الثورة ما زالت حية.. والديكتاتور مرعوب
الأربعاء - 25 يناير 2023
- رغم مرور 12 عاما.. مازالت ثورة يناير تٌرعب ديكتاتور انقلاب 3 يوليو
- السيسي اتهم شهداء يناير بأنهم لو استمروا أحياء لذبحوا رجال الجيش والشرطة!
- السيسي كرر سيناريو مبارك بتخيير المصريين بين وجوده في الحكم وبين الفوضى
- فزع الديكتاتور من ذكرى الثورة دفع أجهزته الأمنية لعسكرة الميادين وتوقيف المارة
- حملة اعتقالات منذ منتصف يناير في كل المحافظات وتوقيف أكثر من 700 مواطن
- تقارير أمنية: الشارع المصري على وشك الانفجار.. والشعب مستعد لتكرار الثورة
- مراقبون يتوقعون تغيرات حادة في الأوضاع السياسية بمصر خلال الشهور المقبلة
- تراجع شعبية السيسي داخليا تمتد إلى داعميه الإقليميين ويلوح في الأفق تخليهم عنه
إنسان للإعلام- خاص:
ماذا تبقّى من ثورة يناير؟ بعد 12 عاماً على ثورة 25 يناير 2011، يطفو هذا السؤال بقوة على السطح، في ظل إجراءات وتدابير يعمل النظام الحاكم في مصر على تكريسها لاغتيال هذه الذكرى، وتغييبها حتى من ذاكرة المصريين، لكن الواقع يؤكد فشلها.
لم يتوان السيسي مراراً، عن التخويف مما حصل في 25 يناير 2011، آخرها في 23 يناير الجاري، حيث أكد أن البلاد "كانت ستضيع"، وحذر من تكرار المسار نفسه مرة ثانية .
وفي ذكري الثورة نفتح ملف أحول مصر والمصريين، ومدي تعلقهم بثورتهم، وفشل محاولات النظام في حملاته المستمرة لتشويه هذه الثورة العظيمة، برصد رعب النظام المصري من ذكري ثورة يناير وإجراءاته القمعية لتخويف المصريين من النزول للشارع مجددا ، خاصة بعد تحذيرات امنية متعددة لرأس الانقلاب من اقتراب مصر من ثورة شعبية كبيرة، بعد تردي الأوضاع المعيشية وتصاعد أزمة الدولار، والارتفاع الهستيري في أسعار السلع والخدمات .
12 عاما ومازال الرعب يسيطر على السيسي
بالرغم من مرور 12 عاما على ذكري ثورة 25 يناير، مازال رأس الانقلاب العسكري بمصر مرعوب من هذه الثورة الشعبية، وكلما خرج على المصريين في ذكراها حذرهم من تكرراها .
وهكذا هو حال الطغاة الذين يتظاهرون بالقوة والبأس الشديد، لكنهم يعلمون أن أنظمتهم هشة، وليس أمامهم سوي مهاجمة ثورات الحرية، التى تبعث الأمل في نفوس المصريين.
وفي احتفاله بعيد الشرطة في 23 يناير الجاري ادعى رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، أن ثورة 25 يناير 2011 كان هدفها هدم الشرطة والجيش، ما أثار غضبا من قبل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال السيسي، في كلمة له، خلال الاحتفال بعيد الشرطة المصرية الذي يوافق ذكرى ثورة 25 يناير، إن محاولات هدم الشرطة والجيش مستمرة منذ سنوات. مستطردا: "كانت هناك محاولة من 10 سنين أو أكثر إن الهدم يحصل والجناح ده (الجيش والشرطة) مايبقاش موجودعلشان البلد تتاخد"، وأضاف: "نكسر الشرطة ليه، علشان ناخد البلد، نكسر الجيش ليه علشان ناخد البلد، أو نضيعها"."1"
وفي تعليقه على فيلم قصير يجسد بطولات الشرطة المصرية، خلال فعاليات احتفالية عيد الشرطة الـ71، قال السيسي: "أتصور إننا محتاجين نطلع الشخصيات دي؛ مش لازم مسلسل طويل، 5 حلقات لكل شخصية والدراما تشتغل فيها؛ للصورة اللي محتاجين نحافظ على حسنها مش نحسنها، اللي هي صورة المصري اللي بيعمل في القطاع ده".
وأضاف السيسي المرعوب من ثورة يناير، أن الشهداء ضحوا بأرواحهم لحماية الوطن من الأشرار، متابعا: “مش عاوزين ننسى الحالة اللي عشنا فيها لمدة سنين.. لو قدروا علينا كانوا دبحونا.
وأشار إلى تمكن الدولة، من القضاء على هذه الموجة من الإرهاب بنسبة تقترب من 100%، عبر تضحيات أبناء الأسر البسيطة في كل أنحاء الجمهورية.
ومن خلال كلمات السيسي في ذكري الثورة يحي معاني رددها قبله مبارك ، قبل ثورة يناير ، وتتركز في معني انا أو الفوضى ، لذا حرص دوما على تخويف الشعب من فكرة العودة للثورة من جديد , وان البديل سيكون فوضى عارمة تنال من أمن واستقرار مصر !. "2"
حملة اعتقالات واسعة قبل ذكري الثورة
وكالمعتاد بالنسبة لهذا النظام الديكتاتوري المستبد الهش، يشعر بالفزع من تجدد الفكر الثوري لدي الشعب المصري ، فيشن حملة اعتقالات موسعة بالتزامن مع ذكري ثورة يناير ، وقد حدث ذلك بالفعل ، منذ منتصف يناير الجاري ، حيث نفذت "الداخلية" حملة اعتقالات واسعة ترافقت مع عمليات دهم وتفتيش في عدد من مدن وقرى محافظات مصر ، استباقا لذكرى ثورة 25 يناير، بلغت حصيلتها حتى كتابة هذه السطور قرب 700 معارض، معظمهم من المحسبين على جماعة الإخوان.
وأكدت مصادر متطابقة أن حملة نفذتها السلطات على مدار 10 أيام قبل ذكري الثورة، طالت معظم محافظات الجمهورية خاصة الشرقية وبني سويف والدقهلية والغربية والمنوفية ودمياط ، والاسكندرية واسيوط والمنيا وقنا والفيوم .
وقالت المصادر أنه تم اقتحام منازل العديد من الأهالي بالشرقية فى كفر المراغة، ومنازل أخرى في قرية ميت سهيل المجاورة، فيما فشلت تلك القوات في اعتقال إمام وخطيب بوزارة الأوقاف ومعتقل سابق يدعى عبد الخالق، وتاجر ومعتقل سابق يدعى ضياء.
وتأتي تلك الحملة في ظل غياب أي دعوات للتظاهر في ذكرى الثورة، ما يدعو للتساؤل حول مبرراتها وأسبابها وأهدافها ، وتَحُلّ على مصر، الأربعاء الذكرى الحادية عشرة لاندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، والتي شهدت احتجاجات شعبية استمرت 18 يوما حتى أجبرت الرئيس آنذاك، محمد حسني مبارك، على التنحي بعد ثلاثين عاما في الرئاسة (1981-2011).
وخلال المرحلة الماضية شهدت مصر تصاعد لعمليات التدوير واستمر اكثر من 30 معارضا مصريا قيد الحبس الاحتياطي.
وبالرغم من محاولات النظام المصري إظهار عدم اكتراثه بذكرى الثورة، إلا أن تصرفاته على أرض الواقع تؤكد رعبه من هذه الذكرى، فهو يتحسب للغضب الشعبي الذي وصل مداه بسبب الفشل العام الذي تعيشه مصر في مختلف مجالات الحياة .
ولذلك وجدنا النظام يحول ميادين مصر المرتبطة بثورة يناير، في مختلف المحافظات، إلى ثكنات عسكرية منذ ليلة 25، وستستمر هذه القبضة الأمنية حتى نهاية الشهر الجاري خوفا من إحياء يوم جمعة الغضب .
وانتشر في ميدان التحرير بالعاصمة القاهرة ،المئات من ضباط وأفراد الشرطة الذين يرتدون زياً مدنياً، سواء من المنتمين للمباحث أو جهاز "الأمن الوطني"، بغرض سؤال المارة، خصوصاً الشباب، عن وجهتهم، والاطلاع على بطاقاتهم الشخصية، وما يحملونه داخل حقائبهم.
كما شهدت ميادين المحافظات تشديدا أمنيا مماثلا خاصة في ميدان القائد إبراهيم بالأسكندرية وميادين المحلة بالغربية وميادين دمياط ، والبحيرة وكفر الشيخ، كما شهدت ميادين محافظة الشرقية انتشارا أمنيا غير مسبوق .
كما شهدت ميادين محافظات الصعيد انتشارا أمنيا مماثلا خاصة في ميدان السواقي بالفيوم، ومعظم ميادين أسيوط ، وميدان المديرية ببني سويف ، وميادين المراكز بالمنيا ، وسوهاج وقنا، كما شهدت أيضا ميادين محافظة أسوان انتشارا امنيا كبيرا .
وعمدت أجهزة الأمن أيضاً إلى إيقاف جميع سائقي الدراجات النارية، للاطلاع على رخص القيادة والبيانات الشخصية، بمن فيهم العاملون في مجال توصيل الطلبات للمنازل، خوفاً من حدوث أي عمليات "إرهابية" بالتزامن مع ذكرى الثورة، بالرغم من ادعاء السيسي في حفل عيد الشرطة ان مصر تخلصت من الإرهاب بشكل كامل ، علماً أن هذه الإجراءات المشددة لم تقتصر على مناطق وسط العاصمة فقط، بل طالت العديد من المناطق الرئيسية في محافظتي القاهرة والجيزة مثل الهرم، والدقي، والعجوزة، والزمالك، وشبرا، والمطرية، وعين شمس.
كذلك، أصدرت الأجهزة الأمنية تعليمات مشددة لكلّ المقاهي في نطاق وسط القاهرة، بالإبلاغ عن اي تجمعات بالقرب منها ، وتستهدف التعليمات الأمنية قطع الطريق على أي تجمعات جماهيرية كبيرة خلال ذكرى الثورة، واستغلالها في خروج تظاهرات مناوئة للسلطة الحاكمة على غرار ما حدث في عام 2019، احتجاجاً على تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وعدم مواكبة الأجور للارتفاعات المستمرة في الأسعار، جراء ما تفرضه الحكومة من ضرائب ورسوم دورية على السلع والخدمات ، وفي ظل التراجع الخطير في مستوي المعيشة و بعد التعويم ارابع للجنية المصري ."3"
المصريون يعلنون غضبهم من السيسي
ومع حلول الذكرى الـ 12 لثورة 25 يناير 2011 في مصر باتت شعبية عبدالفتاح السيسي على المحك بين ما تبقى من قلة مؤيدة له في الشارع المصري؛ بسبب مرور البلاد في واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية، وانهيار عملتها المحلية، وانفلات الأسعار.
واجهت ثورة المصريين هجوما مضادا من المؤسسة العسكرية أسفر عن انقلاب عسكري على أول رئيس مدني منتخب هو الدكتور محمد مرسي في صيف 2013. ومنذ ذلك الوقت دخل الاقتصاد المصري في مرحلة حرجة اعتمد فيها النظام الجديد على الديون والمنح.
وبعد نحو تسع سنوات من حكم السيسي بالحديد والنار وإطلاق الوعود تلو الأخرى بالحياة الرغيدة والرفاهية الموعودة، فقد بات الفقر يدق باب المزيد من المواطنين، وهو ما تطرقت إليه تقارير لصحف ووكالات أنباء دولية بشأن تردي الأوضاع المعيشية في أكبر بلد عربي بعدد السكان (أكثر من 104 ملايين نسمة).
ودخلت البلاد منعطفا حادا وخطيرا بداية عام 2022 واندلاع حرب بين روسيا وأوكرانيا وما تلاها من أزمة اقتصادية حادة في الوقت الذي كان فيه الاقتصاد المصري مثقلا بالديون ومطوقا بالأموال الساخنة وغير قادر على امتصاص الأزمة وبدأ مجددا في استجداء صندوق النقد الدولي، وعرض أصول وممتلكات الدولة للبيع، وخفض قيمة الجنيه للنصف مجددا.
وبات الملايين من المصريين يشكون أوضاعا اقتصادية صعبة بما فيهم من كان يعلن تأييده بشكل مطلق لسياسات السيسي السياسية والاقتصادية والأمنية، ولكن مراقبين ومحللين أكدوا لـ"عربي21" حدوث تغيرات حادة على الأوضاع بمصر.
وفي الوقت الذي تقول فيه الحكومة المصرية إن معدلات التضخم بلغت 20% تؤكد قائمة "ستيف هانك"، أستاذ الاقتصاد المعروف في جامعة "جونز هوبكنز"، أن معدل التضخم الحقيقي في مصر قفز إلى 101 بالمئة.
وأصبح من الواضح انهيار ما تبقى من شعبية السيسي مع انهيارا بالجنيه المصري (العملة المحلية) وهو ما التقطه الإعلام العالمي وحذرت منه صحف غربية عدة ، ألقت الضوء على الأزمة الاقتصادية المحتدمة التي دخلت فيها مصر، حتى وصلت الأمور بحسب شهادات مواطنين مصريين إلى وجود رغبة شعبية للخلاص من السيسي.
وعلى الصعيد الاقتصادي، قال المستشار السياسي والاقتصادي الدولي الدكتور حسام الشاذلي: "لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل الحقيقة بأن ما تبقى من شعبية السيسي بين أنصاره ومؤيديه بات على المحك؛ خاصة إذا تمعنا في هيكلة تلك الشعبية وكيفية صناعتها؛ فحقيقة الأمر أن شعبية السيسي بدأت بكذبة كبيرة باسم مظاهرات 30 حزيران/ يونيو والتي استخدمت فيها تقنيات التصوير الحديثة لإعطائها حجما كاذبا، أضف إلى ذلك أنه استخدم تلك المظاهرات المفبركة ليسرق حق المصريين في تقرير مصيرهم ويقوم بانقلاب عسكري ضد أول رئيس مصري منتخب في انتخابات حرة لم تعرف مصر الحديثة غيرها حتى الآن"
وأضاف في تصريح لـ"عربي21": "شعبيته لا تمثل مصر ولا المصريين؛ مؤيدوه في غالبهم هم أعضاء تلك المنظومة الأمنية وحاشيتهم والمستفيدون من فسادهم، أضف إلى ذلك أن منظومة الفساد الاقتصادية التي ورط فيها السيسي الجيش ليحكم سيطرته عليه، أسست أيضا لشعبية نفعية غير حقيقية وغير قائمة على الولاء للوطن ببن قيادات الجيش؛ وعليه فكما نرى هنا أن شعبية السيسي قامت أساسا على بناء أمني فاسد ومنظومة تأييد واهية وغير حقيقية تعتمد على المصالح الفاسدة ولا تمتد للشارع ولا للناس".
تراجع شعبية السيسي داخليا لدى مؤيديه امتدت إلى داعميه الإقليميين بحسب عبد الشافي، "وفي جانب آخر قام النظام بالتأميم الكامل للحياة السياسية، بحيث أصبح لا صوت يعلو فوق صوت رأس النظام، فلا مجال للأحزاب السياسية أو جماعات الضغط أو منظمات المجتمع المدني أو للمنظمات السياسية الرقابية مثل مجلس الشعب، ومع فشل النظام في سياساته وتدمير بنية وهياكل الحوار السياسي والشعبي والمجتمي، كان طبيعياً أن يكون هناك تآكل وتراجع فى حجم من يدعمون هذا النظام، سواء في الداخل أو الخارج، بحيث أصبح بالفعل يشكل عبئاً على معظم إن لم يكن كل الأطراف التي دعمته منذ انقلابه"
ورأى الناشط السياسي والحقوقي وأحد المشاركين في ثورة 25 يناير، عبد الرحمن عاطف، أن "التغير في آراء مؤيدي السيسي ونظامه بات ملحوظا في الفتره الأخير من عدة فئات وتصنيفات مجتمعية، بدءا من الفئة الفقيرة التي دعمته أملا في استمرار المساعدات التي انتهت بانتهاء الحراك الداخلي تدريجيا مرورا بالطبقة المتوسطة التي باتت اليوم تعاني من عدم المقدرة على توفير الاحتياجات الأساسية"."4"
ثورة حية وديكتاتور يصعّد انتهاكاته
وبالرغم من المحاولات المستمرة من قبل النظام من أجل تشويه صورة يناير في ذاكرة المصريين ، إلا ان مازالت هذه الثورة حيه في نفوس المصريين ، الذين يحرصون على أحيائها عبر مواقع التواصل ، وبسيل من الفيديوهات التى تطالب بالتخلص من السيسي ومخططه التدمير لمصر .
وما يثبت عظمة ثورة يناير، أنها صاغت شعارها بما يتسق تماماً مع مطالب الجماهير، فصكت شعار (عيش -حرية -عدالة اجتماعية) وهو الشعار الذي هتف به المتظاهرون الذين خرجوا إلى ميدان التحرير وانتشروا في ميادين وشوارع أخرى في مصر أثناء ثورة 25 يناير من أجل تحقيق المطالب التي نص عليها هذا الشعار”.
وفي ظل حكم ديكتاتور العسكر المنقلب ، تلك المطالب لم تحقق حتى الآن، فملايين المصريين لا يستطيعون الآن العيش بكرامة في ظل الغلاء والفقر المنتشر، حتى أنهم أصبحوا مهددين من قبل الحكومة في لقمة العيش نفسها، مع تكرار السيسي وحكومته الحديث عن ضرورة رفع الدعم عن الخبز”.
وعن قضية العدالة الاجتماعية، أمسى من الواضح أن نظام 3 يوليو، أثبت انحيازه صراحةً منذ اليوم الأول، بأكثر من وسيلة، إلى طبقة الأغنياء لا الفقراء”، وأن سياساته تخدم فقط الطبقة الغنية من دون غيرها والتي لا تمثل أكثر من 5 في المائة من الشعب، هم الذين لديهم القدرة على شراء المنازل الفخمة في "كومباوندات" العاصمة الإدارية ومدينة العلمين الجديدة، والتي يقدر سعر أقل وحدة سكنية بها بخمسة ملايين جنيه (نحو 318 ألف دولار) ، وأما باقي نسبة الـ95 في المائة من الشعب، فتعاني أشد المعاناة في توفير أبسط الحقوق الإنسانية من المأكل والملبس والتعليم والصحة، وبالتالي فإن قضية العدالة الاجتماعية ضائعة تماماً في نظام 3 يوليو.
وخلال الفترة الأخيرة توالت التقارير الأمنية التي حذرت السيسي من اقتراب انفجار بالشارع المصري ، أذا استمر الحال على ما هو عليه خاصة ان الدول التي كان يحظر السيسي من مصيرها مثل العراق والصومال وغيرها أصبحت احسن حالا في الاوضاع الاقتصادية من مصر .
وأوضحت مصادر أن “مثل هذه التقارير تكون دورية وهي تقليد متبع في مصر في الأنظمة السابقة، ولكن النظر إليها وتنفيذ ما فيها من توصيات، لا يحدث دائماً، لكنه يكون مرتبطاً بمناسبات بعينها، خصوصاً إذا كانت المناسبة هي ذكرى ثورة 25 يناير.
وبدلا من التحرك للإصلاح وإنقاذ المواطن البسيط مما يعيش فيه ، النظام الانقلابي استسهل الضغط على المواطنين البسطاء، ظناً منه أنهم لن يكون بمقدورهم إظهار الغضب مجدداً، في ظل القبضة الأمنية، وترسانة القوانين التي تكبّل أي دعوات من شأنها إظهار الغضب، من دون أن يدرك أن نظام مبارك تعامل بالعقلية نفسها”.
ونتج عن ذلك أننا وجدنا أنفسنا أمام صورة فريدة من الاستبداد والقمع للحريات، والتنكيل المستمر بالمعارضين، وتشير التقديرات إلى أن 105 أشخاص قد لقوا حتفهم بسبب أحكام الإعدام منذ عام 2013، وقد اتُهمت الحكومة الحالية بحكومة الانقلاب، بإغلاق المنظمات غير الحكومية وحظر حرية التعبير، ليس من غير المألوف أن يتم حظر بعض المواقع في البلاد، في الوقت الحالي، تعد معدلات البطالة المرتفعة ومعدلات الفقر المذهلة من المشكلات الرئيسية في المجتمع المصري
ولعل ما كشفه مقطع فيديو حصلت عليه صحيفة "ذا جارديان" البريطانية من تعذيب معتقلين داخل أحد أقسام الشرطة المصرية في القاهرةمؤخرا خير دليل علي الواقع السياسي في مصر وتصاعد الانتهاكات "5"
محاولات إعلامية لتشوية سردية الثورة
وفي ظل القضاء على كل المنافسين السياسيين، وإحكام السيطرة على أغلب المنصّات الإعلامية، حاول عبد الفتاح السيسي وإعلامه الرسمي، احتكار الحديث والسردية التاريخية الخاصة بثورة 25 يناير 2011، في محاولة منه لمسح ذاكرة المصرين بخصوص الحدث، وإنشاء ذاكرة جديدة تربط كلّها الثورة بـ"الخراب والدمار"، حتى لا يفكر أحد في الثورة مجدداً.
والعلاقة ما بين ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، والإعلام، قصة طويلة ومعقدة، إذ إنه مع اندلاع شرارة الثورة الأولى، وامتدادها بعد ذلك، اندلعت شرارات إعلامية موازية كثيرة حاولت مواكبة الحدث واستغلاله في تحقيق الانتشار، وفي الوقت نفسه انطفأت منصات إعلامية أخرى، وتوارت بعيدًا.
قصص صعود وهبوط كثيرة لمنصات إعلامية، ارتبطت بانفجار الثورة الشعبية التي أطاحت حكما ديكتاتوريا استمر لثلاثين عامًا، وجعلتها محط أنظار العالم، بينها قصص لمؤسسات نشأت خصيصًا لمواكبة الحدث ومحاولة التأثير فيه سلبًا أو إيجابًا، انتهى بعضها إلى التلاشي، بينما تم حظر البعض الآخر، وآلت البقية الباقية إلى قبضة النظام الذي أضحى يتحكم في أغلب وسائل الإعلام في مصر.
كانت مجموعة قنوات "دريم" التي أسسها رجل الأعمال الراحل أحمد بهجت، أولى القنوات المصرية الخاصة، والتي كانت تبثّ من خارج مدينة الإنتاج الإعلامي، وهي الميزة التي لم يتمتع بها الآخرون، ضمن وسائل إعلامية أخرى خاصة، بحسب ما يراه خبراء، سببًا من أسباب اندلاع الثورة على مبارك.
إذ كانت تقدم برامج ذات نبرة معارضة، وكانت تستضيف كوادر في تيارات سياسية معارضة، لعرض وجهة نظرها من النظام، الأمر الذي ساهم في تشكيل الوعي لدى الجماهير، وذلك من خلال برنامج مثل "العاشرة مساءً" والذي كانت تقدمه الإعلامية منى الشاذلي، وبرامج أخرى.
ولكن مع اندلاع الثورة، اتخذت قناة "دريم" موقفًا محايدًا وأخذت في تخفيف النبرة ضد نظام مبارك، وظهر ذلك حتى في برنامج "العاشرة مساءً" والذي كان يعتبر برنامج الـ"توك شو" الأول في مصر، عندما بكت المذيعة منى الشاذلي بعد "خطاب مبارك" الشهير الذي تعهد فيه بعدم الترشح للرئاسة مرة أخرى، في محاولة لإخماد الثورة.
بينما كانت قناة "دريم" تتراجع تدريجيًا بعد ثورة يناير، أخذت قناة "أون تي في" المملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس، في الصعود، لا سيما مع انضمام شخصيات محسوبة على الثورة مثل المذيعين يسري فودة، وريم ماجد وغيرهما، ما أعطى زخمًا للقناة في مواكبة أحداث الثورة، وتبني موقف القوى الليبرالية في مواجهة المجلس العسكري الحاكم آنذاك، لكن الأمر لم يستمر كثيرًا، حيث خففت القناة من حدة النقد، وغادرها نجومها من المذيعين بالتدريج. وكان من بين أشهر مذيعي القناة أماني الخياط، وجابر القرموطي، ويوسف الحسيني، وإبراهيم عيسى.
مشهد الملايين في ميدان التحرير شجع عاملين بمجال الصحافة والإعلام على الاستثمار في الحدث، وإنشاء مؤسسات إعلامية تتحدث بلسان الثورة. وكان من بين هذه المشروعات قناة "التحرير الفضائية" وهي قناة تلفزيونية أسسها الصحافي والمذيع إبراهيم عيسى، بمشاركة بعض رجال الأعمال والصحافيين، ولكن سرعان ما باعها عيسى، وانتهت الآن إلى أن تكون قناة "تن" المملوكة لرجل الأعمال والقيادي الفلسطيني المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان.
كما تم تأسيس القناتين بعد الثورة مباشرة، الأولى على يد رجل الأعمال، الذي توفي في محبسه بسبب اتهامه في قضية الاعتداء على قاصرات ، محمد الأمين، والثانية على يد رجل الأعمال علاء الكحكي. وكانت المؤسستان بمثابة ذراع المجلس العسكري لاختراق الثورة.
نجحت "سي بي سي" في إنتاج برامج زادت شعبيتها مثل البرنامج الساخر الذي كان يقدمه باسم يوسف، وبرنامج "أبلة فاهيتا"، وبرنامج أحمد أمين، وهو ما حقق لها شعبية كبيرة، لكنها كشفت عن وجهها الحقيقي قبل وأثناء الانقلاب، وما بعده، وانتهت أخيرًا إلى قبضة المخابرات بعدما أجبرت الأمين على بيع حصته فيها.
كانت القناة الرسمية الموحدة داخل جميع وحدات القوات المسلحة المصرية، بعد اندلاع الثورة، بشهادة الكثير من المجندين الذين خدموا بالجيش خلال تلك الفترة. وكان يديرها المذيع السابق بالتلفزيون المصري، توفيق عكاشة الذي شكل بحد ذاته معولًا لضرب أول تجربة ديمقراطية لانتخاب رئيس للجمهورية، عام 2012، إذ كان يستغل أسلوبه الشعبي في التقديم للتأثير على الطبقات الشعبية، والهجوم على حكومة الرئيس محمد مرسي.
في النهاية لم يتبق تقريبًا على الساحة الإعلامية في مصر، بعد مرور12عامًا على اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011، سوى المنصات الإعلامية التي تتبع بشكل مباشر جهاز المخابرات العامة وتمتلكها المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية المملوكة للجهاز، إضافة إلى بعض المنصات المملوكة لجهاز الشرطة.
فعظم المشروعات الإعلامية القديمة قد انهارت سواء بالإغلاق أو التصفية أو الاندماج مع مشروعات أخرى، مثل قناة "التحرير" وجريدة "التحرير"، وقناة "دريم" التي تحولت إلى كيان ضعيف يبيع مساحات وساعات على الهواء بالإيجار. ولم يتبقَّ سوى المنصات الإعلامية التي أسستها الأجهزة الأمنية منذ اللحظة الأولى، ومنها "الراديو 9090" وموقع "مبتدا" اللذان تأسسا قبيل انقلاب الثلاثين من يونيو 2013، لدعم الانقلاب، من قبل الاستخبارات الحربية التي كان يديرها اللواء عبد الفتاح السيسي قبل أن يعين وزيرًا للدفاع، ثم بعد نجاح الانقلاب، توسعت الأجهزة الاستخباراتية في مشروعاتها وأسست قناة "دي أم سي"، لتصبح هي القناة الرسمية الأولى الآن لنظام السيسي."6"
المصادر:
- "السيسي: ثورة 25 يناير كان هدفها هدم الجيش والشرطة" ، عربي21، 23يناير 2022 ، https://cutt.us/yvnL6
- "«كانوا دبحونا».. السيسي يجامل الشرطة على حساب شهداء يناير" موقع رصد ، 23 يناير 2023، https://rassd.com/524804.htm
- "الأمن المصري يستبق ذكرى ثورة 25 يناير بحملة اعتقالات" ، عربى 21 ، 23يناير 2023 ، https://cutt.us/6jIxd
- محمد علي الدين ، "ذكرى ثورة يناير الـ 12.. مؤيدو السيسي "ينقلبون" بسبب ضيق العيش" ، عربي21، 24يناير 2023 ، https://cutt.us/GMrvz
- " اغتيال متواصل للذكرى" ، موقع الركوبي السوداني، 25 يناير، 2022، https://cutt.us/w1bqg
- " لساها ثورة والسيسي ونظامه مذعورمنها (3-3)" ، مركز انسان للاعلام ، 26 يناير 2022، https://cutt.us/KLCWM