التعتيم الإعلامي على أحداث السودان: كيف غُيّبت الحقيقة وتحوّل الصحفيون إلى أهداف؟
السبت - 8 نوفمبر 2025
في ندوة (فك شيفرة التعتيم الإعلامي حول السودان) بمركز "إنسان للإعلام":
- قوات الدعم السريع دمّرت 37 قناة و71 إذاعة و43 صحيفة في الساعات الأولى للحرب
- انقطاع الإنترنت وتغييب بعثة الأمم المتحدة.. كانت ضمن أدوات تغييب الرواية السودانية
- "الإقامة الذهبية" في الإمارات للمؤثرين السودانيين.. سلاح ناعم لإسكات الأصوات وشراء الولاءات
- تزامن الحروب في أوكرانيا وغزة ساهم في تراجع الاهتمام.. والإعلام العربي كان الغائب الحقيقي
"إنسان للإعلام"- إيمان سلامة:
ضمن محاولات فهم حقيقة ما يجري في السودان وكشف خيوط التعتيم الإعلامي المفروض على هذه القضية، نظم مركز "إنسان للدراسات الإعلامية" بإسطنبول ندوة بعنوان (فك شيفرة التعتيم الإعلامي حول السودان)، الخميس 6 نوفمبر 2025، بحضور الصحفي السوداني ربعي سراج، والحقوقية السودانية إيمان فتح الرحمن، كمتحدثين رئيسسين في الندوة.
استهلت مي الورداني، مديرة المركز، الندوة موضحة أن هدفها هو "كشف زيف بعض السرديات التي تسعى إلى تضليل الرأي العام، ومحاولة فك شيفرة التعتيم الإعلامي حول الأحداث في السودان"، مشيرة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتناول فيها المركز القضية السودانية، إذ سبق أن استضاف شخصيات إعلامية سودانية بارزة، من بينهم نقيب الصحفيين ووزير الإعلام السابق.
و قالت: "حينما سألنا: لماذا غُيبت القضية السودانية؟ قيل لنا إن أول هدف لقوات الدعم السريع كان هيئة الإذاعة والتلفزيون السودانية، حيث دمروا 37 قناة تلفزيونية، و71 إذاعة، و43 صحيفة، إضافة إلى وكالة الأنباء الرسمية، وهذا ما يفسر غياب الرواية منذ البداية."
وأضافت: "لدينا إحصائية على موقعنا منذ عام تفيد بتهجير قسري لأكثر من 1200 صحفي، واستشهاد 13 آخرين، وكما هو معروف، أي صحفي أو مدون فهو هدف مباشر.. لقد كان تدمير البنية التحتية الإعلامية متعمدًا لتغييب القضية."
وأوضحت "الورداني" أن "الأسلوب نفسه اتُبع في غزة، حيث رأينا استهداف الزملاء وأسرهم من قبل الاحتلال، وكذلك في فض اعتصام رابعة حين كانت عربة البث المباشر الهدف الأول، وتلا ذلك غلق القنوات واعتقال الضيوف على الهواء، وهذا نهج كل الأنظمةالقمعية."
لمحة تاريخية
وبدأ الصحفي السوداني ربعي سراج حديثه بلمحة تاريخية عن الصراع في السودان ونشأة قوات الدعم السريع، موضحًا أنها "تأسست في عهد الرئيس السابق عمر البشير إثر وجود تمرد في منطقة دارفور، وكان الهدف منها دعم الجيش وحماية الأمن آنذاك."
وأضاف أن "عدد هذه القوات حينها كان يقارب 20 ألف فرد، وبعد سقوط نظام البشير تم حل هيئة العمليات التي أُسست لحالات الطوارئ بنظام متطور جدًا في الخرطوم، بحيث يمكن لهذه الوحدات الوصول إلى أي مكان في العاصمة خلال دقائق، ثم تم تسليم وحداتها إلى قوات الدعم السريع."
وأوضح أن "عدد أفراد هذه القوات بدأ بالازدياد حتى تجاوز 200 ألف فرد، وقد شاركت في عملية عاصفة الحزم باليمن وتلقت دعمًا ماليًا كبيرًا آنذاك، وهو ما لفت أنظار العالم إليها."
وأكد أن "قوات الدعم السريع سيطرت لاحقًا على الاقتصاد ومناجم الذهب والموارد الطبيعية في البلاد في ظل غياب الدولة."
حرب التضليل
وأشار "سراج" إلى أن "هيئة الإذاعة والتلفزيون والمؤسسات الإعلامية والصحفيين كانت أول الأهداف التي هاجمها الدعم السريع، كما استُهدف الصحفيون والإعلاميون وأسرهم وممتلكاتهم، وتعرضوا للتشريد دون أي موارد."
وأضاف أن "انقطاع الإنترنت وتغييب بعثة الأمم المتحدة ساهم في التعتيم الإعلامي وضعف النشر حول قضية السودان."
وأوضح أن "تزامن الحرب في السودان مع الحرب بين روسيا وأوكرانيا وحرب في غزة كان له دور في صرف الأنظار عما يحدث في السودان."
وقال: "هناك محاولات للتضليل تُصور أن أحداث السودان صراع بين طرفين، وهذا غير صحيح.. لقد هاجموا بيتي ودمروا سريري، ونهبوا كل ما في البيت من مقتنيات وحُلي للنساء، فما دخل ذلك في نزاع طرفين على السلطة؟"
غياب إعلامي
من جانبها، أكدت الحقوقية إيمان فتح الرحمن أن "جذور الأزمة في السودان تعود إلى موقعه الجغرافي، حيث يتشارك حدوده مع تسع دول ويضم قبائل عابرة للقارات بثقافات مختلفة"، وتساءلت: "لماذا تأخر الإعلام العربي في نشر قضيتنا؟"
وأجابت: "كل منظمات الأمم المتحدة والمجتمع المدني كانت موجودة وتنقل ما يحدث، والقضية لم يكن عليها تعتيم كما يُقال، ولكن الغائب الحقيقي كان الإعلام العربي والإسلامي، الذي غاب عن المشهد إلا من قلة قليلة".
وتابعت: "بيوتنا وممتلكاتنا نُهبت، وهناك أربعة ملايين سوداني يعيشون في مصر، فهل يُعقل أنه لم يكن معروفًا سبب توافدهم وما هي قضيتهم؟"، مؤكدة أن "الشعب السوداني يبلغ 40 مليون نسمة، منهم 16 مليون نازح، و30 مليونًا بحاجة إلى مساعدات إنسانية."
وأضافت: "السردية المتداولة تقول إن هناك صراعًا على السلطة، بينما القانون الدولي يصنفها كصراع مسلح، لكن في الحقيقة هي حرب ضد الشعب، فالصراع الآن بين ميليشيات الدعم السريع والشعب السوداني."
غزة والسودان
وفي رده على ما يُقال عن أن الحرب في غزة غطّت على ما يجري في السودان، قال سراج: "الضعفاء داخل الخرطوم يدافعون عن غزة، وأهل غزة يدعمون السودان، والعلاقة بين الشعبين قوية ومتجذّرة، إلا أن العامل الجغرافي والاجتماعي وطبيعة الشعب كان لها دور في غياب القضية السودانية، فمساحة دارفور تبلغ 490 ألف كيلومتر مربع، وهي مساحة تعادل نصف مساحة أربع دول عربية، بينما غزة صغيرة ويمكن تغطيتها إعلاميًا بسهولة..كما أن التركيبة المجتمعية ومستوى الوعي في السودان يختلف عن الوضع في غزة، وهو ما ساهم في ضعف التناول الإعلامي".
دور الإمارات
وحول دور الإمارات في تغييب القضية إعلاميًا، قال سراج: "بالمناسبة، أنا أشيد بالدور الذي تقوم به الإمارات في هذا الملف، فقد جمعت المؤثرين ومن لهم حضور على مواقع التواصل الاجتماعي وأعطتهم الإقامة الذهبية التي تمكنهم من العيش هناك بامتيازات، وهذه طريقة ذكية لإسكاتهم عبر شراء الولاءات، وفي المقابل يتم تلميع التافهين لطمس القضايا المهمة."
وختم ربعي سراج حديثه قائلًا: "ما يهمني الآن حتى تُحل الأزمة أن يفهم الجمهور لماذا؟ هذا هو هدف برنامجي (بودكاست السودان)."
وأضاف: "لقد دفعنا كل ما يمكن دفعه وما زلنا ندفع ونتحمل، ولا مشكلة لدينا، لكن المهم هو أن نفهم القضايا ونتعامل معها، لأن ما يحدث في السودان قد تتضرر منه مصر، وما يحدث في ليبيا قد يؤثر في الجزائر، وهكذا في كل دول العالم العربي والإسلامي."
"أقوى برسالتنا"
وفي ردها على سؤال حول الدور المطلوب من الإعلاميين والحقوقيين، قالت الحقوقية السودانية فتح الله: "لسنا سياسيين ولا عسكريين، لكننا أقوى برسالتنا"، مشيرة إلى "قافلة الصمود التي اتجهت من أوروبا إلى غزة رغم سلميتها، لكنها أوصلت رسالتها بقوة وتغلبت على حصار الاحتلال وكسرت السرديات القديمة."
