السودان: هل يصمد "الاتفاق الإطاري" الجديد بين العسكر واليساريين؟

الأربعاء - 7 ديسمبر 2022

  • الاتفاق تعمد إقصاء الإسلاميين بدفع من دول ومنظمات إقليمية ودولية
  • الإسلاميون: الارتهان للأجنبي سيقود إلى مزالق خطيرة تهدد أمن البلاد والمنطقة
  • المراقب العام لـ "الإخوان": الوثيقة الدستورية "مزاجية وسياسية" ومعيبة قانونيا
  • "العسكر للثكنات و الأحزاب للانتخابات"..مقولة أراد بها البرهان تمرير الوقت

إنسان للإعلام- خاص

في يوم 5 ديسمبر 2022 وقع عسكر السودان والتيارات اليسارية، داخل تحالف إعلان الحرية والتغيير، "اتفاقا إطاريا" أو "وثيقة دستورية مؤقتة" تنص على إبعاد الجيش عن السلطة وتشكيل حكومة مدنية كاملة خلال فترة انتقالية تستمر عامين

وشملت أطراف الاتفاق الإطاري، إضافة للبرهان، قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي»، ونحو 50 حزبا وتنظيما سياسيا ومدنيا، بالإضافة إلى عدد من الحركات المسلحة.

وكنوع من إظهار مشاركة كل القوي المدنية وقع على الاتفاق بشكل فردي محسوبون على أحزاب سودانية أبرزها التجمع الاتحادي وحزب الأمة القومي، وحزب الترابي السابق (المؤتمر الوطني)، والذي أصدر بيانا يؤكد عدم توقيعه على الاتفاق ومن وقعوا لا علاقة لهم بتمثيل الحزب.

ولم تشارك بعض التيارات في التوقيع على الاتفاق، ووصفته بأنه "اتفاق ثنائي إقصائي" ومن هذه القوى لجان المقاومة وبعض الموقعين على اتفاق جوبا وبعضهم ربما يشارك الآن في السلطة وتحدث عن أن هذا الاتفاق بداية لأزمة جديدة.

عنوان الاتفاق هو حل الأزمة السودانية الممتدة منذ الانقلاب علي الرئيس السابق البشير ثم انقلاب البرهان مجددا على المدنيين اليساريين الذين شاركوه الحكم يوم 25 أكتوبر 2021، بعد اقصاء الإسلاميين، حين فرض رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان إجراءات استثنائية منها حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين واعتقال وزراء وسياسيين وإعلان حالة الطوارئ وإقالة الولاة (المحافظين).

وشاركت في الضغط لإخراجه للنور آلية ثلاثية من (الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد")، وأخري رباعية مكونة من (الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات).

الهدف استبعاد الإسلاميين

مثلما استبعد الاتفاق الأول الذي جري بين العسكر واليساريين التيارات الإسلامية من الحكم، استهدف الاتفاق الثاني استبعاد الإسلاميين مجددا بعد حشودهم الضخمة حيث يعد الاتفاق محاولة أخيرة لترتيب أوراق العسكر والتيار المدني بعيداً عن الإسلاميين.

وتنفيذ ما تطلبه السعودية والإمارات اقليميا وما تريده بريطانيا وأمريكا دولياً فالسودان مهم جدا لأمريكا وبريطانيا، حيث أنقذ ذهب السودان أزمة بريطانيا المالية عام 2008م وغيرها، مما يؤكد أهمية السودان لأفريقيا كلها.

وفي أول تعليق لها على توقيع "الاتفاق الإطاري" قالت الحركة الإسلامية السودانية، 6 ديسمبر 2022: إن الارتهان للأجنبي والتضييق والتشفي والاستفزاز ستقود إلى مزالق خطيرة تهدد البلاد وأمن المنطقة.

ودعا علي أحمد كرتي الأمين العام للحركة، في بيان، إلى "تبني مصالحة وطنية تستوعب كل مكونات الطيف السياسي والمجتمعي بلا تحيز ولا استثناء سعيا لتحقيق المشتركات التي تقود الفترة الانتقالية لإصلاح شامل للحياة السياسية"

وشدد على ضرورة "النأي عن تسييس العدالة ومصادرة الحقوق وتمزيق القوات المسلحة صمام أمان البلاد" مطالبا بـ"تمهيد الطريق لانتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها الجميع".

وفي يومي 7 و13 نوفمبر/تشرين ثان 2022 أطلق قائد الجيش السوداني، رئيس مجلس السيادة في السودان، عبد الفتاح البرهان، تحذيرين للإسلاميين وفصائل أخرى من التدخل في شؤون الجيش، أو محاولة المشاركة في الحكم.

التحذيران جاءا بالتزامن مع سعي العسكر لإبرام صفقة مع القوي اليسارية، التي كانت تشاركهم الحكم منذ الانقلاب علي الرئيس السابق عمر البشير 2019، والذين أنقلب عليهم الجيش أيضا، يبدوان كـ "صفقة" مع "قوي التغيير والحرية".

ثم عاد البرهان وأكد، في مقابلة مع فضائية "الجزيرة" يوم 6 ديسمبر 2022،  أن الاتفاق الإطاري لا يسمح لأي قوى (يقصد الإسلاميين) باستخدام الجيش للوصول للسلطة.

تحصين الجيش من المحاسبة

ويعتبر هذا الاتفاق "صفقة" بين اليساريين والعسكر تستهدف مبادلة "حصانة للجيش" من المحاكمة عن جرائم قتل المتظاهرين، بـ "دستور علماني" وضعته "قوي التغيير والحرية" اليسارية التوجه، وفق مصادر سودانية.

وجاءت موافقة قوي اليسار عليه برغم تضمنه نقاط تبرئ الجيش من قتل المتظاهرين ردا علي حشد القوي الإسلامية مظاهرة ضخمة ضد مسودة الدستور الجديد الذي يتجاهل الإسلام في مواده، وتدخل قوي عربية ودولية في شئون السودان بغية ترسيخ إقصاء الإسلاميين بدعوي تبعيتهم لنظام البشير"، وفق المصادر القريبة من التيار الإسلامي.

وتجري الصفقة بفعل ضغوط مكثفة علي الجيش من أطراف عربية، خاصة مصر والإمارات والسعودية، وأخري إفريقية ودولية لتسهيل عودة القوي اليسارية للحكم مع مؤيدين لهم من أحزاب أخري، وبإغراء استئناف المساعدات للسودان".

وكانت القوي الإسلامية ورموز نظام البشير السابق بدأت تفرض وجودها السياسي عبر التظاهر الجماهيري القوي وتتحدي القوي اليسارية التي ترغب في إقصاء التيار الإسلامي للاحتكام للصناديق في انتخابات حرة.

وبالتزامن مع طرح مسودة الدستور اليساري، طرح الشيخ "الطيب الجد" من كبار مشايخ الصوفية والقاضي السابق، رئيس "نداء أهل السودان"، مبادرة مضادة تقوم على المصالحة في كل السودان وعدم استثناء أحد، وناقشها مع القوي الدولية التي تشرف على حل أزمة السودان.

اتفاق لعلمنة السودان

برغم أن مشروع الدستور الانتقالي جاء ليكون بديلا للوثيقة الدستورية، الموضوعة 4 أغسطس 2019، والتي أغفلت دين الدولة وهو الاسلام ومصدر التشريع وهو الشريعة الإسلامية، واللغة الرئيسية وهي العربية، وإجراء تعديلات جوهرية عليها.

فقد جاء نص مشروع الدستور الجديد أغسطس 2022 متجاهلا أيضا للشريعة والنص على "الإسلام" دين الدولة ولغتها "العربية"، مكتفيا بالقول: "إن السودان دولة مدنية تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان وكل المعتقدات"!.

تحدث عن تكوين «دولة مدنية كاملة» تكفل الحريات الدينية، ونص على أن "طبيعة الدولة ديمقراطية فيدرالية تتعدد وتتعايش فيها الثقافات والإثنيات واللغات والأديان والمذاهب، وفق نظام حكم برلماني"، وفق ما نشرت صحف السودان.

لذا عارض مشروع الدستور القوي الإسلامية، من ثلاثة زوايا: أولها أنه يتجاهل هوية السودان الإسلامية، والثاني أنه لم يشارك في وضعه كل أطياف السودان، والثالث أن قوي دولية تدخلت في صياغته.

وعارضت تيارات إسلامية بينها جماعة الإخوان المسلمين، و"قوى التوافق الوطني" (جناح منشق من قوي التغيير والحرية اليسارية)، وأحزاب أخري، مشروع الدستور المقترح من نقابة المحامين.

وقال المراقب العام لجماعة الإخوان سيف الدين أرباب، إن الوثيقة الدستورية المطروحة "مزاجية وسياسية" ومعيبة قانونيا، وتلبي أجندة السفارات الأجنبية التي يظهر بوضوح تدخلها في الصياغة لتفكيك الجيش السوداني.

وأكد أن الدستور الانتقالي، هو "انتقام سياسي"، ويسيطر على من كتبوه "فوبيا" النظام السابق، ويكرس لسياسة الانتقام، فهو يتحدث عن الحريات ويتناقض معها، بحسب موقع "النيلين"، 14 سبتمبر 2022.

وعززت تصريحات رئيس بعثة الأمم المتحدة بالسودان فولكر بيرتس، أمام مجلس الأمن حول الوثيقة الدستورية من قناعة معارضيها بأنها صنيعة الدول الغربية، وتقف وراءها مؤسسة ماكس بلانك للسلام الدولي، وتنبتها قوى الحرية والتغيير.

وكان "فولكر" كشف أن نقابة المحامين السودانية، التي تسيطر عليها القوي اليسارية، عرضت على الآلية الثلاثية، حصيلة عملهم على مشروع إطار دستوري، بحسب "الجزيرة"، 15 سبتمبر 2022.

وقد أكدت ثلاثة مصادر سياسية لوكالة "رويترز" يوم 4 نوفمبر 2022 إن قادة الجيش اعترضوا على بعض بنود مسودة الدستور الذي قدمته التيارات اليسارية ما جعل اليسار يوافق.

أكدوا أن الجيش طلب أن يكون له حق تسمية قائده العام، كما قدم "وجهة نظره" بخصوص إعادة الهيكلة، ومشاريع الجيش الاقتصادية والتجارية.

ونصت مسودة الدستور التي اعترض عليها الجيش على "حظر ممارسة القوات النظامية للأنشطة التجارية والاستثمارية، وخضوع القوات المسلحة للسلطة المدنية".

وكان لافتا تقديم اليساريين تنازلات مقابل تمرير مسودة الدستور، حيث أكد مصدران من قوى الحرية والتغيير لـ "رويترز" أنه تم التوصل إلى تفاهم بألا يخضع كبار الضباط العسكريين للمحاكمة، والتشاور حول مواضيع حصانتهم من المحاكمة.

ويطالب المتظاهرون بتقديم الجنرالات للعدالة بتهمة قتل المتظاهرين وانتهاكات أخرى منذ عام 2019، رافضين فكرة الحصانة.

وتمثلت أهم بنود الاتفاق، الذي وُقِّع في القصر الرئاسي بالخرطوم، في أن يكون رئيس الدولة هو القائد العام للجيش، وأن تُدمج قوات الدعم السريع ضمن الجيش، بالإضافة لتبعية قوات الأمن لوزارة الداخلية، وأن يكون تعيين مدير المخابرات من قِبل رئيس الوزراء وتنظيم انتخابات في نهاية الفترة الانتقالية المحددة بعامين.

الاتفاق حظر كذلك تشكيل ميلشيات عسكرية أو شبه عسكرية، أو إنشاء وحدات شرطية خاصة أو وحدات تحد من الحريات العامة. كما نص على تنفيذ السياسات المتعلقة بالإصلاح الأمني والعسكري وصولًا لجيش مهني موحد، مشددًا على اتخاذ الجيش عقيدة تلتزم بالقانون والدستور وتقر بالنظام الديمقراطي.

وكنوع من التهدئة قال رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الاثنين، أن "العسكر للثكنات، والأحزاب للانتخابات"، لكن مراقبون يرون أنها محاولات للتهدئة لحين مرور الوقت لا تعني تخلي العسكر عن الحكم.

والاتفاق بين الجيش وقوى سياسية مدنية لم يكن الأول، إذ سبق أن أسفرت مفاوضات شاقة استمرت شهورا عن إصدار "الوثيقة الدستورية" وشراكة بين المدنيين والعسكريين في أغسطس 2019، كانت مشابهة لما تم الإعلان عنه الاثنين، مما أثار تساؤلات بشأن مصير الاتفاق الجديد، ومدى ضمان عدم الانقلاب عليه مجددا.