مؤامرة 30 يونيو 2013: قراءة في خطاب الإعلام الدولي وتداعياته السياسية على مصر

السبت - 28 يونيو 2025

  • الإعلام المصري والخليجي أسس سردية إعلامية مضللة لإقناع "الغرب" بأن "30 يونيو" كانت ثورة!
  • أنظمة خليجية استخدمت نفوذها المالي والسياسي للتأثير على بعض الصحف الدولية وقلب الحقائق
  • تباين مواقف الإعلام الغربي في تناول أحداث 30 يونيو وقت وقوعها تبعا للمواقف الإيديولوجية
  • معظم وسائل الإعلام الأمريكية عبّرت في البداية عن رفضها للانحراف عن المسار الديمقراطي
  • الإعلام الصهيوني اعتبر ما حدث في 30 يونيو طوق نجاة لـ"إسرائيل" من حكم مرسي!!
  • الإعلام الأفريقي تبنّى موقف الإعلام الغربي فاستنكر أحداث 30 يونيو أولاً  ثم قبل بها لاحقًا

 

إنسان للإعلام- ملف تحليلي:

شكّلت أحداث 30 يونيو 2013 في مصر لحظة مفصلية في مسار التحوّل الديمقراطي الذي أعقب موجة "الربيع العربي"، فقد شهدت البلاد آنذاك ما وصفه كثيرون بـ"مؤامرة مدروسة" قادتها الدولة العميقة، وساندتها أطراف إقليمية، بهدف إجهاض تجربة ديمقراطية وليدة، وإعادة هندسة المشهد السياسي بما يتوافق مع مصالح قوى داخلية وخارجية.

في خضم هذا التحوّل، لعب الإعلام الغربي دورًا محوريًا في صياغة التصوّرات والتأثير على الرأي العام الدولي، فقد تراوحت التغطيات بين دعم مبطَّن للسلطة الجديدة، وبين انتقادات واضحة للانقلاب على المسار الديمقراطي.

هذا التباين كشف عن تحوّلات لافتة في خطاب وسائل الإعلام الغربية، انعكست من خلال تغير المفردات والمواقف والسرديات، بما يعكس تباين السياسات والمصالح الغربية تجاه المنطقة.

وانطلاقًا من هذه المعطيات، يسعى هذا التقرير إلى تفكيك ملامح الخطاب الإعلامي الغربي تجاه "مؤامرة 30 يونيو"، من خلال تحليل أنماط التغطية الإعلامية، والوقوف على آليات التوصيف السياسي، ومدى اتساقها مع مبادئ الحياد والمهنية التي ترفعها هذه الوسائل.

كما يتناول التقرير دور الإعلام المصري والخليجي في تعزيز هذا الخطاب، وترويج الرواية الرسمية للانقلاب.

كيف نسج الاعلام المصري والخليجي سردية 30 يونيو؟

وقبل التوغّل في تحليل مضامين الخطاب الغربي تجاه أحداث 30 يونيو، تبرز أهمية التوقّف عند الدور الإعلامي المحلي والإقليمي، وتحديدًا الإعلام المصري والخليجي، اللذين اضطلعا بمهمة مبكرة لصياغة سردية إعلامية تمهيدية، ركّزت على شيطنة السلطة القائمة آنذاك، ممثَّلة في أول رئيس مدني منتخب، والفصيل السياسي الذي ينتمي إليه، وذلك بهدف تهيئة الرأي العام المحلي والدولي، وتسهيل تمرير هذه السردية إلى المنصات الغربية.

وقد بلغ هذا الدور درجة من الوضوح جعلت بعض وسائل الإعلام المحسوبة على النظام الانقلابي تعترف به صراحة، بل وتُفاخر به كإنجاز وطني، ففي تقرير منشور بصحيفة "اليوم السابع" تحت عنوان: "كيف ساهم الإعلام الوطني في إنجاح ثورة الشعب في 30 يونيو؟"، أُشير بوضوح إلى أن الإعلام المصري تحمّل مسؤولية "توعية المواطنين" و"حشد الرأي العام لإسقاط الإخوان"، مؤكّدًا أن الإعلاميين لم يبالوا بتهديدات الجماعة التي وُصفت بالإرهابية، حتى بعد واقعة حصار مدينة الإنتاج الإعلامي، وأن قوائم الاغتيالات التي انتشرت لاحقًا تشهد على ذلك الدور.

كما يؤكد التقرير أن الإعلام المصري لعب دورًا حاسمًا في إنجاح ما سماها "ثورة 30 يونيو"، من خلال تعبئة الشارع وتحفيز المواطنين على الثورة ضد نظام الرئيس الراحل د. محمد مرسي، في واحدة من أجرأ عمليات التحريض السياسي والإعلامي الممنهج ضد أول تجربة ديمقراطية حقيقية تشهدها مصر.

وأضاف التقرير أن هذا التمهيد الإعلامي لم يكن وليد اللحظة، بل امتد على مدار عام كامل، عبر برامج خصصها إعلاميون بارزون لإثارة الشارع، وتسليط الضوء على أزمات ومشكلات مفتعلة نسّقتها أطراف من داخل الدولة العميقة، تمهيدًا لانقلاب بدا متكامل الأركان في مشهده الإعلامي والسياسي[1] .

وفي سياق الاعترافات الصريحة بأدوار الإعلام في تمهيد الطريق لأحداث 30 يونيو، برزت تصريحات محمد الباز، رئيس مجلسي الإدارة والتحرير بجريدة "الدستور"، كواحدة من الشهادات البارزة على انخراط الإعلام في قيادة هذا المسار السياسي.

 فقد أكد الباز أن الإعلام كان "القائد الحقيقي" في إنجاح ما سُمي بـ"ثورة 30 يونيو"، موضحًا أن جميع وسائل الإعلام – المقروءة والمسموعة والمرئية – توحّدت خلف القيادة العسكرية، في لحظة نادرة من الاصطفاف الكامل.

جاءت هذه التصريحات خلال ندوة نظّمتها "تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين" بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لـ30 يونيو، حيث أشار "الباز" إلى أن الإعلام المصري نجح في التأسيس لسردية إعلامية متماسكة، تم تصديرها إلى الغرب، وأسهمت في إقناع دوائر القرار ووسائل الإعلام الغربية بمشروعية ما جرى.

وأكمل "الباز" حديثه بالتأكيد على أن الصحف والوسائل الإعلامية المصرية لعبت دورًا محوريًا في هذا الحدث الذي، بحسب وصفه، "أعاد رسم الخارطة السياسية في الوطن العربي، بل والعالم كله".

ولفت إلى أن أولى خطوات نزع السلطة من النظام القائم آنذاك بدأت بنزع الهيبة، وهو ما تحقق من خلال الحملات الإعلامية التي استهدفت الرئيس الراحل محمد مرسي، وأسهمت في زعزعة حكم جماعة الإخوان المسلمين، تمهيدًا لإسقاطها[2] .

وفي سياق متصل، كشف تقرير نشره موقع "برلماني" عن حجم الدور الذي لعبه الإعلام المصري في التمهيد لأحداث 30 يونيو، مؤكدًا أن وسائل الإعلام المحلية كانت رأس الحربة في تلميع هذه الأحداث وترويجها أمام العالم، لاسيما لدى الصحافة الغربية. التقرير سلّط الضوء على شهادات إعلاميين بارزين، أقرّوا بمشاركتهم المباشرة في التحريض على النظام المنتخب، وفي صناعة سردية بديلة تم تسويقها كاستجابة شعبية.

من بين هؤلاء الإعلامي تامر أمين، المعروف بقربه من النظام الحالي، والذي أعلن صراحة أنه، إلى جانب عدد من الإعلاميين، ساهم في إثارة الرأي العام ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي.

وأكد أن الإعلام المصري كان له "الدور الأكبر في تهيئة وتحفيز المواطنين للنزول يوم 30 يونيو"، مضيفًا أن الإعلام كان أول من تصدّى لجماعة الإخوان المسلمين، ولعب دورًا مؤثرًا في تعبئة الشارع.

كما تضمن التقرير اعترافًا من الإعلامية جيهان منصور بأنها كانت حريصة، عبر برامجها على قناة "دريم"، على دعوة المصريين للنزول إلى الشارع ضد الرئيس مرسي.

وأشارت إلى أنها دعت صباح يوم 3 يوليو القوات المسلحة إلى تلبية ما وصفته بـ"رغبة الشعب"، وإعلان البيان رقم (1)، في إشارة إلى بيان الانقلاب، وهو ما تم بالفعل.

وأكدت أن "واجب الإعلام في تلك المرحلة" كان يقوم على صناعة رواية موجهة إلى العالم الخارجي، تظهر ما حدث باعتباره استجابة شعبية وليست تدخلاً عسكريًا.

وفي السياق نفسه، نقل التقرير تصريحات للإعلامي نشأت الديهي، أقر فيها بدور الإعلام في "مواجهة الإخوان" أثناء فترة حكمهم وبعدها، مشيرًا إلى أن هذه المواجهة كانت "ساخنة وغير مشروطة".

وأكد "الديهي" أن الإعلام نجح في نسج سردية مقنعة للداخل والخارج، صوّرت بقاء الرئيس مرسي في الحكم كخطر داهم على مصر والمنطقة بأسرها[3] .

أما الإعلام الخليجي، فلم يكن بمنأى عن هذا الدور الدعائي، بل كان شريكًا فاعلًا في الترويج لسردية 30 يونيو على المستوى الدولي، حيث اضطلعت العديد من الصحف الخليجية، لاسيما الإماراتية والسعودية، بدور مركزي في نقل الرواية الرسمية المصرية إلى المنصات الغربية، ومحاولة شرعنتها في أوساط الصحافة والرأي العام العالمي.

ومن الأمثلة اللافتة في هذا السياق ما نشرته صحيفة "الخليج" الإماراتية تحت عنوان: 30" يونيو تخترق الأزمات وتحقق مكاسب دولية"، حيث أكدت الصحيفة أن ما جرى في مصر كان محلّ تفهّم من الغرب، وأن الدول الغربية تعاملت مع الحدث باعتباره "إنقاذًا للدولة المصرية من جماعات إرهابية"، في إشارة واضحة إلى جماعة الإخوان المسلمين[4].

أيضا نشرت صحيفة "الخليج" تقريرا بعنوان "رفض مرفوض.. مطالب لاغية" ، ركز على رفض موقف قطر من أحداث 30 يونيو، مؤكدًا أنها دعمت جماعة الإخوان، وأن الغرب على دراية بالدور القطري "المشبوه" في دعم الإخوان، بحسب وصف الصحيفة[5]  .

 بدورها، انتقدت صحيفة "الاتحاد" تبريرات الإدارة الأمريكية لتعليق المساعدات العسكرية لمصر، في تقرير بعنوان "ديمقراطية مدفوعة الثمن"، معتبرة أن الحديث عن الديمقراطية مجرد "ذريعة"، وأن 30 يونيو كانت تعبيرًا عن إرادة الشعب المصري[6]  .

كما شاركت الصحف السعودية في الترويج لسردية 30 يونيو، ومن أبرز معالجاتها:

- ما نشرته صحيفة "الرياض" بعنوان "انتهت سنة أولى انقسام"، مؤكدة أن 30 يونيو أنهت حالة الانقسام في مصر، والتي كادت تؤدي إلى الشلل والفوضى[7]  .

 - وتحت عنوان "مرسي وافتقاد الحكمة"، أشارت صحيفة "عكاظ" إلى أن مرسي تسبب في اندفاع المصريين للشارع، وأنه رفض الوساطات، وأن ما حدث في 30 يونيو تم تفهمه دوليًا[8]   .

- وبعنوان "ثورة شعبية أنهت حكم الإخوان" ، تناولت صحيفة "المدينة" أحداث المظاهرات في مختلف المحافظات المصرية، وأكدت أن مصر على أعتاب مرحلة جديدة[9]   .

  كذلك ساهمت الصحف الكويتية في دعم هذه السردية، ومن أبرز الأمثلة مقال في صحيفة "الجريدة" بعنوان  "ثورة 30 يونيو كما رآها علي حرب"، حيث  قدّم الكاتب "علي حرب" قراءة فكرية لأحداث 30 يونيو، زاعما أنها أبرزت فعالية "ديمقراطية الميدان"، وأربكت حسابات الغرب وأميركا، وفشلت رهاناتهم على استمرار حكم الإخوان![10] .

هكذا كانت تصوّرات الإعلام العالمي عن 30 يونيو

تباينت مواقف الصحف الغربية تجاه أحداث 30 يونيو 2013 في مصر، بين من رآها استجابةً شعبية مشروعة تطلبت تدخّل الجيش، ومن وصفها صراحةً بأنها انقلاب عسكري أطاح بمسار ديمقراطي وليد.

هذا التفاوت لم يكن فقط في التوصيف، بل في التركيز على أبعاد سياسية واستراتيجية مختلفة بحسب الخلفيات التحريرية والمصالح الوطنية لكل وسيلة إعلامية، ففي حين ساندت بعض الصحف الغربية تدخل الجيش المصري، واعتبرته استجابة لمطالب الشارع، انتقدت صحف أخرى تغطية الإعلام الغربي نفسه، مشيرة إلى ما وصفته بانحيازه للمؤسسات القائمة على حساب الإرادة الشعبية والديمقراطية الوليدة.

وفي هذا السياق، قدّمت دراسة أكاديمية حديثة منشورة في المجلة العربية لبحوث الإعلام الصادرة عن الجامعة الكندية، بعنوان: "اتجاهات معالجة وسائل الإعلام الدولية لثورة 30 يونيو والمرحلة الانتقالية 2013–2014"، تقييمًا شاملًا لتناول الإعلام الدولي لهذا الحدث، فأكدت أن الإعلام الأمريكي والأوروبي - وخاصة البريطاني والفرنسي، والإسباني- بدا في البداية متحفظًا تجاه المسار "الانقلابي"، وامتنع عن دعمه صراحة، لا سيما في ما يتعلق بخارطة الطريق التي أُعلنت عقب عزل الرئيس محمد مرسي، وما تبعها من استحقاقات دستورية ورئاسية في عام 2014.

وأشارت الدراسة إلى أن الإعلام العربي، خاصة الخليجي، أظهر انحيازًا واضحًا لصالح 30 يونيو، وسعى للتأثير على الخطاب الإعلامي الغربي وتوجيهه، بما يخدم السردية الرسمية للسلطة المصرية الجديدة.

أما على مستوى القارة الأفريقية، فقد أظهر الإعلام الأفريقي موقفًا متأرجحًا في بدايات الأحداث، حيث لم تُبدِ معظم الدول الأفريقية تأييدًا واضحًا لـ30 يونيو، متأثرة في ذلك بالمواقف الغربية المتحفظة، غير أن هذا الاتجاه شهد لاحقًا تحوّلًا تدريجيًا نحو دعم استحقاقات خارطة الطريق، كما فعلت لاحقًا بعض المنصات الغربية.

وأبرزت الدراسة أن الإعلام الآسيوي – بوجه عام – كان أكثر ميلاً لتأييد ما جرى في مصر، فقد قدّم الإعلام الصيني دعمًا صريحًا للسلطة الجديدة، بينما اتسمت التغطيات اليابانية والهندية بالتردد والتذبذب بين التأييد والانتقاد.

أما الإعلام الصهيوني، فقد أبدى حماسة واضحة تجاه "الانقلاب" على المسار الديمقراطي، معتبرًا إياه مكسبًا استراتيجيًا لدولة الاحتلال، خصوصًا فيما يتعلّق بإضعاف حركة "حماس" التي كانت تحظى بدعم من جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك تعزيز دور الجيش المصري في مواجهة الجماعات المسلحة في سيناء.

وتوقّع الإعلام العبري آنذاك أن يلعب عبد الفتاح السيسي دورًا محوريًا في توسيع نطاق التطبيع مع تل أبيب[11].

أما بشأن تصورات الإعلام الأمريكي لـ"مؤامرة" 30 يونيو وما تبعها من تطورات، فقد أكدت دراسة بعنوان "تبدل المواقف: صورة مصر في الصحافة الأمريكية قبل ثورة 30 يونيو وبعدها"، نشرها المركز العربي للبحوث والدراسات في فبراير 2016، أن وسائل الإعلام الأمريكية لعبت دورًا بارزًا في تشكيل الصورة الذهنية حول ما جرى في مصر، وأظهرت في بدايات الأحداث رفضًا واضحًا للانحراف عن المسار الديمقراطي.

وقدّمت الدراسة مثالًا على ذلك بما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، التي أثارت قضية الانتقال الديمقراطي في مصر بنسبة 52.2% في افتتاحياتها اليومية، أي أنها تناولت هذه القضية في أكثر من نصف افتتاحياتها خلال تلك الفترة.

وهاجمت الصحيفة الجيش المصري واعتبرت ما حدث في 30 يونيو انقلابًا عسكريًا صريحًا على الديمقراطية.

وقالت: "مصر تواجه احتمالية التعرض لتغيير إجباري هذه المرة على يد الجيش، ويظل الرئيس محمد مرسي هو أول رئيس منتخب ديمقراطيًا، رغم إخفاقاته الكثيرة، ولا جدال في أن تكون إطاحة الجيش به انقلابًا عسكريًا مكتمل الأركان".

وأشارت الدراسة إلى أن "نيويورك تايمز" كشفت عن الموقف المرتبك للإدارة الأمريكية تجاه الأحداث في مصر، وتناولت ذلك بالنقد الحاد، ووصفت موقف واشنطن بـ"الارتباك، والتخبط، وعدم الحسم، وسلوك الطرق الملتوية والباهتة" في التعامل مع التطورات.

وأضافت الدراسة أن العديد من الصحف الأمريكية بدأت لاحقًا في التعامل مع الواقع السياسي الجديد في مصر، دون الإشارة إلى مواقفها السابقة، غير أن ملف حقوق الإنسان ظل حاضرًا بقوة في تغطيات الإعلام الأمريكي والغربي عمومًا، حيث واصلت هذه الوسائل توجيه انتقادات حادة للنظام المصري بشأن هذا الملف[12].

ويمكن تلخيص موقف معظم الصحف الغربية في أنها نظرت – في بداية الأمر – إلى أحداث 30 يونيو باعتبارها تمهيدًا لانقلاب عسكري خطط له قادة الجيش ونفذه عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع آنذاك، غير أن هذه النظرة سرعان ما بدأت تتغير، حيث اتجهت وسائل الإعلام الغربية تدريجيًا إلى التطبيع مع الوضع الجديد في مصر والتعامل معه كأمر واقع، مع الاستمرار في تغطية الشأن المصري من زاوية مهنية، خصوصًا فيما يتعلق بملفَي حقوق الإنسان والوضع الاقتصادي، اللذين حافظا على حضورهما البارز في التناول الصحفي الغربي.

نماذج من تغطية صحف غربية لـ"مؤامرة 30 يونيو"

لم تتناول الصحف الغربية ما يُعرف بـ"ثورة 30 يونيو" بشكل موحد في معالجاتها، بل تباينت الآراء والتحليلات بين وسيلة وأخرى، وفقًا لزاوية الرؤية والسياق السياسي المصاحب.

ويمكن تقسيم هذه التغطيات إلى تيارين رئيسيين: الأول يرى أن ما جرى كان هبّة شعبية هدفت إلى إنهاء حكم جماعة الإخوان المسلمين، فيما يرى الثاني أن الأحداث كانت بداية لمؤامرة انقلابية قادها الجيش للاستيلاء على السلطة.

إلا أن غالبية الصحف الغربية اتفقت على توصيف ما حدث في 30 يونيو 2013 باعتباره لحظة مفصلية في التاريخ المصري الحديث، خصوصًا أنه جاء على أنقاض ثورة شعبية حقيقية أفضت إلى أول حكم مدني منتخب في البلاد.

وقد استقطبت هذه التطورات اهتمامًا دوليًا واسعًا، واضطلعت الصحافة الغربية بدور مهم في تشكيل الرأي العام العالمي تجاهها.

الصحف التي عبّرت بوضوح عن موقف ناقد لما جرى، ورأت في 30 يونيو بداية لـ"انقلاب عسكري"، كانت على رأسها "نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست"، و"الجارديان"، فقد أكدت هذه الصحف أن الجيش المصري أطاح برئيس منتخب ديمقراطيًا، وسلطت الضوء على دور المؤسسة العسكرية بقيادة عبد الفتاح السيسي، في قيادة هذا المسار. كما تناولت تلك التغطيات الأرقام الحقيقية للمشاركين في التظاهرات، معتبرة أن التدخل العسكري شكّل تراجعًا خطيرًا عن المسار الديمقراطي الذي بدأ مع ثورة 25 يناير. واستخدمت بعض هذه الصحف مصطلحات صريحة، مثل "coup" (انقلاب)، في عناوينها، ما أسهم في ترسيخ صورة ما حدث باعتباره تدخلًا غير شرعي في الإرادة الشعبية.

في المقابل، انخرطت صحف غربية أخرى في السردية التي روّج لها الإعلام المصري والعربي الداعم للانقلاب، ووصفت ما جرى بأنه "ثورة شعبية"، ومن بين هذه الصحف "التايمز" البريطانية و"دير شبيغل" الألمانية، حيث نقلتا صورة مضخّمة عن حجم التظاهرات، ووصفتا ما حدث بأنه "تصحيح للمسار الديمقراطي".

 وقد عكست هذه التغطيات تأثرًا واضحًا بالرواية الرسمية، إلى جانب اعتبارات تتعلق بالمصالح السياسية والاقتصادية المشتركة بين بعض الدول الغربية والنظام الجديد في مصر.

وفيما يلي، نستعرض نماذج مختلفة من تغطيات هذه الصحف، بما يعكس التباين في المواقف وزوايا التناول:

- في افتتاحيتها بتاريخ 17 أغسطس 2013، بعنوان "The battle for Egypt"  (معركة مصر) ، تناولت مجلة The Economist تصاعد العنف من جانب الجيش المصري ضد أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي، مشيرة إلى الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين المؤيدين له، الأمر الذي أسفر عن مقتل المئات.

 وأعربت الصحيفة عن قلقها من أن تؤدي هذه الأحداث إلى إعادة البلاد إلى حالة الطوارئ التي استمرت ثلاثين عامًا في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، مؤكدة أن الحل لا يكمن في القمع، بل في العودة إلى المسار الديمقراطي.[13]

- وفي تقريرها المنشور بتاريخ 23 أغسطس 2013، بعنوان "Egypt braces for more mass protests; Obama voices concern"، (مصر تستعد لمزيد من الاحتجاجات الحاشدة وأوباما يعرب عن قلقه)، تناولت صحيفة The Washington Post  استعدادات السلطات المصرية لمواجهة موجة جديدة من الاحتجاجات، مشيرة إلى إجراءات مشددة شملت إغلاق عدد من المساجد الرئيسية وتعزيز الانتشار الأمني في مواقع التظاهر.

كما أبرز التقرير قلق الرئيس الأمريكي آنذاك، باراك أوباما، من تصاعد وتيرة العنف، خاصة بعد أن تكشفت للإدارة الأمريكية نوايا وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي وقيادات الجيش للانقلاب على المسار الديمقراطي في مصر [14]

- وفي مقال نشرته مجلة The New Yorker بتاريخ 15 يوليو 2013، بعنوان "The Showdown" (المواجهة) تناولت المجلة صعود حركة "تمرد" إلى واجهة المشهد السياسي المصري، مشيرة إلى الملابسات المثيرة للجدل التي أحاطت بجمع أكثر من 22 مليون توقيع للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

وأشار المقال إلى أن هذا الصعود لم يكن عفويًا، بل جاء نتيجة دعم من أطراف إقليمية، خاصة بعض الدول الخليجية، التي استغلت حالة الغضب الشعبي آنذاك، والتي فُسّرت على أنها نتاج أزمات اقتصادية ومعيشية مفتعلة خلال فترة حكم الرئيس محمد مرسي. [15] - وفي افتتاحيتها الصادرة بتاريخ 1 يوليو 2013، بعنوان “Egypt’s coup”( انقلاب مصر )، وصفت صحيفة The Guardian تدخل الجيش المصري بأنه انقلاب واضح على سلطة منتخبة ديمقراطيًا.

وأعربت الصحيفة عن قلقها من أن يؤدي هذا النموذج إلى ترسيخ فكرة إسقاط الحكومات المنتخبة عبر التظاهرات الشعبية، بما يهدد استقرار النظم الديمقراطية الوليدة.

كما وجّهت انتقادات حادة لصمت الحكومات الغربية وترددها في توصيف ما جرى في مصر بـ"الانقلاب"، معتبرة أن هذا التردد يعكس ازدواجية في المعايير الدولية تجاه التحولات السياسية في العالم العربي[16] .

- وفي تقريرها الصادر بتاريخ 1 يوليو 2013، بعنوان "Protests in Egypt dominate news coverage in Mideast"، ("الاحتجاجات في مصر تهيمن على التغطية الإخبارية في الشرق الأوسط")، تناولت صحيفة Los Angeles Times التغطية الإعلامية الواسعة للاحتجاجات في مصر، مسلطة الضوء على الانقسام الواضح في مواقف وسائل الإعلام العربية تجاه ما يجري.

وأشار التقرير إلى أن الإعلام المصري لعب دورًا بارزًا في تضخيم أحداث 30 يونيو، من خلال عرض صور ومقاطع فيديو شكك كثيرون في مصداقيتها، في محاولة لتصوير ما حدث على أنه "ثورة شعبية" واسعة النطاق، وهو ما أثار جدلًا بشأن التلاعب بالصور ونسب الحشود. [17]

- وفي تقريرها المنشور بتاريخ 30 يونيو 2013، بعنوان "Egypte : manifestations massives contre le pouvoir" (مصر: احتجاجات حاشدة مناهضة للحكومة)، نقلت صحيفة Le Monde الفرنسية دعوات المعارضة المصرية إلى مواصلة الاحتجاجات حتى تنحي الرئيس محمد مرسي، متهمة إياه بالاستبداد واحتكار السلطة. وأشار التقرير إلى بروز حركة "تمرد" كأحد المحركات الرئيسة للتعبئة الشعبية، موضحًا أنها أعلنت جمع أكثر من 22 مليون توقيع للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ما اعتبرته الصحيفة مؤشرًا على تصاعد الغضب الشعبي في الشارع المصري آنذاك[18] .

- وفي تقريرها الصادر بتاريخ 26 يونيو 2013، بعنوان "Fears of violence as Egypt nears June 30 protests"  ("مخاوف من العنف مع اقتراب احتجاجات 30 يونيو في مصر")، حذّرت صحيفة The Times البريطانية من احتمالية اندلاع أعمال عنف مع اقتراب موعد الاحتجاجات المقررة في 30 يونيو.

وأشارت إلى أن قوى المعارضة تنظر إلى هذه الاحتجاجات باعتبارها "الفرصة الأخيرة" لإجبار الرئيس محمد مرسي على التنحي عن الحكم.

كما نقلت الصحيفة عن منظّمي التظاهرات إعلانهم نية تشكيل حكومة انتقالية ووضع دستور جديد للبلاد، في حال نجحت الاحتجاجات في إسقاط النظام القائم[19] .

وفي مقال نشره موقع Common Dreams بتاريخ 4 يوليو 2013، بعنوان "Why the Western Media Are Getting Egypt Wrong" (لماذا تخطئ وسائل الإعلام الغربية في تصوير مصر؟)، وجّه الكاتب انتقادات حادة للتغطية الإعلامية الغربية للأحداث في مصر، معتبرًا أنها اتسمت بعدم الدقة والانحياز.

وأشار المقال إلى أن العديد من وسائل الإعلام الغربية بالغت في تصوير حجم الانقسام بين مؤيدي ومعارضي الرئيس محمد مرسي، بينما تجاهلت أو قللت من شأن حجم الاحتجاجات وتأثيرها الحقيقي على مجريات الأحداث.

واعتبر الكاتب أن هذا التناول السطحي أسهم في تشويش الرؤية الغربية تجاه ما جرى في مصر، وأضعف من قدرة الرأي العام الدولي على فهم تعقيدات المشهد السياسي المصري. [20]  .

- وفي تقريرها الصادر بتاريخ 13 يوليو 2013، بعنوان "Amid upheaval, Egypt's media blunders" ("في خضم الاضطرابات، أخطاء الإعلام المصري")، تناولت لجنة حماية الصحفيين (Committee to Protect Journalists) أوجه القصور والأخطاء التي شابت تغطية وسائل الإعلام الدولية للاحتجاجات في مصر، مشيرة إلى أن بعض المنصات الكبرى، مثل شبكة  CNN أخفقت في تقديم صورة دقيقة ومتوازنة لما يجري على الأرض.

وأشار التقرير إلى أن تغطية CNN مالت إلى تبني وجهة نظر مؤيدي الرئيس محمد مرسي، وهو ما أثار استياءً واسعًا في الشارع المصري، حيث اعتبر كثيرون أن التغطية لم تعكس حقيقة المشهد ولا تنوعه، وساهمت في تعميق حالة الاستقطاب. [21]  

- وفي مقالها المنشور بتاريخ 18 أغسطس 2013، بعنوان "Egypt to Media: Don’t You Dare Distort Our War on Terror"  (مصر لوسائل الإعلام: لا تجرؤوا على تشويه حربنا على الإرهاب)، تناولت مجلة Foreign Policy موقف الحكومة المصرية من تغطية وسائل الإعلام الأجنبية لأحداث ما بعد 30 يونيو، مشيرة إلى أن السلطات المصرية وجهت انتقادات حادة للعديد من المنصات الدولية، متهمة إياها بالانحياز لجماعة الإخوان المسلمين وتشويه ما وصفته بـ"الحرب على الإرهاب".

وأوضح المقال أن هذا الاتهام كان جزءًا من استراتيجية دعائية رسمية تهدف إلى نزع الشرعية عن المعارضين، في حين أن الواقع على الأرض- بحسب المجلة- أظهر أن الانقلاب العسكري لجأ إلى استخدام مفرط للقوة في مواجهة المعارضين، ما أوقع أعدادًا كبيرة من الضحايا وأثار انتقادات حقوقية واسعة. [22]  .

- نشرت صحيفة Wall Street Journal  تقريرًا بعنوان "شاهد عيان على أحداث 30 يونيو وكواليس الغرف المغلقة"، قدّم فيه الباحث الأمريكي إريك تراجر شهادة لافتة بشأن خلفيات ما جرى في مصر.

وأكد أن ما حدث لم يكن وليد لحظة غضب شعبي فحسب، بل جاء نتيجة تخطيط ممنهج من قبل "الدولة العميقة" للتخلص من الرئيس محمد مرسي، الذي -بحسب شهادته- لم يكن يملك السيطرة الحقيقية على مؤسسات الدولة.

وأضاف أن حركة "تمرد"، التي تصدّرت واجهة المشهد، كانت في الأصل صنيعة خليجية، تم دعمها سياسيًا وإعلاميًا وماليًا لتهيئة الأجواء لإسقاط النظام المنتخب. [23]  

- وفي تقريرها الصادر بتاريخ 30 يونيو 2013، بعنوان "ملايين شاركوا في مظاهرات 30 يونيو واعتصام المعارضة باق حتى انتقال السلطة"، أكدت وكالة الأنباء الألمانية مشاركة ملايين المصريين في التظاهرات، وتصميمهم على رحيل الرئيس محمد مرسي.

وأبرز التقرير أن الجيش المصري انحاز إلى الموقف الشعبي، مما عزز موقف المحتجين. كما أشار إلى أن هذه الاحتجاجات كانت الأكبر منذ الإطاحة بالرئيس حسني مبارك عام 2011، مع تنظيم احتجاجات متزامنة في ميدان التحرير وأماكن أخرى في القاهرة.[24]  .

- وفي تقرير نشره موقع CNN Arabic بعنوان "انزل يا سيسي مرسي مش رئيسي.. إعلامي مصري يثير تفاعلاً بمنشور حول هتافات المظاهرات بذكرى 30 يونيو"، أشار التقرير إلى أن الشارع المصري انتفض ضد حكم الرئيس محمد مرسي، وأن القوات المسلحة انحازت لمطالب الشعب.

كما أكد التقرير دور الإعلام المصري في دعم هذه الحركة الشعبية، من خلال بث رسائل تحريضية ومساندة لتلك الاحتجاجات التي مهدت للتغيير السياسي[25] .

- وفي تقرير نشرته مجلة The Daily Beast بتاريخ 12 يوليو 2013، كشفت عن وجود لقاءات منتظمة بين قادة سابقين في الجيش المصري وشباب حركة "تمرد".

ونقلت المجلة عن محب دوس، أحد منظمي حملة "تمرد"، قوله إن قادة من الجيش ومؤسسات الدولة تواصلوا مع الحركة وأكدوا رغبتهم في الإطاحة بالرئيس محمد مرسي. وأوضح "دوس" أن العسكريين طلبوا من المتظاهرين تجنب الهتافات التي تهاجم الجيش أو الشرطة، مقابل ضمان تأمين المظاهرات، وهو ما تم الالتزام به فعليًا خلال الأحداث[26] .

الصحف الصهيونية تؤيد مؤامرة "30 يونيو"

أظهرت الصحافة "الإسرائيلية" تأييدًا ضمنيًا للخطوات التي اتخذتها القيادة المصرية بعد 30 يونيو، معتبرة أن هذه الإجراءات كانت ضرورية للحفاظ على استقرار مصر والمنطقة. ومع ذلك، ركزت هذه التغطيات بشكل رئيسي على الجوانب السياسية والاستراتيجية، دون التوسع في مناقشة التداعيات الإنسانية وحقوق الإنسان التي صاحبت "مؤامرة" 30 يونيو.

وقد أبدت الصحف الصهيونية اهتمامًا كبيرًا بتغطية مجريات الأحداث، معبرة عن دعمها للخطوات التي اتخذتها القيادة العسكرية آنذاك. ففي هذا السياق، أشارت صحيفة "هآرتس" إلى أن "ثورة 30 يونيو" كانت رد فعل شعبيًا ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين، معتبرة أن الإطاحة بالرئيس محمد مرسي جاءت استجابة لمطالب الشعب المصري.

أما صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فقد ركزت على الدور الذي لعبه الجيش المصري في الإطاحة بمرسي، موضحة أن الجيش استجاب لمطالب الشعب في وقت حساس، ما ساهم في استقرار الأوضاع في مصر.

بدورها، تناولت صحيفة "إسرائيل اليوم" الحدث من منظور استراتيجي، مشيرة إلى أن الإطاحة بمرسي كانت خطوة مهمة في تعزيز الاستقرار الإقليمي، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقات بين مصر وإسرائيل[27]  .

وفي دراسة نشرها موقع "الشارع المصري" عام 2020 بعنوان "آفاق وأبعاد الدور الإسرائيلي في إنجاح انقلاب 30 يونيو"، تم التأكيد على أن الكيان الصهيوني وقيادته منحوا الضوء الأخضر للإعلام الصهيوني لتعزيز موقف المشاركين في الانقلاب.

وأشارت الدراسة إلى أن مجلة الدفاع "الإسرائيلي" المتخصصة في شؤون الأمن كشفت عن استهداف حكومة الاحتلال لنظام الرئيس محمد مرسي منذ انتخابه، مؤكدة تورط الأجهزة الاستخباراتية "الإسرائيلية" والأميركية في عمليات تجسس على مصر خلال عام 2012 وجمع معلومات استخبارية عنها.

وأوضحت المجلة أن وحدة الاستخبارات الإلكترونية "الإسرائيلية" المعروفة بـ"وحدة 8200" ووكالة الأمن القومي الأميركية (NSA) تعاونتا في التجسس على مصر بعد انتخاب مرسي، مستندة إلى تسريبات "ويكيليكس".

كما أفادت الدراسة بأن قيادة الاستخبارات الوطنية الأميركية (ODNI) أمرت في يوليو 2012 وكالة الأمن القومي بتوسيع تعاونها مع "وحدة 8200" في جمع المعلومات الاستخبارية عن مصر، مع التشاور بين الجانبين لاختيار أهداف استراتيجية.

وأكدت الدراسة أن أحداث 30 يونيو شكّلت طوق نجاة للصهاينة من نظام "مرسي" الذي دعم بقوة قادة حركات المقاومة الفلسطينية.

كما أشارت إلى تواصل الإدارة المصرية الجديدة مع الإدارة الأميركية لقبول الوضع الجديد في مصر، وذكر الإعلامي توفيق عكاشة، في اعتراف صريح، أنه نصح السيسي وقيادات الجيش بالتواصل مع قيادات الكيان الصهيوني للضغط على الولايات المتحدة لقبول انقلاب 30 يونيو وما تلاه من أحداث[28]  .

يتضح لنا من خلال النماذج السابقة مجموعة من الحقائق المهمة حول موقف الصحافة الغربية من "مؤامرة 30 يونيو"، يمكن تلخيصها فيما يلي:

  • كشفت العديد من الصحف الغربية حقيقة ما جرى في مصر من مؤامرة الدولة العميقة وقيادات الجيش على المسار الديمقراطي، ووجهت انتقادات لاذعة لقادة الجيش الذين أطاحوا بأول حكم مدني منتخب في مصر.
  • انحازت بعض الصحف الغربية، لأسباب أيديولوجية وسياسية، إلى خطوات الجيش في هذه المؤامرة، متجاهلة المبادئ الديمقراطية التي تروج لها بشكل مستمر.
  • تعرضت وسائل الإعلام الغربية لضغوط من بعض الأنظمة، سعياً منها لتمرير "مؤامرة 30 يونيو" حفاظًا على مصالح سياسية واقتصادية.
  • حاولت أنظمة خليجية استخدام نفوذها للتأثير على بعض الصحف الغربية ومنعها من نقل الحقيقة التي تمثل انقلابًا على المسار الديمقراطي في مصر.
  • كانت الصحافة الصهيونية من أكثر وسائل الإعلام دعماً وإجماعًا على تأييد ما حدث في مصر منذ 30 يونيو، معتبرة ذلك خطوة استراتيجية لتعزيز مصالحها في المنطقة.

تأثير الإعلام الغربي على الرأي العام الدولي تجاه "30 يونيو"

أثّرت التغطية الإعلامية الغربية بشكل واضح في تشكيل انطباعات متباينة لدى الرأي العام العالمي حول طبيعة أحداث 30 يونيو، سواء باعتبارها ثورة شعبية حقيقية أو انقلابًا عسكريًا مدبرًا.

في البداية، تبنّت الحكومات الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، مواقف مترددة وحذرة، متأثرة بالتقارير الإعلامية والرأي العام، مما أدى إلى تجميد جزئي لبعض المساعدات العسكرية لمصر لفترة مؤقتة، إلا أن هذه الحكومات سرعان ما تعاملت مع الإدارة الانقلابية، مفضّلة مصالحها الاستراتيجية في المنطقة على الالتزام بالمبادئ الديمقراطية.

كما تركت هذه التغطية أثرًا واضحًا على مواقف المنظمات الحقوقية الدولية، التي انتقدت فيما بعد القمع الممنهج للمعارضين عقب أحداث 30 يونيو.

ورغم الدور المهم الذي لعبته الصحف الغربية في تشكيل الرأي العام العالمي حيال "مؤامرة" 30 يونيو، إلا أنها لم تلتزم دائمًا بالحيادية. إذ انقسمت التغطيات بين من اعتبرها انقلابًا عسكريًا على تجربة ديمقراطية ناشئة، ومن رآها ثورة شعبية ضد حكم استبدادي، مما أفرز صورة متضاربة للحدث في الخارج، رغم وضوح المعايير الديمقراطية الغربية.

وبينما حافظت بعض الصحف على الموضوعية والمهنية في تغطياتها، تجاهلت أخرى هذا المبدأ، متأثرة بتحيّزات أيديولوجية وسياسية.

وتُظهر هذه المعطيات أن الخطاب الإعلامي الغربي تجاه أحداث 30 يونيو لم يكن مجرد نقل للمعلومات، بل كان انعكاسًا لمواقف سياسية ومصالح استراتيجية متشابكة. فقد تنوعت التوصيفات السياسية والتحولات الخطابية باختلاف السياقات الدولية والمواقف الإيديولوجية، وظهر ذلك جليًا في التغطيات الإعلامية المختلفة في الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وغيرها، والتي تعكس مواقف حكوماتها وتحالفاتها الإقليمية.

وتؤكد هذه التحولات الخطابية كيف أن الإعلام الغربي لا يعمل بمعزل عن البيئة السياسية التي ينشط فيها، بل يشكّل أداة فاعلة في إعادة إنتاج سرديات محددة تخدم رؤى ومعايير تلك الأنظمة.

المصادر:

[1]  " كيف ساهم الإعلام الوطنى فى إنجاح ثورة الشعب فى 30 يونيو؟.. وضع على عاتقه توعية المواطنين وحشد الرأى العام لإسقاط الإخوان.. ولم يهاب تهديدات الجماعة الإرهابية بعد حصار مدينة الإنتاج.. وقوائم الاغتيالات خير شاهد" ، اليوم السابع ، 20 أكتوبر 2020 ، https://2u.pw/aPMXr

[2]   محمد الباز فى ندوة التنسيقية: الإعلام الوطنى له دور بارز فى نجاح ثورة 30 يونيو " ، الدستور،  1يوليو 2024  ، https://2u.pw/xoFbB

[3]  "الإعلام كلمة السر فى 30 يونيو" ، موقع برلماني ، 01 يوليو 2018  ،   https://2u.pw/R5FaW

[4]   "30 يونيو تخترق الأزمات وتحقق مكاسب دولية" صحيفة الخليج الإماراتية ، 5يولوي 2013 ،   https://2u.pw/t5iGX

[5]   "رفض مرفوض.. مطالب لاغية"، صحيفة "الخليج"، https://2u.pw/6Uq4K

[6]   "ديمقراطية مدفوعة الثمن"،  صحيفة "الاتحاد" ، 12 اعسطس 2013 ، https://2u.pw/56fTK

[7]  "أنتهت سنة أولى انقسام"، صحيفة "الرياض" السعودية، 1 يوليو 2013 ،  https://2u.pw/pXs0x

[8]  "مرسي وافتقاد الحكمة "، صحيفة "عكاظ" السعودية ، 13 يوليو 2013 ، https://2u.pw/ZfeOC

[9]   "ثورة شعبية انهت حكم الاخوان" ،  صحيفة "المدينة" السعودية، 9يوليو 2013 ، https://2u.pw/55TWE

[10]  "ثورة 30 يونيو كما رآها علي حرب" ، صحيفة الجريدة الكويتية ، 14 يوليو 2014 ، https://2u.pw/55TWE

[11]   شيماء أنور محمد ، "اتجاهات معالجة وسائل الإعلام الدولية لثورة 30 يونيه والمرحلة الانتقالية 2013-2014 " ، المجلة العربية لبحوث الإعلام الصادرة عن الجامعة الكندية، 10 يوليو 2020  ، https://goo.su/7cJzO1e

[12]  أ.د. شريف درويش اللبان، "تبدل المواقف: صورة مصر في الصحافة الأمريكية قبل ثورة 30 يونيو وبعدها" ، المركز العربي للبحوث والدراسات، 22 فبراير 2016 ، https://www.acrseg.com/39946

[13]  "The battle for Egypt"، صحيفة " The Economis" ، 17 أغسطس 2013، https://2u.pw/Ox3Ay

[14]  "Egypt braces for more mass protests; Obama voices concern" ، صحيفة The Washington Post""، 23 أغسطس 2013، https://2u.pw/pxbUj

[15]  "The Showdown"، صحيفة " The New Yorker" ، 15 يوليو 2013،   https://goo.su/clFUbMz

[16]   “Egypt’s coup d’état”، صحيفة " The Guardian" ، 1 يوليو 2013،  https://goo.su/LHiGpt

[17]  "Protests in Egypt dominate news coverage in Mideast"،صحيفة " Los Angeles Times" ،  1يوليو 2013 ، https://goo.su/Q5ovByC

[18]  "Egypte : manifestations massives contre le pouvoir" ، صحيفة " Le Monde.fr"  ، 30 يونيو 2013 ، . https://2u.pw/l2bb4

[19]  "Fears of violence as Egypt nears June 30 protests"، صحيفة "The Times "، 26 يونيو 2013 ، https://2u.pw/780PI

[20]   "Why the Western Media Are Getting Egypt Wrong” ، صحيفة "Common Dream "، 4 يوليو 2013 ، https://goo.su/Ma4c

[21]   "Amid upheaval, Egypt's media blunders"، صحيفة " Committee to Protect Journalists" ، 13 يوليو 2013، ttps://2u.pw/hXKiy

[22]  "Egypt to Media: Don’t You Dare Distort Our War on Terror"، صحيفة " Foreign Policy" ، 18 أغسطس 2013 ، https://2u.pw/s0YOS

[23]  "وول ستريت جورنال: شاهد عيان على أحداث “3” يوليو 2013 وكواليس الغرف المغلقة" ، موقع "وطن" ، 4 يوليو 2016 ، https://2u.pw/RHhRd

[24]  "الوكالة الالمانية:  ملايين شاركوا في مظاهرات 30 يونيو واعتصام المعارضة "باق" حتى انتقال السلطة" ، موقع "D.W " ، ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ، https://2u.pw/iB8ZW

[25] ""انزل يا سيسي مرسي مش رئيسي".. إعلامي مصري يثير تفاعلا بمنشور حول هتافات المظاهرات بذكرى 30 يونيو" ، سي ان ان ، 30 يونيو  حزيران 2024 ، https://2u.pw/eFobI

[26]  خليل العناني،"عن " 30 يونيو " وما تلاها" ، العربي الجديد، 01 يوليو 2014، https://2u.pw/6Lc9L

[27]   برنامج "شات.جي .بي. تي " للذكاء الاصطناعي "بتصرف"

[28]  "آفاق وأبعاد الدور الإسرائيلي في إنجاح انقلاب 30 يونيو" ، الشارع السياسي،  23 يونيو  2020 ، https://politicalstreet.org/2700