إنفاق سياسي و مشاريع فاشلة.. الثروة النفطية الخليجية أمام اختبار "الفرصة الأخيرة"
الاثنين - 24 أبريل 2023
- "إيكونوميست": استخدام جزء من عائدات النفط لدعم أهداف سياسية في الداخل والخارج
- دول خليجية تغير نهج استثمار ثراواتها النفطية إلى دعم "قوتها الناعمة" وأهدافها الاستراتيجية
- تعيش دول الخليج حاليا آخر طفرة نفطية مع تحول العالم تدريجيا عن الاعتماد على النفط
- ستضيع أموال الطفرة النفطية السعودية من المليارات على المنتجعات ومدن الملاهي
- استمرار دول الخليج في إنفاق أموال الشعوب بمشاريع فاشلة تهدد عروش قادة المنطقة
إنسان للدراسات الإعلامية- خاص:
نشرت مجلة "إيكونوميست" تقريرا، يوم 9 أبريل 2023، يرصد التحولات في تعامل الدول المنتجة للنفط، خاصة في الخليج، مع الثروة الناتجة عن زيادة أسعاره، وتساءلت عن كيفية استخدام مئات مليارات الدولارات من الثروات النفطية وكيف تنفق؟
أشارت إلى محاولات دول الخليج الغنية البحث عن وسائل لاستغلال "الطفرة النفطية الرابعة"، والتي يعتقد خبراء النفط أنها ستكون "الأخيرة" بالنظر للخطط العالمية بشأن إنهاء الاعتماد على النفط والتركيز على السيارات الكهربائية.
لهذا، استأجرت دول خليجية -منها قطر والإمارات والسعودية- خبراء مال أجانب عبر عروض عمل مغرية؛ للاستفادة من هذه العوائد النفطية الحالية مستقبلا.
ومن أجل معرفة أين تذهب الأموال بالضبط، قامت مجلة إيكونوميست بالتدقيق في حسابات الحكومات وأصولها حول العالم، والصفقات التي تعقد للاستثمار.
يشير بحث المجلة إلى أن قلة من المال، أو عائدات النفط، يتدفق نحو الغرب ويستخدم جزء منه لدعم أهداف سياسية في الداخل والحصول على التأثير في الخارج.
وعن سؤال أين تذهب هذه الأموال؟ قالت: بعد البحث تبين أنها تنفق في ثلاث طرق جديدة عبر عدة لاعبين، بمن فيهم الحكومات الوطنية، المصارف المركزية، والصناديق السيادية وهذه تقوم بتسديد الدين الخارجي وإقراض الأصدقاء والاستحواذ على أصول أجنبية.
أشارت المجلة إلى استفادة دول الخليج من الطفرة النفطية وزيادة أسعاره لسداد الديون التي اقترضتها بسبب انهيار أسعار النفط في الفترة ما بين 2014-2016 نظرا للإشباع الذي حصل في السوق بسبب زيادة إنتاج النفط الصخري الأمريكي، ودفع أسعار النفط للهبوط من 120 إلى 30 دولارا للبرميل، ثم جاء كوفيد-19 الذي زاد تدهور الأسعار إلى 18 دولارا في 2020.
ورفعت الحرب في أوكرانيا والعقوبات على روسيا من أسعار النفط والغاز بشكل جعل المصدرين، خاصة الخليج، عائمين على بحر من الأموال. ووصل مجموع فائض الحساب الجاري لدول الخليج جميعا في عام 2022 إلى 350 مليار دولار
ويتوقع صندوق النقد الدولي حصول مصدري الطاقة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى من وراء هذه الطفرة الحالية على 320 مليار دولار من عائدات النفط أكثر مما كان يتوقع في السابق.
النفط قوة ناعمة
يتراوح سعر النفط حاليا بين 76 و 82 دولارا للبرميل، وخلال الطفرات النفطية الثلاثة السابقة كانت دول الخليج تضيع أموال النفط في صفقات سلاح وبذخ وأسواق العواصم الغربية، بالاستحواذ على أصول عبر المصارف الموجودة في الخارج.
لكن هذه المرة تشير طريقة استثمار أموال الصناديق السيادية إلى محاولة دول النفط استخدام الأموال لاستعراض القوة الناعمة، وفق إيكونوميست.
تقول المجلة إن طريقة استثمار أموال الصناديق السيادية تشير إلى محاولة دول النفط استخدام الأموال لاستعراض القوة الناعمة.. كل هذا يؤشر إلى تطور جديد في نهج استخدام دول الخليج لصناديقها السيادية، وهو دعم أهدافها الاستراتيجية.
ففي الوقت الذي تنفق فيه السعودية مثلا على تحسين صورتها وجاذبيتها للمستثمرين الخارجيين، تقوم بالإنفاق بسخاء على جيرانها من عُمان إلى البحرين والأردن ومصر والسودان، وخصصت لذلك 24 مليار دولار.
وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في تقرير نشرته 7 أبريل/نيسان 2023، إن دول الخليج بدأت تتعامل مع مصر مثل شروط صندوق النقد الدولي واشترطت الحصول على عائدات أفضل مقابل أموالهم بالتزامن مع تركيزهم على إعادة هيكلة اقتصاداتهم المعتمدة على النفط، وفقاً لمسؤولين من مصر والخليج.
وطلبت تركيا قرضا من السعودية وتم إيداع 10 مليارات دولار في البنك المركزي التركي.
ثلاث طفرات ضائعة
مرت على دول الخليج ثلاث طفرات لأسعار النفط على مدى نصف قرن، الأولى في السبعينيات بعد حرب أكتوبر 1973، والثانية بعد الثورة الإيرانية 1979، وأثناء السنوات الأربع الأولى من الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1984).
والثالثة بعد غزو العراق منذ 2003 حتى عام 2014، وتعيش دول الخليج حاليا رابع وربما آخر طفرة نفطية مع تحول العالم تدريجيا عن الاعتماد على النفط.
وكل طفره نتج عنها ارتفاع في المداخيل النفطية لدول الخليج؛ مما تسبب في طفرة اقتصادية قوية ظهرت خصوصا في السعودية، لكن ما جري هو تسرب عوائد هذه الطفرة للغرب في صورة ودائع أو شراء العقارات الفاخرة وكل ما له علاقة بالترف.
الآن تبدو الطفرة الكبيرة الحالية في إيرادات دول الخليج من بيع النفط بعد ارتفاع أسعاره هذا العام تمثل "الفرصة الأخيرة" لهذه الدول للاستفادة من هذه الأموال، قبل أن يقلص العالم اعتماده على الوقود الأحفوري، وفق تقرير سابق لمجلة إيكونوميست، 7 أغسطس 2022.
أين تذهب هذه الأموال؟
تشير المجلة إلى استفادة دول الخليج من الطفرة النفطية وزيادة أسعاره لسداد الديون التي اقترضتها بسبب انهيار أسعار النفط في الفترة ما بين 2014-2016 نظرا للإشباع الذي حصل في السوق بسبب زيادة إنتاج النفط الصخري الأمريكي، ودفع أسعار النفط للهبوط من 120 إلى 30 دولارا للبرميل، ثم جاء كوفيد-19 الذي زاد تدهور الأسعار إلى 18 دولارا في 2020.
واضطرت دول الخليج لتحويل جزء كبير من احتياطات العملة الأجنبية إلى سيولة، واقتراض العملات الصعبة من أسواق الغرب المالية، فقد دفعت أبو ظبي 3 مليارات دولار منذ نهاية 2021 أي نسبة 7% من المبلغ المتبقي. وتقلص عبء قطر بحوالي 4 مليارات دولار أو 4%، أما عبء الكويت فقد أصبح النصف منذ عام 2020.
وبات تقليص المديونية ظاهرة في دول مجلس التعاون الخليجي التي لم يكن لدى دوله دين بداية القرن الحالي عندما كانت هناك طفرة نفطية.
أيضا تم تحويل جزء من الأموال للأصدقاء، ففي 2022 أودعت السعودية والإمارات وقطر 13 مليار دولار في البنك المركزي لمساعدة مصر التي تستورد حاجاتها الأساسية.
ولكن هذه الدول باتت تطلب عائدات من الأموال، وطلبت من مصر وباكستان، التي سمحت لها السعودية بتأجيل دفع مليارات عن مشتريات النفط، القيام بإصلاحات والحصول على حصة من أصول الدولة التي تعرض للبيع.
والظاهرة الجديدة في كل هذا هي تركيا التي كانت تطلب حزمة مساعدة من صندوق النقد الدولي لمواجهة المصاعب الاقتصادية، إلا أنها وفي ظل التضخم وتداعيات الزلزال، باتت تطلب مساعدة من دول الخليج، فقد تعهدت السعودية بإيداع 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي، أما قطر والإمارات، فقد أقامتا مقايضة عملات، وستشارك الدول الثلاث في مزاد السندات الحكومية التركية.
وتعتبر قطر حليفا مهما لتركيا، أما السعودية والإمارات، فقد أعادتا علاقاتهما مع أنقرة بعد فترة من التوتر، وكل هذه الدول، ترى أن هناك فرصة للتأثير على الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يواجه انتخابات صعبة في مايو المقبل.
توقعات بمشاريع فاشلة
تقرير آخر سابق لمجلة إيكونوميست، 7 أغسطس 2022، عن أوجه الإنفاق المحتملة للفائض الذي حصلت عليه هذه الدول، مستفيدة من الإيرادات الهائلة مع ارتفاع أسعار الخام، تنبأ بأن تضيع دول الخليج وخاصة السعودية أموال هذه الطفرة الرابعة بسبب المشاريع الضخمة -التي يعتبرها التقرير "فاشلة"- من فترات الازدهار السابقة، مثل الحي الذي أرادت السعودية أن يكون منافسا لدبي، والمليارات التي أنفقتها الإمارات على جزر اصطناعية ولم تنجح، وفشل خططها في أن تكون مركزا لتصنيع أشباه الموصلات ومركزا للسياحة الصحية.
وتقول إيكونوميست إن مدينة "نيوم" تقف على أهبة الاستعداد لاستيعاب جزء كبير من أموال النفط هذه المرة، وتريد السعودية أيضا استضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية في عام 2029، ولدى دبي خطة لخلق 40 ألف وظيفة في "ميتافيرس" في غضون خمس سنوات.
وستضيع أموال الطفرة النفطية السعودية من المليارات على المنتجعات ومدن الملاهي في إطار تطوير قطاع السياحة الذي تقول إنه سيكون مركز اقتصادها في مرحلة ما بعد النفط.
قال التقرير إنه يتم إنفاق كميات هائلة من الأموال السعودية لإعادة صقل سمعة المملكة المتضررة، وضخ ابن سلمان الأموال في عالم الجولف وجذب النجوم بعقود خيالية، واستضاف سباق الفورمولا1، وغيرها من الأحداث الرياضية والفنية.
ويعاني المواطن في المملكة من غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، في الوقت الذي يقوم نظام ابن سلمان فيه بتخصيص أكبر ميزانية لإنتاج مسلسل من عشرة أجزاء يدعى "صعود السحرة" من انتاج مجموعة MBC ودعم نيوم، وفقاً لموقع Deadline Hollywood الأمريكي، 9 أغسطس 2022
وتعتبر مشاريع استضافة أكبر مصارعة أمريكية وأكبر مسابقة للعبة الجولف وإنفاق مليارات الدولارات عليها مؤشر على هذه المشاريع الفاشلة التي ستضيع فيها أموال أخر طفرة نفطية قد تعود بعدها السعودية ودول الخليج لحالات العجز المالي الضخمة التي تنهي مراحل خروجها من الفقر قبل طفرات النفط الأربعة.
استمرارها في إنفاق أموال الشعب في مشاريع فاشلة على طريقة سيسي مصر تهدد عروش ملوك وقادة المنطقة وقد تجعل حكم ابن سلمان أكثر عرضه لعدم الاستقرار.
وقد أشار موقع Just Security الأمريكي، 8 أغسطس 2022، لتحسب نظام بن سلمان لذلك مؤكدا أنه "منذ أن تولى ابن سلمان السلطة في السعودية بنى آلة قمع قاسية، من خلال تجنيد عملاء موالين لتعزيز سيطرته على قوات الأمن، وتشويه العقيدة الدينية، وتجريم المعارضة المدنية".