التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية و العدو الصهيوني .. فيلم متكرر ينتهي بالتراجع

الثلاثاء - 31 يناير 2023

  • السلطة حولت التنسيق إلى أداة لمنع سيطرة حركة حماس علي الضفة
  • قادة رام الله قرروا وقف التنسيق 6 مرات سابقا.. وفي النهاية تراجعوا !
  • لماذا انتفضت أمريكا هذه المرة لمنع وقف تنسيق السلطة مع الاحتلال؟

 

إنسان للإعلام- خاص:

أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وقف "التنسيق الأمني" الذي كان هدفه قمع المقاومين، بين سلطته وسلطة الاحتلال الإسرائيلي بعدما قتل الاحتلال عشرة من المقاومين والمدنيين خلال اقتحام مدينة جنين يوم 26 يناير 2023.

إعلان الرئيس عباس وقف التنسيق الأمني رسميا مع الاحتلال الإسرائيلي وأنه "انتهى ولم يعد قائماً بعد الآن"، سبق أن تكرر عدة مرات ولم تمر أيام إلا واستمر التعاون الأمني وقمع الأمن الفلسطيني للمقاومين للاحتلال بل واعتقالهم خدمة للاحتلال.

هذه ليست المرة الأولى، بل تكاد تكون السادسة التي تعلن فيها السلطة وقف التنسيق الأمني لامتصاص غضب الشعب ثم تعود.

فقد صدر القرار ذاته في 19 مايو 2020، وفي يوليو 2017، وفي عام 2015 والعام التالي 2016 وتحدثت عنه اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عام 2017 وجاء إعلان أبو مازن ليكون السادس من جانب السلطة ومنظمة التحرير.

لهذا انتقد نشطاء هذا القرار الأخير واعتبروا ما تعلنه السلطة "فيلم معاد ومكرر" لأن المشكلة هي في تركيبة قوات السلطة وعقيدتها القائمة على حماية الاحتلال لا الدفاع عن الشعب الفلسطيني. (انظر تويتر)

أكدوا أن التخابر المؤسسي مع الاحتلال المسمى "التنسيق الأمني" هو الوظيفة المركزية للسلطة الفلسطينية، ولا تقوى على وقفه وتوقفه فقط في مواسم العدوان والمجازر بالتصريحات دون أن ينفذ ذلك علي أرض الواقع.(انظر تويتر)

ولكن لماذا انتفضت أمريكا والغرب كله والأمم المتحدة هذه المرة؛ لتحذير السلطة من وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال؟ ولماذا أرسلت أمريكا الوفود تلو الأخرى لتحذير السلطة، سواء وزير خارجيتها أو سفراءها أو مدير المخابرات الأمريكية؟

"اتفاقات أوسلو" كانت البداية

بحسب موقع "فلسطين الآن"، 27 يناير 2023، علقت السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي ستة مرات وفي كل مرة كانت تتراجع بعد تهديد الاحتلال وأمريكا والغرب لها؛ لأنها تلعب دور الحامي لقوات الاحتلال من المقاومة.

السلطة الفلسطينية هي هيئة الحكم الذاتي المؤقتة التي تأسست عام 1994 عقب اتفاق غزة – أريحا لحكم قطاع غزة والمناطق (أ) و (ب) في الضفة الغربية، كنتيجة لاتفاق أوسلو لعام 1993.

ومنذ يناير 2013، تستخدم السلطة الفلسطينية اسم دولة فلسطين في الوثائق الرسمية.

وكان لقرار بدء التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، على خلفية اتفاق أوسلو لعام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وتل أبيب، دور كبير في تحريف أهداف القضية الفلسطينية؛ حيث أصبحت السلطة الفلسطينية ومقرها رام الله، يد إسرائيل الطولى في اغتيال المقاومين بأيادي سلطتهم.

حيث يُلزم اتفاق أوسلو الموقَّع عام 1993، وكذلك اتفاق طابا عام 1995، السلطة الفلسطينية بمحاربة المقاومة ونشطائها ضمن ما سماه الاتفاق "محاربة الإرهاب".

وجعل السلطة مسؤولة عن اتخاذ الإجراءات المناسبة ضد المقاومين الذين تصفهم بـ الإرهابيين من خلال التعاون أمنيا مع الكيان الصهيوني.

وجاءت اتفاقية "أوسلو2"، أو ما سمّي اتفاق طابا، لتوضّح مهام اللجنة المشتركة للتنسيق الأمني وهوية وعدد أعضائها ومواعيد اجتماعها.

تلتها ما عُرفت "بوثيقة تينت" عام 2002، التي جاءت لتجديد التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في ذروة الانتفاضة الثانية.

سر التحرك الأمريكي

أمريكا تحركت سريعا وانتقدت قرار تعليق "التنسيق الأمني"، وأعلنت سفر وزير خارجيتها بلينكن إلى مصر وإسرائيل والضفة الغربية بين 29 و31 يناير لأن هناك مخاوف أن تقلب الانتفاضة الفلسطينية الطاولة في وجه عباس وإسرائيل وأمريكا والمطبعين العرب وتؤثر في المشهد الدولي والإقليمي برمته.

كما أعلنت أن رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، وليام بيرنز، وصل إسرائيل ورام الله للقاء مسؤولين في السلطة الفلسطينية وإعادة التنسيق الأمني والتهدئة.

وأعربت كبيرة الدبلوماسيين الأميركيين لشؤون الشرق الأوسط، باربرا ليف، عن "أسف" واشنطن لقرار السلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال.

وتحدث مبعوث الأمم المتحدة إلى مسؤولين فلسطينيين وحذر من أن مثل هذه الخطوة قد يكون لها عواقب سلبية للغاية وحث على عدم القيام بذلك بحسب مراسل موقعي أكسيوس الأمريكي و"واللاه" نيوز الاسرائيلي، باراك ريفيد.(انظر تويتر)

وقالت قناة "كان 11" القناة الرسمية الإسرائيلية أن ضغوطات دولية تمارس على السلطة الفلسطينية للتراجع عن القرار الذي أعلنت عنه بشأن وقف التنسيق الأمني مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي.

حيث كان لهذه الاتفاقات دور مفصلي في تحديد "هوية" ووظيفة السلطة الفلسطينية والأهم من ذلك مهام التنسيق الأمني بينها وتل أبيب.

وتحدث مبعوث الأمم المتحدة تور وينسلاند إلى مسؤولين فلسطينيين هددوا بتعليق التنسيق الأمني ​​مع إسرائيل رداً على الغارة الإسرائيلية في جنين، بحسب ما قاله دبلوماسي غربي. حذر وينزلاند من أن مثل هذه الخطوة قد يكون لها عواقب سلبية للغاية وحث على عدم القيام بذلك

مرروا لهم الرسالة من الفلسطينيين وطالبوا إسرائيل باتخاذ خطوات عاجلة لتهدئة الوضع في الضفة الغربية.

التنسيق الأمني..أداة إذلال

ورغم واقع السيطرة والتحكم الإسرائيلي، يعد الاحتلال التنسيق الأمني "المؤشر الذي يقيس به مدى التزام السلطة بالاتفاقيات.

وتتعمد إسرائيل استخدام "التنسيق الأمني" مع السلطة أداة لإذلال الفلسطينيين وتحطيم إرادتهم؛ بتأكيدها دوما أن أي اغتيال أو اعتقال تقوم به يجري بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

لذا أزعجها بشدة وقف التنسيق الأمني رغم توقع استمراره من وراء الكواليس لأن قادة الأجهزة الأمنية وكبار مسئول السلطة يتلقون امتيازات من الاحتلال مقابل خدماتهم الأمنية ويمكن لإسرائيل فضح فسادهم أو كشف عمالتهم لذا لا يتوقع أن يستمر وقف التنسيق الأمني طويلا.

وجاء زيارة مدير المخابرات ووزير الخارجية الأمريكي لرام الله لهذا السبب للضغط علي محمود عباس وفي الوقت نفسه تقديم اغراءات اقتصادية ومعونة مالية في ظل حصار اسرائيل حوله ومنعها أموال الضرائب والخصم منها.

أيضا التنسيق الأمني من صالح السلطة لأنها تخشي مثل اسرائيل سيطرة حماس علي الضفة الغربية.

فقد تحول "التنسيق الأمني" بعد سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عام 2007 على قطاع غزة إلى "شراكة حقيقية" بين السلطة وإسرائيل بدافع الانتقام من حماس.

وتطور من التنسيق لاعتقال المطاردين إلى إغلاق المؤسسات والجمعيات، ومراقبة الأرصدة بالبنوك، والتضييق على جميع حركات المقاومة، خاصة حماس.

أيضا لم يخدم التنسيق الأمني إلا المستوطنين، ولم يجنِ الفلسطينيون منه أية فائدة سوى فقدان الثقة في السلطة وأجهزتها الأمنية وبحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) المؤيدة لأوسلو، والتي دفعت قبل غيرها فاتورة التنسيق الأمني باغتيال واعتقال كوادر منها.