الإعدامات المسيسة.. أخطر جرائم النظام المصري

السبت - 23 أبريل 2022

  • حملة حقوقية "ضد الإعدام" تكشف انتهاكات النيابة والقضاة في كافة القضايا
  • أكثر من 1600 حكم بالإعدام خلال ثماني سنوات منها 200 حكم نهائي
  • النظام نفذ فعليا 105 إعدامات في 25 قضية وهناك 95 حالة رهن التنفيذ
  • منظمات حقوقية دولية عديدة دانت الأحكام وطالبت بوقف تنفيذها وإلغائها
  • العلماء: الأحكام استهانة بأرواح الأبرياء التي هي عند الله أعظم من هدم الكعبة
  • شحن إعلامي ودرامي يمهد لجرائم القتل بالإعدام ويسوغها لدى أتباع الانقلاب

 

بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013، توسع النظام المصري في قتل المعارضين، إما بالتصفية الجسدية المباشرة، أو من خلال أحكام معيبة وباطلة بالإعدام، أصدرتها دوائر قضائية مستحدثة يقوم عليها قضاة مسيسون.

وحتى تاريخ 10 مارس 2022، أقدم النظام على تنفيذ الإعدام بحق 105 مواطنين في 25 قضية ملفقة، وأصدرت محاكمه المخصوصة (ما يسمى بدوائر الإرهاب) أكثر من 1600 حكم بالإعدام خلال ثماني سنوات، منها 95 حكما نهائيا باتا تنتظر التنفيذ، بخلاف ما تم تنفيذه فعلا.

وبحسب مؤسسة "عدالة لحقوق الإنسان"، تم تنفيذ أول حكم من تلك الأحكام  يوم 7 مارس 2015 فيما يعرف إعلاميا بقضية "أحداث سيدي جابر"، التي تحمل رقم  15663 لسنة 2013 جنايات سيدي جابر، وكان آخر ما تم تنفيذه من الأحكام بحق 3 مواطنين فيما يسمي بقضية  "أجناد مصر" التي تحمل رقم  5 لسنة 2015 جنايات جنوب الجيزة.

أما القضايا التي صدرت فيها أحكام باتة وتنتظر التنفيذ في أي لحظة فأشهرها قضية "فض اعتصام رابعة" والمقيدة برقم 34150 لسنة 2015 جنايات مدينة نصر، والمحكوم فيها على 12 من قيادات ورموز جماعة الإخوان المسلمين وهم: د. عبد الرحمن البر، و د. محمد البلتاجى، و د. صفوة حجازى، و د. أسامة ياسين، وأحمد عارف، وإيهاب وجدى محمد، ومحمد عبد الحى الفرماوي، ومصطفى عبد الحى الفرماوى، وأحمد فاروق كامل، وهيثم السيد العربى، ومحمد محمود على زناتى، وعبد العظيم إبراهيم محمد.

ومن أبرز هذه القضايا أيضا قضية "أنصار بيت المقدس" المحكوم فيها على 22 مواطنا بالإعدام نهائيا، وقضية "أحداث بور سعيد" المحكوم فيها على 10 مواطنين، وقضية "أتوبيس رشيد" المحكوم فيها على 9 مواطنين، وقضية " قسم شرطة حلوان" المحكوم فيها على 7 مواطنين.

وبلغ عدد القضايا المحكوم فيها بالإعدام، التي رصدتها مؤسسة "عدالة"  43 قضية توزعت على 14 محافظة أبرزها القاهرة والجيزة والإسكندرية والشرقية والبحيرة والإسماعيلية وشمال سيناء. 

تحركات حقوقية دولية

إزاء هذه الأحكام الباطلة الجائرة، واستهتار النظام الانقلابي بحياة المواطنين، دانت منظمات حقوقية عديدة، منها العفو الدولية و" هيومن رايتس ووتش" هذه الأحكام وطالبت بوقف تنفيذها وإلغائها.

وكان للهيئات الدولية والمنظمات غير الحكومية المعنية بحماية حقوق الإنسان، ومنها مجلس حقوق الإنسان والخبراء التابعين للأمم المتحدة، واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، عدة مواقف من خلال إصدار توصيات أو تقارير، أو بيانات لإدانة أحكام الإعدام التي صدرت في مصر في خلال الفترة من 2013 وحتى الآن، والتي ضرب بها النظام المصري عرض الحائط، ولم يستجب لأيٍ منها.

وتقود مؤسسة "عدالة لحقوق الإنسان" حاليا حملة تحت عنوان "ضد الإعدام"، بالتعاون مع منظمات حقوقية أخرى، تتولى فيها عرض كافة القضايا المحكوم فيها بالإعدام وتفندها من النواحي القانونية والقضائية وتكشف انتهاكات النيابة ورؤساء المحاكم فيها، ومن بينها انتهاك الحق في المحاكمة العلنية والمنصفة.

وكانت منظمات حقوقية أكدت، عقب تأييد محكمة النقض، في 14 يونيو 2021،  لأحكام الإعدام في قضية فض رابعة، أن المتهمين الناجين من مجزرة  رابعة تعرضوا في هذه القضية لانتهاكات جسيمة.. بداية من الحبس الاحتياطي المطول  حيث استمرت محاكمتهم مدة 5 سنوات كاملة

وشهدت القضية إهدار مبدأ شخصية العقوبة ومسؤولية الفرد الجنائية.. و أصدرت محكمة الجنايات حكمها الجماعي والمسيس  الذي لا يراعي أي موازين للعدالة والقانون..

وقال الباحث في رايتس ووتش عمرو مجدي: مصر لا تتحمل المزيد من الإعدامات  .. وعلى النظام المصري ألا يؤجج أزمة حقوق الإنسان التي خلقها بتنفيذ مزيد من أحكام الإعدام .. والارتفاع الحاد في عدد الإعدامات يعكس مجتمعًا مأزومًا".

كما انطلقت حملة عالمية لنشطاء  للتصدي لأحكام الإعدام بحق المعارضين السياسيين ومطالبة السلطات المصرية بوقفها... وقال الناشط السياسي المصري الأمريكي محمد سلطان:  “في الديمقراطيات تعد المشاركة السياسية واجبا مدنيا وطنيا، وفقط في الدول شديدة الاستبداد تعتبر جريمة يعاقب عليها بالإعدام. 12 شخصية معارضة تنتظر تنفيذ حكم الإعدام فيها بسبب مشاركتها السياسية في مصر”.

ووقتها صرحت المحامية والحقوقية والباحثة في "رايتس ووتش" أزاده شاهشهاني : “مذعورة من تأييد محكمة النقض المصرية أحكام الإعدام الصادرة بحق 12 من أعضاء المعارضة السياسية في محاكمة جماعية. .. ولم تستوف هذه المحاكمة المعايير الأساسية للإجراءات القانونية الواجبة. يجب وقف عمليات الإعدام”

العلماء: أحكام جائرة ومسيسة

كما دعا  "محمد غورماز" رئيس شؤون الديانة التركي السابق شيخ الأزهر "أحمد الطيب" ومفتي مصر "شوقي علّام" .. إلى التأثير على أصحاب القرار في القاهرة من أجل التراجع عن تنفيذ الأحكام في قضية اعتصام رابعة.

واستنكر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين حكم الإعدام الصادرعلى اثني عشر عالما وداعية ومفكرا من خيرة أبناء مصر العظيمة، منددا بمثل هذه الاستهانة بأرواح الأبرياء التي هي عند الله أعظم من هدم الكعبة المشرفة، ومعتبرا أنه (حكم سياسي) لم تتبع فيه الإجراءات الواجبة وضمانات المحاكمة العادلة، ولم يلتزم بالمعايير القانونية المطلوبة التي تحقق العدالة والتي تكفلها القوانين الدولية.

وطالب الاتحاد المنظمات الدولية والحقوقية  والإنسانية  بإنكار هذا الحكم والتدخل الفوري لمنع تنفيذه، وبخاصة بعد إلغاء عقوبة الإعدام في معظم دول العالم تجاه الجرائم التي ترتكب باسم القانون في حق العلماء والمفكرين والسياسيين المعتدلين مناشدا الضغط على النظام المصري بعدم تنفيذها

وأكد أن هذه الانتهاكات الخطيرة تتعارض مع حقوق الانسان والقيم الإنسانية التي يتفق عليها الجميع والإجراءات القانونية التي اتفقت عليها كل الدول المعاصرة.

وحمّل الاتحاد "القضاة والجهات المعنية المسؤولة تبعات هذا الحكم الجائر أمام الله تعالى ثم أمام التأريخ"

كما طالب الأزهر الشريف بالتحرك  فبعضهم أعضاء فيه كما أن من واجبه الديني الدفاع عن المظلومين.

"شحن" إعلامي انقلابي

لا يكتفي النظام الانقلابي، بكل مكوناته، بتلفيق القضايا وقتل المعارضين بأحكام مزيفة، وإنما يلجأ مع ذلك للتمهيد إعلاميا لقتل الأبرياء، أولا باغتيالهم معنويا وتشويه صورتهم وخلق صورة سلبية عنهم لدى الرأي العام لتبرير وقبول ما قد يحدث من مجازر أو إعدامات، وهو ما حدث في فض اعتصام رابعة وما تبعه من مجازر، وأيضا قبل تنفيذ أحكام الإعدام، وذلك من خلال توظيف أعمال درامية وحملات إعلامية مصاحبة ضخمة عبر البرامج الحوارية ووسائل التواصل الاجتماعي.

هذا ما حدث في قضية اغتيال النائب العام، حيث كثف الإعلام الانقلابي من نشر وإذاعة اعترافات الشباب المسجلة بالإكراه بعد مرحلة تعذيبهم في الأمن الوطني، كما توسع في أكاذيب حول الشباب مصحوبا بشماتة وتشف غير مسبوق، من قبيل قول أحمد موسى على فضائية "صدى البلد": " العدالة حققت القصاص من عصابة الإخوان والدولة قوية أمام حملات الخارج"، وإعلانه أن " الدولة ستنفذ جميع أحكام الإعدام وسنسمح لكم باستلام جثثكم فقط"

وركزت الصحف القومية فى مانشيتاتها على نقل بعض عبارات السيسي التى وجهها إلى نواب عموم الشرق الأوسط وإفريقيا حول "سيادة القانون وعدم التدخل فى أعمال القضاء".. فيما خصصت كل من "الوطن" و"اليوم السابع" و "الوفد" مانشيتاتهم الرئيسية للاحتفاء بتنفيذ حكم الإعدام بحق 9 من الشباب  ووصفوه "بيوم القصاص وتحقيق العدالة"!

ومن غلو المذيعين والمحررين الانقلابيين، الى تسليطهم لانتزاع أقوال من رموز يفترض أنها دينية لتبرير الجريمة ومباركتها، ومنهم أمين مجمع البحوث الإسلامية محيى الدين عفيفى، الذي قال لليوم السابع: "الإخوان عصابة مجرمة تستغل الدين من أجل مصالحها".

كذلك سبق إعدام 20 مواطنا في كرداسة عرض مسلسل "الاختيار1" عام 2020، بمصاحبة حملة تحريضية واسعة انتهت إلى إعدام هؤلاء الأبرياء في نهار رمضان،  في واقعة غير مسبوقة في التاريخ المصري الحديث، وجرأة على سفك الدماء غير معهودة على المصريين والمسلمين.

ويخشى كثير من المراقبين، في ظل موجة الشحن الإعلامي الحالية المصاحبة لمسلسل "الاختيار 3"، أن يقدم النظام على إعدامات جديدة دون أي مراعاة لحرمة الدماء المعصومة.

هذا الشحن الإعلامي، وتصدير الأكاذيب والتهديد والوعيد، يؤكد أن الانقلابيين مصرون على مواصلة إزهاق الأرواح، ويدركون في الوقت ذاته أن ما يحدث يدخل في إطار "الجريمة الرسمية" وأن محاولتهم الدفاع عن هذه الجرائم ما هو الا نوع من "ستر العورة"، بعد انكشاف سوءاتهم أمام العالم كله، فلو كانوا فعلا على حق ما احتاجو لهذا "الشحن الإعلامي" وما اتهموا الإخوان بالكذب.

هذا الإصرار من الانقلاب على قلب الحقائق واستسهال قتل الأرواح بغير حق يعمق حالة الانقسام   المجتمعي بصورة خطيرة وغير مسبوقة، والتي التي لن يتحقق معها استقرار في مصر، بل ستؤدي الى انفجار يأكل الأخضر واليابس.