الانقلاب في تونس .. آخر قلاع الربيع العربي ( تقرير خاص )
الاثنين - 26 يوليو 2021
خاص
شهدت تونس صاحبة أول شراراة لثورات الربيع العربي على مدار الساعات القليلة الماضية تكرارا لسيناريو الانقلاب على الشرعية في مصر يوليو 2013 ، حيث حدث انقلابا واضحا علي الدستور والقانون من خلال قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد ، الذي قرر تعطيل البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه ، و توالت ردود الأفعال المحلية والعربية والدولية الرافضة لهذه الإجراءات ، كما ألقت هذه الأحداث بظلالها على مصر ، حيث ضجت منصات التواصل المصرية بما يحدث في تونس بشكل كبير ، وتصدر هاشتاج " تونس " منصات التواصل الاجتماعي ، وقدم ثوار مصر نصائح للشعب التونسي بألا يكرر ما حدث في مصر صيف 2013، كما اتهم ناشطون السيسي والإمارات بالتخطيط لانقلاب الرئيس التونسي ، ومن خلال سطور هذا التقرير نتعرض للتفاصيل.
إجراءات متسارعة للانقلاب على الشرعية في تونس
أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد قرارات متلاحقة مساء أمس الأحد عقب اجتماع طارئ مع قيادات عسكرية وأمنية، وقام بتجميد اختصاصات البرلمان، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من مهامه، على أن يتولى هو بنفسه السلطة التنفيذية بالمخالفة للقانون والدستور .. كما أصدر اليوم الإثنين أمرًا رئاسيًا، قرّر من خلاله إعفاء:
- هشام مشيشي، رئيس الحكومة والمكلف بإدارة شؤون وزارة الداخلية
- إبراهيم البرتاجي، وزير الدفاع الوطني
- حسناء بن سليمان، الوزيرة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية ووزيرة العدل بالنيابة. وذلك ابتداء من يوم الأحد 25 يوليو/تموز 2021.
كما قام الرئيس التونسي بتكليف المدير العام لوحدة الأمن الرئاسي خالد اليحياوي بالإشراف على وزارة الداخلية.. وبدأ يلعب قيس سعيد بورقة الإرهاب حيث أكد انه يُنبه الكثير الذين يفكرون في اللجوء للسلاح .. وأنه ومن يطلق رصاصة ستجابهه القوات المسلحة بالرصاص .
معارضة تونسية للقرارات :
وتدخل الجيش لأول مرة في الاحداث .. حيث أغلقت قوات من الجيش التونسي مبنى البرلمان، اليوم، ومنعت رئيسه، راشد الغنوشي، وعدداً من النواب من دخول مقر المؤسسة التشريعية، وقال رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، مخاطباً الجنود الذين وقفوا خلف بوابات البرلمان المغلقة: "أنا رئيس البرلمان واليوم ممنوع من دخوله"، موجهاً دعوة لـ"أنصار الحرية في تونس والعالم لمساندة الشعب التونسي"، في حين ردّ عسكريون بالقول إنهم "ينفذون التعليمات"، رافضين الإفصاح عن فحواها.
ومن هنا بدأ "الغنوشي " اعتصاما أمام البرلمان في العاصمة تونس برفقة عدد من النواب بعدما منعه الجيش من الدخول إلى المبنى، داعين نواب المجلس إلى الالتحاق بمقره و اعتبار أنفسهم قائمين بواجبهم في المكان الذي وضعهم فيه الشعب وهو البرلمان.. و ذلك دفاعا عن الديمقراطية وعن الثورة
واعتبرت نائبة رئيس المجلس سميرة الشواشي أن ما يحدث يعد "خرقا للدستور"... وقالت متوجهة للقوة العسكرية التي أغلقت مقر البرلمان ومنعت الوصول إليه "ما التهديد الذي يمثله البرلمان للوطن ليحصل هذا؟ "
وحتى عصر اليوم الإثنين، عارضت أغلب الكتل البرلمانية في تونس قرارات الرئيس سعيد، إذ اعتبرتها حركة النهضة "انقلابا" على الشرعية، وقالت كتلة ائتلاف الكرامة، إنها "باطلة"، ورأت كتلة قلب تونس أنها "خرق جسيم للدستور"، وقال الحزب الجمهوري إنها "خروج على الدستور وانقلابا عليه"، وأعرب حزب التيار الديمقراطي عن اختلافه مع تأويل رئيس الجمهورية للفصل 80 من الدستور.. مؤكدا رفضه لما ترتب عنه من قرارات وإجراءات خارج الدستور .. وقال حزب العمال التونسي: " تصحيح مسار الثورة لا يكون بالانقلابات وإرساء الحكم الفردي المطلق"
كما رفضت البلديات التونسية قرارات قيس سعيد وحملته مسئولية الأزمة السياسية..
من جانبه أكد الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي أن ما يحدث الآن في تونس نتيجة ل "قرارا إقليميا بتصفية الربيع العربي"... واتهم الرئيس قيس بالحنث بوعده بحماية الدستور في أثناء القسم الرئاسي ، معتبرا هذه القرارات " انقلابا " وأكد أنه إذا نجح الانقلاب سيتدهور الوضع الاقتصادي والصحي (للبلاد) أكثر .. وأن ما حدث يعد قفزة جبارة إلى الوراء أعادت تونس إلى ركب الدول المتخلفة .. وعلي الشعب التصدي للانقلاب بكل الطرق السلمية والعودة إلى الديمقراطية "
فيما لم تؤيد تلك القرارات سوى حركة الشعب (قومية) .
ودعا من جانبه نقيب الصحافيين التونسيين السابق نجيب البغوري إلى الحذر، فكتب على "فيسبوك": "ما حدث الليلة لا يدعو إلى الفرح والاحتفال، بل إلى كثير من الخوف والحذر. ربي يحفظ تونس من أبنائها".
كما عبّر عدد من الإعلاميين عن موقفهم من قرارات الرئيس التونسي. إذ كتبت الإعلامية ثريا القاسمي رحيمي: "الصندوق هو الأداة الشرعية الوحيدة لإزاحة السياسيين أو بقائهم، ما عدا ذلك تجاوز لما ينص عليه الدستور. أستاذ القانون أكل الدستور". وهو رأي شاركتها فيه الإعلامية حياة السايب بن عزالدين التي كتبت "انقلاب. ربي تحمي تونس".
وعبرت رابطة حقوق الإنسان التونسية عن مخاوفها من "الانزلاق نحو الدكتاتورية"..
هاشتاج #تونس يتصدر مواقع التواصل في مصر
وحذر نشطاء مصريون عبر هاشتاج #تونس كافة القوى السياسية الشعب التونسي عبر المنصات الاجتماعية من تكرار ما حدث في مصر صيف 2013..
مؤكدين أن ما قام به "قيس" محاولة جادة للقضاء على التجربة الديمقراطية في تونس .. و قبول الشعب التونسي بما يجري سيكون مقدمة للنيل من كل رموز الثورة التونسية كما حدث في مصر
وكتب العالم بوكالة ناسا الدكتور عصام حجي: “أنا مصري وتونس هي بلدي الغالية التي تربيت ودرست فيها 10 أعوام في طفولتي.. وعهدتها دائما بيتا للحكمة والتربية والخلق الرفيع.. حفظ الله تونس من الفرقة ونار الفتنة وجعلها دائما منارة للوسطية والحرية في بحر الاستقطاب المظلم الذي يعصف بأمتنا العربية "
وحذر الإعلامي عبد الله الشريف : " إن لم تتعلموا من التجربة المصرية منذ 8 سنوات فعليكم أن تعانقوا أعواد المشانق بعد غياهب السجون.. لا بارك الله في الضعف هذا الكوكب البائس لا يرى المساكين.. حقوقكم أنتم أعلم بها فانتزعوها ممن سلبها إياكم بصخب أو سلموا لهم في صمت واضربوا وأوجعوا فإن العاقبة واحدة”
وقال الناشط محمود رفعت : " أنا ضد الإخوان فكرا ومنهجا لكن من يأت بالانتخابات يجب أن لا يرحل إلا بها... وعلى شعب تونس عدم تكرار الخطيئة التي ارتكبناها في مصر وإدراك أنه إن مر انقلاب قيس سعيد سيتحول لحال مصر من إعدامات جماعية وسجون تضم عشرات الآلاف بعد التفريط بأرض وماء مصر وضياع كرامتها اقليميا ودوليا " .
اتهامات للسيسي والإمارات بدعم انقلاب قيس
فيما رأى محللون سياسيون أن زيارة قيس سعيد لمصر ولقائه السيسي في إبريل الماضي – واتلتي كانت مثيرة للجدل آنذاك - كانت البداية الحقيقية للتخطيط للانقلاب الذي تشهده تونس الآن .. والإمارات تفتح خزائنها من جديد للقضاء علي التجربة الديمقراطية لآخر قلاع الربيع العربي
قال المحلل السياسي التونسي عبد اللطيف دربالة : " زيارة قيس لمصر في ابريل الماضي كانت مثيرة للجدل.. والنظام الانقلابي الاستبدادي المصري يسعي لتدمير اي تجربة ديمقراطية بالمنطقة "
من جانبه رأى الباحث والناشط السياسي المستقل عبد الحميد الجلاصي : " أن زيارة "قيس" لمصر مؤخرا تزامنت مع عدم إخفاء أحزاب سياسية تونسية تدعي القومية الاستقواء بالنظام المصري الانقلابي في حسم خلافات داخلية ... وهذه الزيارة زادت الاوضاع التونسية احتقانا فيما بعد " .
نماذج من ردود الأفعال الإقليمية والعالمية :
وتوالت ردود الأفعال الرافضة لتلك الإجراءات ومنها :
المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي والتي قالت : " ندعو المسؤولين في تونس إلى احترام الدستور ومؤسساته وسيادة القانون "
فيما وصفت صحيفة الغارديان البريطانية إن تونس، قصة النجاح الوحيدة لثورات الربيع العربي، ، "تواجه تحديًا خطيرًا لديمقراطيتها الوليدة بعد أن علق رئيسها قيس سعيد البرلمان وعزل رئيس وزرائه فيما وصفه منتقدوه بانقلاب.".
وقالت "واشنطن بوست": إن إجراءات قيس سعيد أثارت استياءً عميقا للكثيرين بسبب تهديد "الديمقراطية الوحيدة الدائمة للربيع العربي" وأنها تمثل ردة خطيرة لجهود شعب تونس في مقاومة قوى الديكتاتورية والاستبداد."
وأوضحت وكالة فيتش: أن قرار الرئيس التونسي تعليق البرلمان وإقالة رئيس الوزراء قد يؤخر مفاوضات البلاد مع صندوق النقد الدولي"
ورفضت تركيا الانقلاب في تونس ، وحذر المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن من “تعليق العملية الديمقراطية في تونس”.. و الخارجية التركية أعربت عن “قلقها العميق” جراء تعليق عمل البرلمان “ ، وقال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي عمر جليك : ت" عليق عمل البرلمان التونسي المنتخب وإقالة الحكومة “خطوة غير شرعية من الرئيس البلاد ولا أساس دستوريا لها .. ويجب حماية مكاسب الثورة التونسية على أساس الشرعية الدستورية وتعليق الرئيس للنظام الدستوري غير مشروع "
فيما اعتبر حزب جبهة العمل الإسلامي الأردني، أن ما يجري في تونس هو "مخطط لقوى الثورة المضادة" التي تستهدف إرادة الشعوب، وإعادتها إلى سلطة الاستبداد.
وأضاف "ما يجري في تونس يمثل حلقة جديدة من مخططات قوى الثورة المضادة التي تستهدف إرادة الشعوب؛ لإعادتها إلى سلطة الاستبداد".
ودعا الحزب الأردني، الشعب التونسي إلى التمسك بمؤسساته الشرعية، مؤكدا أنه "قادر على حماية ثورته من محاولات إجهاضها واختطافها".
من جانبه، اعتبر مصطفى العماوي، أمين عام حزب "الوسط" الأردني (إسلامي) أن "ما يجري في تونس، للأسف، انهيار للديموقراطية؛ كونها كانت مثالا يحتذى به في ترسيخ هذا المفهوم، وخاصة في مرحلة ما يسمى بالربيع العربي، .ولفت في حديثه للأناضول إلى أنه "رغم استخدام السلطات الدستورية، لكن هذا يسبب تقزيما للحياة السياسية في بلد شامخ مثل تونس".
كما أفتى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" بحرمة الاعتداء على العقد الاجتماعي الذي تم بإرادة الشعب التونسي، وينظم العلاقة بين الرئاسة ومجلس النواب ورئاسة الوزراء ويحافظ على مكتسبات الشعب في الحرية وسيادة القانون ورفض الاستبداد والدكتاتورية والتضحية بدماء البررة من الشعب التونسي "
من جانبه ، اعتبر اتحاد القوى الوطنية المصرية أن " قرارات قيس سعيد الليلة وتصريحاته تمثل ضربة كبيرة للديمقراطية في تونس، ومؤشر على رغبته في تأسيس نظام سياسي فاشي تأسياً بالانقلابات التي جرت على الربيع العربي لحرمان شعوبنا من حريتها ومن حقها في انتخاب مؤسساتها الحاكمة."
بينما أعلنت الجامعة العربية، عن "دعمها الكامل للشعب التونسي وتمنياتها لتونس بسرعة اجتياز المرحلة المضطربة الحالية، واستعادة الاستقرار والهدوء وقدرة الدولة على العمل بفعالية من أجل الاستجابة لتطلعات ومتطلبات الشعب "
ودعت جماعة "العدل والإحسان"، أكبر جماعة إسلامية في المغرب، كل القوى التونسية إلى رفض القرارات الأخيرة للرئيس التونسي قيس سعيد، معتبرا إياها "انقلابا واضحا مدانا على التجربة الديمقراطية".