السودان: رفض داخلي يهز اتفاق "حمدوك -البرهان" رغم التأييد الدولي
الثلاثاء - 23 نوفمبر 2021
شهدت الساعات القليلة الماضية تطورات خطيرة في الملف السوداني وتصاعد الأزمة هناك ، فبالرغم من الفشل الواضح للانقلاب العسكري ، ورغم التأييد الدولي والعربي لاتفاق "حمدوك – البرهان"، إلا أن القوى السياسية السودانية ولجان المقاومة يواصلون رفض "الاتفاق "، كما تقدم 14 وزيراً من حكومة حمدوك السابقة باستقالات جماعية من الحكومة، وأعلنوا رفضهم أن يكونوا ضمن أي تكوينات لأي حكومة سيفرزها الاتفاق، وصرخات المتظاهرين الرافضين تهز "الاتفاقية الهشة"، ومن خلال سطور هذا التقرير نرصد آخر التطورات في السودان .
جددت قوى الحرية والتغيير في السودان، الهجوم على اتفاق البرهان- حمدوك، لاستئناف العملية الديمقراطية في البلاد، وقالت إنه "امتداد للإجراءات الانقلابية" التي أعلنها قائد الجيش، في الوقت الذي دعت فيه واشنطن لمزيد من الخطوات لاستئناف المساعدات للخرطوم.
وقال بيان لـ"الحرية والتغيير": "ناقش الاجتماع الاتفاق السياسي واعتبره امتدادا للإجراءات الانقلابية التي أعلنها البرهان في 25 تشرين أول/ أكتوبر".
وجدد رفضه للاتفاق، باعتباره "ردة عن أهداف ومواثيق الثورة السودانية وتجاهلا لقضايا التحول الديمقراطي في الوثيقة الدستورية 2019".
وذكر البيان عددا من هذه القضايا، من بينها: "قضايا العدالة الانتقالية ومحاسبة من أجرم في حق الشعب، وضرورة هيكلة وإصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية، وضمان عدم تدخل المؤسسة العسكرية في العملية السياسية".
من جانبه قال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ،إن الحفاظ على المكاسب الاقتصادية التي تحققت خلال العامين الماضيين كان من بين الأسباب التي دفعته للعودة إلى منصبه بموجب اتفاق مع الجيش..
وقال حمدوك: "سنواصل تواصلنا مع مؤسسات التمويل العالمي، وموازنة العام الجديد التي ستبدأ في يناير ستمضي في نهج الإصلاح الاقتصادي وفتح أبواب الاستثمار في السودان"
لكن حمدوك قال إن حكومة التكنوقراط يمكن أن تساعد في تحسين الاقتصاد السوداني الذي عانى من أزمة طويلة شهدت واحدا من أعلى معدلات التضخم في العالم بجانب نقص في السلع الأساسية.
استقالة جماعية لوزراء "الحرية والتغيير"
وفي نفس السياق ، قال وزراء حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الممثلون تحالفَ الحرية والتغيير بالسودان، مساء أمس الاثنين، إنهم تقدموا باستقالات مكتوبة لرئيس الوزراء بعد إعادته لمنصبه بواسطة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
وذكر بيان من الوزراء، نُشر على صفحة وزارة الثقافة والإعلام، أن 14 وزيراً وافقوا على الاستقالة، وتحفظ على ذلك واحد هو وزير التجارة علي جدو، بينما لم يتمكن كل من وزير الثقافة والإعلام حمزة بلول ووزير الاتصالات والتحول الرقمي هاشم حسب الرسول من حضور الاجتماع التفاكري بشأن تقديم الاستقالات، فيما لا تزال سلطات الانقلاب العسكري تعتقل كلاً من خالد عمر يوسف، وزير شؤون مجلس الوزراء، وإبراهيم الشيخ، وزير الصناعة. وأشار البيان إلى أنه لم يتم الاتصال بهما لأخذ رأيهما في تقديم الاستقالة.
وكان الوزراء قد استنكروا بشدة، في وقت سابق، توقيع عبد الله حمدوك على اتفاق سياسي مع قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان، مؤكدين استعدادهم والشارع السوداني لإسقاط الانقلاب.
وزيرة خارجية السودان السابقة: البرهان حاول التودد لإسرائيل أثناء الانقلاب
قالت وزيرة خارجية السودان السابقة "مريم الصادق المهدي"، إن قائد الجيش الفريق "عبدالفتاح البرهان" حاول التودد لإسرائيل "أثناء الانقلاب العسكري"، وادعى أن هناك سياسيين أبعدهم عن الحكومة كانوا مناهضين لتل أبيب.
وأوضحت "مريم" في مقابلة مع مركز "أتلانتيك كاونسيل" البحثي الأمريكي، أن الحكومة علمت بدور إسرائيل الداعم للانقلاب العسكري رغم أنها لم تظهر في واجهة الأحداث.
لجان المقاومة السودانية ولعب دور في أستمرار الحالة الثورية
ومنذ الانقلاب الذي نفذه العسكر في السودان في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نشطت لجان المقاومة السودانية في كل الاتجاهات لمواجهة الانقلاب ومقاومة الاختراقات الأمنية والحزبية لها، وأيضاً لسدّ فراغ الخلافات بين تيارات سياسية ومهنية داخل الصف المناهض للانقلاب، ونجحت بحشد الشارع في 3 تظاهرات مليونية أكدت الرفض الشعبي الكبير لما حصل. لكن التطور الذي شهده السودان أمس الأول الأحد، بالاتفاق السياسي بين رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، لعودة الأول إلى رئاسة الحكومة بعد إقالته في 25 أكتوبر، يطرح تساؤلات حول قدرة هذه اللجان على الاستمرار في الحشد ضد الانقلاب وإقناع السودانيين بمواصلة المواجهة.
ولجان المقاومة هي تنظيمات قاعدية تأسست بطريقة شبه سريّة خلال مسيرات مناهضة لنظام الرئيس المعزول عمر البشير في عامي 2012 و2013. وظهرت أولاً في أحياء مثل ود نوباوي في أم درمان والديم وبري في الخرطوم، وشمبات في الخرطوم بحري، وغيرها من الأحياء التي اشتهرت بمعارضتها القوية لنظام البشير. وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، ومع اندلاع شرارة الثورة السودانية، ظهرت لجان المقاومة بشكل أكثر علانية، لكن تجمع المهنيين السودانيين سحب منها الأضواء، مع تأديته دوراً مفصلياً في تحريك الحراك الثوري وتوجيهه، غير أنه لم يكن ممكناً لهذا التجمّع النجاح لولا اعتماده على لجان المقاومة، التي يعود لها الفضل الأكبر في حراك الأحياء حتى سقوط نظام البشير في إبريل/نيسان 2019.
صرخات المتظاهرين الرافضين تهز اتفاق حمدوك البرهان
وعلى الرغم من أن هناك مؤيدين للاتفاق، والذي احتوى على 14 بندا، أهمها التأكيد على الوثيقة الدستورية لسنة 2019، المعدلة في 2020، وأنها المرجعية الأساسية القائمة لاستكمال الفترة الانتقالية، مع الإشارة إلى ضرورة تعديلها؛ لتضمن مشاركة سياسية واسعة.
إلا أن رفض الكثير من المتظاهرين في الشارع له يطرح سؤالا حول ما إذا كان الاتفاق سيصمد أم لا، وهل سينهي الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ 25 تشرين الأول/ أكتوبر؟
ويرى الباحث الفرنسي في مركز الدراسات الدولية بباريس، رولاند مارشال، أن "الاتفاق لن يصمد طويلا، وذلك بسبب الفجوة بين الشارع وحمدوك"، مستدركا بالقول: "لكن كمحلل أكاديمي، لا ينبغي أن أتوقع المستقبل".
وأشار مارشال خلال حديثه لـ"عربي21" إلى أن "هناك كثيرا من الأمور المجهولة في الاتفاق، حيث من غير الواضح من الذي سيختار التكنوقراط الذين سيعينون كوزراء في الحكومة، كذلك يبدو أن بنية الرقابة والتوازنات بين السلطات لا تزال لصالح الجيش".
وأكد أن "الشارع السوداني لم يتفاعل بشكل إيجابي مع الاتفاق؛ لأنه لم يوضح الكيفية التي سيتم فيها تسليم العسكريين السلطة للمدنيين في المستقبل المقبل، لذلك يجب تقديم المزيد من التفسيرات من قبل الموقعين، قبل أن تتحول المواقف السلبية تجاه الاتفاق إلى مواقف أكثر إيجابية، خاصة أن مقتل عدد من الأشخاص في الشارع يجعل قبول الرافضين للاتفاق أكثر صعوبة".
من جهته، أشار الباحث البريطاني في سياسات النخبة الأفريقية، والمدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي، أليكس دي وال، إلى أنه "كان من الضروري وجود اتفاق ما بين الطرفين".
وقال دي وال لـ"عربي21": "إذا حصل اتفاق على دعم الثوار، يعني ذلك تجنب إراقة المزيد من الدماء، وبالتالي تجنب تصلب المواقف من قبل الجانبين، لذلك لا أرى أن موقف قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين الرافض لوجود صفقة مع الجيش واقعياً من الناحية السياسية".
بدورها أكدت خلود خير، الشريك الإداري في مركز "إنسايت ستراتيجي بارتنرز " في الخرطوم، أن "فرص نجاح الاتفاق محدودة جدا، وذلك لعدة أسباب، من أهمها أنه لا يحظى بشعبية".
وتابعت خير في حديث لـ"عربي21": "كذلك لا يضمن الاتفاق أن يكون رئيس الوزراء قادرًا على رؤية الإصلاحات التي يريدها دون تدخل من العسكريين، ولا يضمن عدم حدوث انقلاب في المستقبل القريب".
وأشارت إلى أن "الاتفاق لم يستطع تقديم الأمن والأمان للناس، فمثلا أثناء التوقيع عليه أصيب طفل يبلغ من العمر 16 عامًا برصاصة في رأسه، كذلك لم يعالج انعدام الثقة الذي لا يمكن إنكاره بين المدنيين والعسكريين".
وأوضحت بأن "الشارع تعهد بمواصلة الاحتجاج حتى إعلان الحكم المدني الكامل، وذلك لأن المتظاهرين يشعرون بالخيانة من تحرك حمدوك الأحادي الجانب لتوقيع هذا الاتفاق، دون استشارة قوى الحرية والتغيير أو تجمع المهنيين السودانيين أو جماعات مدنية أخرى، بالتالي فإن الاتفاق لا يمثل حاليًا أكثر من مجرد توقف مؤقت للأزمة السياسية الحالية وليس حلاً دائم".
ترحيب دولي وعربي بالاتفاق ..
وعلى صعيد آخر .. نجد ترحيبا من دول الترويكا (النرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) والاتحاد الأوربي وسويسرا وكندا عن ترحيبهم بتوقيع الاتفاق السياسي بين قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، ورئيس الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك في محاولة لإنهاء الأزمة بالبلاد.
وذكرت تلك الدول في بيان مشترك نشرته السفارة الأمريكية في الخرطوم “لقد تحمسنا بتجديد الالتزام بالوثيقة الدستورية 2019 كأساس لعملية الانتقال نحو الديمقراطية”.
ودعا البيان إلى الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين الآخرين باعتبارها خطوة حاسمة نحو استعادة الانتقال والنظام الدستوري وسيادة القانون.
وأكد البيان على تضامنه مع الشعب السوداني ودعم عملية انتقال ناجحة تؤدي إلى سودان حر ديمقراطي. وأعرب عن اسفه وادانته للخسائر في الأرواح وانتهاكات حقوق الإنسان منذ 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، داعيًا إلى تحقيق شامل ومستقل في الوفيات والإصابات.
ورحبت كل من الأمم المتحدة وهيئة (إيغاد) للتنمية، بتوقيع الاتفاق بين البرهان وحمدوك.
وقالت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) في بيان، إنها ترحب بالتوصل إلى توافق حول حل الأزمة الدستورية والسياسية التي كانت تهدد استقرار السودان.
من جانبها رحبت كل من مصر والسعودية والكويت والإمارات بتوقيع الاتفاق السياسي لإنهاء الأزمة في السودان
وأشادت الخارجية المصرية في بيان بـ”الحكمة والمسؤولية التي تحلت بها الأطراف السودانية في التوصل إلى توافق حول إنجاح الفترة الانتقالية”. وأعربت عن “أملها في أن يمثل الاتفاق خطوة نحو تحقيق الاستقرار المستدام في السودان، بما يفتح آفاق التنمية والرخاء للشعب السوداني”
وأكدت الخارجية السعودية على “ثبات واستمرار موقف المملكة الداعم لكل ما من شأنه تحقيق السلام وصون الأمن والاستقرار والنماء في السودان”.
ودعا البرهان مساء الأحد الاتحاد الأفريقي إلى إنهاء تجميد عضوية السودان في المنظمة. بعد أن قرر الاتحاد في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تجميد مشاركة السودان في أنشطته بعد يومين من حل الحكومة الانتقالية.
ومساء الأحد التقى البرهان في الخرطوم مع وزير خارجية الكونغو الديمقراطية كريستوف أبالا، الذي تتولى بلاده الرئاسة الحالية للاتحاد الأفريقي.
من جانبها قالت وزارة الخارجية الأمريكية، إن الوزير، أنتوني بلينكن، تحدث مع حمدوك، والبرهان، بعد أن أعاد الجيش حمدوك، الأحد، لمنصبه بعد انقلاب الشهر الماضي.
وأبلغ بلينكن المسؤولين السودانيين أن البلاد بحاجة إلى إحراز مزيد من "التقدم"، قبل أن تستأنف واشنطن صرف 700 مليون دولار من المساعدات المعلقة
وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، إن "رسالة" الوزير مفادها أنه "يجب أن نستمر في رؤية التقدم"، معتبرا أن عودة رئيس الوزراء إلى السلطة بعد أن اعتقله الجيش نهاية أكتوبر "خطوة أولى مهمة"، ولكنها "ليست أكثر من ذلك".
وردا على سؤال عن ما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لاستئناف المساعدات المالية التي تم تعليقها اثر الانقلاب العسكري، أجاب بأن ذلك يعتمد على "ما سيحدث في الساعات والأيام والأسابيع القليلة المقبلة".
وتحدث بلينكن، بشكل منفصل مع الفريق أول، عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء، عبد الله حمدوك.
وكان بلينكن قال، الأحد، إنه "متشجع" بعد إبرام اتفاق في السودان.
الإفراج عن سياسيين
وقال الناطق باسم حزب البعث العربي الاشتراكي بالسودان للجزيرة إنه أفرج عن رئيس الحزب علي الريح السنهوري. كما أفاد مراسل الجزيرة بإطلاق سراح القيادي بتحالف قوى الحرية والتغيير ورئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير.
وفي وقت سبق عملية الإفراج هذه، قال مصدر سيادي مطلع لمراسل الجزيرة في السودان إن هناك تعليمات بإطلاق سراح 4 معتقلين سياسيين هم: رئيس حزب المؤتمر عمر الدقير، والصديق الصادق المهدي مساعد رئيس حزب الأمة، وياسر عرمان مستشار رئيس الوزراء، وأمين سر حزب البعث الاشتراكي علي السنهوري، مؤكدا أن السلطات شرعت في إجراءات إخلاء سبيلهم.