"السودان .. الجرح المنسي".. ندوة تكشف فظائع "الدعم السريع" بحق الشعب
الاثنين - 1 يناير 2024
- د. منى صبحي: مأساة السودان بدأت منذ عام 1882على يد الاحتلال البريطاني الذي استهدف تقسيم وادي النيل
- د. حسن سلمان: أمريكا بدأت محاولاتها لإعادة السودان تحت هيمنتها منذ عام 1904 واستثمرت الأزمات الداخلية
- الصادق الرزيقي: ما يحدث في السودان ليس حربا أهلية ولكن حرب إقليمية تهدف إلى السيطرة الكاملة على الدولة
- إيمان فتح الرحمن: قوات الدعم السريع ترتكب جرائم أخطرها التهجير القسري للأسر واغتصاب النساء والبنات القصر
- د. عبدالحي يوسف: الإمارات دولة المؤامرات.. والسودانيون أدركوا أنه لا سبيل للخلاص إلا أن يأخذوا الحق بأيديهم
- د. زينب حسون: الآن جاء دور الأشقاء والعالم لمساندة السودان قبل فوات الأوان.. ولابد من معاقبة المتسببين في الحرب
إنسان للإعلام- خاص:
لتسليط الضوء على معاناة الشعب السوداني الشقيق، وما يحدث من جرائم حرب وقتل وسلب ونهب، ضمن مخططات تقسيم السودان وتدمير مقدراته، وبالتزامن مع التعتيم الإعلامي الذي يزيد المأساة، وبيان دور الأمة وعلمائها ومفكريها تجاهه، نظم "المنتدى العالمي للفكر والثقافة" ندوة، الأحد ٣١ ديسمبر ٢٠٢٣، بعنوان " السودان ..الجرح المنسي"، بحضور نخبة من المثقفين والحقوقيين والإعلاميين والعلماء من السودان وأريتريا ومصر واليمن وليبيا.
افتتحت الندوة د. منى صبحي، مديرة المنتدى، مؤكدة أن مأساة السودان ليست وليدة اليوم، بل بدأت منذ عام 1882على يد الاحتلال البريطاني الذي استهدف تقسيم وحدة وادي النيل بين مصر والسودان.. وظلت المؤامرة مستمرة في تقسيم السودان منذ عام 1956، عندما استلمت أمريكا الملف السوداني، وللأسف يحتفل السودانيون ب 1 يناير 1956 على أنه يوم الاستقلال، ولكنه الخنجر الذي مزق السودان والآن نحصد هذه الويلات .. فهناك تقاطعات بين المصالح الأمريكية والإسرائيلية في القرن الإفريقي، وهناك مطامع في أرض السودان انتهت إلى تمزيق الغرب السوداني متمثلا في " إقليم دارفور"، وتمزيق الجنوب في 2011 باستقلاله وانسلاخه عن السودان، وصولا للأحداث الدامية التي نشهدها اليوم .
لماذا استهداف السودان؟
وفي كلمته، قال الدكتور حسن سلمان، نائب رئيس مجلس علماء إريتريا والمتخصص في الشأن السوداني، أن قضية السودان متشعبة ومتشابكة نتيجة مواقف دول الجوار والإطار الدولي.
وقال: ظلت السودان ومن 1956 لم تسلم من حالة الاستهداف والتفتيت وباعتبار الفاعل الرئيسي في المشهد الدولي الولايات المتحدة، لكنها بدأت محاولاتها لإعلادة السودان تحت هيمنتها منذ عام 1904، من يقرأ تاريخ السودان يجد أن أمريكا لا تهتم من يحكم السودان (إسلامي أو شيوعي) ولكن الأساس أن تكون تحت هيمنتها، واستثمرت النزاعات والأزمات الداخلية على مدار 30 عام من الحكم.
وتطرق سلمان، إلى لجوء البشير في أواخر حكمه إلى حلفاء أمريكا "الإمارات والسعودية"، ظنا منه أن هذا حل مشكلة السودان، ولكن للأسف ساهم في الاختراق الداخلي للسودان وأجهزة ومفاصل الدولة والاستقطاب، والاستعداد لمرحلة ما بعد إسقاط البشير، وبدأت التحركات في عام 2019، وهي الجهة التي ينسب لها مصطلح "الهبوط الناعم" تجمع بين حمائم النظام وحمائم المعارضة السياسية، ومنذ تسلم القوات المسلحة عام 2019 حدث تدهور سريع للأحداث، وما رأيناه هو الإقصاء السريع لرئيس الأركان ووزير الدفاع، وهم الذين ساهموا في تنحية الرئيس السابق!
ضاف: في تاريخ السودان لا يُعرف في المرحلة الانتقالية أن تتحالف القوات المسلحة مع مدنيين من المعارضة، وحدث خلال مرحلة ما بعد 2019 إقصاء كافة القوى الإسلامية، سواء المؤيدة للبشير والمناهضة له..ونفس الوضع تم في مصر حيث إقصاء الإسلاميين أيضا، وهو ما يحدث في السودان حيث لعبت "النخبة السودانية" على أن العداء مع الإسلام وليس مع الإسلاميين، وحتى المسؤولين عن المناهج التعليمية وقضايا المرأة والمسؤلين عن العدالة جعلوا الخصم هو الدين، وهو ما يتصادم مع طبيعة الشعب السوداني.
وتطرق د. حسن سلمان إلى الروابط التاريخية التي تربط مصر والسودان، وكيف أن السودان بالنسبة لمصرعمق لا يمكن التفريط فيه، ولكن للأسف الوضع الحالي في مصر لا يتماشى مع الصورة الذهنية المرسومة له في أذهان الشعب السوداني.
وأشار إلى الأزمات الاقتصادية التي تعيشها مصر والاستدانة لدول الخليج، الإمارات والسعودية تحديدا، أثر ذلك على التحرك المصري في قضية السودان، فيما تنحاز إثيوبيا وإريتريا إلى المؤسسة العسكرية، ولكن في تقديره أن القوى الإقليمية تنحاز بشكل عام إلى قوات الدعم السريع وليس المؤسسة العسكرية، وأن الرؤية الخليجية تبني رؤيتها في المنطقة بالسعي لتدمير المؤسسة العسكرية في الدولة ودعم الميلشيات المسلحة .
ماذا يجري في السودان؟
من جانبه، قال الصادق الرزيقي، نقيب الصحفيين السودانيين السابق، ونقيب الصحفيين الأفارقة ونائب رئيس اتحاد الصحفيين العرب، إن ما يحدث في السودان ليست حربا أهلية ولكنها حرب إقليمية، وأوضح أن قوات الدعم السريع نشأت في عام 2013 نتيجة لكثرة التمرد في إقليم دارفور، حيث رأى البشير أنه لابد أن تكون هناك قوات مساندة للقوات المسلحة، وكان عددها 5000 فقط وكانت تتبع لجهاز الأمن والمخابرات، ثم بعد ذلك ألحقت بالقوات المسلحة، وما زاد من حجم هذه القوات هو مشاركتها في عاصفة الحزم جنوب السعودية، وهنا كان التعامل المباشر بين هذه القوات والإمارات، وهنا بدأت عملية استجلاب عناصر خارجية من تشاد إلى السودان.
وتكونت مجموعات من المرتزقة، كما كان الحال في ليبيا في عهد القذافي، وشكلت حرب اليمن نقطة كبيرة وجاذبة للشباب للقتال في اليمن، وعندما لم يعد لها حاجة هناك عادت قوات الدعم السريع للسودان، وتزايدت حتى وصل عددها 120 ألفا.
وكان لهذه القوات التأثيرعلى الداخل السوداني، وتلاقى هذا المشروع مع المشروع الإماراتي الإسرائيلي، حينما تعقدت الأمور بفعل التدخلات الخارجية، وكل هذه القوات التي تسعى للسيطرة على السلطة، بالإضافة إلى عوامل أخرى، ولعل أسباب هذه الحرب:
- الامتداد الإقليمي الجغرافي إلى موريتانيا والذي يتكون من قبائل عربية وإفريقية، هذه القبائل كانت تعيش على هامش الحياة السياسية وندرة الخدمات كالتعليم وغيره.
- بدأت تلك القبائل تنظر إلى أي فرصة تمكنها من الحياة السياسية، ولدى هذه القبائل امتداد اجتماعي، ومع تدفق السلاح من ليبيا والذي تعد تشاد معبرهام له.
- حينما بدأت هذه الحرب أغري الشباب بالمال كامتلاك سيارة وسلاح، ولعل الهدف تغير من تقسيم السودان إلى السيطرة عليه، نظرا لمكانته الجيوسياسية.
ويرى الرزيقي أن مصر أيضا مستهدفة لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى وإضعاف مصر والسودان، فيما يأتي دور الإمارات للسيطرة على موارد السودان كالماس واليورانيوم والذهب والبترول، وهناك عدة سيناريوهات منها تفكيك الجيش وإضعاف الدولة، وكذلك إضعاف مصر.
حالات اغتصاب جماعي
تحدثت الحقوقية إيمان فتح الرحمن، رئيسة المفوضية القومية لحقوق الإنسان، وعضو جمعية حراس الحقوق السودانية، فكشفت عن انتهاكات عدة بحق السودانيات، حيث انقلبت قوات الدعم السريع لترتكتب جرائم في حق الشعب، من نهب الذهب والأموال الخاصة، ثم بدأت عمليات التهجير القسري للأسر، والضغط على الأسر بالقتل العشوائي، ثم حوادث اغتصاب النساء حتى البنات القصر بل وأسرهن وبيعهن لدول الجوار!
وقالت: "وثقنا وفيات بين الأطفال، نتيجة للاغتصاب، وكذلك جرائم اغتصاب جماعي (وثقنا حالة اغتصاب 12 فردا لفتاة)، بالإضافة إلى عمليات استعباد جنسي، حيث سيطرت تلك الميليشيات على سكن للجامعة، وتم حبس الطالبات وتقييدهن وحجزهن إما لخدمة الجنود أو للاستعباد الجنسي (التعاقب الجنسي على الطالبات لمدة شهرين)، واستغلالهن بصورة مهينة.
وتطرقت " فتح الرحمن " إلى أن هؤلاء الجنود يركزون أيضا على إهانة وإذلال الرجال، بالإضافة إلى حظر التجوال، والقتل والتطهير العرقي بحسب لون البشرة، مشيرة إلى اتفاقيات جينيف الأربعة، حيث يصنف هذا النزاع على أنه نزاع داخلي، وفي الحقيقة هذه الحرب نزاع دولي
وترى أن هذه الميلشيا خرقت كل الاتفاقيات الدولية وفعلت كل ما تنهى عنه هذه الاتفاقيات. وختمت حديثها بأنها تتمنى أن يصل صوت الشعب السوداني للعالم أجمع وتطمح إلى أن تصنف هذه المليشيات بأنها إرهابية وهو ما يستوجب ملاحقتهم قانونيا.
"الإمارات دولة المؤامرات"
وفي كلمته، قال الشيخ الدكتور عبدالحي يوسف، عضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: إن السودان دائما يعاني بأنه على الهامش، رغم أنه كان حاضنة للمسلمين الذي نكبوا في كل مكان، ومنهم من تضرروا بعد ثورات الربيع العربي.
ولذلك حدث في السودان ما لم يحدث في أي منطقة، بدفع وتحرك من الإمارات دولة المؤامرات، وهي الصهيونية التي تتحدث بلسان عربي، ونرجو ألا تكون مصر في هذا الطريق.
ودعا الله أن يعامل السودان بسالف إحسانه، مؤكدا أن السودانيين أدركوا أنه لا سبيل للخلاص إلا أن يأخذوا الحق بأيديهم، ومقاومة هذه القوات التي جاءت من 8 دول.
ماذا علينا أن نفعل؟
وحول ماينبغي فعله تجاه السودان، حددت الأستاذة الجامعية السودانية الدكتورة زينب حسون، أربع نقاط:
- التعريف بالقضية إعلاميا على نطاق واسع.
- معاقبة المتسببين في هذه الحرب، وما قامت به قوات الدعم السريع من انتهاكات تجاه المرأة السودانية.
- تقديم الدعم النفسي والصحي للسودانيين النازحين وكذلك الدعم المالي على المستوى الدولي.
- الإسراع بإيجاد حل طارىء وجذري لإيقاف انتهاكات قوات الدعم السريع نحو النساء السودانيات، سواء بالاستعباد الجسدي أو بنقلهن لبلدان أخرى بهدف استرقاقهن، والمحاسبة السريعة والصارمة لمن أطلق يد مرتكبي هذه الجرائم.
وذكّرت بأنه لطالما وقف السودان سندا للدول الشقيقة في محناتها، والآن جاء دور الأشقاء والعالم أجمع لمساندة السودان وشعبه قبل فوات الأوان، فالسودان ظل يعاني في انتمائه ما بين العربية والإفريقية، فلا يحسب على الدول العربية بسبب اللون، ولا يحسب على الدول الإفريقية بسبب التحدث بالعربية!
أدار الندوة الإعلامي عبد الله الماحي، مؤكدا أهمية توالي الندوات لتغطية بقية الجوانب المهملة في القضية السودانية.
تجدر الإشارة إلى أن "المنتدى العالمي للفكر والثقافة" تأسس للإسهام في المحافظة على هوية الأمة وحفظ مكانتها وتعزيزها؛ ونظم مؤخرا العديد من الندوات والمؤتمرات التي تدعم القضية الفلسطينية والقضايا العربية.