كشف المستور| هكذا تحولت وسائل إعلام عربية إلى أبواق للسردية الصهيونية
الأربعاء - 11 يونيو 2025
- ثلاثية التطبيع وتغييب الرواية الفلسطينية وشيطنة المقاومة تسيطر على قنوات 5 دول عربية على الأقل
- فضائيات وصحف سعودية وإماراتية تتعاون بشكل مباشر مع الجيش الصهيوني لبث أخبار "حصرية"
- الأجهزة الأمنية "الإسرائيلية" تصنع السردية.. والإعلام العربي المتصهين يروجها بأوسع نطاق
- توظيف كتاب وإعلاميين ومشاهير لنشر السردية الصهيونية عبر عشرات القنوات والمواقع والمنصات
- عملية "طوفان الأقصى" حطّمت جهود المتصهينين العرب وغيّرت قواعد التلقّي لدى الشعوب
إنسان للإعلام- تقرير:
رغم فشل السردية الصهيونية في إقناع الرأي العام العالمي بعد جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال "الإسرائيلي" في غزة، برزت على الساحة العربية موجة إعلامية جديدة تتبنى هذه السردية وتروّج لها بوقاحة غير مسبوقة.
هذه المرة، لم تأتِ الدعاية من تل أبيب، بل من قلب العواصم العربية، عبر إعلام رسمي وشبه رسمي يتماهى تمامًا مع خطاب الاحتلال.
هذه الظاهرة المقلقة تثير تساؤلات عميقة حول التبعية الإعلامية، والتطبيع الخفي، والأجندات التي باتت تتحكم في بعض وسائل الإعلام العربي، والتي أصبحت تعيد إنتاج الرواية الصهيونية وتُجمّل صورة الاحتلال على حساب الحقيقة والعدالة.
من الرياض إلى القاهرة، ومن أبو ظبي إلى المنامة، تصدّرت عناوين ومضامين إعلامية تتبنّى رواية الاحتلال، وتشوه حركات المقاومة، وتتهم الفلسطينيين بجرّ الدمار إلى غزة، بينما تغيب الإشارة إلى جرائم الإبادة التي تُرتكب بحق المدنيين، فهل أصبح الإعلام العربي ناطقًا باسم تل أبيب؟ ولماذا فشلت هذه الخطابات في تغيير وعي الشعوب رغم ضخامتها وتنسيقها؟
في هذا التقرير، نستعرض أبرز ملامح السردية الصهيونية وأكاذيبها، ونرصد دور الإعلام العربي المتواطئ في الترويج لها، قبل أن نختتم بتسليط الضوء على فشل هذا الإعلام في تمرير هذه السردية لدى قطاعات واسعة من الجمهور.
ما هي السردية الصهيونية وما محتواها؟
السردية الصهيونية هي الرواية أو الطريقة التي يتم بها فهم الأحداث المرتبطة بالكيان الصهيوني، وفي مقدمتها تاريخ الحركة الصهيونية، وإقامة دولة يهودية في فلسطين، وفصول الصراع الفلسطيني مع هذا "الكيان"، وتُعتبر هذه السردية مركزية في فهم طبيعة الصراع الفلسطيني - الصهيوني.
ومن أبرز ملامحها: التركيز على التضحيات اليهودية على مرّ التاريخ، وإبراز فكرة "الدفاع عن النفس"، والسعي الجاد لمحو الحق التاريخي لأهالي فلسطين في أراضيهم، ثم التغطية على الجرائم التي تُرتكب بحق الأبرياء والعزّل من أبناء فلسطين.
تعدّدت أدوات هذه السردية في التأثير على الرأي العام العالمي، واستخدمت مصطلحات تخدمها؛ ومثال ذلك: استبدال مصطلح "صراع" بدلًا من "احتلال"، وإطلاق "قوات دفاع" على جيشها بدلاً من "جيش الاحتلال".
وعلى مرّ تاريخ "الكيان"، قامت "الهياكل السلطوية" الصهيونية بصكّ خطاب معين يحمل شحنة من الرمزية الثقافية، من خلال استخدام لغة ذات دلالات مقصودة وموجَّهة، تُسكب في عبارات منتقاة بعناية فائقة.
ومن خلال مراكز المعرفة ووسائل الإعلام، تعمل الحكومات بعد ذلك على نشر هذا الخطاب وتكراره بوتيرة عالية، بحيث يترسّخ في الأذهان ويُصبح بمثابة مقدمات منطقية مسلّم بها ابتداءً، قبل الخوض في أي نقاش أو طرح استنتاجات أو افتراضات معرفية.
تشكل هذه الأنماط الخطابية "سرديات" معينة، تكون عرضة للتلاعب من قِبل من هم في السلطة، سواء أكانوا من النخب السياسية، أو مجموعات المصالح المهيمنة، أو قادة الرأي والمعرفة. فعلى سبيل المثال: نجحت السردية الصهيونية في احتلال مساحة بارزة داخل مراكز المعرفة ووسائل الإعلام الغربية منذ خمسينيات القرن الماضي، حيث مارست تأثيرًا كبيرًا على تصوّر الصراع الفلسطيني - الصهيوني.
وقد شكّلت هذه السردية، المتجذّرة في روايات تاريخية وثقافية، تصوّرات نمطية منحازة بشكل كبير للجانب "الإسرائيلي" على حساب الفلسطينيين.
وهيمنة السردية ليست مجرد انحياز لا واعٍ من قِبل منظومة إعلامية معينة، بل غالبًا ما تكون نتاج علاقة تكافلية بين السياسيين، والمثقفين، ومجموعات الضغط، ووسائل الإعلام.
وعلى مرّ تاريخ الحركة الصهيونية، عندما يتعلّق الأمر بالقضية الفلسطينية، فإن الخطاب السائد في وسائل الإعلام الغربية يتبنّى بوضوح السردية "الإسرائيلية"، ويُهمّش المنظور الفلسطيني بشكل مقصود.
ومن الواضح أن هيمنة السردية الصهيونية على الساحة العالمية قد عملت على رسم تصور خاطئ للصراع، مما يعزّز الرواية القائلة بأن الفلسطينيين هم المعتدون، و"الإسرائيليين" هم الضحايا.
وقد تم استخدام هذا التشويه لإضفاء الشرعية على السياسات "الإسرائيلية" منذ عام 1948، مثل: تهجير السكان العرب، وبناء جدران الفصل العنصري، وهدم المنازل والأحياء الفلسطينية داخل أراضي "الـ 48"، واعتقال الأطفال، وبناء المستوطنات في الضفة الغربية وغيرها من الأراضي المحتلة، والحصار المفروض على غزة منذ أكثر من 18 عامًا.
لكن ما يحدث من مجازر بشعة في غزة بعد معركة "طوفان الأقصى" غيّر الكثير من قواعد تلقّي الغربيين للسردية الصهيونية؛ حيث يحدث - لأول مرة - في الغرب، عدم تصديق السردية الصهيونية والانحياز للحق الفلسطيني، مما أدّى إلى ظهور مظاهرات مُندّدة بجرائم حرب الإبادة الصهيونية في غزة، في كثير من الدول الغربية، بل وفي أمريكا نفسها.
وقد انكشفت للجميع محاولات الآلة الإعلامية "أيقنة" يوم 7 أكتوبر، ليكون رمزًا من رموز المظلومية اليهودية إلى جانب الهولوكوست والشتات، وذلك في الوقت الذي تغرق فيه بعض وسائل الإعلام العربية في بحر الخيانة، من خلال الترويج للسردية الصهيونية وتبنّيها في بعض الأحيان [1].
وأكدت دراسة لمركز "الجزيرة" للدراسات، نُشرت مؤخرًا، أن السردية الصهيونية حاولت عبر تاريخها التأثير بقوة في الواقع العربي، وسعت إلى إقناع الفلسطينيين بشرعية وجود دولة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية.
وأضافت الدراسة أن الدعاية "الإسرائيلية" سعت إلى تقديم "الإسرائيليين" في موقع الضحية؛ بهدف شرعنة الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" بحق الشعب الفلسطيني، لا سيما خلال معركة "طوفان الأقصى".
وخلصت الدراسة إلى أن الكيان الصهيوني خاض معركة "السرد" ضد الفلسطينيين باستخدام أدوات متعددة، مثل الدعاية، والتشهير بالخصم، وتجريده من إنسانيته، وشيطنته.
وعلى الرغم من قوة آلة الدعاية الصهيونية، وتواطؤ العديد من الدول ووسائل الإعلام الغربية الكبرى، فقد فشلت هذه الأساليب في استمالة الرأي العام العربي والدولي لتقبّل الانتهاكات التي ترتكبها "إسرائيل"، بما في ذلك جرائم الإبادة الجماعية.
كما فشلت هذه السردية في شيطنة حركة حماس وباقي قصائل المقاومة الفلسطينية، بل على العكس، ازدادت ثقة معظم العرب والمسلمين بهذه الحركات، وازداد دعمهم للمقاومة[2] .
من يقف خلف صناعة السردية الصهيونية؟
لكي نعلم من يقف خلف صناعة السردية الصهيونية، علينا أن نعرف أن الكيان الصهيوني يملك ثلاثة أجهزة استخبارية تقف على رأس دائرة صنع القرار والتغييرات في رأس هرم هذا الكيان، وهي: شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، والموساد (المخابرات الخارجية)، والشاباك (الأمن الداخلي).
ولأن هذه الأجهزة مدركة لأهمية السرد، فإنها لا تسمح للجمهور باستخلاص معناه الخاص، بل تُخضعه، بطرق مباشرة وغير مباشرة، لتأثير وسيطرة ما ترويه، وهي بذلك تمنح محتوى السرد معنى وهوية ومضمونًا وبناءً مدروسًا، وليس عشوائيًا.
ولذلك، تطرح روايات تواكب أي حرب تخوضها "إسرائيل"، متطرقة إلى أدق تفاصيل الحرب: من أسبابها، ومن هو المحق والمخطئ، وأهم أحداثها، وما هي نتائجها، وما هي تداعياتها.
وحاليا وبالتزامن مع عدوانه الوحشي على غزة، يسعى الاحتلال الصهيوني جاهدًا لخلق سرديات ملفقة، لعلّها تغير من واقعه المرير في الميدان، وترمم جزءًا من فشله كما يعتقد.
ومن أبرز هذه السرديات: سردية مستشفى الشفاء، التي روّج لها على أنها "حصن حصين لحماس"، وغيرها الكثير من السرديات المزيفة التي اختلقها الصهاينة في محاولات بائسة بحثًا عن نصرٍ وهمي، سرعان ما انكشفت وهمية دلائله، ومحاولة الاحتلال الحثيثة لصناعة مشاهد هذه السرديات [3] .
كيف يعمل الإعلام العربي المتصهين؟
في السنوات الأخيرة، وقبل طوفان الأقصى، برزت ظاهرة الإعلام العربي المتصهين، حيث لحقت وسائل إعلام عربية بركب السردية الصهيونية، وتبنت سمات جعلتها تصطف في خندق واحد مع الإعلام العبري، ومن هذه السمات:
- تبنّي المصطلحات الصهيونية: حيث استخدمت معظم المصطلحات التي روجتها دولة الاحتلال ومن امثلتها "الجيش الإسرائيلي" بدلًا من "جيش الاحتلال"، أو "مستوطنات" دون توصيفها كـ"غير شرعية"، و وصف فصائل المقاومة بالإرهابية، و تسمية العمليات العدوانية بـ"صراع" أو "مواجهات"، مما يساوي بين الجلاد والضحية.
- الحياد الزائف نحو تصاعد جرائم الصهونية: اعتمدت وسائل الإعلام العربية المتصهينة سياسة الحياد عند تغطية الأحداث، خصوصًا في العدوان على غزة أو القدس، وهو حياد يخدم الطرف الأقوى ويبرر جرائمه، بل وصل الأمر للمساواة بين الطرفين في القوة والعدوانية، مما يطمس حقيقة الاحتلال.
- تغييب الرواية الفلسطينية وتجاهل انجازات المقاومة: يتجاهل الإعلام العربي المتصهين كثير من حقائق الكيان الصهيوني، ومنها السياق التاريخي للاحتلال والتهجير القسري، والتركيز على أحداث آنية دون ربطها بالجذور الإجرامية لتاريخ الصهاينة في العالم والأراضي الفلسطينية، مع ضعف التغطية المتعمقة حول حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال، والأسرى، وحقوق اللاجئين.
- تبني سياسات التطبيع غير المباشر: لم تخل وسائل الإعلام المتصهين من الدعوة للتطبيع المباشر أو غير المباشر مع الكيان الصهيوني، ولذلك تستضيف شخصيات صهيونية بدون توضيح خلفياتهم الإجرامية أو دورهم في الاحتلال، وتقدم "الكيان" كدولة عادية في المنطقة، من خلال محتوى ثقافي أو اقتصادي يُبث في الإعلام العربي.
- التبعية للمصادر الغربية: كثير من وسائل الإعلام العربية المتصهينة تعتمد على وكالات أنباء غربية تتبنى الرواية الصهيونية كمصادر أساسية دون تمحيص، وتحرص على عدم وجود مبادرات إعلامية عربية قوية مستقلة لتغطية القضايا الفلسطينية بمهنية ووعي سياسي.
- محاربة الإعلام المقاوم: الإعلام العربي المتصهين يناصب العداء لأي وسيلة إعلامية تتبني فكرة المقاومة، ويشن هجوما حادا عليها.
- الرقابة السياسية والتمويل الأجنبي: معظم الإعلام العربي المتصهين يقع تحت الضغوط السياسية من أنظمة لها علاقات تطبيعية أو مصالح مع دولة الاحتلال، ويتلقى معظمها أيضا تمويل أجنبي يُفرض من خلاله خط تحريري متساهل أو محايد أو مناصر تجاه الكيان الصهيوني[4] .
مظاهر الترويج للسردية الصهيونية عربيا
في الوقت الذي فشلت فيه السردية الصهيونية في إيجاد طريقها لإقناع العرب والغرب، بما تطلقه من أكاذيب، تتبنى وسائل إعلام عربية محسوبة على دول خليجية، أشهرها السعودية والإمارات والبحرين، بالإضافة إلى مصر والمغرب، هذه السردية الفاشية؛ بهدف التأثير على وعي الجماهير العربية وفهمها للصراع العربي–الصهيوني.
ولا يخفى على أحد أن جزءًا من الإعلام العربي بات يناصب العداء للقضية الفلسطينية؛ ففي الوقت الذي يمعن فيه الاحتلال في ممارساته الوحشية من قصف وتدمير وتشريد بحق الشعبين الفلسطيني، تتماهى بعض المنابر الإعلامية العربية تمامًا مع الدعاية الصهيونية، وتروّج لروايات مغلوطة ومسمومة، والأسوأ من ذلك أنها تصف أبطال المقاومة الشرفاء بـ"الإرهابيين"، وتزيف الحقائق خدمةً لأجندات خارجية تضعها رؤوس الإجرام التي ولغت وما زالت في دماء العرب والمسلمين في عديد الأقطار والبلدان.
بهذا، فإن الإعلاميين الذين يصرّون على تبنّي الرواية الصهيونية، يشاركون – بوضاعة– في تبييض صورة الاحتلال القاتمة إقليميًا ودوليًا، وتزييف وعي الشعوب العربية والإسلامية، للحيلولة دون تضامنها مع مظلومية الشعوب التواقة إلى الحرية، فبدلًا من أن يكونوا صوت الحق والحقيقة، أصبحوا أبواقًا في زفّة النفاق، وأدوات في يد الصهيونية العالمية، ينقلون أكاذيبها، ويسهمون في خلق حالة من التضليل[5] .
وفي إطار الدور المشبوه الذي تلعبه وسائل الإعلام المتصهينة، يبدو أن الكيفية التي تُصوَّر بها الحرب، والسرديات التي تم تبنّيها، تعكس المصالح السياسية المحلية في كل بلد، دون النظر بجدية إلى الواقع المروّع لما يحدث في غزة والضفة الغربية.
ففي المملكة العربية السعودية، وبالرغم من أن وسائل الإعلام أظهرت تضامنًا قويًا مع الفلسطينيين، ينقل الإعلام أيضا للرأي العام أن التطبيع مع دولة الاحتلال ضرورة حتمية لتحقيق السلام الإقليمي.
وفي وقت سابق، برر الإعلام السعودي تصريحات ولي العهد محمد بن سلمان مع قناة "فوكس نيوز" حول القضية الفلسطينية، حيث قال: "لكن علينا إيجاد حل للقضية الفلسطينية، وعلينا أن نُسهّل حياة الفلسطينيين"، ولم يُلمّح من قريب أو بعيد إلى وجود دولة، لكنه أشار إلى أخذ "العنصر الفلسطيني" بعين الاعتبار.
وحينها، بدأت لجان وسائل التواصل الاجتماعي السعودية في التفاعل مع تصريح ولي العهد بشكل واسع، وكانت الرسالة الموحدة: "الآن هذا هو السياق الذي سندعم من خلاله عملية التطبيع".
أما في مصر، فقد سعت وسائل الإعلام المؤيدة للسيسي إلى استخدام الحرب كمنصة لإظهار قوة السيسي، متجاهلة دوره الإجرامي في حصار غزة ومنع دخول المعونات إليها، بل شنت بعض هذه الوسائل حربًا لا هوادة فيها على فصائل المقاومة، وفي مقدمتها حركة حماس.
وفيما يخص الإعلام الإماراتي، بجميع وسائله، فقد صبّ كل جهده في الترويج للسردية الصهيونية حول حرب غزة، بل ذهب إلى حد الترويج لما يُسمّى "الحق التاريخي المزعوم لليهود في فلسطين".
وظهر إعلاميون ومشايخ إماراتيون على الشاشات مروجين للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وتوالت الفتاوى في البرامج الفضائية، التي تؤكد أن المقاومة الفلسطينية "فئة ضالة"، وأنهم "إرهابيون"، وعلى العرب أن يتبرأوا منهم لا أن يساعدوهم!
وفي لبنان، رفعت بعض وسائل الإعلام المتصهينة شعار: "أحبك يا سواري، ولكن ليس أكثر من يدي"، تجاه الحرب في غزة.
وفي الوقت الذي أظهر فيه الزعماء، عبر المشهد الطائفي المتشرذم في لبنان، درجات متفاوتة من التضامن مع سكان غزة، فإن السردية الأبرز التي ظهرت تمثلت في جعل حفظ النفس أولوية مطلقة، وأن الانجرار إلى معركة مع الصهاينة ليس في مصلحة البلاد، وقد تعرّض حزب الله من هذه المنابر الإعلامية المتصهينة لهجوم شرس، لحظة دخوله مرحلة الإسناد لغزة[6] .
اختراق اللوبي الصهيوني للإعلام العربي
عن اختراق اللوبي الصهيوني للإعلام العربي، أكدت دراسة نشرها "مركز الحضارة للدراسات والبحوث"، بعنوان: "الإعلام العربي ومعركة طوفان الأقصى… التحولات والاتجاهات"، أن الصراع الطويل مع الكيان الصهيوني أثبت أن أخطر ما في هذه المعركة هو معركة الخطابات الإعلامية وحرب السرديات.
أشارت الدراسة إلى أنه من الغريب أن تنتقل هذه المعركة إلى الأوساط "العربية - العربية"، إذ يشهد الخطاب العربي تجاه القضية الفلسطينية والمقاومة حالة من الاختراق الصهيوني المتزامن مع الهرولة نحو التطبيع من بعض الدول العربية، خاصة في ظل الموجة الثالثة للتطبيع.
وأكدت أن الإعلام العربي المتصهين انخرط في مسار التطبيع والتفريط في الحقّ الفلسطيني، لقاء ثمن اقتصادي وسياسي لا علاقة له بكرامة العرب ومكانتهم.
ويواكب هذا الإعلام صعود دول عربية، واحدة تلو الأخرى، إلى عربة التطبيع، والتعامل مع تطورات القضية الفلسطينية كما لو كانت مجرد تطورات تشهدها منطقة ما من العالم.
وخلصت الدراسة إلى أن هناك تحولًا كبيرًا وتغيرًا ملحوظًا في التغطية الإعلامية العربية لمستجدات القضية الفلسطينية، وأن هذا التغير متأثر ومحكوم بمواقف الحكومات العربية من القضية الفلسطينية نفسها، ومن المقاومة خصوصًا، وبتداعيات انهيار موجات الربيع العربي، وصعود حالة الاستبداد، ومحاولة شيطنة المقاومة واتهامها بالإرهاب [7] .
نماذج من تطابق السرديات العربية والصهيونية
تعددت نماذج معالجات الإعلام العربي المتصهين لملف الصراع العربي الصهيوني، خاصة في ظل الانخراط الكامل لبعض الدول العربية في التطبيع مع الكيان الصهيوني.
ومن أمثلة هذه النماذج ما بثته قناة "MBC" السعودية، بعنوان "ألفية الخلاص من الإرهابيين" في إطار برنامج "MBC في أسبوع"، رحيث كز معده "محمد المشاري" على الطعن في قادة الحركات الإسلامية المقاومة للاحتلال الصهيوني، الذين قُتلوا منذ عام 2000، ومن بينهم شخصيات تنتمي لما يعرف بـ"محور المقاومة".
وخص بالتشويه أبرز القياديين في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الفلسطينية وفي مقدمتهم الشهداء: صالح العاروري وإسماعيل هنية، ويحيى السنوار، وقيادات "حزب الله" اللبناني[8] .
ووصل الأمر الى أن القنوات "الصهيونية " ومنها "القناة 14" المعروفة بتوجهاتها المتطرفة، تبنت هذا التقرير وتوسعت في التعليق عليه، وهو ما يبين عمق "التصهين" لدى قناة MBC التي تقف وراءها دولة "تناصب المقاومة كل العداء".
بخلاف تقرير " MBC"، تبنت وسائل الإعلام السعودية-في معظمها- خطابا معاديا للمقاومة الفلسطينية، في سياق تسريع عمليات التطبيع مع العدو الصهيوني، حيث تناولت، بشقيها المرئي والمقروء، معركة "طوفان الأقصى" بشكل سلبي كشف -بما لايدع مجالا للشك- حقيقة كراهية النظام السعودي للمقاومة الفلسطينية.
ولم يقتصر دور قنوات "العربية" و"الحدث" و MBC وصحيفتي "الشرق الأوسط" و"عكاظ"، على تأييد العدوان الصهيوني باستخدام مصطلحات "مائعة" تصور إبادة غزة على أنها "تصاعد للعنف في الشرق الأوسط"، لكنها سعت إلى بث روح الإحباط برسالة مؤداها أن "غزة قد انتهت وعلى قادة حماس تسليم أنفسهم أو مغادرة غزة"، على الرغم من أن كل المؤشرات منذ اليوم الأول لمعركة "طوفان الأقصى" كانت تدل على هزيمة العدو الصهيوني.
أيضا استخدم الإعلام السعودي مصطلحات "المسلحين" و"الإرهابيين" كأنه يستنكف تسمية مقاتلي القسام بأنهم "المقاومين" أو "المجاهدين".
وبلغ التزييف مداه بوصف ما فعلته المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023 بأنه "تصرف عبثي واستهتار سياسي وسياسة خاطئة وحسابات مزاجية ورهانات خاوية".
ورددت صحيفة "الشرق الأوسط" نفس أقوال المتحدث باسم جيش العدو الصهيوني أفيخاي أدرعى حول"وحشية حماس" أو وصفها بـ"داعش" وبـ"النازية".
كما تولت الصحيفة مهمة تشويه حركة "حماس" عبر مقالات الرأي والتقارير والأخبار، وروجت لانتصار الكيان الصهيوني، وأن "حماس" لم تستفد شيئا من الحرب إلا تدمير غزة.
وكان لافتا أن صحف الكيان الصهيوني أبدت إعجابها بما تفعله "الشرق الأوسط"، تماما كما فعلت مع قناتي MBC و"العربية".
كما أثارت صحيفة "عكاظ" جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب إخراجها الخاص لصفحتها الأولى يوم استشهاد يحيى السنوار بعنوان عريض "إسرائيل تلحق السنوار بهنية.. حماس بلا رأس"، حيث شن رواد التواصل هجوماً عليها[9] .
كما برز تحيّز واضح اعتمدته قناتا «العربية» و«الحدث» السعوديتان، لمصلحة سردية كيان الاحتلال الصهيوني، بلغ حدّ إشادة الجانب "الإسرائيلي" مراراً بدورهما في نقل السردية الصهيونية.
ونشرت «هيئة البثّ العامّ الإسرائيلية"، قبل أشهر ، أنّ «العربية» «تتعاون بشكل مباشر مع الجيش الإسرائيلي وتتلقّى معلومات حصرية منه مقابل تقديم صورة إيجابية عنه لمشاهديها في العالم العربي»[10] .
والمتابع للإعلام في دولة الإمارات يلاحظ بجلاء كيف يغرق هذا الإعلام في تفاصيل السردية الصهيونية، و "شيطنة" المقاومة الفلسطينية، ويحاول تلميع صورة الاحتلال؛ خدمة لمسار التطبيع بين أبوظبي و "تل أبيب".
وفي ظل هذه البيئة الإماراتية المتصهينة، توالت الرسائل الإعلامية التي تساوي بين الجلاد والضحية، ومثالا على ذلك: نشرت صحيفة "الاتحاد" مقالاً بعنوان "شعب غزة.. وثالوث الظلم"، يقول كاتبه: "طرفَا الحرب يحرقان هذا الشعب بكل أنواع الأسلحة الفتاكة، أحدهما عدو كاسح هو "إسرائيل" التي أثبتت أنها لن تتهاون في أي مساسٍ بأمنها وسلامة مواطنيها حتى ولو أحرقت الأخضر واليابس، والثاني قريبٌ يحرق هذا الشعب في مجامر الأيديولوجيا التي يؤمن بها ولا يؤمن بها الشعب، وظلم ذوي القربى أشد مضاضة!"[11] .
ومن الأمثلة السافرة لإنحياز الإعلام الإماراتي المتصهين، خروج الداعية الأردني الذي يحمل جنسية الإمارات، وسيم يوسف،على معظم الفضائيات الإماراتية ليمارس هوايته المفضلة في الهجوم على حركة "حماس"، مؤيدًا استهداف القوات الصهيونية لأهالي قطاع غزة، متهمًا المقاومة بإطلاق الصواريخ من مساكن ومنازل الناس، وأنها حولت غزة إلى "مقبرة للأبرياء"، وتلقفت وسائل الإعلام الإماراتية كلام "يوسف"، ونشرته على نطاق واسع.
كما أفردت الصحافة الإماراتية مساحات لكُتٌاب متصهينين من أمثال: هانى مسهور وحسين الحنشي، وسعيد بكران، وأسامة الشرماني، ووضاح عطية، وصلاح بن لغبر ومختار اليافعي، ونافع كليب، ووضاح الهنبلي[12].
يحدث ذلك بالتوازي مع حملات إلكترونية من بعض الحسابات المنسوبة لمشاهير، تهاجم الفلسطينيين، أو تعبّر عن عدم تعاطفها مع ما يحصل سواء في غزة أو القدس المحتلة[13] .
في السياق نفسه، شهد الخطاب الإعلامي المصري منذ انقلاب يوليو 2013، تصاعدا للعداء للمقاومة الفلسطينية، وبخاصة حركة حماس، التي اتهمت من قبل وسائل الإعلام بالإرهاب، وادعاءات أنها اقتحمت الحدود المصرية بعد ثورة يناير .
ومع إنطلاق معركة "طوفان الأقصى"، ظهرت بشكل تصاعدي أصوات متصهينة في الإعلام المصري، سُمح لها بالظهور دون مواربة، أبدت انحيازا للكيان الصهيوني، وشنت حربا لا هوادة فيها على المقاومة الفلسطينية، بتحميلها مسئولية كل المجازر التي تشهدها غزة، ومن أمثلة هؤلاء: إبراهيم عيسي، و هالة سرحان، وداليا زيادة، وريهام سعيد وخيري رمضان، وعدد من نشطاء وسائل التواصل في مقدمتهم وائل غنيم.
كما تفننت بعض القنوات، ومنها "القاهرة والناس" و "تن" و"صدى البلد"، في الهجوم على قيادات المقاومة الفلسطينية، ولعبت دور رأس الحربة في الهجوم على المقاومة، وتبنت بشكل سافر السردية الصهيونية حول أحداث معركة "الطوفان"، وإن كانت في بعض الأحيان تخالف هذه السردية بناء على توجيهات سيادية، وخاصة فيما يتعلق بملف التهجير لأهل غزة[14] .
ومن أخطر من روجوا للسردية الصهيونية في الإعلام المصري، إبراهيم عيسى، حيث مارس تحريضا علنيا ضد المقاومة، وصل حد وصف "حماس" بأنها "أكبر خائن للقضية الفلسطينية" ، واعتبر "عيسى" أن ما تنفذه حركة حماس منذ بداية العدوان الإسرائيلي أضر بالشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وزعم أن "حماس حركة انتحارية وليست مقاومة فلسطينية"[15] .
بدورها، وصفت داليا زيادة، مديرة ما يسمى "المركز المصري للدراسات الديمقراطية الحرة (غير حكومي)، المقاومة الفلسطينية بـ"الإرهاب"، وقالت -في تصريحات متلفزة- إن "إسرائيل" ستظل في نظرها جار وصديق وشريك مهم جدًا لمصر، متابعة: "نعم كان بيننا حرب في يوم من الأيام، لكن أيضًا بينا سلام عمره أكثر من 40 سنة "[16].
أسباب فشل تأثير الإعلام المتصهين في الجمهور
بالرغم من المليارات التي تنفقها الانظمة القمعية المطبعة على الإعلام المتصهين، للترويج للسردية الصهيونية، هناك أسباب وقفت في وجه هذه الحملة وأفشلتها، ومنها:
- الوعي التاريخي والوجداني بالقضية الفلسطينية: القضية الفلسطينية متجذّرة في الوجدان العربي كقضية عادلة ومركزية، منذ النكبة عام 1948، كما أن الأجيال المتعاقبة تربّت على سرديات المقاومة، والظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، لذلك كان من الصعب "غسل" هذا التاريخ برويات صهيونية روجت لها وسائل الإعلام العربي المتصهين، حتى لو تم تكرارها على مدار الساعة.
- فقدان الثقة في الإعلام الرسمي: معظم الشعوب العربية تعتبر أن الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي لدولهم، يعكس أجندات الحكومات وليس الشعوب، و عندما يرون وسائل إعلامية تروّج للتطبيع أوالسردية الصهيونية و تهاجم المقاومة، يُفهم ذلك لدى الجماهير العربية على انه أجندة سياسية لا تمثل الناس، وهذا الوعي يعزز مناعة الجمهور تجاه الدعاية الإعلامية للإعلام العربي المتصهين
- وجود إعلام بديل ينحاز للمقاومة والسردية الفلسطينية: مع تقدم وسائل التقنية، أصبح لدي الجمهور العربي وسائل متعددة للوصول للحقائق، ومنه الإعلام المقاوم سواء المقروء أو المرئي ، بجوار منصات التواصل الاجتماعي، التي وفرت منصة لروايات بديلة، من الفلسطينيين أنفسهم، أو من داعمي القضية.
- التناقض بين الواقع ومحتوى الإعلام المتصهين: عندما يُصور الاحتلال الإسرائيلي كـ"دولة سلام"، في الوقت الذي يرى فيه الناس المجازر في غزة أو الانتهاكات في الضفة، ينتج عن ذلك تصادم بين الخطاب الإعلامي المتصهين والواقع، وتخلق هذه الحالة نوعاً من "المناعة النفسية" ضد السردية الصهيونية المروّج لها.
- البعد الديني والثقافي: الدين الإسلامي والمسيحي في العالم العربي يرتبط بمكانة القدس وفلسطين لذا فإن الترويج للسردية الصهيونية وفكرة التطبيع يُعد بالنسبة لكثيرين خيانة للعقيدة ، قبل أن تكون خيانة سياسية.
- فشل الخطاب التطبيعي في إقناع الجماهير: الخطاب المروج للسردية الصهيونية، والداعي للتطبيع ، غالباً ما يكون نخبويا، وتقوم به وجوه مكروهة في الشارع العربي والإسلامي، تتحدث بلغة "المصالح الاقتصادية" أو "الواقعية السياسية"، بينما تتعلق القضية الفلسطينية بقيم مثل العدالة، الكرامة، والهوية ، وهذه القيم أكثر تأثيراً على الشعوب من لغة المصالح، ولذا تكون معركة النخبة الفاسدة خاسرة[17] .
- ردود الفعل العكسية: كلما زاد الترويج للسردية الصهيونية والتطبيع، زاد تمسّك الناس بموقفهم المعارض، نتيجة الرفض التلقائي للإملاءات الإعلامية والسياسية.
نخلص مما سبق الي أنه رغم محاولات بعض وسائل الإعلام العربي التي تتبنى سرديات الكيان الصهيوني، أو تدعو للتطبيع، فإن الذاكرة العربية ، والوعي الشعبي، وتجذر القضية الفلسطينية في العقل العربي، ما زال يحول دون التأثر العميق لهذه المحاولات، كما أن الإعلام وحده لا يكفي لتغيير قناعات متجذّرة في الشعوب، خصوصاً حين يكون فاقداً للمصداقية.
المصادر
[1] "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها" صراع السرديات "، الجزيرة نت ، 12 أبريل 2024 ، https://2u.pw/LrUAL
[2] "تأثيرات سرديات الدعاية والحرب النفسية الإسرائيلية في الرأي العام الفلسطيني خلال الحرب على غزة" ، مركز الجزيرة للدراسات، 23 فبراير 2025 ، https://2u.pw/yUuYy
[3] "سرديات الصهاينة ... من احتلال ارض الى احتلال تاريخ أمة" ، وكالة إرنا ، 23 ديسمبر 2024 ، https://2u.pw/d2wnIrO
[4] برنامج "شات. جي. بي. تي" للذكاء الاصطناعي بتصرف
[5] "حينما يتصهين الإعلام العربي: السقوط المهين في براثن الدعاية الصهيونية!" ، موقع إضاءات الإخباري ، 21 تشرين الأول 2024 ، https://2u.pw/NRnIa
[6] "حرب غزة في وسائل الإعلام في الشرق الأوسط: كيف تُنسج السرديات الإعلامية حول فلسطين في المنطقة" ، موقع مبادرة الاصلاح العربي ، 21 يناير 2025 ، https://2u.pw/rq2EtbJ8
[7] عبد الرحمن فهيم "إعلام العربي ومعركة طوفان الأقصى … التحولات والاتجاهات" ، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 30 أكتوبر، 2023 ، https://2u.pw/eCQGit8t
[8] "أثار الغضب: تقرير تلفزيوني لـ«m b c» يصف قادة حماس وحزب الله بالإرهابيين" ، موقع التغيير ، 21 اكتوبر 2024، https://2cm.es/M1lF
[9] "الإعلام السعودي.. مُتصهين أكثر من الصهاينة.. وخصومة للمقاومة بلغت حد الفُجور!" ، موقع وكالة الأنباء اليمينة ، 22 أكتوبر 2024 ، https://goo.su/yZpin
[10] "الإعلام السعودي والإماراتي علبة بريد لإسـرائيل!" ، الاخبار اللبنانية، 23 أكتوبر 2024 ، https://2u.pw/GPES9
[11] "إعلام الإمارات يشيطن المقاومة الفلسطينية خدمة لـ "إسرائيل"" ، موقع " السياسية" ، 21 اكتوبر 2024 ، https://www.alsyasiah.ye/404856
[12] "شيطنة المقاومة.. سلاح الإمارات لتجميل صورتها المشوهة فلسطينيًا" ، نون بوست ، 17 مايو 2021 ، https://www.noonpost.com/40695/
[13] "كيف تعامل الإعلام الإماراتي وإعلام دول التطبيع مع ما يحدث في فلسطين؟" ، مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث، 2مايو 2021، https://2cm.es/OnJE
[14] محمد أحمد ، "تحول لافت في الخطاب الإعلامي المصري من الحرب على غزة"، عربي21، 27 اكتوبر2023، https://cutt.us/9L6b6
[15] "إبراهيم عيسى يتجاوز نتنياهو في صهيونيته ويصف حماس بأكبر خائن للقضية الفلسطينية "، موقع وطن، 24 أكتوبر 2023، https://cutt.us/W9VxY\
[16] "حقوقية مصرية متهمة بالتخابر مع إسرائيل تغادر القاهرة.. ماذا قالت؟" ، الخليج الجديد ، 17 نوفمبر 2023 ، https://cutt.us/H1ibk
[17] برنامج "شات. جي. بي. تي" للذكاء الاصطناعي بتصرف