلى مستوى غير مسبوق خلال السنوات الماضية، إضافة إلى مخاوفهم من موجات جديدة من ارتفاع أسعار كافة السلع خاصة الغذائية منها، مع اشتراط الصندوق على الحكومة مزيدا من تحرير سعر صرف الجنيه، ما يمهد لتعويم جديد يخفض قيمة الجنيه أمام الدولار.

وأدى انخفاض مستوى الجنيه إلى موجات غير مسبوقة من ارتفاع الأسعار، كان أبرز مشاهدها خلال الأسابيع الماضية، إقدام أصحاب مزارع دواجن على إعدام آلاف الكتاكيت بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف، إضافة إلى وجود أزمة في توافر الأرز في الأسواق، بعدما اعتبرت شركات التعبئة أن الأسعار الجبرية التي وضعتها الحكومة ستؤدي إلى تحقيق خسائر، كما ارتفع أسعار بيض المائدة ليسجل 95 جنيها لطبق البيض، وارتفعت أسعار العيش الفينو ليصل ثمن الرغيف إلى جنيه واحد مع انطلاق الموسم الدراسي، بعدما كان ثمنه نصف جنيه.

ومن الآثار أرتفاع اسعار الكهرباء اكثر من 14 مرة وموارد الطاقة اكثر من 18 مرة ، خلال السنوات الستة الماضية.

 ومن الأثار المباشرة لقروض صندوق النقد تخصيص اكثر من نصف الميزانية لسداد الديون وفوائدها .

ومن الآثار الاجتماعية تذويب الطبقة المتوسطة، وإغراق أكثر من 70 مليون مصري في الفقر بدرجاته المختلفة، منهم 30 مليون لايستطيعون تدبير متطلباتهم الغذائية، بحسب ماقاله الخبير الاقتصادي محمود وهبة .

هذا الوضع المتأزم الذي يضيق مساحة الإنفاق العام على مجالات مختلفة تعود بالنفع على المواطنين، يدعو إلى إعادة النظر في السياسات المعتمدة على الاستدانة كمصدر رئيسي للتمويل. فعلى الرغم من كم البيانات الحكومية المتاحة، إلا أنه يلاحظ أنها تتسم أكثر فأكثر بعدم الاتساق وعدم الترابط وعدم الانتظام في النشر، وهي كلها من علامات نقص الشفافية."12"

المصادر

  1. "9 مليارات دولار قروضاً جديدة لمصر بينها 3 من صندوق النقد الدولي"، العربي الجديد، 27 أكتوبر 2022، https://cutt.us/WUDvY
  2. "صندوق النقد يتحدث عن دور دول إقليمية في الإصلاح الاقتصادي بمصر"، موقع رصد  ، 28 أكتوبر 2022 ، https://rassd.com/520387.htm
  3. "10 معلومات عن قرض صندوق النقد الجديد لمصر بقيمة 5.2 مليار دولار" ، موقع مصراوي ، 06 يونيو 2020، https://cutt.us/Q6UpB
  4. "النقد الدولي يمنح مصر قرضا بقيمة 2,77 مليار دولار لاحتواء وباء كورونا" ، فرانس24، 12/05/2020،   https://cutt.us/4Y0wu  
  5.  "الجنيه المصري يهوي إلى أدنى مستوياته بعد رفع أسعار الفائدة 2%" ، العربي الجديد، 27 أكتوبر 2022، https://cutt.us/epTg4
  6. "الجنيه المصري يفقد 15.7% من قيمته.. والدولار يسجل 22.75 في البنوك أسواق" ، العربي الجديد ، 27 أكتوبر 2022، https://cutt.us/xPWtS
  7.  " الدولار يرفع أسعار الذهب والعقارات والسلع الغذائية والأجهزة الكهربائية" ، العربي الجديد، 28  أكتوبر 2022، https://cutt.us/Ntmo0
  8. "مصر وصندوق النقد الدولي قصة بدأت منذ العام 1945" ، موقع رصد ، 26 مارس 2022، https://rassd.com/511300.htm
  9. "مصر وصندوق النقد.. رحلة برامج إصلاح عمرها 45 عاما " ، وكالة الاناضول ، 25|3|2022 ،    https://cutt.us/nPLVc
  10. إسراء سيد، "دوامة الديون الخارجية.. كيف حوّل السيسي مصر إلى دولة متسولة؟"، نون بوست  ، 12 | 10|2022 https://www.noonpost.com/content/44942
  11.  "ديون مصر ترتفع أكثر من 3 أضعاف في عهد السيسي"، موقع نافذة مصر، الثلاثاء 12 أكتوبر 2021، https://cutt.us/7kxoq
  12. تامر هنداوي ، "تداعيات مرتقبة لحصول مصر على قرض من صندوق النقد الدولي" ،القدس العربي ، 19 - أكتوبر – 2022، https://cutt.us/n7nFY