الإهمال الطبي "جريمة نظام" تحاصر المعتقلين بمصر
الجمعة - 3 يونيو 2022
بات الإهمال الطبي "جريمة نظام" ممنهجة تحاصر وتغتال معارضي النظام من معتقلي الزنازين بمصر، وذلك بالرغم من ترويجه للحوار الوطني المزعوم، "مركز النديم" في تقريره الشهري "حصاد القهر" عن مايو الماضي وثق 196 انتهاك بالسجون من بينهم 6 حالات وفاة بالإهمال الطبي، كما رصد 23 حالة إهمال طبي متعمد و6 حالات تعذيب لمعتقلين عرضت حياتهم للخطر، 33 حالة قتل خارج إطار القانون لأشخاص وصفوا بأنهم عناصر " تكفيريين وإرهابيين" ، جميعهم في شمال سيناء و81 حالة تكدير فردي، و6 حالات تكدير جماعي، و23 حالة إهمال طبي متعمد، و26 حالة إخفاء قسري، وظهور 104 مختفين قسرياً، و15 حالة عنف من الدولة، وفي تقريره الشهري عن إبريل/نيسان الماضي، رصد المركز 178 انتهاكاً مختلفاً في السجون ومقار الاحتجاز الرسمية في مصر، بينما رصد مركز النديم 103 انتهاكات في مارس/آذار الماضي.
وفي تقريره السنوي عن " أرشيف القهر لعام 2021"، رصد مركز النديم 1530 انتهاكاً مختلفاً، وقال المركز إن تفاصيل حالة واحدة منها كفيلة بأن تُذهب رشد العاقل، وأن تمنع النهار عن أعين المبصرين.
كذلك رصد مركز النديم خلال عام 2021، داخل السجون ومقار الاحتجاز المختلفة وخارجها، 119 حالة قتل، و55 حالة وفاة في مقار الاحتجاز المختلفة، و48 حالة تعذيب فردي، و598 حالة تكدير فردي، و62 حالة تكدير جماعي، و201 حالة إهمال طبي، و431 حالة إخفاء قسري، و867 حالة ظهور بعد اختفاء قسري لمدد متفاوتة، و108 حالات عنف من الدولة.
كما أكدت منظمة "الشبكة المصرية " أن ما يحدث بالسجون ومقار الاحتجاز من إهمال طبي جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد بأوامر سيادية، ورصدت " الجبهة المصرية"غياب الرعاية الصحية في مقار الاحتجاز الرسمية وأكدت أن الأطباء في السجون لا ينفذون كل المهمات التي يجب أن يؤدونها بحسب القانون، وأن غالبية السجون في مصر لا يتواجد فيها أطباء أو مسعفون يناوبون في الليل وتترك الحالات الطارئة لتواجه مصيرها، وقد أكدت منظمات حقوقية أن هناك معتقلين دخلت حياتهم دائرة الخطر بسبب إهمالهم طبيا ومنهم عائشة الشاطر ود. محمد بشر ود. ابو الفتوح وهدي عبد المنعم وكثير من قيادات جماعة الإخوان، ووثّقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان وفاة النزيل محمد صبحي محمد فهمي محمد وشهرته "البراد" في داخل زنزانة التأديب بسجن برج العرب الاحتياطي، نتيجة الاعتداء عليه وتعذيبه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، ليُصار إلى نقله بعدها جثةً هامدةً إلى مشرحة كوم الدكة بالإسكندرية، من دون إعلام أسرته بوفاته كما تقضي اللائحة الداخلية للسجون ومواد الدستور والقانون في مصر.
وأفادت الشبكة في تقرير لها رصدت فيه ملابسات الوفاة نتيجة التعذيب، بأنّه "بعد أربعة أيام كاملة من وفاته، اتّصل أحد ضباط مصلحة السجون بأسرته، يوم الثلاثاء الموافق 31 مايو/ أيار الماضي، وأبلغهم بوفاته، وطلب منهم استلام جثمانه من مشرحة كوم الدكة. وعند توجّه الأسرة لتسلم جثمانه، فوجئ الجميع بوجود آثار ضرب، وتعذيب، وتصفية عينَيه، وآثار شنق، ليتمّ إبلاغ النيابة وفتح تحقيق لمعرفة ملابسات الوفاة".\
وبحسب المعلومات التى حصلت عليها الشبكة المصرية، فإنّ مشادة وقعت بين محمد ومسيّر العنبر النزيل الجنائي أبو العينين، تقرّر على إثرها إرسال محمد إلى غرفة التأديب، وهناك تعدّى أحد ضباط المباحث بمعاونة مسيّر العنبر أبو العينين عليه بالضرب والسبّ والإهانة، وعمدا إلى تصفية عينَيه وشنقه بواسطة بنطاله الذي كان يرتديه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
وذكرت الشبكة أنّ النزيل محمد صبحي من منطقة بحري بالإسكندرية، محبوس منذ تسعة أعوام، وهو يقضي حكماً بالسجن 15 عاماً، ولم يبادر قسم شرطة الجمرك التابع له محلّ سكنه بإبلاغ أسرته ولا محاميه بوفاته كما تقتضي الإجراءات القانونية، على الرغم من أنّ جثمانه في داخل مشرحة كوم الدكة.
وتساءلت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان: "لماذا لم يتم إبلاغ الأسرة إلا بعد مرور أربعة أيام من الوفاة؟ ولماذا لم يتم إبلاغ النيابة التابع لها السجن بفتح تحقيق لمعرفة الأسباب التي أدّت إلى الوفاة بحسب اللوائح ومواد القانون؟ ولماذا لم يقدم أيّ من الضباط المشاركين في تعذيبه ومسيّر العنبر والنزيل الآخر الضالعين في واقعة تعذيبه إلى جهات التحقيق؟".
أرشيف الشهداء
وعلي مدار هذا العام واصل النظام اغتيال المعتقلين بالإهمال الطبي المتعمد .. حيث أعلنت أسرة الباحث الاقتصادي أيمن هدهود خبر وفاته في 10 إبريل الماضي، بعد فترة إخفاء قسري أكثر من شهرين عقب اعتقاله منذ مطلع فبراير الماضي دون سند من القانون واقتياده لجهة غير معلومة، وبتاريخ 6 إبريل أيضا توفي طبيب الأسنان المعتقل أحمد أبو السعود عمرو، من أهالي كرداسة بالجيزة داخل محبسه بسجن وادي النطرون عن عمر 59 عاما ليكون الحالة السابعة منذ مطلع العام الجاري داخل السجون التي تفتقر لأدنى معايير سلامة وصحة الإنسان.
وذكر مركز "الشهاب لحقوق الإنسان" أن الضحية معتقل منذ سبتمبر 2013 وصدر ضده حكم بالسجن المؤبد من محكمة لا تتوافر فيها معايير التقاضي العادل بالقضية المعروفة إعلاميا بقسم شرطة كرداسة.
وفي 4 إبريل وثقت منظمة "نجدة لحقوق الإنسان" وفاة المعتقل عبدالمحسن فؤاد من محافظة الإسكندرية داخل محبسه بسجن أبوزعبل، عشية شهر رمضان الأول من إبريل الجاري داخل مستشفى السجن ولم يتم إبلاغ أسرته إلا بعدها بأربعة أيام.
وذكرت أن الضحية معتقل منذ شهر أغسطس 2021 على ذمة القضية 627 لسنة 2021، وتعرض لسلسلة من الانتهاكات والإهمال الطبي في ظل ظروف الاحتجاز التي تفتقر لأدنى معايير السلامة.
وفي 20 فبراير الماضي وثقت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" استشهاد المعتقل الشيخ تامر فكري جمال الدين، من كرداسة بعد تدهور حالته الصحية داخل محبسه بسجن المنيا الذي يفتقر لأدنى معايير سلامة وصحة الإنسان، وذكرت أن الضحية توفي منذ أسبوع بحسب محاميه أحمد حلمي وتم نقل جثمانه للمستشفى، ولم يتم إخطار أهله بوفاته إلا خلال موعد الزيارة العادية ليفاجئوا بالخبر الأليم.
وكانت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" وثقت جريمة القتل مع سبق الإصرار بحق رجل الأعمال أحمد شاهين، بعد تعذيبه ومنعه من الدواء والعلاج المناسب حتى لفظ أنفاسه الأخيرة في محبسه بمستشفى سجن ليمان طره، يوم الأربعاء 9 فبراير الماضي.
وأكدت أنه منذ اعتقاله في إبريل 2017 تعرض لكثير من الانتهاكات، من بينها إخفائه قسريا وتعذيبه وحرمانه وأسرته من الزيارات لفترات مختلفة ووضعه على قوائم الإرهاب وحرمانه وأسرته من ممتلكاته وتدويره بالمخالفة للقانون، فبعد حبسه احتياطيا لمدة عامين، صدر قرار بإخلاء سبيله، وبدلا من تنفيذ القرار، تم تدويره على ذمة قضية جديدة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة فجر الأربعاء 9 فبراير.
وبتاريخ 3 فبراير انضم المعتقل محمد عبدالحميد أحمد عبدالحافظ 40 عاما، إلى قافلة الشهداء الذين ارتقوا في سجون الانقلاب العسكري، حيث ارتقى بعد تدهور حالته الصحية نتيجة الإصابة بغيبوبة سكر ونقله إلى مستشفى المنيا..
وأشارت إلى أن الضحية هو أول حالة وفاة في شهر فبراير 2022، وهو من محافظة الجيزة ومتزوج ولديه ابنتان، حرمهما الاعتقال من والدهما ورعايته لمدة 8 سنوات.
كما رصدت المنظمة 60 حالة وفاة خلال 2021 المنقضي منها 52 سياسيا و8 جنائيين بينهم 6 أطفال، وعن أسبابها قالت إن "من بينهم 27 معتقلا نتيجة الإهمال الطبي و7 معتقلين بعد إصابتهم بكورونا و4 نتيجة التعذيب و6 نتيجة حريق بمكان الاحتجاز و3 معتقلين وفاة طبيعية".
ويعاني معتقلو الرأي من الإهمال الطبي في مقار الاحتجاز التي تفتقر إلى المعايير الفنية الدولية لمقار الاحتجاز الصالحة للبشر، وفق بيان للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، والتي لفتت إلى تكدس كبير داخل الزنازين التي يعاني المحتجزون فيها من سوء التغذية، وقلة النظافة وانتشار الحشرات والتلوث، مع انعدام التهوية والإضاءة.
كان "مرصد أماكن الاحتجاز" الصادر عن الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، قد أكد على تردي حالة المحتجزين داخل 35 سجنا بأنحاء الجمهورية في ظل ظروف شديدة القسوة، والتعنت المتعمد من قِبَل إدارات السجون، وإصرار داخلية الانقلاب على إظهار صورة مُغايرة للواقع تُصدّرها للرأي العام من خلال الزيارات المُعدّ لها مسبقا.
إهمال طبي
بدوره، يتعرض الباحث والصحافي حمد أبو زيد الطنوبي، المحكوم بالسجن عشرة أعوام بتهمة نشر أخبار وأسرار عسكرية، إلى إهمال طبي جسيم في السجن، وبات مهدداً بفقدان البصر في محبسه بسبب عدم خضوعه لعملية مياه زرقاء التي قد يتسبب عدم إجرائها بعمى نهائي.
وفي الفترة الأخيرة، أطلقت أسرة السجين السياسي جهاد عبد الغني الذي يقبع في سجن الزقازيق منذ سبتمبر/ أيلول 2015 نداء استغاثة للتدخل من أجل إنقاذ حياته عبر السماح بخروجه لإجراء جراحة طارئة مقررة له، وهو ما لم تسمح به إدارة السجن.
وقبل أيام، أصيب الأمين العام السابق لنقابة المهندسين ومحافظ المنوفية السابق والوزير السابق للتنمية المحلية، محمد علي بشر، بجلطة في المخ استدعت نقله من السجن إلى مستشفى القصر العيني، حيث أُجريت له جراحة وأبقي في مستشفى سجن الاستقبال لاستكمال علاجه من دون أن تعلم أسرته التي طالبت بالإفراج عنه لضمان علاجه في شكل لائق.
كذلك تتكرر إصابات السياسي البارز رئيس حزب "مصر القوية"، عبد المنعم أبو الفتوح، بنوبات قلب تنحصر أساليب الاستجابة الطبية لها في تزويده بأقراص توضع تحت اللسان. وهو يعاني أيضاً من أمراض مزمنة عدة، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري ومشاكل في البروستات، وأصيب بانزلاق غضروفي في عموده الفقري خلال وجوده في السجن، وبالتهابات في المسالك البولية، وبمغص مؤلم للغاية بسبب وجود حصوات في الكلى والمثانة. وعرضت عائلته مرات تغطية نفقات حصوله على الخدمات الطبية المطلوبة وخضوعه لعمليات جراحية، لكنها لم تستجاب حتى الآن.
تخطّ للمواثيق
وهكذا يتضح جلياً أن الإهمال الطبي الحاد في السجون المصرية يتخطى كل المواثيق القانونية والحقوقية، علماً أن المادة 18 من الدستور المصري تورد أنه "من حق كل مواطن الحصول على رعاية صحية متكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها إلى الشعب ودعمها، والعمل لرفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل". أما البند رقم 24 من القواعد النموذجية للأمم المتحدة الخاصة بمعاملة السجناء والمعروفة بـ "قواعد نلسون مانديلا (السياسي المناهض لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا الذي اعتقل 27 عاماً قبل أن يحرر ويتولى منصب رئيس بلاده بين عامي 1994 و1999)"، فتفيد بأنّ "الدولة تتولى مسؤولية توفير الرعاية الصحية المناسبة للسجناء الذين يجب أن يحصلوا على نفس مستوى الرعاية الصحية المتاحة في المجتمع، ويملكوا حق الحصول على الخدمات الصحية الضرورية مجاناً، ومن دون تمييز استناداً إلى وضعهم القانوني". أيضاً ينص البند 27 من "قواعد نلسون مانديلا" على "ضرورة أن "تكفل كل السجون الحصول فوراً على رعاية طبية في الحالات العاجلة. أما السجناء الذين تتطلَّب حالاتهم عناية متخصصة أو جراحة فينقلون إلى مؤسسات صحية أو مستشفيات مدنية".\
شكاوى كثيرة
وتكثر الشكاوى التي يقدمها ذوو المعتقلين أمام النيابة العامة في مصر، المسؤولة الأول عن مراقبة السجون والإشراف عليها، وكذلك مصلحة السجون المصرية، ومجلس الوزراء والمجلس القومي لحقوق الإنسان. ويجب أن تحمل الشكاوى المقدمة بيانات تتضمن اسم السجين ومكان احتجازه، وأسباب الشكوى والإجراءات التي يطلب اتخاذها مثل إدخال أدوية وتنفيذ صور أشعة، وإجراء عمليات جراحية.
وفي حال عدم الرد على الشكوى يجب أن ترفع أسرة السجين دعوى قضائية أمام مجلس الدولة للطعن بالقرار السلبي الصادر بمنع تقديم الرعاية الصحية اللازمة للمسجون، والمطالبة بإلزام وزير الداخلية تنفيذه. ويسمع بتقديم الشكاوى مرات حتى الاستجابة لها، مع استمرار التواصل مع محامي المحتجز، واستشارته في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، إضافة إلى تكرارها من أجل انتزاع الحق في العلاج والدواء، وعدم ترك السجين لمصير مجهول.
وفي تقرير حديث لها، رصدت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان غياب الرعاية الصحية في مقار الاحتجاز الرسمية، حيث تبين أن الأطباء في السجون لا ينفذون كل المهمات التي يجب أن يؤدونها بحسب القانون. وأفادت معلومات رصدتها الجبهة بأن غالبية السجون في مصر لا يتواجد فيها أطباء أو مسعفون يناوبون في الليل، ويملكون كل قدرات التعامل مع الحالات الطارئة. وهم لا يحضرون إلا يومين في الأسبوع على الأكثر، وحتى عندما يحصل ذلك لا يمكثون في السجن إلّا ساعتين أو ثلاث لا تكفي لمعاينة كل المحتجزين المحتاجين للكشف الطبي. ولم تشر أي من شهادات المحتجزين السابقين إلى أنّ أي جهة كانت تشرف على أداء الأطباء والتزامهم بمواعيدهم.