السودان: هل يحقق اتفاق «حقن الدماء» بين حمدوك والبرهان أهداف الثورة؟

الأحد - 28 نوفمبر 2021

"استشعاراً للمخاطر الـمحدقة التي تُحيط بالبلاد وتهدد نجاح الفترة الانتقالية. ونتيجة للصراعات التي حدثت بين القوى السياسية وأصبحت مهدداً لوحدة وأمن واستقرار البلاد». هكذا وصفت مقدمة اتفاق حمدوك ـ البرهان، المحتوية على 14 بنداً، بما فيها إلغاء قرار إعفاء رئيس مجلس الوزراء الانتقالي، الوضع ما قبل الانقلاب.

وأشارت مقدمة الاتفاق، إلى أنه نتيجة لما وصفته بفشل كل المُبادرات في احتواء الأزمة السياسية، ترتب على ذلك اتخاذ إجراءات وقرارات بواسطة القائد العام للقوات المسلحة، بتاريخ 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021 مع التأكيد على أن الأزمة في جوهرها سياسية، تتطلب قدراً من الحكمة واستشعاراً للمسؤوليات الوطنية.

كما تعهـد الطرفان، بالعمل سويا لاستكمال، ما وصفه الاتفاق، بمسار التصحيح الديمقراطي، بما يخدم مصلحة السوادن العليا، وتجنباً لإنزلاق البلاد نحو المجهول وإنفراط عقد الأمن وسلامته وضرورة إكمال الفترة الانتقالية ونجاحها وصولاً لحكومة مدنية منتخبة.

وشددت مقدمة الاتفاق، على أن إكمال الفترة الانتقالية، لا يتم إلا عبر وحدة القوى السياسية وقوى الثورة.

غير أن خبراء، رأوا أن الاتفاق سيؤدي إلى سيطرة العسكر، وسيعيد البلاد إلى حقبة نظام ما قبل الثورة، وبالتالي فإنه لن يكون مؤثراً في ما يتعلق بالتحول الديمقراطي.

وقال المحلل السياسي د. الحاج حمد محمد خير، إنه كان يتوقع أن يقوم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، بمحاصرة العسكر من خلال الاتفاق، بلجان مشتركة لوضع آليات تنفيذ بجداول زمنية.

ورأى خير أنه بانخراط حمدوك في لقاءات لحشد التأييد والرد على المعترضين، فقد ترك الملعب خالياً للعسكر، ليستمروا في المؤسسات الحاكمة، وهي التي ستقود لأشكال صورية للانتقال المُدار لصالح استمرار نظام يماثل نظام الإنقاذ بعد المفاصلة (نظام البشير).

ومع شروق شمس صباح 21 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، بدأت تخرج تسريبات إعلامية، على نحو مفاجئ تتحدث عن اتفاق سياسي بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي كان قيد الإقامة الجبرية بمنزله منذ إطاحة الأول بالحكومة الانتقالية.

ولم يكد النهار قد انتصف يومها، حتى تأكد للسودانيين، بأن هناك بالفعل اتفاقاً منتظراً بين البرهان وحمدوك، أطلق عليه «الاتفاق السياسي».

مليونية نوفمبر

تزامن الاتفاق السياسي الذي أتى بعد 28 يوماً من انقلاب الجيش السوداني على الحكومة الانتقالية، مع احتجاجات رافضة للانقلاب معلن عنها مسبقاً تحت مليونية 21 نوفمبر.

ويأتي الاتفاق الموقع يوم الأحد الماضي بالقصر الرئاسي بالعاصمة السودانية الخرطوم، بين البرهان وحمدوك، في ظل حالة سيولة سياسية وأمنية عرفتها البلاد منذ الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، في نيسان/أبريل 2019 لكنها تصاعدت في الأشهر الأخيرة.

وبدأ تصاعد الأحداث فعلياً بين طرفي الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية في البلاد، بعد محاولة انقلاب عسكري فاشلة بالخرطوم وقعت 21 ايلول/سبتمبر الماضي، تزامنت مع حالة من الانفلات الأمني، وإغلاق محتجين قبليين موالين للمكون العسكري، الموانئ شرقي السودان، والطريق القومي الرابط بين مدينة بورتسودان ومدن أخرى بما فيها العاصمة الخرطوم.

وعقب أشهر من احتجاجات شعبية واسعة في البلاد، اندلعت في كانون الأول/ديسمبر 2018 أطاح الجيش بالرئيس المخلوع عمر البشير في نيسان/أبريل 2019 أعقبتها محادثات بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي الذي خلف البشير في السلطة، انتهت بتوقيع الوثيقة الدستورية في 17 آب/أغسطس 2019 تقاسم بموجبها الطرفان السلطة، في فترة تمتد لـ39 شهراً.

وبالعودة لاتفاق البرهان ـ حمدوك، الذي تجاوز الوثيقة الدستورية، فإنه يأتي بعد سلسلة طويلة من الأحداث الخطيرة والجوهرية التي واجهت الفترة الانتقالية لأكثر من عامين، كان أكثرها وقعاً انقضاض الجيش الأخير على السلطة. سبقه تعطيل كامل للعمل المشترك لهياكل السلطة الانتقالية، ممثلة في اجتماع مجلس السيادة الانتقالي الذي يضم المدنيين والعسكريين، بالإضافة إلى الاجتماع المشترك بين مجلسي السيادة والوزراء، لإجازة القوانين باعتباره برلمانا مؤقتا إلى حين تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي.

وتعطلت الشراكة فعلياً بين أطراف الفترة الانتقالية، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 21 ايلول/سبتمبر، حيث تفرغوا لمشادات إعلامية حادة، لم تنته إلا على وقع بيان الانقلاب، بعدما أودع العسكريون زملاءهم المدنيين السجون.

كما مثل اتفاق البرهان ـ حمدوك، مرحلة أخيرة من خلافات وتصدعات، مضى بعدها العسكريون من جهتهم، في طريق مكشوف نحو الانقلاب، بعدما دعموا اعتصاماً في محيط القصر الرئاسي بالخرطوم في 16 تشرين الأول/أكتوبر انفض مع الانقلاب.

انقسام الائتلاف

الوصول للمرحلة الحالية، مرَ أيضاً بانقسام الائتلاف الحاكم ـ سابقاً قوى الحرية والتغيير، إذ بدأ بتوقيع المجلس القيادي المركزي لها، لإعلان سياسي بحضور حمدوك، وهو الأمر الذي اعتبره العسكريون إقصاءً لهم، ما مهد الطريق، لتوقيع مجموعة أخرى من الحرية والتغيير لميثاق سياسي، بينها حركة جيش تحرير السودان، بقيادة حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، ورئيس حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم، بجانب أحزاب أخرى ولدت في الفترة الانتقالية.

ومع تفاقم الوضع السياسي، بين مجموعات الحرية والتغيير من جهة، ومجموعة منها مع العسكريين من جهة أخرى، شكل رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، ما سماها «خلية أزمة» تكونت من 7 أشخاص برئاسته لحل الخلافات بين الأطراف المختلفة.

وتكونت خلية الأزمة، من ممثلين اثنين للمكون العسكري، والمجلس القيادي المركزي ومجوعة الميثاق، زائداً رئيس الوزراء.

غير أن الأطراف استقبلت مساعي حمدوك ببرود، قبل أن تتمسك كل مجموعة بآرائها ومواقفها السياسية، في وقت بدأ فيه الشارع استشعار خطورة الموقف.

مرحلة ما قبل الانقلاب وبعدها، لم تكن شأناً داخلياً بحتاً، إذ ظلت الفترة الانتقالية في السودان، على مرمى تدخلات خارجية إقليمية ودولية في الشأن الداخلي. فبينما ورث المجلس العسكري الانتقالي، عقب استيلائه على السلطة بعد الإطاحة بالبشير، تحالفات نظامه، أضاف إليها تحالفاً جديداً مع دولة الكيان الصهيوني إسرائيل، عقب لقاء البرهان ـ نتنياهو في مدينة عنتبي اليوغندية في 3 شباط/فبراير 2020.

وليس بعيداً عن ذلك، فقد كشفت تقارير إعلامية عن زيارة غير معلنة لعسكريين إلى إسرائيل قبل الانقلاب بأيام.

إذ ورث العسكريون، بل كانوا على رأس رمح العلاقة مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، المتعلقة بمشاركة الجيش السوداني في حرب اليمن، بجانب زيارة باكرة قام بها البرهان عقب ترؤسه المجلس العسكري الانتقالي، إلى جمهورية مصر العربية، أدى فيها التحية العسكرية لرئيسها عبد الفتاح السيسي. بالإضافة إلى وراثتهم للعلاقة مع روسيا، التي بدأ توثيق عراها البشير في عام 2017 عندما طلب من رئيسها فلادمير بوتين، عند لقائه به في مدينة سوتشي حمايته من «العدوان الأمريكي».

وهكذا مضى قادة المجلس العسكري، قدماً في تعميق تحالفات نظام البشير الإقليمية والدولية، خلال فترة حكمهم التي امتدت من نيسان/أبريل ـ آب/أغسطس 2019 ولاحقاً بعد بدء الفترة الانتقالية.

موازين القوى

لتحديد كيف سيؤثر اتفاق حمدوك ـ البرهان، على عملية الانتقال الديمقراطي في البلاد وما إذا كان سيحل الأزمة أم لا؟ يجب النظر إلى موازين القوى التي ظلت تتفاعل منذ الإطاحة بالبشير.

يراهن العسكريون، في القضاء على الحراك الشعبي المناهض لانقلابهم، من خلال إعادة حمدوك لمنصبه، على أمل انقسام الشارع، بجانب تحسين صورتهم أمام المجتمع الدولي، كونهم ما زالوا ملتزمين بالمضي في طريق التحول الديمقراطي، الذي يبدو أنه بالنسبة للقوى الغربية، يتمثل في عودة حمدوك إلى منصبه.

كما يمثل حراك الشارع الرافض للمشهد الحالي برمته، والذي بدأ ينظر إلى القادة السياسيين الحزبيين، بمن فيهم رئيس الوزراء حمدوك بعين الريبة بعد تجربة أكثر من عامين، على بدء الفترة الانتقالية، بعدما اختط طريقه عبر لجان المقاومة، وغيرها من أشكال التنظيم التي تهدف إلى بناء بلد جديد يقوم على القطع مع الممارسة السياسية القديمة، التي لم تقد السودان قدماً، ما قبل وبعد الاستقلال.

كذلك، يظل عامل التأثير الغربي والإقليمي، على المشهد السوداني، ما بعد الانقلاب، نقطة مؤثرة في تحقيق توازن القوى، ويحدد بصورة ما إلى أين تسير الأوضاع في البلاد، بعد توقيع اتفاق حمدوك ـ البرهان، وكيف سيمضي الانتقال؟

ويبدو أن ورقة العسكر بإعادة حمدوك إلى المشهد، لا تجد مشترياً لها بعد، في ظل تصميم الحركة الاحتجاجية على المضي قدماً في مطالبها المشددة على إبعاد العسكريين من السلطة بشكل نهائي، وانتزاع حكم مدني كامل.

كذلك يبدو الاتفاق، غير ذي جدوى بعد رفض أكبر مجموعتين مسلحتين له، بعدما رفضت كل من الحركة الشعبية ـ شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، وحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور.

تتهدد الاتفاق أيضاً، عقبة مواقف الولايات المتحدة الأمريكية، من جهة مجلسي الشيوخ والنواب «الكونغرس» الذي بدا بعض أعضائه مصممون على معاقبة العسكريين على الانقلاب.

وأعرب كبير الجمهوريين في اللجنة الخارجية بمجلس النواب مايك مكول، الأسبوع الماضي عن خشيته من أن يؤدي اتفاق السودان إلى «التستر» على استيلاء الجيش على القيادة المدنية ومقتل عشرات المتظاهرين السلميين.

فيما قال السيناتور الديمقراطي، كريس كونز: «الشعب السوداني هو من سيقرر ما إذا كان الاتفاق يشكل تقدما للبلاد، أم لا» قبل أن يؤكد عزمه الاستمرار في طرح مشروع العقوبات الفردية الذي قدمه.

بينما يمكن احتساب تأثير وموقف الفصائل المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا مع الحكومة السودانية، في تشرين الأول/أكتوبر 2020 تماشياً مع التطورات الحالية، بحجة محافظتها على السلام، ضمن خانة العسكر، في وقت تعيش فيه انقسامات داخلية مكتومة ومعلنة، بالتزامن مع رفض متصاعد لها من قبل الحراك الجماهيري.

الاتفاق، يبدو كما لو أنه جاء فقط لوقف نزيف الدم، والعبور من مرحلة محددة.

ووصفه الأستاذ الجامعي والناشط السياسي، مضوي إبراهيم، وأحد مهندسي الاتفاق في مقابلة مع قناة «سي إن إن» الأمريكية، بأنه مهين لحمدوك، كونه أقر بإجراءات البرهان، مبرراً فيما يبدو توقيع الأول على الاتفاق، لجهة أن الموت مستمر يحصد المتظاهرين السلميين في الطرقات.

كما رأى بالمقابل، أن توقيع الاتفاق، يمثل ردة كبيرة للعسكر عن الانقلاب، بعدما استشعروا أنهم يواجهون مشكلة حقيقية في العزلة مع المجتمع الدولي.

وأكد مضوي، أن آلاف الناس في الشوارع يرفضون الاتفاق، ولديهم رغبة في محاكمة قادة الانقلاب، وقال إن اتفاق حمدوك ـ البرهان يظل إطارياً، لا يبنى عليه، قبل أن يصفه بغير القانوني.

وأضاف «أي شيء وارد، لكن يظل الطريق خطيرا جداً. فالمؤسسة العسكرية هي عقبة حقيقية نحو الانتقال الديمقراطي، وهناك الكثير من العمل يتوجب القيام به».

وقف الدم، هو نفسه ضمن عوامل حمدوك للتوقيع، وقال إن الاتفاق الإطاري جاء لحقن دماء السودانيين والمكتسبات التي تمت في العامين السابقين واتفاق السلام الذي أبرم ويعالج كل التحديات ويعتبر امتدادا للتجربة السودانية للانتقال.

المصدر    القدس العربي