الجوع يطحن المصريين .. 74% من الأسر لا تجد ضروريات الحياة!!
الاثنين - 5 ديسمبر 2022
- خبراء : المصريون يعيشون كل أنواع الفقر والجوع بشكل غير مسبوق
- "اليونسيف": الجوع والفقر طالا اطفال ضمن ٣٦ بلداً يتركز فيها سوء التغذية
- 70% من المصريين يعيشون تحت مظلة الفقر بسبب السياسات الاقتصادية الفاشلة
- 3022 حالة انتحار عام 2019 معظمها بسبب سوء الأحوال المعيشية وتراجع الدخل
- انخفاض دخول 20% من الأسر ما بين مايو وأغسطس 2022.. ونصفها بلا عائل
- 74% من الأسر المصرية قللت الأنفاق على الطعام وثُلثها لا يجد احتياجاته الأساسية
- 85% من الأسر لجأت للاقتراض و95% قللوا تناول اللحوم والطيور والأسماك والفواكه
- 73.5 من المصريين انخفضت دخولهم بعد كورونا.. والأجور تراجعت بنسبة 14.5%
- أعداد المهاجرين زادت بنسبة 110.9% خلال عام 2021 بسبب الفقر وتراكم الديون
- مصر بالمرتبة الأولى عربياً في معدلات الانتحار بعد أغتصاب السيسي مقاليد الحكم
إنسان للإعلام- خاص:
تتوالي التقارير الرسمية الحكومية لتؤكد أن مصر غرقت في وحل الجوع والفقر، بسبب الازمات المستمرة، والسياسات الاقتصادية الفاشلة، وخاصة في آخر خمس سنوات.
و كشفت دراسة حديثة للجهاز المركزي للإحصاءانخفاض دخول نحو20% من الأسر المصرية في الفترة ما بين مايو وأغسطس 2022 منهم50% فقد مُعيل الأسرة لعمله
و أكدت أن 74% من الأسر المصرية قللت الإنفاق على الطعام وثُلث هذه الأسر تعاني من عدم كفاية الدخل للوفاء بالاحتياجات الأساسية، كما كشفت أن 85% من الأسر لجأت للاقتراض لمعالجة عدم كفاية دخولهم بينما اعتمد 2.3% فقط على مدخراتهم.
من خلال السطور التالية نفتح ملف الفقر والجوع في مصر، ونرصد أثر الأزمات الاقتصادية على واقع الأسر المصرية.
75% من الأسر قللت الإنفاق على الطعام
رصدت دراسة نشرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، خلال شهر نوفمبر 2022 ، الآثار الاجتماعية للأزمة الاقتصادية ،و انخفاض دخول نحو 20% من الأسر المصرية، في الفترة ما بين مايو وأغسطس 2022 ، نصفها تقريبًا نتيجة فقدان مُعيل الأسرة لعمله، فيما قل إنفاق حوالي 74% من الأسر على الطعام، وذلك بحسب الدراسة، التي جرت على أكثر من عشرة آلاف أسرة، والتى رصدت أن الحاصلين على شهادة فوق جامعية كانوا من أكثر الفئات التي تضررت، وخسر أكثر من 20٪ منهم عملهم، كما أظهرت أن ثُلث الأسر تعاني من عدم كفاية الدخل للوفاء بالاحتياجات الأساسية، وذلك بنسبة أعلى في الريف عن الحضر.
بحسب الدراسة، التي جرى المسح الخاص بها بداية أغسطس، تناسب الدخل عكسيًا مع عدد أفراد الأسرة، فكانت دخول ثلث الأسر المُكونة من 3 أفراد لا تكفي، بينما تعجز دخول نصف الأسر ذات الستة أفراد أو ما يزيد عن كفايتها، ولذلك لجأت الغالبية العظمي من الأسر إلى الاقتراض لمعالجة عدم كفاية دخولهم، بينما اعتمد 2.3% فقط على مدخراتهم.
وكانت نسبة الأسر التي انخفضت دخولها في الريف أعلى منها في الحضر، فيما ارتفعت دخول 0.2% من أسر الريف، مقابل 1.2% في الحضر.
هذا الارتفاع في الدخول تأتّى في المقام الأول من زيادة المعاشات وممارسة عمل إضافي، ثم بسبب زيادة المساعدات المُقدمة من الجمعيات الأهلية، تلاها المساعدات المُقدمة من أهل الخير.
وعكست البيانات مستويات اللامساواة الكبيرة في الدخول، مشيرة إلى أن حوالي 74% من الأسر قل إنفاقها على الطعام، جراء الأزمة، وظَلّ مستوى إنفاق حوالي 26% ثابتًا، فيما ارتفع الإنفاق على الطعام لدى 0.3% من الأسر.
وتكيفت الأسر التي خفضت إنفاقها على الطعام، بطرق عدة، حيث قلل حوالي 95% منها من تناول اللحوم والطيور والأسماك، إلا أن الدراسة لم تُحدد مقدار تراجع أنواع البروتين من على مائدة الذين خفضوا إنفاقهم على الطعام، وجاء الأرز، كثاني صنف أجمعت الأسر (75%) على خفض استهلاكه، ثم الفاكهة والبيض والسكر والخضر والمكرونة والخبز على التوالي.
واختلفت أنماط الاستهلاك التي تأثرت بخفض الغالبية العُظمى من الأسر المدة الزمنية التي تغطيها بشراء الاحتياجات الأساسية إلى أسبوع فقط، وذلك على عكس سلوكهم قبل الأزمة -ولم تذكر الدراسة المدد السابقة على وجه التحديد، حين لجأ حوالي 4% فقط من الأسر إلى الشراء بكميات كبيرة للتخزين.
ورصدت الدراسة أن نصف الأسر ترى أن أسعار السلع الغذائية وغيرها، زادت بمقدار 100% أو أكثر."1"
اللجوء للاقتراض عرض مستمر في البيوت المصرية
وتوالت الدراسات الحكومية لتؤكد غرق الأسر المصرية في الاقتراض، ففي نهاية نوفمبر الماضي، أجرى الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء مسح ميداني على عينة ممثلة للأفراد والمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والوكالة الألمانية، وذللك للوقوف على الفجوات الخاصة بالجانب المعروض من الخدمات المالية، بهدف وضع أهداف ورؤية الشمول المالي عام 2022 حتى 2025.
أسفرت نتائج مسح الأفراد، عن أن 48% من المواطنين اتبعوا سياسية الاقتراض، بينما 33% من المواطنين ادخروا أموالهم بطرق مختلفة.
كما أن النتائج أثبتت أن 52% من المواطنين من 16 سنة فأكثر يستخدومون النقد في عمليات التحويل، بينما 34% من المواطنين يستقبلون التحويلات المالية من خلال خدمات مالية رقمية."2"
وفي سياق متصل كشفت دراسة أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، في عام 2020، لقياس أثر الأزمة الاقتصادية وفيروس كورونا على حياة الأسر المصرية، أكدت انخفاض دخل غالبية المصريين، ولجوء أكثر من نصفهم إلى الاقتراض والصدقات لتغطية احتياجاتهم المعيشية والاستغناء عن أطعمة أساسية، في ظل ارتفاع الأسعار وتزايد أعداد من فقدوا أعمالهم.
وجاء في الدراسة أن 61.9% من إجمالي المصريين تغيرت حالتهم العملية عقب الأزمة، حيث ضربت البطالة أكثر من ربعهم (26.2%) واضطروا إلى ترك عملهم نهائيا، في حين بات أكثر من نصف المشتغلين (55.7%) يعملون أياما أو ساعات أقل من المعتاد، فضلا عن تحول 18.1% آخرين إلى العمل بشكل متقطع.
وأضافت الدراسة أن أزمة فيروس كورونا أدت إلى انخفاض دخل نحو 3 أرباع المصريين (73.5%)، منذ نهاية فبراير/شباط الماضي وحتى نهاية مايو/أيار، وكان أبرز أسباب هذا الانخفاض هو الإجراءات الاحترازية بنسبة 60.3%، ثم التعطل عن العمل 35.5%، وانخفاض الطلب على النشاط 31.5%، إلى جانب خفض الأجور 14.5% وتوقف المشروع مؤقتا 12.9% أو نهائيا 2.2%.
وأظهرت الدراسة أن تراجع الدخل وارتفاع الأسعار بالتزامن مع أزمة فيروس كورونا، أجبر معظم المصريين على التقشف والاستغناء عن العديد من الأطعمة الأساسية، حيث خفضت 89.8% من الأسر المصرية استهلاكها الأسبوعي من اللحوم والطيور والأسماك، وانخفض استهلاك اللحوم بنسبة 25.7% والطيور 22.8% والأسماك 17.5% والفاكهة 14.5%.
كما قللت 36% من الأسر المصرية كمية الطعام في الوجبات، واضطر 19.8% إلى تقليل عدد الوجبات الغذائية اليومية.
وفي المقابل، لجأ 92.5% من الأسر المصرية إلى أنواع أرخص من الطعام مثل البقوليات والمعلبات، ليزداد استهلاك الأرز بنسبة 7% والبقوليات بنسبة 6.1%.
وأجبرت أزمة جائحة كورونا -وفق الدراسة- نحو نصف الأسر المصرية (50.1%) على الاعتماد على المساعدات من الأقارب والأصدقاء لتغطية احتياجات الأسرة الأساسية، بينما لجأ 28.2% إلى شراء الطعام بالأجل، واقترض 25.7% الأموال لشراء الغذاء، وبحث 16% عن المساعدة من التبرعات والصدقات لشراء الغذاء، واحتال آخرون 4.6% بإرسال أفراد الأسرة لتناول الطعام لدى الآخرين، واضطر 18.3% إلى اللجوء إلى استخدام مدخراتهم أو بيع مصوغاتهم.
وزاد من أعباء الأسر المصرية اضطرارها إلى زيادة إنفاقها على الأدوات الطبية مثل الكمامات والقفازات (46.5%) إلى جانب المنظفات والمطهرات (67%)، لتطبيق إجراءات الوقاية الاحترازية، إلى جانب ارتفاع فواتير الإنترنت (5.6%) مع لجوء البعض إلى العمل من المنزل.
وأشارت الدراسة إلى أنه خلال مايو 2020 وحده، عانى ثلث الأسر المصرية (33.2%) من عدم كفاية الدخل للوفاء باحتياجاتها، وارتفعت النسبة في الريف لتصل إلى 34.3% مقابل 31.8% في الحضر.
وطبقا للدراسة، يتوقع أكثر المصريين 48.2% حدوث انخفاض جديد في مستوى الدخل خلال الشهور الـ3 القادمة، مقابل نسبة تصل إلى 46.5% من الأسر توقعت ثبات مستوى الدخل.
ووفقا لبيانات سابقة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يوجد 11.85 مليون عامل (عمالة غير منتظمة) من أصل 25.7 مليون مشتغل، ولا يتمتعون بتأمين صحي أو معاش اجتماعي أو أجور منتظمة."3"
وفي سياق متصل، أكد تقرير لمنظمة اليونسيف صدر عام 2018 ، أن سوء التغذية هو سبب ثلثي وفيات الأطفال في العالم ، وتعتبر مصر ضمن ٣٦ بلداً يتركز فيها ٩٠٪ من عبء سوء التغذية العالمي.
ووصلت معدلات التقزم بين الأطفال دون الخامسة إلى ٢١٪ في ٢٠١٤، بينما وصلت معدلات نحافة الأطفال ونقص الوزن إلى ٨ و٦٪ على الترتيب وكانت مصر في مقدمة دول العالم في ذلك .
بالإضافة إلى العبء المزدوج لسوء التغذية، فإن الأنيميا (فقر الدم أو نقص في الخلايا الحمراء / الهيموجلوبين في الدم الذي يؤدي إلى شحوب وإرهاق) تمثل تحديًا كبيرًا في مصر؛ حيث تؤثر على ٢٧٫٢٪ من الأطفال دون سن الخامسة و ٢٥٪ من النساء في سن الإنجاب (١٥-٤٩ سنة). يعد فقر الدم أثناء الحمل أحد الأسباب الرئيسية لفقر الدم عند الرضع والأطفال، ويمكن لسلسلة من التدخلات ذات التكلفة المعقولة خلال الأيام الألف الأولى من حمل المرأة حتى عيد ميلاد الطفل الثاني أن تزيد من قدرة الطفل على النمو.
وأكد مسح الجوانب الصحية في مصر ٢٠١٥ أن الأمراض غير المعدية تتزايد، وهي من بين الأسباب الرئيسية للوفاة في مصر، وأرجع التقرير الأسباب المباشرة لسوء التغذية للأطفال بمصر إلى عدم كفاية المدخلات الغذائية، وهو ما يظهر في الممارسات الغذائية الضارة للرضع والأطفال الصغار، في ظل أتساع دائرة الفقر بها .
وقال التقرير: ومن أسباب سوء التغذية في مصر أيضًا ضعف الحصول على نظام غذائي متوازن لدى الشرائح الأفقر من المجتمع (أو بعبارة أخرى: انعدام الأمن الغذائي)، إضافة إلى العادات الغذائية ونمط الحياة السيء ونقص الوعي الغذائي بين السكان حول الغذاء المتاح. وعلاوة على ذلك، فإن ٣٦٪ فقط من الأسر تتخلص من براز الأطفال بشكل لائق، وهو ما يشير إلى أوضاع بيئية سيئة ويُعد ضمن أسباب نقص التغذية بشكل غير مباشر."4"
شبح الجوع يهدد 50 دولة في مقدمتها مصر
وفي مارس 2022، حذّرت الأمم المتحدة، مِن تعرّض 50 دولة إفريقية وشرق أوسطية لشبح الجوع جرّاء الحرب في أوكرانيا،وعلى رأسها مصر ، وبخاصة سكان الريف والفقراء، حيث أثّرت على إنتاج ثُلث الغذاء في العالَم.
ووفقا للصندوق الدولي للتنمية الزراعية التابع إلى الأمم المتحدة "إيفاد"، فإن الحرب في أوكرانيا تسببت بالفعل في ارتفاع أسعار الغذاء ونقص المحاصيل الأساسية في أجزاء من وسط آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا
وأدت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا إلى تقليص عدد الشحنات بشدة من البلدين اللذين يمثلان نحو 25% من صادرات القمح العالمية، و16% من صادرات الذرة العالمية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية
ومنذ بداية الحرب، قفزت أسعار القمح بنحو 29.18% لتتخطى 11 دولارا للبوشل، وهو رقم أكبر بنحو الضعف من سعر القمح في نفس الفترة من العام الماضي عندما راوح 6 دولارات للبوشل.
قال صندوق "إيفاد" إن ذلك يؤثر على أسعار التجزئة للمواد الغذائية في بعض أفقر الدول في العالم، كما يعرض الدول الفقيرة والضعيفة لشبح الجوع، ومنها مصر حسب وكالة "رويترز".
وهناك أكثر من 50 دولة تتلقى من أوكرانيا وروسيا أكثر من 30% من الحبوب حيث يقع معظمها في شمال إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، وتعد مصر من البلدان ذات الدخل المنخفض وتعاني من عجز غذائي.
ويقول الخبير المصري نادر نور الدين، الأستاذ بكلية الزراعة في جامعة القاهرة، إن الدول المستوردة لأغلب غذائها تعاني مِن تقلبات الأسواق العالمية لتصدير الغذاء، سواء بسبب الحروب والصراعات أو بسبب الجفاف والقحط وحرائق الغابات أو ارتفاع أسعار البترول وعلاقته الوثيقة بارتفاع أسعار الغذاء أو بسبب مضاربات البورصات لرفع الأسعار أو تقليص الدول المصدرة لمساحات زراعات الحبوب لرفع الأسعار ومنها مصر .
كما حذّر صندوق النقد الدولي من أن "الحرب في أوكرانيا تعني الجوع في إفريقيا خاصة مصر "، بينما حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس من "إعصار من المجاعات" يمكن أن يضرب العديد من البلدان الضعيفة في الأصل.
كانت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) حذرت من أن 8 إلى 13 مليون شخص إضافيين قد يعانون من نقص التغذية في العالم إذا أوقفت الصادرات الغذائية من أوكرانيا وروسيا مدة طويلة، منها مصر ولبنان وتونس وفلسطين الجزائر ومعظم دول غرب ووسط أفريقيا ، مقدرة أن المساحات المزروعة بالذرة وعباد الشمس "ستنخفض بنسبة 30 في المائة" هذا الربيع في أوكرانيا."5"
الفقر يحاصر مصر .. 70% من الشعب جوعى
وتشير التقارير والإحصاءات الواردة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري إلى أن البلاد تسير بخطوات حثيثة نحو أتون الفقر، حيث بات أكثر من 70 مليون مصري تحت مظلة الفقر.
وقد قفزت معدلات الفقر خطوات جنونية خلال العقدَين الماضيَين، من 16.7% عام 2000 إلى 29.7% عام 2021،بحسب البيانات الرسمية، وسط موجات متتالية من الوعود التي قطعتها الأنظمة الحاكمة على نفسها لتخدير شعوبها، لعلّ أكثرها ضجيجًا تلك التي شهدتها الأعوام السبع الماضية، إذ أطلق السيسي على عام 2015، وهو العام الثاني لولايته الأولى، "عام الرخاء".
إلا أنه لم يكن كذلك، فطلب من الشعب التحمُّل لمدة عامَين آخرَين عام 2016، لكن الوضع لم يتغيّر، ثم طالبهم بالصبر في عامَي 2018 و2019 وصولًا إلى عام 2020، حين قال إن مصر بنهاية يونيو/ حزيران من هذا العام ستكون في منطقة أخرى تمامًا من حيث المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
ويعرَّف خط الفقر بأنه الحد الأدنى من الدخل الذي يحتاجه الفرد لتأمين احتياجاته اليومية، وهنا تعاني الحالة المصرية من ازدواجية تجعل من الأرقام الرسمية المعلنة عن معدلات الفقر محل شكّ، فبحسب تقييم البنك الدولي لخط الفقر في مصر فإنه يقف عند 1.9 دولار يوميًّا، أي 894 جنيهًا للفرد شهريًّا و10725 جنيهًا سنويًّا، رغم أن مؤشر الفقر وفق البنك يبدأ من 5.5 دولارات يوميًّا، فيما يُعتبر 1.9 دولار يوميًّا مؤشر الفقر المدقع.
حدد جهاز التعبئة العامة والإحصاء الحكومي المصري، خلال بحث الدخل والإنفاق الذي أجراه مؤخرًا، خط الفقر عند 1.5 دولار يوميًّا، أي 24 جنيهًا مصريًّا، ما يعادل حوالي 735.5 جنيهًا شهريًّا، و8827 جنيهًا للفرد في السنة، ولذا جاءت النتيجة متأرجحة عند حدود 29% و32%.
لكن لو تمَّ حساب المعدل وفق المؤشر المعتمد من البنك الدولي، فإن معدلات الفقر هنا سترتفع إلى 60% من إجمالي الشعب المصري، وهي النسبة التي اعترفَ بها العديد من الخبراء والاقتصاديين طيلة السنوات الماضية، حينما كانت الحكومة المصرية تروج لفكرة تراجع معدلات الفقر وفق المؤشر المحلي.
بدأ استشعار الفقر بصورة أكثر ضراوة مع نهاية عام 2016، حين اتخذ البنك المركزي المصري قراره الأكثر جدلًا طيلة العقود الماضية، بتحرير سعر صرف العملة المحلية (الجنيه) لترتفع قيمة الدولار من 8 جنيهات إلى قرابة 20 جنيهًا للدولار ، وذلك ضمن خطة للحصول على قرض 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وأنتهت بمصيبة التحرير للعملة الثاني في مارس 2022 ثم التعويم الثالث في اكتوبر 2022.
تضمّنت الخطة تحريرًا مرحليًّا للدعم وصولًا إلى تصفيره لاحقًا، وهو ما تمَّ عبر خطوات متلاحقة كان لها صداها الكارثي على متوسطي ومحدودي الدخل، في ظل ثبات الأجور والرواتب وتراجع قيمتها بصورة كبيرة، مقارنة بما كانت عليه قبل هذا التاريخ.
حينها طالب النظام الشعب بتحمّل تلك الإجراءات القاسية آملًا في جني حصادها قريبًا، لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، إذ زادت معدلات التضخم والبطالة، وزادت الأعباء الضريبية بصورة غير مسبوقة.
ويؤكد الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، نقيب الصحفيين الأسبق، أن بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حول نسبة التضخم في مصر، خلال الفترة من مارس/ آذار 2021 وحتى مارس/ آذار 2022، تؤكد أستمرار ارتفاع التضخم والتي بلغت حاليا 19% مما يؤكد سقوط معظم المصريين فريسة للفقر وعدم القدرة للحصول على ضروريات الحياة.
ومن علامات الفقر تراجع قدرة المصريين على الادخار ، وتشير التقديرات الرسمية إلى تراجع مدخرات الأفراد خلال الفترة 2014-2020 بصورة كبيرة مقارنة بما كانت عليه في السابق، ففي تلك الفترة لم تتجاوز نسبة الادّخار للناتج المحلي 10% في أحسن الأحوال، باستثناء عام واحد فقط هو العام المالي 2018-2019، وذلك فق بيانات التقرير المالي الشهري لوزارة المالية في يونيو/ حزيران 2021
وبمقارنة تلك المعدلات بنظيرتها خلال الفترة 2005-2010 إبّان عهد حسني مبارك، يلاحَظ حجم التراجع الكبير، إذ لم تقلّ في تلك الآونة عن حاجز الـ 12.6%، وعلى العكس من ذلك ففي بعض السنوات تجاوز الـ 17%، بينما في أفضل سنوات السيسي السبع لم تتخطَّ معيار الـ 10%.
واستعرضت دراسة للمعهد المصري للدراسات، أعدّها الباحث مصطفى إبراهيم، أبرز مؤشرات الفقر التي من بينها تراجُع نصيب الفرد من الاحتياجات الأساسية في ظل ارتفاع أسعار السلع الرئيسية التي تشكّل وجدان الشعب الغذائي، وعلى رأسها اللحوم والبقوليات والخضروات.
كشفت الدراسة عن تراجع متوسط نصيب المواطن في مصر من اللحوم الحمراء عام 2018 بنسبة 29.4% إلى 9.6 كيلوغرامات عام 2016، مقابل 13.6 كيلوغرامات عام 2015، كذلك القمح ليصل إلى 137.8 كيلوغرامًا مقابل 141.1 كيلوغرامًا، والأرزّ إلى 34.7 كيلوغرامًا مقابل 39.1 كيلوغرامًا، والخضروات إلى 86.3 كيلوغرامًا مقابل 93.1 كيلوغرامًا، والفاكهة إلى 62.6 كيلوغرامًا مقابل 63.6 كيلوغرامًا، ولحوم الدواجن والطيور إلى 10.1 كيلوغرامًا مقابل 10.7 كيلوغرامًا.
واستند الباحث في دراسته إلى معدلات الأجور (ترتبط قضية الأجور بـ 6 ملايين موظف بالقطاع الحكومي فقط، أي حوالي 25 مليون مواطن عند احتساب معدل الإعالة) التي تراجعت بصورة ملحوظة، فأثّرت بشكل سلبي على حصة الفرد من الاحتياجات الأساسية، حيث تراجع معدل نمو الأجور من 25% عام 2013-2014 إلى 5% في موازنة العام 2018-2019، تزامنَ ذلك مع قفزة التضخم من 8% إلى 32% خلال الفترة ذاتها.
وعددت الدراسة عشرات المظاهر التي يمكن اعتبارها مؤشرات واضحة على تفشّي الفقر، منها أن 40% من المصريين لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، كذلك ارتفاع معدلات البطالة إلى 12.9% في أقل التقديرات، فيما تتضاعف تلك النسبة وفق تقديرات أخرى.
هذا بجانب أن هناك 9 ملايين طفل في مصر يعيشون تحت خط الفقر، وأن نصف الشعب تقريبًا يعيشون على هياكل الدجاج، بسبب ارتفاع أسعار الدواجن والسلع الأساسية، بجانب أن قرابة 80% من الفقراء لا تصلهم خدمات الدعم أو التأمين الاجتماعي، مع احتلال مصر المرتبة الثالثة لارتفاع معدلات الجريمة بسبب انتشار الفقر والبطالة، وارتفاع معدلات الانتحار بين الشباب بسبب الأزمات النفسية الناجمة عن الأزمات المادية."6"
وفي سياق متصل ، كشفت النائبة بمجلس شيوخ السيسي ، هدى عبد الناصر، في تصريحات إعلامية، إنها فوجئت عند مناقشة الميزانية أن نسبة الفقر في مصر بلغت 34% في يونيو الماضي
أشارت هدى عبد الناصر إلى أنه بعد تعيينها في مجلس الشيوخ اكتشفت أن البيانات الرسمية تقول تلك النسبة وهو رقم “فظيع”، معنى هذ أن ثلث الشعب تحت خط الفقر وفي الصعيد نسبة الفقر زادت عن 50% ."7"
ومؤخرا كشف تقرير، تضمنه بحث الدخل والإنفاق الذي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، للفترة من 2019-2020، أن معدلات الفقر على مدار 21 عاما منذ 1999 حتى 2020 استمرت في الارتفاع التدريجي، ولم تنخفض وتتراجع لتنكسر مرة أخرى إلا في عام 2020 فقط، وهو ما رصده بحث الدخل والإنفاق الذي يجريه الجهاز كل عامين.
بالأرقام تستعرض معدلات الفقر في الـ21 عاما الماضية من خلال نتائج بحوث الدخل والإنفاق التي أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والتي جاءت على النحو التالي:
- 1999- 2000، سجلت معدلات الفقر 16.7%.
- 2004-2005 سجلت معدلات الفقر 19.6%.
- 2008-2009 سجلت معدلات الفقر 21.6%.
- 2010-2011 سجلت معدلات الفقر 25.2%.
- 2012-2013 سجلت معدلات الفقر 26.3%.
- 2015 سجلت معدلات الفقر 27.8%.
- 2017-2018 سجلت معدلات الفقر 32.5 % .
- 2019-2020 سجلت معدلات الفقر 29.7 % .
كما رصد بحث الدخل والإنفاق معدلات الفقر في أقاليم الجمهورية، حيث أكد أن إجمالي معدلات الفقر خلال الفترة 2019-202032.520202020 بلغت 32.5% مقابل 29.74% في 2017-2018، بفارق 2.7%."8"
الفقر يدفع المصريين للهروب من الوطن والانتحار
وفي ظل تصاعد الفقر في مصر، وضيق الأرزاق، وأرتفاع اعباء المعيشة، نجد ان كثير من المصريين فروا من اوطانهم، حيث ارتفعت أعداد المصريين الذين حصلوا على موافقة للهجرة للخارج والمصريين الذين إكتسبوا صفة المهاجر بنسبة 110.9% خلال عام 2021.
وبلغ عدد المصريين المهاجرين في 2020 نحو 184 مهاجر، في حين سجلت أعدادهم نحو 388 مهاجر في عام 2021، بسبب تراجع أثار جائحة كورونا، حسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وبلـــغ إجمالي عـدد المصريين الذين حصلوا على موافقة للهجرة والمصريين الذين إكتسبوا صفة المهاجر 388 مــهاجـراً عــــــام 2021 منهم (292 مهـاجـراً أصـــلى بنســبة 75.3٪، 96 مرافق بنسبة 24.7٪).
وبلـغ عـدد المصريين الذين حصلوا على موافقة للهجرة والمصريين الذين إكتسبوا صفة المهاجر من الذكور 312 مـهاجــر ذكر بنـسبة 80.4٪ (77 مصري حصل على موافقة للهجرة بنسبة 19.8 ٪ و 235 مصري اكتسب صفة مهاجر بنســبة 60.6٪).
واستحوذ العـــاملـون بالقطــاع الخاص علي النصيب الأكبر من أعداد المصريين الذين حصلوا على موافقة للهجرة والمصريين الذين إكتسبوا صفة المهاجر حيث بلغ 261 مهاجر بنسبة 70.2٪ يليهم الأفـراد الـذين لـم يسبق لهم العمــل مثل: ربـات البيوت وحـديثي التخرج و المتفرغون للدراسة (أخري) حيث بلغ عددهم 102 مهاجراً بنسبة 27.4٪ مـــن إجمــالـى المهــاجـرين فــي ســن العمــــــل (6 سنوات فاكثر) .
وبلغ عدد المصريين الــذين إكتسبوا جنسيات أجنبية 3142 مصرى عـام 2021 مقابـل 2611 مصرى عـــام 2020 بنسبــة زيادة قدرهـا 20.3 ٪ ( 1779 مصرى حصلوا عــلى إذن بالتـجنس مـــع الإحتفـــــاظ بالجنســـية المــصريـة بنـسبــــة 56.6٪ بينما 1363 حصــــلوا عـــلى إذن بالتجنس مــع عدم الإحتفـاظ بالجنسية المصــريـة بنسبة 43.4٪ )"9"
من جانب آخر، وبسبب الفقر وتراكم الديون على الأسر المصرية اقبل البعض من عوائل الأسر على الانتحار، وقد شهدت مصر مؤخرا حادث مأساوي ، حيث أقدم زوجان مصريان لديهما من الأبناء ستة، ويزيد عمر كل منهما على 50 عاماً، على الانتحار بتناولهما معاً حبة "حفظ الغلال" السامة، في محل سكنهما بقرية دكما التابعة لمركز شبين الكوم في محافظة المنوفية، شمال العاصمة القاهرة، على خلفية تراكم ديون البنوك عليهما، وعدم قدرتهما على الإنفاق على أبنائهم الذين يدرسون في مراحل التعليم المختلفة.
وسادت حالة من الحزن بين أهالي قرية دكما بالمنوفية ، وتعددت أنواع الانتحار في مصر نتيجة الظروف الاقتصادية الضاغطة في السنوات الأخيرة، منها القفز من المباني المرتفعة، وأمام عربات المترو، والغرق في مياه النيل، والشنق بحبل، وقطع شرايين اليد، فضلاً عن تناول أقراص "سوس القمح"، الذي بات الوسيلة الأسرع والأكثر رواجاً للانتحار في محافظات الدلتا والصعيد، لاحتواء الأقراص على مواد شديدة السمية، لها القدرة على إنهاء حياة الإنسان في دقائق معدودة.
ومع تولي السيسي مقاليد الحكم عام 2014، حلت مصر في المرتبة الأولى عربياً في معدلات الانتحار، متجاوزة في ذلك دولاً تشهد نزاعات مسلحة وحروباً أهلية، يليها السودان، ثم اليمن فالجزائر، بحسب منظمة الصحة العالمية، والتي رصدت 3022 حالة انتحار موثقة في البلاد عام 2019، بينما يتجاوز عدد المحاولات الفاشلة هذا الرقم بكثير."10"
المصادر:
- "«التعبئة والإحصاء»: 75% من الأسر قللت الإنفاق على الطعام.. و20% انخفضت دخولها"، مدي مصر ، 9-11-2022 ، https://cutt.us/AndRV
- "«الإحصاء»: 48% من المواطنين لجأوا للاقتراض العام الماضي"، موقع رصد ، 27 نوفمبر 2022 ، https://rassd.com/522162.htm
- عبد الرحمن أحمد، "دراسة حكومية: كورونا يجبر الأسر المصرية على التقشف والاقتراض" ، الجزيرة مباشر ، 23/6/2020، https://cutt.us/12Wx7
- "اطفال مصر يعانون من سوء التغذية " موقع يونسيف " مايو 2018 ، https://cutt.us/jTLqz
- "شبح الجوع يهدد 50 دولة" ، أخبار البلد، 18- 3-2022، https://cutt.us/5RZEz
- صابر طنطاوي، "الفقر في مصر: الأولوية للكباري والنخبة العسكرية" ، نون بوست،20/04/2022 ، https://cutt.us/S7ixj
- " نائبة برلمانية: نسبة الفقر في مصر زادت إلى 34% مؤخرا" ،موقع رصد ، 15 يناير 2022، https://rassd.com/508223.htm
- ماهر هنداوي، "بالأرقام.. تعرف على معدلات الفقر في مصر خلال 21 عاما" ، الوطن ، 24 فبراير 2021، https://cutt.us/1RqGz
- "أعداد المصريين المهاجرين للخارج ترتفع 110.9% في 2021" ، موقع economyplus ، 20 يوليو, 2022 ، https://cutt.us/icq4w
- "انتحار زوجين مصريين بسبب تراكم الديون" ، العربي الجديد، 14 نوفمبر 2022، https://cutt.us/JvXd5