بات صاحب النفوذ وصانع القرار الأوحد|هكذا قرأ الإعلام العبري اختيار السنوار رئيسا لـ"حماس"

الخميس - 8 آغسطس 2024

  • اختيار السنوار يطرحه كمرشح للقيادة الفلسطينية في مواجهة سلطة أبو مازن وقيادة فتح
  • رسالة بأن "حماس صامدة وما زالت قوية وقائمة ومتماسكة وقادرة على الاستمرار في غزة"
  • رسالة لجميع الدول أن السنوار وحده سيملي شروط صفقة إطلاق الأسرى وإنهاء الحرب
  • تقديرات صهيونية: ثقل اتخاذ القرار بات في غزة وهذا يدفع إسرائيل لتعزيز ملاحقة السنوار

 

إنسان للإعلام- خاص:

مثّل اختيار يحيى السنوار رئيسا للمكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) مفاجأة بالنسبة لكثيرين، سواء داخل دولة الاحتلال "الإسرائيلي" أو خارجها.

فبعد اغتيال الرئيس السابق للمكتب، إسماعيل هنية، في 31 يوليو/تموز 2024، أثناء وجوده في مقر ضيافته في طهران، توجهت أنظار الكثيرين إلى قيادات حمساوية تقيم خارج الأراضي الفلسطينية، لقيادة الحركة، إلا أن قيادات حماس نحت منحى آخر، عبر توافقها على اختيار الرجل الذي يقود الحركة داخل غزة ليكون زعيما لها ككل.

اختيار السنوار لم يكن مفاجأة لداعمي الحركة فحسب، بل أيضا لكثير من المراقبين "الإسرائيليين"، وقد عبّر عن ذلك البروفيسور كوبي مايكل، الذي شغل سابقا منصب نائب المدير العام، ورئيس القسم الفلسطيني في وزارة الشؤون الاستراتيجية "الإسرائيلية"؛ إذ قال في ملف نشره معهد دراسات الأمن القومي "الإسرائيلي" (INSS) حول تداعيات اختيار السنوار رئيسا لحماس: إن "انتخاب السنوار لم يكن متوقعا بتاتا، فلم يظهر اسمه في التكهنات واستعراض الأسماء التي قد تحل محل هنية".

بل ذهب "مايكل" إلى أن اختيار السنوار يُعد درسا مهما للباحثين، يعلّمهم أهمية التواضع، إذ قال: "مثل الكثير من الباحثين والمختصين الذين أمضوا سنوات في دراسة حماس، لم أتخيل سيناريو انتخاب السنوار لهذا المنصب، وهذا يعكس محدودية خيالنا كباحثين، ويبرز أن المفاجآت دائمة الحدوث، ويقدم لنا درسا في التواضع العلمي".

وحيث أن الإعلام العبري يعبّر عن طيف واسع من الآراء داخل المجتمع "الإسرائيلي"، فإن التعليقات على اختيار السنوار جاءت متباينة، وسنحاول في السطور التالية استعراض أبرزها:

  1. مكانة ونفوذ السنوار داخل الحركة

اتفقت المصادر العبرية -تقريبا- على أن اختيار السنوار رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس، يُعد دليلا إضافيا على مدى نفوذه داخل الحركة، وأن هذا الاختيار من شأنه أن يعزز مكانة السنوار ودوره في اتخاذ القرار داخل حماس.

وفي هذا السياق، قال  كوبي مايكل: إن "اختيار السنوار لزعامة حماس، إلى جانب دوره كقائد للحركة في قطاع غزة، يجعله الشخص الذي بيده جميع القرارات ومصدر السلطة الرئيسي وربما الوحيد للحركة فيما يتعلق بالمفاوضات حول الأسرى".

ولا يعتبر "مايكل" أن هذا النفوذ الذي يتمتع به السنوار هو نفوذ طارئ، بل يؤكد أن السنوار "كان له تأثير واضح من قبل، إلا أنه الآن لن يواجه أي عقبة أو تعطيل".

ويبدو أن مركزية السنوار في قرار حماس بشأن المفاوضات هي قناعة متأصلة لدى "الإسرائيليين"، ومن خلفهم الإدارة الأمريكية أيضا، حيث قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إنّ "السنوار كان ولا يزال صانع القرار الرئيسي في ما يتعلق بإبرام اتفاق وقف لإطلاق النار".

بدوره، أشار موقع "واللا" العبري إلى أن "تمكُّن الجيش الإسرائيلي من اغتيال بعض قيادات حماس وعدم تمكنه حتى الآن من الوصول للسنوار، سيجعله هو المتحكم الأوحد في قرار الحركة بخصوص المفاوضات، في وقت تولى فيه زعامة الحركة.

وقال الموقع العبري: "تتزايد التقديرات بأن هجمات الجيش الإسرائيلي على العديد من قادة حماس، منذ بداية الحرب، من شأنها أن تساعد السنوار على السيطرة على أعلى هرم قيادة حماس، بطريقة تضع في يديه مفاتيح التفاوض على صفقة مع إسرائيل بشكل شبه حصري".

واعتبر الموقع أن هذا التقييم يتعزز إذا ما أخذنا في الاعتبار مزاعم الجيش باغتيال المسؤول الكبير في حماس، روحي مشتهى، الذي كان أحد مستشاري السنوار المقربين، ذلك أن "اغتيال قيادات حماس -ومنهم مستشاري السنوار- ستتركه في النهاية متحكما وحيدا في قرار المفاوضات مع إسرائيل"، وفق ادعاء الموقع.

وفي السياق نفسه، نقلت "القناة 12 الإسرائيلية" عن المحلل السياسي، أوهاد حيمو، قوله: إن السنوار "أصبح الآن الشخصية الأكثر قوة في حماس"، زاعما أن "ذلك كان هو الحال في الأساس على المستوى العملي والفعلي، والآن أُعلن رسميا".

  1. مركزية قطاع غزة

من جهته، زعم "مركز القدس للشؤون العامة" الإسرائيلي، أن "اختيار السنوار يرمز إلى انتصار الجناح الموالي لإيران داخل قيادة حماس، وينقل مركز صنع القرار في الحركة من الخارج إلى غزة، خاصة وأن الحرب مستمرة". وأشار المعهد إلى أن "هذا الاختيار من شأنه أن يدفع إسرائيل لتعزيز ملاحقتها للسنوار والقضاء عليه في أقرب وقت ممكن".

الرسالة نفسها أكد عليها المدير السابق لهيئة البث "الإسرائيلية"، يوني بن مناحيم، الذي أكد أن "ثقل اتخاذ القرار بات في القطاع". وقال إن "فوز السنوار يرمز إلى فوز التيار المؤيد لإيران داخل حماس، ونقل مركز اتخاذ القرار باتجاه هذا التيار".

  1. رسالة قوة أم ضعف؟

نبّهت بعض وسائل الإعلام والمراكز البحثية "الإسرائيلية" إلى أن اختيار السنوار كان مدفوعا -في جزء منه- بإرسال رسالة بأن "حماس صامدة وما زالت متماسكة وقادرة على الاستمرار في قطاع غزة".

وفي هذا السياق، يعتقد "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي" أن هذه الرسالة أرادت حماس أن تبعث بها إلى جميع الأطراف، من الفلسطينيين و"الإسرائيليين" وجميع المنخرطين والمعنيين بالشأن الفلسطيني.

واستشهد محرر الشئون العربية والفلسطينية في صحيفة هآرتس العبرية، جاكى خورى، بمصادر في حماس توضح أن "قرار تعيين السنوار رئيسا للمكتب السياسي هو تعبير عن الثقة به وبالقيادة الراسخة في قطاع غزة، ويهدف إلى إيصال رسالة لإسرائيل والولايات المتحدة والعالم العربي أن السنوار وحده هو الذي سيملي شروط الصفقة المستقبلية لإطلاق سراح المختطفين وإنهاء الحرب".

الأمر نفسه أشارت إليه "هيئة البث الإسرائيلية" التي قالت إن "تعيين السنوار مفاجئ، ورسالة لإسرائيل بأنه حي، وأن قيادة حماس بغزة قوية وقائمة، وستبقى".

وبجانب تأكيد مراسل الشؤون العربية في "قناة كان الإخبارية"، روي قيس، أن "اختيار السنوار ​​يشكل مفاجأة بعد أسبوع واحد فقط من اغتيال هنية"، فإنه أوضح أن تعيين السنوار يرسل "رسالة من حماس مفادها أنه على قيد الحياة، على الرغم من مطاردته من قِبل إسرائيل، وأن قيادة حماس في غزة لا تزال قوية وتعتزم البقاء في حكم غزة".

علاوة على ذلك، ربط "موقع واللا الإسرائيلي" بين إطلاق صواريخ من غزة إلى عسقلان وسديروت بالإعلان عن السنوار قائدا لحماس، كإشارة على ما هو قادم.

وفي مقابل هذه النظرة الإيجابية، هناك من المحللين "الإسرائيليين" من اعتبر أن اختيار السنوار رسالة ضعف من الحركة، منهم "حيمو" الذي قال إن الطبقة القيادية في حماس "تتقلص بشكل سريع"، وإن هذا على وجه التحديد "يحدث في الوقت الذي تمر فيه حماس بأسوأ حالاتها على الإطلاق في غزة".

وفي صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، كتب المحلل الأمني "الإسرائيلي"، أفي يسسخاروف، أن اختيار السنوار يرمز إلى المسار الذي اختارت الحركة اتباعه في بداية الحرب، وهو المسار الذي تؤكد فيه -حسب زعمه- أنها "حركة رجل واحد، برؤية واحدة"، معتبرا أن "اختيار السنوار يعني في الواقع أن المكتب السياسي بأكمله خضع له".

لكن تختلف صحيفة "معاريف" مع هذا الادعاء، حيث رأت أن اختيار السنوار يُمثل "مناورة ذكية من حماس تهدف إلى تعزيز موقعها".

كذلك اختلف "مركز القدس للشؤون العامة" مع زعم "يسسخاروف"؛ إذ يشدد على أن اختيار السنوار "يعكس ثقة قيادة حماس في شخصه، مما يجعله الشخصية الأكثر نفوذا في الحركة ويعزز مكانته بين الفلسطينيين". ونبه المعهد أيضا إلى أن مدة تعيين السنوار غير واضحة، إذ من المفترض أن تجري الانتخابات الداخلية في حماس -وفق الموعد الطبيعي- بعد نحو عام.

ومن جانبه، اعتبر الصحفي "الإسرائيلي" المختص بالشؤون العربية في القناة 13 الإسرائيلية،  تسفي يحزقيلي، أن "بانتخاب السنوار، انتهى الخلاف بين قيادة حماس في الخارج وبين الجناح العسكري في حماس".

  1. صفقة تبادل الأسرى

تباينت رؤى المراقبين "الإسرائيليين" حول مآلات تولي السنوار رئاسة حركة حماس على ملف تبادل الأسرى وإنهاء الحرب الجارية؛ إذ رأى كثيرون أن هذا التطور سيعقّد التوصل إلى اتفاق مع الحكومة "الإسرائيلية".

وهذا ما نقلته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عما وصفته بـ "شخص مطلع على تفكير واشنطن"، إذ قال إن "هذا الاختيار يشير إلى أن حماس قد تشدد موقفها في مفاوضات وقف إطلاق النار، مما يجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق".

وبدورها، هاجمت صحيفة "ماكور ريشون" المرتبطة بالصهيونية الدينية المتطرفة، اختيار السنوار، معتبرة أن اختياره سيعقد الوصول لصفقة لوقف الحرب، كما رددت الصحيفة اليمينية مزاعم بأن سكان غزة قلقون من هذا الاختيار. 

وفي مقابل هذه النظرة السلبية، رأى آخرون، ومنهم البروفيسور كوبي مايكل، أن السنوار قد يتمكن من دفع الصفقة قُدُما بسهولة أكبر. واعتمد "مايكل" في تحليله على تقارير تفيد بأن "هنية" هو الذي كان يتبع خطا أكثر تشددا فيما يتعلق بتفاصيل الصفقة مع "إسرائيل".

ومن جانب آخر، يزعم "مايكل" أن السنوار يسعى لترسيخ مكانته كزعيم للحركة وإزالة أي عائق أو منافس قبل الانتخابات القيادية لحماس، المتوقع إجراؤها في عام 2025. ولذلك، يعتقد أن هذا سيمثل دافعا لدى السنوار لإبرام صفقة وإنهاء الحرب مع ضمانات لسلامته الشخصية؛ وذلك حتى يتسنى له المضي قدما نحو قيادة الحركة، متطلعا بشكل أكبر للمستقبل.

ويقدّر المسؤول الإسرائيلي السابق أن هناك فرصة لإنهاء الحرب في قطاع غزة من خلال صفقة أسرى "تكون أكثر قبولا بالنسبة لإسرائيل"، لدرجة أنه ذهب في مقال له نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" ، إلى أن "اختيار السنوار كان بهدف التقدم في مفاوضات صفقة الأسرى وإنهاء الحرب في غزة"، وأن "السنوار أكثر براغماتية من هنية"، وفق زعمه.

ووضع "مايكل" سيناريو متخيّلا لإنهاء الحرب، يتضمن مغادرة السنوار لقطاع غزة، باعتبار أن ذلك ضرورة يفرضها منصبه الجديد، وليس هربا من الحرب. واستنادا إلى ادعاء أن السنوار يفضّل النظام المصري على قطر، فإن مايكل يعتقد أن "المصريين قد يساهمون في هذا المسعى بفضل قربهم من السنوار".

  1. تهديد سلطة محمود عباس

تحدثت بعض المنصات الإعلامية والبحثية "الإسرائيلية" عن أن انتخاب السنوار لقيادة حماس ليس دليلا فحسب على عزيمة الرجل ومهاراته السياسية والقيادية داخل حماس، بل أيضا مكانته خارج إطار الحركة.

فقد اعتبر "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي" أن اختيار السنوار زعيما لحماس، يطرحه أيضا كمرشح للقيادة الفلسطينية. ورجح المعهد أن "التحدي الذي سيعترض أبو مازن وقيادة فتح والسلطة الفلسطينية -بعد وصول السنوار لقيادة الحركة- سيكون أعقد حتى من التحدي الذي مثّله إسماعيل هنية".