تحيز الإعلام وأزمة المصداقية: تغطية قنوات التلفزيون المصرية لفض اعتصامي رابعة والنهضة – دراسة تحليلية
الخميس - 14 آغسطس 2025
- تغطية قنوات التليفزيون المصرية لمذبحتي رابعة والنهضة تشكل انتهاكا لكل أخلاقيات الإعلام وأدبياته
- ساندت قهر الشعب باستراتيجية التخويف واستخدام القوة الصلبة لإجباره علي الخضوع للانقلاب العسكري
- شاركت في "جريمة ضد الإنسانية" بتبريرها ظلم سلطة الانقلاب ووحشيتها وسفكها لدماء المعارضين
- لعبت وسائل الإعلام دوراً مدمراً عقب الانقلاب يتمثل في تسويق الخوف وتصوير "السيسي" بأنه المنقذ!
- أسهم المتحكمون المعينون من السلطة في منع أية رواية مختلفة للأخبار أو الاعتماد على مصادر غير رسمية
- من المؤكد أن الإعلاميين المصريين حققوا أكبر خسارة في تاريخهم وسيعانون من ذلك لسنوات طويلة قادمة
أ.د سليمان صالح
أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة
فضّ اعتصام رابعة والنهضة حدث خطير في تاريخ مصر يؤثر على حاضرها ومستقبلها، لذلك تحتاج مصر إلى دراسات علمية لهذا الحدث من جوانب مختلفة، وباستخدام مقاربات علمية متعددة تكشف تأثيراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية.
فمصدر قوة الدولة هو تماسك شعبها وتوحده؛ وكل دولة تستخدم دستورها ونظامها السياسي وثقافتها ووسائلها الإعلامية لتحقيق الاتفاق العام على منظومة مبادئ وقيم وأخلاقيات تحفظ وحدة المجتمع، وأهمها الحرية والعدل والكرامة الإنسانية.
وتحقيق هذا الهدف من أهم وظائف وسائل الإعلام، وقد تمكن الآباء المؤسسون للولايات المتحدة الأمريكية من استخدام الصحافة لتوحيد مجتمع متعدد الأعراق والثقافات حول الحلم الأمريكي. (1)
وقد شكلت ثورة 25 يناير الحلم المصري الذي كانت التجربة الديمقراطية من أهم أركانه؛ فلا يمكن تحقيق الحلم بدون قيادة شرعية تعبر عنه وتعمل لتحقيقه، ولذلك انتخب شعب مصر نوابه في أول انتخابات حرة نزيهة تشهدها مصر؛ لكن تم حل مجلس الشعب بهدف إجهاض التجربة الديمقراطية وانتهاك إرادة شعب مصر.
ثم جاء انتخاب الرئيس محمد مرسي، الذي يعبر عن حلم شعب مصر وإرادته في تحقيق الاستقلال الشامل، وكسر التبعية للغرب، بإنتاج السلاح والدواء والغذاء.
ثم تمكن شعب مصر من أن يمنح نفسه دستورًا لأول مرة في تاريخه، ويوافق عليه في استفتاء حر، ودعا الرئيس إلى انتخابات مجلس شعب جديد، وتمتع شعب مصر لأول مرة بحرية الإعلام والحق في التعبير عن الآراء المختلفة.
لذلك لم تجد أمريكا وأوروبا وإسرائيل وسيلة لكسر حلم الشعب المصري وإجهاض تجربته الديمقراطية سوى تدبير انقلاب عسكري.
لكن ما دور وسائل الإعلام في ذلك، وكيف مهدت لارتكاب جريمة فضّ رابعة والنهضة وقتل المتظاهرين السلميين، وكيف استخدمتها سلطة الانقلاب في إدارة المعركة الدعائية ضد الشعب المصري؟
في هذه الدراسة سنركز فقط على دور القنوات التليفزيونية في التمهيد لجريمة فضّ اعتصام رابعة والنهضة، وتغطيتها وتبريرها، والتلاعب باتجاهات الرأي العام، وانتهاكها لأخلاقيات الإعلام.
أولا: المشهد الإعلامي بعد ثورة 25 يناير 2011:
تزايدت آمال الشعب المصري عقب ثورة 25 يناير في أن يكون لهم إعلام حر يعبر عنهم، ويتميز بالتعددية والتنوع، ويقوم بتوسيع المجال العام لمناقشة حرة للمشكلات التي تراكمت عبر عقود من الاستبداد؛ إلا أن المشهد الإعلامي الذي تشكل عقب الثورة لم يكن يتناسب مع هذه الآمال.
وقد تشكل هذا المشهد في مجال القنوات التليفزيونية على النحو التالي:
- القنوات التليفزيونية المملوكة للدولة:
وهي ممولة بشكل كامل من الدولة بالرغم من إدارتها بالأسلوب التجاري، وجذبها لنسبة كبيرة من سوق الإعلان في مصر، وهو سوق ضعيف لا يزيد حجم الإنفاق الإعلاني فيه على 1.6 مليار جنيه نتيجة ضعف الاقتصاد المصري.
ويوجد في هذه القنوات الكثير من العاملين في مجالات مختلفة يصل عددهم إلى 43 ألفاً، أما الذين يعملون بالفعل في إنتاج المواد الإعلامية فنسبتهم قليلة قياساً بالعدد الكلي للعاملين.
كما أن هناك عوامل مختلفة أدت إلى ضعف الإنتاج الإعلامي في هذه القنوات؛ مما أدى إلى عدم قدرتها على جذب الجمهور، ومن أهم هذه العوامل تحكم الأجهزة الأمنية في تعيين الإعلاميين؛ الذين تأقلموا مع الرقابة المباشرة وغير المباشرة، وفرضوا رقابة ذاتية على أنفسهم قللت بدورها من قدرتهم على الإنتاج.
هذا بالإضافة إلى أن الكثير من العاملين في اتحاد الإذاعة والتليفزيون ظلوا يدينون بالولاء لنظام مبارك، ولم يكن لديهم رغبة في تطوير العمل الإعلامي بما يتناسب مع معطيات الثورة.
وهذا يفسر قدرة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد الثورة على استخدام القنوات المملوكة للدولة في التلاعب السياسي بالجماهير Political manipulation وتوجيهها، وكان من الواضح أن الثورة لم تصل إلى ماسبيرو، ولم تحدث تغييراً في أساليب إنتاج المضمون الإعلامي، وظلت هذه القنوات تعاني من غياب المصداقية، ولم تستطع الحصول على ثقة الجماهير(2).
- الإمبراطوريات الإعلامية الخاصة:
استطاع مجموعة من رجال الأعمال المرتبطين بنظام مبارك بناء إمبراطوريات إعلامية خاصة، نتيجة حصولهم على تراخيص بإنشاء قنوات تليفزيونية، وكانت تلك التراخيص تعتبر امتيازاً خاصاً للنخبة من رجال الأعمال المرتبطة بالسلطة .
بعد الثورة سعى رجال الأعمال إلى توسيع إمبراطورياتهم، كما دخل رجال أعمال جدد لإنشاء إمبراطوريات جديدة، وتصنيع المشهد الإعلامي المصري.
ولكن ما أهداف ملاك القنوات الفضائية الخاصة؟ هل هدفهم هو تحقيق الأرباح؟
بالرغم من انخفاض عائدات الإعلان في قطاع الفضائيات في مصر بنسبة 30% من عام 2011 - 2015، حدثت زيادة مضطردة في أعداد القنوات الفضائية؛ وذلك يعني أن الأموال التي تم استخدامها لإنشاء القنوات الفضائية لا تبتغي تحقيق الأرباح، وأن جزءاً كبيراً من هذا المال سياسي لم يضع في حساباته عوائد الإعلان، ولم يستند لدراسات جدوى، وبالتالي يصبح وجود القناة مرتبطاً بتحقيق أهداف سياسية لملاكها ومموليها .
يضاف إلى ذلك أن رجال الأعمال قد عملوا على تشكيل الواقع الإعلامي عن طريق رفع تكلفة إنشاء القنوات التليفزيونية، والإنفاق الكبير على هذه القنوات، ومنح مرتبات عالية للمذيعين بشكل خاص والإعلاميين بشكل عام، وهذا يعني أنه قد تمت عملية إغلاق للسوق المصرية على الإمبراطوريات الإعلامية القوية، في الوقت الذي تعاني فيه القنوات ضعيفة التمويل من عدم القدرة على المنافسة.
وهذا يعني أن حرية الإعلام ظلت محدودة في مصر، وأن فتح المجال لإنشاء القنوات الخاصة لم يحقق التعددية والتنوع خاصة في القنوات الفضائية(3).
كما يوضح ذلك أيضاً أن السلطة ليست هي العدو الوحيد لحرية الإعلام، لكن هناك عدو آخر لا يقل شراسة عن السلطة؛ هو رأس المال الذي يستخدمه مجموعة قليلة من رجال الأعمال لإغلاق السوق، وتشكيل الواقع الإعلامي لتحقيق مصالحهم، وفرض احتكارهم، ومنع التعددية والتنوع، وتضييق المجال العام.
وهكذا شكل مجموعة من رجال الأعمال إمبراطوريات إعلامية بالغت في الإنفاق لزيادة قوتها ، وإضعاف القنوات الجديدة التي لا تمتلك القدرة على منافسة هذه الإمبراطوريات في الإنفاق، ففي الوقت الذي يحصل فيه مقدمو برامج حوارية على الملايين كمرتبات، لا يزيد فيه مرتب الكثير من الإعلاميين والمذيعين في القنوات الحكومية عن خمسة آلاف جنيه عام 2012، وبالتأكيد فإنه يقل بشكل كبير عن هذا الرقم في قنوات خاصة ظهرت بعد الثورة، ولا ترتبط بهذه الإمبراطوريات.
في ذلك الوقت، نشرت بعض الصحف والمواقع الإلكترونية مرتبات بعض مقدمي البرامج الحوارية في الإمبراطوريات الإعلامية والتي تصل إلى 4 ملايين دولار سنوياً ، والهدف من ذلك تشكيل سوق الإعلام بما يتناسب مع أهداف رجال الأعمال.
كيف يمكن أن نفسر حصول ثمانية من مقدمي البرامج على 134 مليون جنيه سنوياً، وما الأهداف الحقيقية لمن يدفع لهؤلاء المذيعين هذه المرتبات، وما مقاييس الجودة التي يمكن أن نطبقها على البرامج التي يقدمونها، وهل تتناسب هذه المرتبات مع واقع الاقتصاد المصري؛ الذي لا يوفر إمكانيات للإنفاق على الإعلانات بما يمكن وسائل الإعلام المصرية من تحقيق الاستقلال عن السلطة وعن رأس المال؟.
هناك الكثير جداً من المعلومات والبيانات التي تصور هذه الإمبراطوريات، وتوسعها بعد الثورة، وفرض احتكارها على السوق، ومن أهم هذه الإمبراطوريات:
- إمبراطورية محمد الأمين:
ظهرت هذه الإمبراطورية بعد ثورة 25 يناير، وفي خلال مدة قليلة تمكنت من التوسع لتشمل ثلاث شبكات تليفزيونية هي شبكة CBC وتضم قنوات سي بي سي، وسي بي سي اكسترا، وسي بي سي دراما، وسي بي سي2.
كما تمتلك شبكة بانوراما وتضم قناة بانوراما دراما، وقناة بانوراما فيلم، وقناة للأفلام الأجنبية، كما اشترى "الأمين" مجموعة قنوات مودرن (سبورت - كورة - حرية)، وامتلك جريدة الوطن.
وثارت الكثير من الشكوك حول الأمين، وهل كان يمتلك هذه الإمبراطورية ، أم أنه يمثل أطرافاً أخرى لا تريد الإعلان عن نفسها.
وقد تبنت هذه الإمبراطورية سياسة الهجوم علي الرئيس مرسي وحكومته، وشن حملات دعائية تستهدف تشويه صورته، وتم بناء تلك الحملات التي قادتها قناة "سي بي سي" وجريدة "الوطن" علي اتهام الرئيس مرسي ببيع الأهرامات وأبو الهول وسيناء وقناة السويس وحلايب وشلاتين، برغم أن ذلك يشكل انتهاكا لأخلاقيات الاعلام عن طريق ترويج الأكاذيب ، والتلاعب بالرأي العام.
وبعد 3 يوليو تبنت تلك الوسائل سياسة مؤيدة للإنقلاب العسكري، ثم تم القبض علي محمد الأمين بتهمة مخلة بالشرف، وإجباره علي بيع هذه الامبراطورية الإعلامية لتشكل جزءا من امبراطورية "الشركة المتحدة"، التي يمتلكها جهاز المخابرات ويقوم بإدارتها.
- شبكة قنوات الحياة:
وكان يمتلكها السيد البدوي، رئيس حزب الوفد السابق ورجل الأعمال الذي يتمتع بقوة في مجال صناعة الأدوية.
وتضم هذه الشبكة قنوات الحياة 1 و2 و3 وقناة "الحياة مسلسلات"، وقناة "الحياة سينما"، و"الحياة رياضة"، بالإضافة إلى قناة للأفلام الأجنبية وقناة للمسلسلات الأجنبية.
وهناك ما يشير إلى تحالف رجال الأعمال الذين يمتلكون هذه الإمبراطوريات للسيطرة على سوق الإعلان في مصر ،حيث قرر محمد الأمين والسيد البدوي وعلاء الكحكي - صاحب قنوات النهار - توحيد جهودهم لاحتكار سوق الإعلام والإعلان عبر إمبراطورية إعلامية تضم قنواتهم وتقوم بتوزيع حصص الإعلانات عليها، وتم تدشين هذه الإمبراطورية في 25 مارس 2014.
ويوضح ذلك أن رجال الأعمال قد عملوا لفرض أوضاع احتكارية يتمتعون فيها بالسيطرة على سوق الإعلام المصري، واستغلال سيطرتهم على الشركات الاقتصادية في تشكيل سوق الإعلانات في مصر. . ومع ذلك تم فرض سيطرة السلطة علي هذه الامبراطورية بعد شراء الشركة المتحدة لمعظم أصولها .
- إمبراطورية ساويرس:
قام رجل الأعمال نجيب ساويرس بتوسيع استثماراته في مجال الإعلام، خاصة بعد ثورة 25 يناير، وقد تنوعت ممتلكاته الإعلامية في مجالات التليفزيون والصحف والمواقع الإلكترونية.
ففي مجال الفضائيات أطلق قناة "أو تي في" ثم "أون تي في" On T.V، ثم "أو تي في لايف"، وامتلك أيضاً قناتي "ميلودي موسيقى" و"ميلودي أفلام".
ومن الواضح أن ساويرس نشر معلومات غير حقيقية لإخفاء حقيقة ممتلكاته الإعلامية.
كما يمتلك ساويرس أيضاً قناة تن Ten، وترتبط هذه الإمبراطورية الإعلامية بإمبراطورية اقتصادية يديرها نجيب وناصف وسميح ساويرس تقدر بأكثر من 20 مليار دولار طبقاً لمجلة فوربس الأمريكية عام 2007.
وهذا يوضح العلاقة بين القوة الإعلامية والاقتصادية، كما أن هذه الإمبراطورية تتمتع بوضع احتكاري في مجال الاتصالات.
وتعتبر قنوات التليفزيون التي يمتلكها ساويرس معبرة عن الليبراليين والعلمانيين، كما أن "ساويرس" هو مؤسس حزب المصريين الأحرار، وهو من كان يتحكم فيه.
- شبكة تلفزيون النهار:
بدأت هذه الشبكة في 30 يونيو 2011 بقناة "النهار" وهي قناة عامة، ثم تم إنشاء قناة "النهار رياضة"، ثم قناة "النهار دراما"، ثم قناة "النهار الإخبارية" في مايو 2014، ثم قناة "النهار سينما"، والنهار المتخصصة في شؤون المرأة.
وهناك الكثير من الغموض حول ملاك هذه الشبكة وتمويلها، إذ تتردد معلومات أنها لرجل الأعمال علاء الكحكي، وأن ألبرت شفيق الذي يقوم بإدارة قناة On T.V المملوكة لساويرس هو الذي يدير شبكة تلفزيون النهار.
وهذا يؤكد حاجة المجتمع إلى إلزام المؤسسات الإعلامية بالإعلان عن ملكيتها وتمويلها، وإن إخفاء هذه المعلومات يشكل في حد ذاته انتهاكاً لحق الجمهور في المعرفة، ويتناقض مع أخلاقيات الإعلام، وهو يشكل عملية تجهيل وتضليل للجمهور.
- إمبراطورية أحمد بهجت:
وهي تتشكل من مجموعة قنوات "دريم" التي بلغ عددها خمس قنوات، وهو أحد رجال الأعمال الذين ارتبطوا بنظام مبارك، وله أنشطة في مجالات اقتصادية متعددة من أهمها صناعة الأجهزة الكهربية والسياحة، وتبث قنوات "دريم" من خارج المدينة الإعلامية بالمخالفة للقانون.
- إمبراطورية حسن راتب:
وهي تتكون من ست قنوات هي "المحور 1"، و"المحور 2"، و"المحور دراما"، و"المحور سينما"، و"المحور رياضة"، و"المحور مسابقات"، وقالت جريدة "اليوم السابع": إن رأس مال هذه المجموعة يصل إلى مليار جنيه مصري.
- صدى البلد التي يمتلكها رجل الأعمال محمد أبو العينين الذي يرتبط بنظام مبارك، وقادت هذه القناة حملة لتشويه ثورة 25 يناير والرئيس محمد مرسي.
- القاهرة والناس التي يمتلكها طارق نور الذي يسيطر على صناعة الإعلان في مصر.
وبجانب تلك الإمبراطوريات، وجدت قنوات ذات توجه إسلامي، وكانت ضعيفة التمويل، وأهمها "مصر 25" التي نشأن بعد الثورة، والحافظ، والناس، والرحمة، وأمجاد.
وتعتبر "مصر 25" معبرة عن الإخوان المسلمين، وإن كانت قد تمسكت حتى إغلاقها بفكرة تقديم الرأي والرأي الآخر، أما القنوات الأخرى فقد ركزت على البرامج الدينية؛ ولذلك لم تكن مؤثرة في المشهد السياسي.
وهناك قنوات أخرى نشأت بعد الثورة وأعلنت أنها تعبر عن الثورة مثل "التحرير"، التي أنشأها إبراهيم عيسى مع محمد مراد وأحمد أبو هيبة، وقناة "الشباب" التي أغلقت بعد فترة قصيرة بسبب نقص التمويل.
كانت تلك صورة المشهد الإعلامي المصري بعد ثورة 25 يناير، ومن الواضح أن إمبراطوريات رجال الأعمال الإعلامية قد نشأت للتحكم في الواقع المصري السياسي والإعلامي، وأن هذه الإمبراطوريات كانت تخفي عن الجمهور المعلومات الحقيقية عن ملكيتها وتمويلها، برغم أن نشر هذه المعلومات حق للجمهور؛ حيث أنه لا يستطيع الحكم علي تلك القنوات، وما تقدمه من مضمون دون معرفة معرفة المعلومات الصحيحة عن الملكية والتمويل (4).
ثانيا :كيف مهدت القنوات التليفزيونية لعملية فض اعتصامي رابعة والنهضة؟
سبقت مذبحة فض اعتصامي رابعة والنهضة حالة من التمهيد الإعلامي للجماهير؛ بهدف إقناعها بضرورة الفض العنيف للاعتصامات، حتى لو أدى ذلك لوقوع خسائر كبيرة في الأرواح.. ولذلك كان الهدف الأساسي لقنوات التليفزيون منذ الانقلاب، وحتى الرابع عشر من أغسطس 2013 هو القضاء على أي تعاطف مع المعتصمين، وتلفيق اتهامات عديدة لهم.
وبدأت عملية تشويه الحراك المناهض للانقلاب، واعتصام رابعة العدوية منذ الأيام الأولى له، لكنها تصاعدت يوما بعد يوم حتى وصل التحريض الإعلامي ذروته قبل عملية فض الاعتصام مباشرة، واستمرت الحملة باستخدام قصص زائفة تستهدف تشويه صورة المعتصمين وتهيئة الجماهير لتقبل فض الاعتصام بالقوة.
هذا يؤدي إلى طرح المزيد من الأسئلة من أهمها: هل تركت السلطة الاعتصام لمدة 45 يوما، ولم تقم بعملية الفض حتى تمكنت باستخدام وسائل الإعلام من تهيئة الجمهور المصري لتقبل عملية الفض، عن طريق نشر الكثير من القصص التي تشوه صورة الاعتصام؟
كان من الواضح أن سلطة الانقلاب مصممة على استخدام القوة في فض الاعتصام؛ بهدف تعريض الشعب المصري لصدمة تدفعه للخوف والخضوع، ولم تستجب السلطة لجهود الوساطة، ومحاولات التوصل إلى حل سلمي، لكنها تركت الاعتصام كل هذه المدة، واستخدمت قنوات التليفزيون التي سيطرت عليها بهدف تهيئة المصريين لتقبل عملية الفض، باعتباره –كما صوّرت- الحل الوحيد الذي يمكن أن يحمي الدولة المصرية التي تواجه خطرا شديدا من هذا الاعتصام.
لذلك ركزت وسائل الإعلام على وصف الاعتصام بأنه مسلح، وزعمت نقل أسلحة إلى ميدان رابعة.. وفي الوقت نفسه شكلت صورة نمطية للمعتصمين وللإخوان المسلمين تقوم أهم سماتها على العنف والإرهاب وعدم الوطنية، في حين شكلت صورة ذهنية للجيش بأنه يقوم بالمحافظة على الدولة، وأن الوطنية تعني تأييد الجيش ومساندته، وتفويض السيسي للقضاء على الإرهاب المحتمل.
لذلك توضح دراسة حالة رابعة والنهضة كيف تم استخدام قنوات التليفزيون لتصنيع الصور النمطية، وشيطنة الآخر وإدارة الصراع، وتهيئة الجمهور لتقبل سياسات السلطة وتأييدها.. وأن استخدام السلطة لوسائل الإعلام المصرية كان تطبيقا لاستراتيجية شارك في صياغتها خبراء في مجالات الإعلام والدعاية والرأي العام؛ بهدف التحكم في الجمهور وتشكيل اتجاهاته(5).
ثالثا :سياسة تجهيل الجمهور واخفاء المعلومات:
كيف يمكن أن نتوصل إلى أحكام صحيحة على تغطية قنوات التليفزيون لفض اعتصامي رابعة والنهضة؟
رفضت الحكومة إتاحة أية معلومات عن عملية الفض حتى للمجلس الأعلى لحقوق الإنسان المصري، وحاولت إخفاء الحقائق رغم أن هناك مقاطع فيديو تصور مروحيات ومبان تطل على ميدان رابعة تظهر قوات الأمن، وهي تسجل عملية الفض، إلا أن وزارة الداخلية أفرجت بطريقة انتقائية فقط عن تلك المقاطع التي تشير إلى عنف من جانب المتظاهرين، وأخفت كل التسجيلات التي توضح المذبحة والجريمة ضد الإنسانية التي ارتكبتها سلطة الانقلاب.
وهذا يعني أن النظام المصري عمل على إخفاء الحقائق لكي تكون روايته للحدث هي الرواية الوحيدة التي تتناقلها وسائل الإعلام، ومنع ظهور أية روايات مختلفة.. وهذا يعتبر تقييدا لحق وسائل الإعلام في الحصول على المعلومات، وتقييدا لحق الجمهور في معرفة حدث يؤثر على مستقبل مصر وشعبها.
كما أن الحكومة رفضت إجراء تحقيق قضائي في الحدث، لذلك قال بهي الدين حسن، وهو أحد مؤسسي حركة حقوق الإنسان في مصر في الثمانينات، في حديث مع موقع "عربي ٢١"، في الذكرى الثامنة لفض اعتصامي رابعة والنهضة: "هذه المذبحة دخلت التاريخ ليس فقط بالنسبة للمصريين، بل للإنسانية كلها.. وبعد مرور ٨ سنوات كاملة على مذبحة رابعة البشعة، لم يجر تحقيق واحد فيها، بل تمت محاكمة الضحايا قضائيا وسياسيا وإعلاميا، وجرت إدانتهم على غير الحقيقة والواقع".
لذلك طالب بهي الدين حسن المصريين بأن يقفوا دقيقة صمت داخل بيوتهم للتأمل والحداد ليس فقط على الضحايا، بل على الدولة المصرية ونظامها القضائي المنهار(6).
ماذا يعني ذلك؟ يعني بكل بساطة أن النظام القضائي المصري قد عجز عن تحقيق العدل بالتحقيق في أكبر مذبحة في تاريخ مصر، وأسهم في طمس الحقيقة، ولم يطالب وزارة الداخلية بالتسجيلات الكاملة التي قامت بها قواتها لعملية الفض.
وهذا التحقيق كان يمكن أن يسهم في بناء الصورة الكاملة للحدث.. ويمكن الاعتماد عليه في تقييم تغطية قنوات التليفزيون له.
يضاف إلى ذلك أن النظام عمل على منع الصحفيين من الوصول إلى مكان الحدث لتغطيته.. وهذا يشكل اعتداء على حرية الصحافة والإعلام، فمن أهم أركان حرية الإعلام حصول الصحفيين على المعلومات من مصادرها، وحرية الوصول إلى أماكن الأحداث، وتصويرها.
ويوضح قتل قوات الأمن أربعة صحفيين خلال تغطيتهم للحدث، منهم الصحفية حبيبة عبدالعزيز التي أطلقت القوات الرصاص عليها عندما شاهدوا معها كاميرا تصور بها الأحداث أن قوات الأمن كانت حريصة على منع تغطية الصحافة للحدث، والتعتيم عليه بهدف تجهيل الجمهور disinformation، فكانت حملة التجهيل لا تقل خطورة عن استخدام الرصاص الحي لقتل المتظاهرين السلميين، حتى يتم فرض رواية السلطة للحدث على الجمهور المصري وعلى العالم.
لكن ما الحقائق التي يمكن أن نعتمد عليها في نقد رواية السلطة، ومحاسبة قنوات التليفزيون وتقييم تغطيتها للحدث، وتوضيح مدى التزام وسائل الإعلام بالمعايير الإعلامية في التغطية، وكشف تحيز هذه الوسائل للسلطة؟
من أهم الأدلة على إصرار السلطة على منع وصول الحقائق إلى وسائل الإعلام والجمهور أنها فرضت السرية على محاكمات الكثير من المشاركين في رابعة، ومن أهم القضايا ما عرف بقضية "غرفة عمليات رابعة"، وعلانية الجلسات من أهم شروط المحاكمة العادلة، وهو حق للمتهمين وللجمهور.
وهذه المحاكمات كان يمكن أن تكون مصدرا مهما لمعرفة ما حدث عن طريق الاستماع بشكل مباشر لصوت المتهمين، وبناء صورة للمشهد عن طريق الاستماع إلى رواية تختلف عن رواية السلطة.. ولذلك فإن فرض السرية على جلسات المحاكمات، ومنع المتهمين من الدفاع عن أنفسهم، ورواية قصتهم يشكل في حد ذاته انتهاكا لحرية الصحافة والإعلام، ولحق شعب مصر في معرفة ما حدث.
لكن لماذا الإصرار على تجهيل شعب مصر وشعوب العالم، ومنع الكشف عن الحقائق؟
تقول جريدة "الجارديان" البريطانية: "إن عملية فض اعتصام رابعة جريمة ضد الإنسانية أسوأ من مذبحة تياننمن في الصين"، فهل يمكن أن يفسر ذلك إصرار السلطة على التعتيم على حقائق المذبحة، حتى لا يتم تشكيل رأي عام عالمي كما حدث في مذبحة تياننمن؟.
تلك المقارنة يمكن أن تفتح المجال لبحوث جديدة تقوم على المقارنة بين تغطية وسائل الإعلام العالمية لمذبحة تياننمن ومذبحة رابعة.. وكيف تمكنت وسائل الإعلام العالمية من تشكيل رأي عام ضد الصين في مذبحة تياننمن وتبنت رواية الطلاب، وقدمت الحقائق التي تحدت رواية السلطة، بينما لم تقم بذلك الدور في مذبحة رابعة.. وهل لذلك علاقة بما أشارت له "الجارديان" حول انتماء المتظاهرين في رابعة لجماعة الإخوان المسلمين التي وصفتها بأنها الأب الروحي للإسلام السياسي والأسلمة.
سيكون ذلك مجال بحث آخر حول تحيز النظام الإعلامي العالمي، ودوره في إدارة الصراعات العالمية، ومع ذلك سنحاول أن نأخذه في الاعتبار عند تقييم تغطية قنوات التليفزيون المصرية لمذبحة رابعة.
هناك أيضا عامل آخر يمكن أن يسهم في فهم تغطية قنوات التليفزيون لمذبحة رابعة، وتفسير تلك التغطية، وهو ما أشارت له "الجارديان" حول أن عددا كبيرا من رموز الليبرالية في مصر وافقوا على عملية الفض، ولأن الرموز الليبرالية تعاملت بعداء مع الرئيس مرسى، والمؤيدين له، وهم يحتلون مكانة مهمة في القنوات التليفزيونية؛ فإن ذلك قد أسهم في تبني رواية السلطة، وتبرير الفض، ومنع نشر الحقائق، والتحيز ضد المتظاهرين.
لذلك هناك عوامل متداخلة أثرت على تغطية وسائل الإعلام المصرية للحدث، وأسهمت في التعتيم عليه، وإخفاء الحقائق وتبرير قيام السلطة بعملية الفض.
كما أنه هناك عاملا آخر هو وجود الكثير من مؤيدي مبارك (الذي خرجت عليه أساسا ثورة 25 يناير 2011) داخل المؤسسات الإعلامية المصرية الرسمية والخاصة، وكان لهم تأثيرهم على اتخاذ القرارات التحريرية بالنشر والإذاعة، وفي تفصيل التغطية لتتناسب مع شروط سلطة الانقلاب.
ويعترف عبد اللطيف المناوي بأنه تم بناء استراتيجية قنوات التليفزيون الرسمية التي كان يشرف عليها علي النحو التالي:
- قبل الفض تم التركيز علي المظاهرات المؤيدة للسيسي، وكانت هذه المظاهرات هي العنوان الرئيس للبث التليفزيوني .
- تجاهل الاتهامات الدولية أو شهادات المدنيين حول المذبحة .
3- برر المناوي دور القنوات الرسمية بأنها كانت وسيلة تواصل بين القوات المسلحة والمواطن في ظل الفوضى.
4- يبرر المناوي تحيز قنوات التليقزيون الرسمية بأن التلفزيون المصري هو الذي أسهم في إنقاذ الوطن بالتعاون مع القوات المسلحة وقت الانفلات الأمني(7).
رابعا : صوت واحد يروي القصة علي قنوات التليفزيون:
لقد استمع شعب مصر إلى صوت واحد قام برواية الحدث، وأخفى الكثير من الحقائق، وغابت الأصوات المعارضة من قنوات التلفزيون، وتم منع الأصوات الإسلامية بشكل كامل من الوصول إلى الجماهير، وبذلك أصبحت قنوات التليفزيون المصرية في خدمة السلطة، وليست وسيلة لتوفير المعرفة للشعب .
تقول رشا عبدالله، رئيس قسم الصحافة والإتصال الدولي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة: "لقد أصبح من الصعب نشر وإذاعة أي صوت لا ينسجم مع الدعاية المؤيدة للنظام بعد 3يوليو، وهذا يوضح تحكم سلطة الانقلاب في قنوات التليفزيون وسيطرتها عليه، وأن تغطية قنوات التليفزيون لفض رابعة والنهضة كانت من انتاج السلطة ولم تكن من انتاج الاعلاميين المهنيين(8).
هل يمكن أن يتجاهل إعلامي مهني هذا الحدث؟!!
يتميز الحدث بكل العناصر التي تدفع وسائل الإعلام للاهتمام به وتغطيته، حيث أنه يجذب اهتمام الجمهور، وبالتالي فإنه لا يمكن تصور أن يتجاهل إعلام مهني ما وصفته "هيومن رايتس ووتش" بأنه أكبر وقائع قتل المتظاهرين في العالم في يوم واحد في التاريخ الحديث.
وقياسا على أحداث "تياننمن" فإنه من الناحية المهنية لابد أن تهتم قنوات التليفزيون بتقديم تغطية متعمقة للحدث تقوم على الآتي:
1- تقديم تغطية سريعة للحدث، تركز على أحدث التطورات، ومتابعة مستمرة للحدث، ورصد المعلومات الجديدة.
2- تقديم تغطية تفصيلية للحدث، فلقد استمر فض الاعتصام لمدة 12 ساعة من شروق الشمس إلى غروبها، حيث بدأت الشرطة هجومها بالتنسيق مع قوات الجيش في الساعة السادسة والنصف صباحا، واستمر طوال اليوم، وهذا يعني أن وسائل الإعلام، خاصة قنوات التلفزيون، كان يجب أن تقدم تغطية مستمرة تنقل الأحداث بكل تفاصيلها، ومع تقدم أساليب التغطية والتصوير من الجو، والتصوير باستخدام كاميرات التليفون كان يمكن نقل الحدث إلى الجمهور بكل تفاصيله.
وقد تفاخرت شبكة CNN بأنها تمكنت في بداية التسعينات من نقل حرب الخليج إلى غرف نوم الأمريكيين، فكيف يمكن أن نتخيل إمكانيات تغطية حدث بكل ضخامة فض اعتصام رابعة بعد حرب الخليج بأكثر من عشرين عاما، وبعد ما شهده العالم من ثورة الاتصال، وتطور تقنيات التصوير عن بُعد؟
من حق الجمهور في مصر والعالم أن يعرف حدثا يمكن أن يؤثر على مستقبل مصر والمنطقة.. لكن هل استطاعت قنوات التليفزيون أن تقدم هذه التغطية؟ أم أن هناك تجاهلا متعمدا للحدث، وأن وسائل الإعلام اكتفت بالمشاهد التي أرادت السلطة المصرية إذاعتها في قنوات التلفزيون الرسمية، دون بذل جهد لنقل المشهد بكل تفاصيله؟.
إن أهمية الحدث وضخامته تعني أن تجاهل الحدث أو الاقتصار على مشاهد معينة يعني أن المضمون الذي تم تقديمه بواسطة قنوات التليفزيون لم يتم إنتاجه بواسطة الإعلاميين طبقا للشروط المهنية، وإنما تم إنتاجه بواسطة السلطة لتحقيق أهدافها، وأنها استخدمت قنوات التليفزيون لعرض المضمون الذي أنتجته، وقامت بتحييد الصحفيين المهنيين بكل تراثهم وأدبياتهم وأخلاقياتهم، التي تشكل رؤيتهم وتقييمهم للحدث، واتخاذهم قرارات النشر طبقا للشروط المهنية.. وهذا يمكن أن يساعد في تقييم تغطية وسائل الإعلام للحدث(9).
3- تقديم الجوانب الإنسانية في الحدث: إن الصحفيين المهنيين يدركون أهمية الجوانب الإنسانية لجذب الجمهور، وهم يبحثون عن هذه الجوانب.. ومن المؤكد أن عملية فض اعتصام رابعة تتضمن الكثير من القصص الإنسانية التي تشكل ثروة عظيمة لمصر، وتثير خيال كل إنسان.. فهل يمكن أن يتجاهل صحفي مهني يحترم تراث مهنة الصحافة والإعلام هذه القصص؟
إن تجاهل تلك القصص يعني أن قنوات التليفزيون قد وقعت تحت ضغوط دفعتها للتخلي عن القيم المهنية، وأن التغطية لم تتم من منظور مهني إعلامي.
إن هذا يمكن أن يشكل تفسيرا معقولا لتجاهل قنوات التليفزيون المصرية لهذه القصص الإنسانية، لوقوعها تحت السيطرة المباشرة للسلطة، وعدم القدرة على تطبيق الشروط المهنية.. لكن كيف يمكن تجاهل وسائل الإعلام العالمية لهذه القصص؟
إن البحث العلمي يجب أن يبحث عن العوامل والأسباب التي أدت إلى عدم النشر والتعتيم على ثروة من القصص الإنسانية، فقصة رابعة لم تجد من يرويها للبشرية بعد.. فهل تم ذلك بشكل متعمد ومقصود؟.. لأن القصة يمكن أن تجذب الجماهير، وتثير الخيال، وتؤدي إلى التعاطف مع أصحاب هذه القصص وإدانة مرتكبي الجريمة ضدهم، والتعامل مع قتلهم باعتباره جريمة ضد الإنسانية.
لقد صاحبت عملية الفض بثّت التليفزيونات الرسمية المصرية مقاطع لفضّ الاعتصام، مع مشاهد مصاحبة من أفلام هوليوود، وعناوين ضخمة مثل مصر تحارب الإرهاب "Egypt Fights Terrorism" باللغتين العربية والإنجليزية.
وهذه المقاطع صُممت لخلق انطباع أن الدولة تتصدى لإرهاب داخلي وليس احتجاجًا سلميًا ، وهذا يوضح أن التغطية التليفزيونية لا علاقة لها بتصوير الواقع ونقل الحقائق، لكنها كانت وسيلة للدعاية وتبرير المذابح والتعتيم علي الحدث وتضليل الجمهور، كما أن الرسالة موجهة للخارج وليس للجمهور المصري الذي تتعامل معه سلطة الانقلاب باحتقار ، وتعتبر أنه لا يستحق الديموقراطية، ولذلك تم استخدام العنوان باللغة الانجليزية.
خامسا :التحريض على الفض العنيف للاعتصام وانتهاك أخلاقيات الإعلام:
هناك الكثير من البرامج التي توضح أن قنوات التليفزيون قامت بدور خطير يشكل اعتداء على القيم المهنية للإعلام وأخلاقياته، وهو التحريض على قتل المتظاهرين، واستخدام القوة في عملية الفض، وعدم الاهتمام بحقوق الإنسان.
على سبيل المثال؛ طالب الإعلامي أحمد موسى -طبقا لتعبيره- بإنهاء موضوع رابعة العدوية أيا كانت الخسائر و"يتحرق المجتمع الدولي".. واتخاذ إجراءات أكثر قسوة.. ووصف حقوق الإنسان بأنها "حقوق الزفت". وقال: " أنا عايز دم بالعشرات والمئات، مش عايز حد يقبض على حد.. أنا عايز جثث لأن دول ماينفعش معهم القانون، القانون هو الرصاص، هذا هو القانون والعدل.. اضرب ومتخافش، غيروا سياسة الطبطبة.. غيروا استراتيجية المواجهة".
و"أنا عايز المطرية دي بكرة مايبقاش كلب إخواني فيها.. دي مصر، جيشنا العظيم يقدر يعمل ده، إحنا عايزين إعدام الجماعة الإرهابية".
وهذا يوضح ما يلي:
1- أن وسائل الإعلام المصرية نتيجة سيطرة السلطة عليها تخلت عن الدور المجتمعي التاريخي للإعلام كوسيلة لتوفير المعرفة للجمهور وإدارة المناقشة الحرة، وأصبحت وسيلة تستخدمها السلطة في التحريض والتعبئة وتزييف الوعي.
2- أنه تم كسر الحدود بين الإعلام والدعاية، وأن الدور الدعائي للوسائل الإعلامية التي تسيطر عليها السلطة كان أكثر وضوحا عقب انقلاب 3 يوليو 2013، فالسلطة هي التي كانت تتحدث للجمهور وحدها بصوت عال، ولم تسمح لأية رؤية أخرى بالظهور، وكانت قنوات التليفزيون تبث وتنشر وسائل دعاية سلطوية(10).
3- أن قنوات التليفزيون استخدمتها السلطة في إدارة صراعها مع الشعب المصري، بهدف تزييف وعيه، ونشر الكراهية، والتحريض على سفك الدماء، لذلك يمكن أن تكشف دراسة تغطية وسائل الإعلام المصرية لفض اعتصام رابعة وما أعقبها من أحداث كيف تستخدم السلطات الديكتاتورية وسائل الإعلام في الدعاية وحرمان الشعب من المعرفة وتجهيله وتضليله .
4- أن وسائل الإعلام تقوم بوظيفة رئيسية في المجتمعات الغربية، هي توحيد المجتمعات بالاتفاق على منظومة من القيم والمبادئ، وتحقيق التماسك بين فئات المجتمع واتجاهاته السياسية والفكرية، لكن قنوات التليفزيون المصرية تشكل حالة مهمة للدراسة، فقد أسهمت في تفكيك المجتمع المصري، وزيادة حدة الكراهية والاختلاف، وانتهاك الدستور والتجربة الديموقراطية، والتحريض على القتل وسفك الدماء.
سادسا : لماذا عجز الإعلاميون عن الدفاع عن حريتهم؟!
هناك جانب مهم يمكن أن يسهم في تفسير تغطية قنوات التليفزيون المصرية لفض اعتصام رابعة، فقد كان من بين ضحايا رابعة أربعة صحفيين- كما أوضحت منظمة مراسلون بلا حدود-، كانوا يقومون بتغطية الحدث، لذلك فإن الصحفيين تم قتلهم وهم يقومون بأداء وظيفتهم في إعلام الجمهور، ولم يتم التحقيق في قتلهم.. كما أصيب ستة صحفيين آخرين.
ما يهمنا هنا هو أن وسائل الإعلام قد تجاهلت هذا الحدث، ولم يطالب الصحفيون المصريون بالتحقيق في قتل وإصابة زملائهم.. وهو ما يعني أن الخوف من السلطات الانقلابية، أدى إلى عدم قدرة الصحفيين على الكفاح من أجل حرية الإعلام، والتضامن المهني، وعدم القدرة على مواجهة السلطة حتى فيما يتصل بالدفاع عن الصحفيين.
وبالتأكيد فإن من لا يستطيع أن يدافع عن حقوق زملائه وحرية الصحفيين في تغطية الأحداث لا يستطيع أن يدافع عن حقوق المصريين في الحرية والديموقراطية، وهذا يمكن أن يسهم في زيادة قدرتنا على تفسير تغطية قنوات التليفزيون المصرية، واكتشاف مدى سيطرة السلطة عليها.
لقد توقف كفاح الصحفيين المصريين من أجل حرية الصحافة منذ الانقلاب العسكري، فقسوة الانقلاب وقوته الغاشمة ملأت النفوس بالخوف.
ولأن وسائل الإعلام المصرية أصبحت تابعة للسلطة بعد انقلاب 3 يوليو 2013، فقد كانت التبعية هي العامل الرئيس في تفسير تغطية قنوات التليفزيون لفض اعتصام رابعة، بعد أن أصبحت تنقل خطاب السلطة وتعبر عنها، وتبرر أعمالها، وتدافع عنها، وتبث الدعاية المؤيدة لها.
سابعا : الدعاية وتصنيع تغطية فض اعتصام رابعة والنهضة:
لعبت قنوات التليفزيون أدوارا خارج إطار وظائفها المجتمعية، و توضح دراسة تلك الأدوار خطورة سيطرة السلطة على وسائل الإعلام وتوظيفها لتحقيق أهدافها.. ومن أهم تلك الأدوار تصنيع التغطية.
يقول إعلامي مصري، ورئيس تحرير سابق بقناة CBC، التي كان يمتلكها رجل الأعمال محمد الأمين قبل أن تنتزعها منه السلطة: إن التعليمات التي كانت تصلنا في غرف الأخبار والإعداد تنصب حول تقديم بعض المقاطع المصورة عن تخزين المعتصمين للسلاح والذخيرة، وإعداد تقارير عن تحول أماكن الاعتصام إلى بؤر إرهابية، والانطلاق منها لمهاجمة مؤسسات الدولة، واستقبال مكالمات مفبركة من السكان في محيط الاعتصام للحديث عن الرعب والذعر الذي يعيشونه كل يوم وليلة.
وكانت أبرز الأكاذيب التي نشرتها قنوات التليفزيون نقل أسلحة خفيفة وثقيلة إلى مقر الاعتصام، بل وأسلحة كيميائية، ومجلس حرب، وتعذيب بعض المتسللين من الصحفيين والمخبرين السريين، وجهاد النكاح، ووجود أمراض منتشرة بين المعتصمين، فضلا عن الاتجار بالأطفال، ولم يثبت صحة أي منها على الإطلاق. ومن الواضح أن السلطة استخدمت قنوات التليفزيون لتحقيق ما يلي:
1- شيطنة رابعة وتشويه صورتها.
2- نشر معلومات زائفة بهدف خداع الجمهور ودفعه لتأييد عملية الفض.
3- تصوير قوات الجيش والشرطة بأنها تحارب في معركة ضد معتصمين مسلحين، لنفي صفة الكفاح السلمي عن الاعتصام.
4- تقديم قصص زائفة بهدف تضليل الجمهور والتأثير عليه.
في ضوء ذلك كانت قنوات التليفزيون أسلحة استخدمتها السلطة لتزييف وعي الجمهور وتضليله ودفعه لتأييد قيام الجيش والشرطة بفض الاعتصام، وتقليل التعاطف مع الضحايا.
لذلك تفتح دراسة حالة رابعة مجالا مهما لفهم كيفية استخدام السلطة قنوات التليفزيون للتلاعب بالجماهير manipulation، وتزييف وعيها،كما توضح دراسة حالة رابعة إمكانيات استخدام وسائل الإعلام في إدارة الصراع داخل المجتمع ، وزيادة الانقسام والاستقطاب؛ واستئصال اتجاه سياسي تري الديكتاتورية أنه يشكل خطرا عليها (11).
ثامنا: الانقلاب العسكري وإغلاق المجال العام:
في يوم 3 يوليو ، وبعد إلقاء قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بيانه، اقتحمت قوات الأمن مدينة الإنتاج الإعلامي، وأغلقت قنوات "مصر 25" و"الحافظ" و"الرحمة" و"الناس"، واعتقلت 35 من الإعلاميين العاملين في هذه القنوات، وقد تجمع الإعلاميون من قنوات رجال الأعمال يصفقون ويهللون لاجهزة الأمن وهي تجر زملاءهم العاملين في القنوات الإسلامية، وتلقي بهم بشكل مهين في سيارات الترحيلات، بل رفعت بعض المذيعات في قنوات رجال الأعمال أحذيتهن في وجوه الإعلاميين الذين يعملون في قناة "مصر 25".
ويكشف ذلك المشهد أن عدم التضامن المهني من أهم العوامل التي أدت إلى جرأة السلطة على انتهاك حرية الإعلام، وأخلاقياته والتحكم في وسائل الإعلام واستخدام قنوات التليفزيون لتجهيل الشعب وتضليله .
قالت شبكة الصحافة الأخلاقية EJN: إن مصر أصبحت الآن إحدى أخطر الدول في العالم بالنسبة للعمل الصحفي؛ فهناك الكثير من الصحفيين الذين تعرضوا للاضطهاد في مصر منذ يوليو 2013 حيث تم اعتقال 70 صحفياً مصرياً أو أجنبياً.
وتجاهلت وسائل الإعلام المصرية، وقنوات التليفزيون الحكومية والخاصة قضية حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة، ولم تقم بتغطية الكثير من الأحداث التي توضح انتهاك السلطة لحقوق الإنسان، ومن أهمها قضية التعذيب في السجون، واعتقال النساء والأطفال والطلاب، وأحكام الإعدام، وغيرها من القضايا(12).
والسؤال الآن: هل استطاعت قنوات التليفزيون الحكومية والخاصة أن تقوم بوظيفتها في الوفاء بحق الجمهور في المعرفة عن أخطر الأحداث التي شهدتها مصر ؟!
من الواضح أن السلطة قد تحكمت في المعلومات التي تقدمها وسائل الإعلام للجماهير، وقبل الإعلاميون المصريون التخلي طوعاً أو كرهاً عن حقهم في الحصول على المعلومات ونشرها.
وادعت قنوات التليفزيون المصرية بعد الانقلاب العسكري أنها تقوم بواجب وطني عن طريق إذاعة مواد تدعم النظام ؛ لكن الواجب الوطني هو نقل الحقائق للجمهور والوفاء بحق الجمهور في المعرفة وليس الدعاية لسلطة انقلاب علي الديموقراطية(13).
الحقيقة هي أن وسائل الإعلام في مصر بعد الانقلاب العسكري تدهورت إلى الحد الذي لا يمكن اعتبارها إعلاما ، فهي منفصلة عن الاهتمامات الحقيقية للجمهور، وتقوم بخداعه.
يضاف إلى ذلك أن وسائل الإعلام المصرية فشلت في التغطية الشاملة للأحداث، فلم تتمكن من تحليل الأحداث أو تفسيرها، ولم تفتح المجال للمشاركة الجماهيرية في التعليق على الأحداث، أو توضيح موقف المواطنين منها، حيث يتم اختيار المواطنين المؤيدين فقط للسلطة لإجراء مداخلات في البرامج الحوارية، وبالتالي يتم تصنيع واقع زائف يقوم على تأييد المواطنين للسلطة بشكل مطلق.
ذلك يعني أن الإعلاميين المصريين، عقب 3 يوليو 2013، لم يتمكنوا من تصوير الواقع المصري الحقيقي، بل إنهم أيضاً أسهموا في تزييفه، وهذا يشكل أسوأ انتهاك لأخلاقيات الإعلام التي تلزم الإعلاميين بنقل الحقائق وتصوير الواقع، والالتزام باستقلال الإعلام.
ولقد فرضت قنوات التليفزيون على المجتمع المصري رؤية أحادية هي رؤية السلطة، وفي الكثير من الأحداث اكتفت وسائل الإعلام بالرواية الرسمية التي أرادت السلطة ترويجها كما حدث في تغطيتها لفض اعتصامي رابعة والنهضة، وتجاهلت قنوات التليفزيون أية رواية أخرى من جانب المتظاهرين.
وقد أسهم المتحكمون المهنيون The Professional Controllers، الذين قامت السلطة بتعيينهم في غرف الأخبار، في منع أية رواية مختلفة للأخبار، أو الاعتماد على أية مصادر غير رسمية ، وبذلك قاموا بدور الرقابة العسكرية المباشرة، وهذا يشكل انتهاكاً لأخلاقيات المهنة التي تلزم الإعلامي بالبحث عن الحقائق، وتحري الدقة، والاعتماد على مصادر متعددة ومتنوعة.
وهكذا أسهم الإعلاميون المصريون، خاصة في قنوات التليفزيون في التلاعب بالمعلومات وتشكيلها لتحقيق التأثير الذي تريده السلطة على الجماهير، ومنع الجماهير من الحصول على معلومات من مصادر غير رسمية.
كما تم إدارة الأحداث بواسطة المعلومات التي تسمح المصادر السلطوية الرسمية بمرورها للجماهير.
ولعبت وسائل الإعلام دوراً مدمراً عقب الانقلاب العسكري يتمثل في تسويق الخوف The marketing of fear، ولذلك ركزت على تصوير "الإرهاب"؛ لزيادة خوف الجماهير، وتصوير "السيسي" بأنه هو المنقذ، وأن البديل هو أن تصبح مصر مثل سوريا والعراق(14).
كما حاولت وسائل الإعلام أن تثبت أن المتظاهرين في رابعة والنهضة هم الذين قاموا بمهاجمة قوات الأمن بالأسلحة، وعرضت الأسلحة التي استخدمها المتظاهرون نقلاً عن المصادر الأمنية.. وهذا يشكل تضليلا للجماهير، ويقلل مصداقية وسائل الاعلام التي أصبحت أهم ضحايا تخلي الاعلاميين المصريين عن أخلاقيات الاعلام، وعدم دفاعهم عن حريتهم ووظيفتهم في نقل الحقائق وتحري صحة المعلومات والتأكد من صحتها ودقتها.
تاسعا :قنوات التليفزيون والتحيز للسلطة:
من الواضح أن قنوات التليفزيون المصرية، الخاصة والمملوكة للدولة، كانت متحيزة للسلطة منذ عام 1952 فيما عدا الفترة 2011 - 2013، وازداد هذا التحيز بعد 3 يوليو 2013، حيث تبنت قنوات التليفزيون بحملة لتمجيد الجيش، ونشر خطاب النظام، ومنع الأصوات المعارضة، واتباع النموذج الدعائي للسلطة، وتصوير المعارضين بأنهم الشر أو الأشرار واتهامهم بعدم الوطنية.
وقد كان تأييد وسائل الإعلام للجيش كاملاً ، ولم تسمح أية وسيلة إعلامية لأي صوت معارض للسلطة، كما حملت الكثير من الاتهامات للإخوان المسلمين بهدف تشويه صورتهم (15).
لكن لماذا قبل الإعلاميون أن يتخلوا عن حيادهم واستقلالهم، وتخلوا عن العدالة في تغطية الأحداث، وأسهمو في إلحاق الظلم بالكثير من المواطنين الذين يملكون رؤية أخرى تختلف عن الرواية الرسمية؟!!.
من المؤكد أن الإعلاميين المصريين قد حققوا أكبر خسارة في تاريخهم، وسيعانون من ذلك لسنوات طويلة قادمة؛ حين قبلوا أن يخدعوا جمهورهم بمعلومات زائفة؛ وأن يخضعوا للسلطة التي حولتهم إلى مجرد ناقلين للمعلومات التي تريد نقلها للجماهير، دون أن يتمكنوا من البحث عن الحقائق، كما أنهم لم يتمكنوا من تحقيق المعايير الأخلاقية والمهنية للتغطية الخبرية مثل الدقة والأمانة والعدالة والتوازن، بل قام بعض مذيعي البرامج الحوارية على حث السلطة على سفك الدماء، وفض رابعة والنهضة، والتحريض على الكراهية وتلك جرائم ضد الانسانية.
كما عملت وسائل الإعلام على تكريس الانقسام المجتمعي، وانتهاك حقوق الإنسان،
ويمكن أن نعرض هنا باختصار عدداً من الحالات الخطيرة كالتالي:
- في برنامج أحمد موسى، تم تقديم مداخلة لشخصية قالت إنها مدير إحدى شركات خيرت الشاطر، واسمها "آمال الشاطر"، وادعت أنه تم رصد 76 حالة جهاد نكاح في اعتصامي رابعة والنهضة، ثم تم اكتشاف أن اسمها هناء رضوان، وأنه تم تعيينها في الجهاز المركزي للمحاسبات مقابل الحديث عن جهاد النكاح، وأن السلطة أغرتها بالتعيين مقابل ترديد هذه القصة، لكن كيف يمكن أن يسمح إعلامي لنفسه باستضافة شخصية يعرف تماما أنها كاذبة، ولا يستجوبها ويكشف كذبها؟!.
- استضافة الفلكي أحمد شاهين ليتحدث عن أنه أجرى حوارا مع كائن فضائي وتحدث معه عن "الإخوان المسلمين" باعتبارهم قوى الشر، وأن الكائنات الفضائية سينزلون إلى الأرض ليحاربوا قوى الشر.
كما استضافت رانيا محمود ياسين هذا الفلكي مرة أخرى ليقوم بتحضير روح السادات الذي جاء ليحذر السيسي.
- أذاع برنامج خيري رمضان (ممكن) مقابلة مع "تيمور السبكي" اتهم فيها 50% من نساء صعيد مصر بالخيانة الزوجية، وهذا يشكل إهانة لنساء مصر خاصة في الصعيد، بالإضافة إلى أنه جريمة عنصرية، كما يعني أن القنوات التليفزيونية تخلت عن دورها في المجتمع وأصبحت تذيع الأكاذيب والمعلومات المفبركة والسب.
كما أنها تعمل لتقسيم المجتمع، وإثارة التفرقة العنصرية و انتهكت حق الخصوصية للمواطنين عن طريق إذاعة مكالمات تليفونية قامت السلطة بتسجيلها، وإعطائها للإعلاميين مثل عبد الرحيم علي؛ بهدف تشويه شباب الثورة وإثبات عمالتهم لجهات أجنبية.
يوضح ذلك أن رجال الأعمال الذين امتلكوا القنوات التليفزيونية استغلوا هذه القنوات لتشويه ثورة 25 يناير والانتقام من رموزها.
خاتمة:
دراسة تغطية قنوات التليفزيون لمذبحة رابعة والنهضة توضح خطورة سيطرة السلطة علي وسائل الإعلام، وتحويلها إلي أدوات دعاية وتلاعب باتجاهات الرأي العام ، وذلك يشكل خطرا علي مستقبل مصر من أهم ملامحه:
- زيادة الانقسام المجتمعي الناتج عن الظلم، وقد عملت قنوات التليفزيون كوسيلة لتبرير ظلم سلطة الانقلاب ووحشيتها وقسوتها ضد الشعب، وهذا التبرير يجعلها شريكا في جريمة ضد الإنسانية، كما يشكل عارا للإعلاميين، ويشوه صورتهم في أذهان الجماهير، لذلك فإن تغطية قنوات التليفزيون المصرية لفض اعتصام رابعة والنهضة كان من إنتاج سلطة الانقلاب، وخضع الاعلاميون للاعتماد علي السلطة كمصدر وحيد للرواية، وتخلوا عن دورهم كباحثين عن الحقائق.
- وظيفة الإعلاميين هي الوفاء بحق جمهورهم في المعرفة، وتغطية قنوات التليفزيون لفض اعتصام رابعة والنهضة توضح عجز وسائل الاعلام المصرية عن القيام بهذه الوظيفة، فبالرغم من أهمية الحدث وتأثيره علي حاضر مصر ومستقبلها تم حرمان الشعب المصري حتي الآن من معرفة الحقائق ، فقنوات التليفزيون لم تقدم للجمهور سوى رواية السلطة التي استهدفت تبرير المذبحة، وتجهيل الشعب وتضليله .
- يدافع الشعب عن حرية الإعلام عندما يدرك أن الإعلاميين يدافعون عن حريته، لكن تغطية قنوات التليفزيون لمذبحة فض اعتصام رابعة والنهضة توضح أن هذه القنوات لم تدافع عن حرية الشعب وإرادته وشرعية الرئيس الذي انتخبه، وقامت بتضليل الشعب، ووضعته أمام خيار مر إما الأمن أو الحرية، فضاعت الحرية وضاع الأمن، وتدفقت دماء المعارضين للانقلاب، وقامت قنوات التليفزيون بإخفاء الحقائق عن الجريمة التي ارتكبها الانقلاب ضد الانسانية، لذلك لم يدافع الشعب عن حرية الإعلام الذي لم يدافع عن حريته وإرادته ودستوره ورئيسه وكرامته وحقه في الديموقراطية، وسيكون لذلك تأثيره السلبي علي كفاح الإعلاميين لتحقيق حرية الإعلام.
- كانت تغطية قنوات التليفزيون المصرية لفض اعتصام رابعة والنهضة من أهم العوامل التي أدت إلي تناقص ثقة الجمهور المصري في قنوات التليفزيون التي خضعت للسلطة، فأصبح هناك صوت واحد في قنوات التليفزيون يثير الكراهية ويبرر المذابح والظلم والاعتقال والسجن وأحكام الإعدام.
- تشكل تغطية قنوات التليفزيون المصرية لمذبحة رابعة والنهضة انتهاكا لكل أخلاقيات الإعلام وأدبياته، حيث قامت هذه القنوات بالتحريض علي القتل وسفك الدماء ونشر الكراهية وتبرير استئصال اتجاه سياسي حصل علي الأغلبية في الانتخابات، كما قامت بتبرير قهر الشعب واستخدام القوة الصلبة واستخدام استراتيجية التخويف لإجبار الشعب علي الخضوع للانقلاب العسكري.
وهذه الدراسة النقدية لتغطية قنوات التليفزيون المصرية لمذبحة رابعة والنهضة تشكل بداية لمرحلة جديدة من الكفاح ضد تبعية وسائل الإعلام للسلطة وتوضح خطورة حرمان الجمهور من المعرفة، فالشعب الذي يتم حرمانه من القوة الاتصالية والمعرفية لا يستطيع أن يبني المستقبل.
ومذبحة رابعة والنهضة تلقي بظلالها علي مجتمع لا يستطيع أن ينطلق بدون مراجعة لكل الحقائق وتحقيق العدل ومحاسبة كل من شارك في التحريض علي هذه المذبحة وتبريرها.
والحقيقة الواضحة أن قنوات التليفزيون كانت شريكا في جريمة ضد الإنسانية، لذلك تناقصت معدلات مشاهدتها وانصرف الناس إلي وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن فقدوا ثثقتهم فيها .
_____________________
هومش الدراسة:
1. في شرح نظرية التحيز وتأثيرها علي المجتمع ومصداقية وسائل الإعلام أنظر : سليمان صالح، وسائل الإعلام وإدارة الصراع ، الكويت : مكتبة الفلاح ؛ 2012
2-Peterson. M.A, Egypt's media ecology in a time of revolution, Arab media and Society, issue 14, summer 2011.
3- Abdulla. R, Egypt's media in The Midst of revolution, Carnegie endowment for international peace, 2014.
4-Elissawi. F, Egyptian media under transition, London School of economics, www.ise.as.uk.
5-أسامة الرشيدي ، كيف هيأ الإعلام المصري الرأي العام لمذبحة رابعة ؛ العربي الجديد ، 22 أغسطس 2015
6-طه العيسوي ؛ عربي 21؛ ضيف عربي 21، رابعة وجمهورية السيسي 31يوليو 2021
7-عبد اللطيف المناوي ، الإعلام مارس دورا كبيرا في انجاح 30 يونيو ، صدي البلد، 17 مايو 2014
8-Abdulla. R, op.cit
9- Walker. C and Orttung. R, for Egypt's state media: The revolution has yet to drive, http://freedomhouse.org. http://www.merip.org/mero/meroo2015ll.
10-Lynch. Mark, The Arab Spring: How The media trashed the transition, journal of democracy, Oct 2015, Vol 26, No 4.
11-Shawky, Sarah. “Media and Political Tolerance in Egypt: Content Analysis of TV News Programs.” ATINER Conference Paper Series No. MED2014-1713 (2015).
12-Human Rights Watch. All According to Plan: The Rab’a Massacre and Mass Killings of Protesters in Egypt (2014).
13-DCAF – Geneva Centre for Security Sector Governance. “The Military, the Media and Public Perceptions in Egypt.” (2017).
14-Carnegie Endowment. “Egypt’s Media in the Midst of Revolution.” (2014).
15-أسامة الرشيدي ، استراتيجيات الأخبار الكاذبة في الإعلام المصري 2013-2015، المعهد المصري للدراسات ، 6 فبراير 2024، https://eipss-eg.org/