السيسي تلاعب بالمؤسسة العسكرية في عام 2021
الجمعة - 31 ديسمبر 2021
في ختام عام 2021 نرصد تلاعب الجنرال عبد الفتاح السيسي بالمؤسسة العسكرية، ومواصلته الإطاحة بقيادات المجلس العسكري، وعقده صفقات شراء سلاح غير مسبوقة لشراء ود الغرب وضمان صمتهم عن انتهاكاته، واستمراره في عسكرة الوظائف المدنية بشكل موسع، كما نرصد مواصلته هو ورجاله بناء القصور الفخمة، كما نرصد فساد مستشاريه من اللواءات الذي فضح جريمة نهب المال العام .
على الرغم من التقارير الحقوقية الموثقة باستمرار انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، والتي يمارسها الجيش والشرطة ضد المدنيين، إلا أن القاهرة نجحت بعقد عدد من صفقات الأسلحة مع الولايات المتحدة ودول أوروبية خلال 2021، آخرها كان قبل أيام من نهاية العام مع ألمانيا، وقبل رحيل المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.
وتثار تساؤلات حول عدم قيام أوروبا والولايات المتحدة، بالتوقف عن عقد صفقات مع نظام السيسي، رغم الاعتراض على ملف حقوق الإنسان بمصر
وفيما يلي أبرز الصفقات التي عقدت عام 2021:
صفقة أسلحة ألمانية
قبل يوم واحد من مغادرتها منصبها كمستشارة لألمانيا، وافقت حكومة ميركل على صفقتي أسلحة لمصر، ويأتي هذا رغم انتقادات ألمانية بسبب ملف حقوق الإنسان، خاصة تورط القاهرة باضطرابات الأوضاع باليمن وليبيا، ونأت الحكومة الألمانية الجديدة التي يرأسها "أولاف شولتس" بنفسها عن هذا القرار، إلا إنها التزمت بتنفيذه والمضي قدما فيه.
وتشمل صفقتا الأسلحة الألمانية الأخيرة لمصر توريد شركة "تيسن كروب" الألمانية للأنظمة البحرية ثلاث فرقاطات من طراز "ميكو إيه 200- إي إن" إلى مصر، بالإضافة لتوريد شركة "ديل ديفينس" الألمانية 16 نظام دفاع جوي من طراز "إيريس-تي إس إل إس/إس إل إكس" إلى مصر.
في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أعلنت وكالة الأنباء الألمانية أن مصر جاءت ضمن قائمة أهم الدول الحاصلة على تصاريح لتوريدات أسلحة من الحكومة الألمانية خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري.
وبلغت قيمة إجمالي تصاريح بيع أسلحة ألمانية إلى مصر منذ بداية 2021 حتى نهايته، 181,1 مليون يورو. رغم أن عدد من النواب بالبرلمان الألماني "البوند ستاغ" انتقدوا صفقات بيع السلاح إلى مصر، معتبرين أن التصريح بصادرات أسلحة لها رغم الانتقادات الحقوقية الموجهة إليها، يعبر عن "ازدراء لسياسة خارجية يفترض أنها قائمة على أساس القيم".
صفقة أسلحة روسية
في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أشارت صحف عربية إلى اتفاق مصري روسي على استكمال صفقة المقاتلات الروسية "سوخوي 35"، والتي عُقدت 2018، ووصلت منها 5 طائرات لمصر، وتضمن الاتفاق الإسراع بوصول 12 طائرة خلال العام 2022، ثم بحث وصول 12 أخرى خلال 2023، ليكون الإجمالي 24 طائرة، وطلبت مصر إمداد الدفعة الجديدة ببعض البرامج الإضافية الخاصة بقدرات الحرب الإلكترونية
يذكر أن مصر أنفقت 15 مليار دولار بين 2014 و2017 على التسليح، 60 % منها على الأسلحة الروسية، ولاحقا اتجهت مصر لأوروبا لتستورد 43 % أسلحتها منها، ثم الولايات المتحدة وروسيا.
صفقة أسلحة فرنسية
في 3 أيار/ مايو 2021، أعلنت وزارة الدفاع المصرية توقيعها عقدا مع فرنسا لشراء 30 طائرة مقاتلة من طراز رافال، في صفقة تبلغ قيمتها 3.75 مليار يورو (4.5 مليار دولار)، ومن المقرر أن تمول مصر الصفقة من خلال قرض تصل مدته كحد أدنى إلى 10 سنوات.
وشمل الاتفاق بين فرنسا ومصر عقودا من شركة صناعة الصواريخ (إم.بي.دي.إيه) وشركة "سافران" للإلكترونيات والدفاع لتوريد عتاد بقيمة 200 مليون يورو أخرى.
وتعد فرنسا مورد الأسلحة الرئيسي لمصر بين 2013 و2017، في صفقات شملت بيع 24 طائرة حربية، علاوة على إمكانية بيع 12 أخرى
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أكد في ٧ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠٢٠ أنه لن يجعل بيع الأسلحة لمصر مشروطا بحقوق الإنسان، زاعما أنه لا يريد إضعاف قدرة القاهرة على مكافحة الإرهاب في المنطقة، وهو ما رفضته منظمات حقوقية فرنسية ودولية واسعة.
ويعتبر معارضون فرنسيون لهذه الصفقات أن توقيع الحكومة الفرنسية لصفقات أسلحة مع نظام السيسي الذي يقود أسوأ حملة قمع منذ عقود في مصر، ويقضي على مجتمع حقوق الإنسان في البلاد، ويرتكب انتهاكات خطيرة بذريعة مكافحة الإرهاب، هو تشجيع من فرنسا لهذا القمع.
"صفقة القرن" العسكرية مع إيطاليا
28 نيسان/ أبريل 2021، كشفت وكالة الأنباء الإيطالية أن مصر أكدت مكانتها للسنة الثانية على التوالي كمشتر رئيسي لأنظمة الأسلحة التي تصدرها شركات التصنيع العسكري الإيطالية.
وفي انتقادات إيطالية للصفقة، قالت وقتها "شبكة السلام ونزع السلاح الإيطالية" إن شؤون التسليح مع حكومة الانقلاب بقيادة السيسي لا تزال مزدهرة، على الرغم من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وعدم التعاون بقضيتي مقتل الباحث الإيطالي "جوليو ريجيني"، واعتقال طالب الدراسات العليا في جامعة بولونيا الإيطالية باتريك جورج زكي.
وأشارت "شبكة السلام الإيطالية" إلى أن تصاريح التراخيص الجديدة تؤكد أن مصر هي الدولة المتلقية لأكبر عدد من التراخيص، حيث ارتفعت حصتها إلى 991.2 مليون يورو (أكثر بـ120 مليون يورو)، بفضل رخصة بيع فرقاطتي شركة (Fremm)، البالغة قيمتها نحو 1.1 مليار دولار.
وستمول مصر صفقتها مع إيطاليا، من خلال عقد تم توقيعه بين وزارة الدفاع المصرية، وهيئة تنمية الصادرات الإيطالية "ساسي"، ومجموعة المصارف ومؤسسات التمويل الإيطالية، لتمويل جزء من الصفقة على مراحل، بنحو 500 مليون يورو؛ أي أقل بقليل من نصف القيمة الإجمالية للمرحلة الأولى من صفقة التسليح، وتُقدر الصفقة التاريخية بين مصر وإيطاليا بـ10 مليارات يورو.
صفقة أسلحة أمريكية
في شباط/ فبراير 2021، وافقت الولايات المتّحدة الثلاثاء على صفقة لبيع أسلحة لمصر بحوالي 200 مليون دولار، مؤكدة أنها ستضغط على القاهرة في ملف حقوق الإنسان، لكنها أشارت إلى موافقتها على الصفقة؛ لأنّها تعتبر مصر شريكا استراتيجياً مهمّاً في الشرق الأوسط
ووافقت الولايات المتحدة على بيع 168 صاروخاً تكتيكيا إلى مصر، وجاء الإعلان الأمريكي وقتها بعد إعلان الناشط محمد سلطان، المواطن الأمريكي مصري الأصل الذي اعتقل بمصر وأطلق سراحه بعد تخليه عن الجنسية المصرية، تعرض أقارب له لمضايقات أمنية؛ بسبب رفعه أمام القضاء الأمريكي دعوى يتهم فيها السلطات المصرية بتعذيبه حين كان مسجونا.
السيسي وإقالت مستمرة في الجيش
وعلى مدار العام قام السيسي بتغيرات مستمرة في قيادات الجيش المصري ، طبقا لسياساته التي تستهدف عدم استقرار قياده عسكرية في منصبها، ومؤخرا خلال شهر ديسمبر، قرر عبد الفتاح السيسي، تعيين اللواء أركان حرب «أشرف مجاهد» قائدا جديدا للقوات البحرية، خلفا للفريق أحمد خالد حسن.
كما قرر السيسي، تعيين الفريق المقال أحمد حسن “قائدا للقيادة الاستراتيجية ومشرفا على التصنيع العسكري بدرجة نائب وزير”.
وفي 27 أكتوبر الماضي، قرر السيسي، تعيين الفريق أسامة عسكر، رئيسا جديدا لأركان الجيش، خلفًا للفريق محمد فريد، وتعيين الأخير مستشارا له لمبادرة “حياة كريمة” الرئاسية.
وقام السيسي بإقالة كل قيادات المجلس العسكري من مناصبهم فيما عدا رئيس الشئون القانونية بالمؤسسة العسكرية ، وشهد عامي 2018 و2019 الإطاحة بأكثر من 60 قيادة عسكرية من منصبها ، كما تخلص من شركاء الانقلاب وعلى رأسهم وزير الدفاع السابق صدقي صبحي ، وصهر السيسي ورئيس الأركان محمد حجازي .
العسكر والسلطة .. سيطرة كاملة
ورصد د. خليل العناني أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدوحة للدراسات العليا، عدة حقائق مفزعة عن الحكم العسكري في مصر في عهد السيسي خاصة في العام الماضي ، أبرزها ما يأتي:
السيسي نجح في تمرير أن تكون مصر هي الدولة الوحيدة التي ينص دستورها على أن الجيش هو حامي المدنية والديمقراطية حسب المادة 200 من الدستور المصري التي تنص على أن "القوات المسلحة ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد، والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، وصون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد.." ، وهو وضع يكرّس الوصاية العسكرية على الحياة المدنية في مصر من خلال الدستور، وهو أمر غير موجود في أي دستور آخر، بما في ذلك الأنظمة السلطوية.
في عهد السيسي أصبحت مصر هي الدولة الوحيدة التي ينصّ دستورها على أن وزير الدفاع يجب أن يكون شخصية عسكرية، ولا يعين الا بموافقته والمجلس العسكري ، حسب المادة 201 من الدستور المصري التي تنص على أن "وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، ويعين من بين ضباطها".
السيسي قنن خلال العام الجاري لمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية حسب نص المادة 204 التي تعطي صلاحيات واسعة جداً للقضاء العسكري غير موجودة في أي بلد آخر وبعد تحويل قانون الطوارئ لدائم
في عهد السيسي وظهر خلال العام الماضي بجلاء أن مصر هي الدولة الوحيدة التي يتمتع فيها كبار القادة العسكريين بحصانة قانونية ودبلوماسية، بحيث لا يمكن محاكمتهم عن أية جرائم تورّطوا بها، خصوصاً ما بين عامي 2013 و2016 .
في العام الماضي وكل الأعوام الماضية، مصر لا يعرف شعبها حجم ميزانية جيشها، ولا من أين تأتي هذه الميزانية، ولا كيف تُنفَق وتُصرَف. ولعل المفارقة هنا أن ميزانية الجيش وبقية مؤسسات الدولة تأتي من جيوب المواطنين من خلال الرسوم والضرائب التي يدفعونها، وتموّل أكثر من 70% من الميزانية العامة في مصر، وبالتالي من حق المواطن الطبيعي معرفة كيف تُنفق هذه الضرائب، وما إيرادات الجيش ومصروفاته، وهذا أضعف الإيمان.
عسكرة الدولة كانت واضحة خلال العام الماضي ، ومصر الدولة الوحيدة التي يوجد فيها أكبر عدد من العسكريين السابقين الذين يشغلون وظائف مدنية في كل القطاعات، كالجامعات، والمعاهد القومية، والبحوث، والشركات القابضة، وجمعيات حماية المستهلك، والإذاعة والتلفزيون، إلخ ، وأغلب هذه الوظائف تقدّم في شكل رشىً سياسية ومالية من أجل شراء ولاء العسكريين السابقين للنظام وضمانه، بعد حتى خروجهم من الخدمة. كذلك إن تولي هذه الوظائف لا يتم بشكل مهني محترف على أساس الكفاءة أو الخبرة، بل من خلال علاقات شخصية وزبائنية، وهو وضع غير موجود في أي دولة أخرى سوى مصر
مصر فيها أكبر عدد من المحافظين من القيادات السابقة في الجيش والشرطة (20 لواءً سابقاً من أصل 27 محافظاً، حسب آخر إحصائية عام 2019) معظمهم من الجيش، وذلك في أكبر عملية عسكرة للدولة ومحافظاتها منذ انقلاب 1952.
مصر الدولة الوحيدة التي زادت فيها مرتبات ضباط الجيش والشرطة وعلاواتهم حوالى 15 مرة خلال آخر عشر سنوات
الجيش المصري خلال العام الماضي والأعوام السابقة هو الذي يمتلك إمبراطورية اقتصادية ومالية ضخمة تقدر بمليارات الدولارات. ويشرف على ما يقرب من 2300 مشروع اقتصادي، بدءاً من إنتاج المواد الغذائية، كالمكرونة والخبز والأسماك، وحتى البنية التحتية كالطرق والكباري (الجسور) وإنتاج الحديد ، وهو وضعٌ شاذٌّ وغير موجود في أية دولة أخرى، فالوظيفة الأساسية للجيوش هي الدفاع عن الأمن القومي للبلاد وحماية الحدود، وليس منافسة الشركات المدنية والقطاع الخاص في المجالات والأنشطة الاقتصادية كافة.
على مدار العام الماضي وكسابقه من الأعوام لا يوجد أي نوع من الرقابة والمحاسبة على هذه الإمبراطورية المالية والاقتصادية الضخمة للجيش المصري، سواء رقابة برلمانية أو شعبية أو قضائية. ولا يعلم أحد شيئاً عن هذه الإمبراطورية، ولا توجد أية سلطة رقابية عليها، بما فيها الجهاز المركزي للمحاسبات الذي يراقب كل الأنشطة الاقتصادية والمالية في مصر.
موقع بريطاني: السيسي وجنرالاته يتنعمون في القصور والطائرات الفخمة ويطالب الفقراء بالتقشف
وتقرير لموقع "التايمز " البريطاني أكد أنه في الوقت الذي شدد السيسي على ضرورة التقشف، وجدناه وجنرالاته على مدار العام يتنعمون بالسلطة والمال، ففي الوقت الذي أصدر السيسي قرارا مفاجئا بوقف منح بطاقات دعم المواد الغذائية ( بطاقات التموين ) للمتزوجين حديثا، وجدناه قبلها ببضعة أشهر، اشترى طائرة رئاسية عملاقة فخمة من طراز "بوينج بي747-8"، وهي من فئة الطائرات النفاثة "الجامبو"، التي تكلف حوالي 418 مليون دولار لتحل محل طائرة الرئاسة الحالية.
كانت طائرة "السيسي" الجديدة في مخازن بوينج منذ عام 2012 بعد أن ألغت شركة "لوفتهانزا" الألمانية طلب شرائها؛ حيث كانت جزءا من صفقة أبرمتها "لوفتهانزا" مع شركة "بوينج" لتزويدها بـ20 طائرة. وآنذاك، قبلت الشركة الألمانية 19 من هذه الطائرات، ورفضت هذه الطائرة.
ووفقا لموقع "جيرمان فلاج ريفيو" المتخصص في الطائرات، فإن سبب إلغاء شركة "لوفتهانزا" لشراء هذه الطائرة يرجع إلى سببين:
وللمفارقة، فإن قيمة هذه الطائرة أقل بقليل من سعر 14 طائرة اشترتها الرئاسة خلال 30 عاما من حكم الرئيس الراحل "حسني مبارك" (حكم بين عامي (1981 و2011)، وبلغت قيمتها الإجمالية 507 ملايين دولار. فيما امتلك الرئيس الأسبق "أنور السادات" (حكم بين عامي 1970-1981) طائرتين من طراز "بوينج 707" أهداهما له الشيخ "زايد بن سلطان" حاكم الإمارات. كما أعطاه الرئيس الأمريكي الأسبق "جيمي كارتر" طائرة هليكوبتر.
وهذه خامس طائرة رئاسية يشتريها "السيسي" منذ توليه منصبه. وكان قد اشترى سابقا 4 طائرات فاخرة في عام 2016 من طراز "فالكون 7 إكس"، التي تنتجها شركة "داسو" الفرنسية، في صفقة بلغت قيمتها 300 مليون يورو (354 مليون دولار).
منذ عام 2014، شيّد "السيسي" ما لا يقل عن 3 قصور رئاسية جديدة، وأكثر من 10 فيلات رئاسية لتضاف إلى 30 قصرا تاريخيا واستراحات رئاسية تمتلكها مصر بالفعل.
كما بنى "السيسي" في بداية عهده قصرا ثالثا في منطقة الهايكستب العسكرية بالقاهرة. وهو قصر فخم يحتوي على مهبط للطائرات وحدائق خضراء ومباني إدارية. وبجانبه 4 فيلات فاخرة تحتوي على حمامات سباحة خاصة قيل إنها مخصصة لكبار مساعدي "السيسي" العسكريين.
أما فساد الجنرالات فقد تواصل علي مدار العام ، ولعل تسريب عبد الله الشريف مؤخرا ، خير دليل على تصاعد الفساد بين الجنرالات .